الهمج يغادرون أوطانهم يتخلون عن الآباء و الأمهات و الأبناء و الإخوة و الأخوات و الأحباب و الأصدقاء، الهمج يتخلون عن العيش الكريم، يهاجرون الفراش الدافئ و الموائد العامرة بالخيرات و الشوارع الآمنة، الهمج يتنكرون للأوطان و يفرون كما تفر الكلاب من دور الأعراس من اي ثقب تجده في الجدار و لو كان بقطر سم خياط، الهمج يتخلون عن الهوية و الجنسية و عش عامر بالعدل و الحرية و الإنسانية، بالأمس على بعد خطوات مني يقتل أحدهم في أكثر الأحياء شعبية و اكتضاضا دون ان يتوقف القاتل عن اصراره حتى بعد حمل الضحية في سيارة الإسعاف، إنها هستيريا سوداء لم تنطفئ حتى بعد ازهاق الروح، أي سواد هذا الذي طبع كل منافذ النور الى هذه الارواح، في نفس الحي قبل أيام قليلة هممت برمي كيس داخل مكب نفايات الحي كان الوقت عشاء، وجدت طفلا ربما في الرابعة عشر من عمره وسط النفايات و قد غاص فيها نصف جسده، سألته بإستغراب ماذا تفعل هنا لكنه لم يلتفت إلي و كأنه تعاطى مخدرا قويا، في هذا الحي دور و ڤيلات و عمارات و هناك ايضا دور صفيح بلا ماء صالح للشرب و لا كهرباء و تحيط بها النفايات من كل جانب، هناك عدالة في الفرص و هناك حرص مسؤولين على رغد عيش الشعب حرصهم على حياتهم، يضحون بكل شيء من أجل كل شيء، الهمج يغادرون أوطانهم يركبون البحر، يعانقون الأمواج العاتية و الأسلاك الشائكة و الرصاص المطاطي و القنابل المسيلة للدموع ليبيتوا في العراء حبا و شوقا للجوع و العطش و التعب و التشرد، كل هذا لبيع الجهد و العقل و الجسد و الكرامة، الهمج يفعلون كل هذا زهدا في السلام و الأمان و الكرامة و الأمل، الهمج بتناسلون في الزوايا و تحت الكراسي و تحت النعال و لا يراهم أحد، الهمج ينبتون دون ماء و دون تراب هكذا يأتون من العدم.