رسائل الأدباء ثلاث رسائل من أنطون سعادة إلى هشام شرابي

الى هشام شرابي
1947-12-01

ايها الرفيق العزيز،

ان الأمانة الكلية للأعمال التي اشتركت بها في مكتب الزعيم والخدمات الجيدة التي أديتها للقضية السورية القومية الاجتماعية بواسطة عملك ناموساً في هذا المكتب وبقيامك بتنشيط العمل القومي الاجتماعي في فلسطين، كلها أصبحت مقرونة بنتائج المعركة العنيفة المعقدة التي خاضها الحزب بُعيد عودتي وانتهت بانتصاره انتصاراً فاصلاً وبالانطلاق الحزبي الجديد نحو انتصارات جديدة.

ان قبولي استقالتك يرافقه ثقتي بأن القضية المقدسة التي تربطنا والحياة الجديدة التي تجمعنا ستستمران فاعلتين على البعد وعلى القرب. وأثق أيضاً بأنك حيثما كنت ستكون ممثلاً ممتازاً للعقيدة القومية الاجتماعية وللسوري القومي الاجتماعي في ايمانه وسلوكيته ومناقبه ومناضلاً شديداً في سبيل تحقيق الهدف الأسمى الذي نتجه إليه بكل فكرنا وكل شعورنا.

اتمنى لك النجاح الكلي في دراستك والتوفيق في سفرك والعودة كما تتمنى.

ولتحي سورية

المركز في 1 ديسمبر 1947



*************

الى هشام شرابي – جامعة شيكاغو

1948-07-22


رفيقي العزيز هشام

لا داعي للافاضة في أسباب تأخري في الكتابة إليك فإنك قد خبرت بنفسك، وأنت تعمل في المكتب، بعض هذه الأسباب التي ازدادت كثيراً بعد سفرك بما أثاره المطرودون فايز صايغ وغسان تويني ومن معهما من مسائل اقتضت إيضاحاً، وباستمراري في درس حالة الحزب الداخلية ومعالجة القضايا المتنوعة ومتطلبات القضية القومية الاجتماعية الملحة، الضاغطة، بينما الأدمغة والأيدي العاملة قليلة. والنقص يورث مشاكل لا عداد لها.

آخر كتاب ورد منك هو المؤرخ في العاشر من فبراير الماضي. وقد كلفت عمدة الإذاعة وإدارة النشر الرسمية و"النظام الجديد" والرفيق فؤاد نجار أن يمدوك بالنشرات والمعتقد أنه، بالرغم من الفوضى التي لا تزال تسيطر في بعض أقسام الإدارة الهامة، لا بد من أن تكون قد تسلمت بعض المطبوعات القومية الاجتماعية التي تحتاج إليها. إن النقطتين اللتين رأيت، في كتابك المذكور، جعلهما مدار العمل في أميركانية:

1 – الطلبة السوريين في الجامعات الأميركانية.

2 – الاتصال بالمواطنين الذين يكتبون ويخطبون متناولين مسائل سورية، هما نقطتان جوهريتان. ولكن لا أرى وجوب اهمال الدعاوة بين السوريين المغتربين وحثهم على اعتناق التعاليم والانضمام إلى الحركة.

وبما أن الرفيق أبي رجيلي قد قرر العودة إلى النشاط الحزبي فأعتقد أنه يمكن الاتفاق معه وغيره على جدول أعمال دعاوة مثمرة. إن بين المغتربين، خصوصاً أبناء الشوير الموجود منهم جماعة في ميسيسبي وغيرها ويرغبون في مساعدة الحركة مادياً إذا لم تكن لهم الرغبة في الانضمام بكليتهم إليها والمساعدات المالية المنتظمة هي أهم ما نفتقر إليه الآن.

الأستاذ منير سعاده، لي سابق معرفة شخصية به ويمكنه أن يكون مفيداً وتزداد فائدته إذا اعتنق المبادىء القومية الاجتماعية بكاملها بلا تعديل ولا تحفظ. ولست أدري ما يعني "بالاعتبارات الشخصية البحث والهامة جداً" والتي تمنعه او منعته من ان يكون عاملاً في الحزب. إذاعته التي أرسلتها مع كتابك المشار إليه قريبة من موقف الحزب ونظرته ولكنها ليست منطبقة عليها كل الانطباق، خصوصاً في تأويل الحديث التاريخي وتقدير النتائج وقيمتها. وهو يحتاج إلى توجيه وإصلاح ليصير قادراً على التعبير عن المسألة من وجهة النظر السورية القومية الاجتماعية.

سأكرر على دوائر النشر وجوب إمدادك بالمنشورات الحزبية لتتصرف بتوزيعها كما ترى موافقاً. أطلعت على كتابك الأخير إلى الرفيق فؤاد نجار، المؤرخ في 26 مايو الماضي والمكتوب باللغة الإنجليزية وعرفت أنك ستنتقل، بعد انتهاء إعداد (م. ع) في الفلسفة إلى لجنة الثقافة. أحب أن أقف على ما كانت دراستك الفلسفية الأخيرة وعلى الخطط التي ترسمها لدرسك مع لجنة الثقافة.

إنك تتألم لرؤيتك الجزء الجنوبي من وطننا يصير إلى الانسلاخ عنا أمام أعينك، بكل فهم وعيك القومي، إن مصيبة القوميين الاجتماعيين الكبرى هي أنهم يسيرون بوعيهم وسط الفوضى والخراب الممعنة إمداد الرجعة الأثيمة وأساليبها. إني رأيت كارثة فلسطين من زمان، آتية. وقد أعلنت وقوعها إلى القوميين الاجتماعيين والأمة السورية في 2 نوفمبر 1947. وعندما كنت أسمع بالراديو نتيجة جلسة جمعية منظمة الأمم المتحدة التي أقر فيها التقسيم، كنت كأني أسمع حادثاً مضى ـ رواية تمثل للمرة الثانية، لا الأولى، أما نظري – مع ذلك فإنه يصعب كثيراً تصور وقع الأمر في نفسي ساعتئذ. كل ما يجري الآن هو ماض يعاد تمثيله أمامي. وإن أشد ألمي هو ان لا أكون في حالة تمكني من انقاذ القضية التي كان ولا يزال ممكناً انقاذها. ولكن الرجعة لا تفقه إلا لغتها ولا تريد أن تعرف غير أساليبها. والشعب لا تزال أكثريته تحت وطأة النفسية الرجعية. فليس أمامنا إلا أن نتألم ونستمر في عملنا وإعداد الحركة السورية القومية الاجتماعية لمهمة تغيير المصيرواتجاه التاريخ ففي نجاحنا كل خسارة تعوض. إن القضية القومية الاجتماعية هي الأساس وكل القضايا الأخرى هي فروع وأجزاء.

لست أدري طول المدة المزمع أن تقضيها في بلاد الفخفخة السياسية والميعان الفردي.

آمل أن لا تطول كثيراً وأن أراك قريباُ في الوطن تعمل وتجالد معنا.

اقبل سلامي القومي وتمنياتي، لك التوفيق والنجاح. ولتحيا سورية.

توقيع الزعيم

في 22 يونيو 1948


************

3/8/1948
‏ رسالة من أنطون سعادة إلى الرفيق هشام شرابي
جامعة شيكاغو

رفيقي العزيز،
تسلمت كتابك المؤرخ في 3 يوليو/تموز الماضي وفرحت بوصوله وبمضمونه،
وكان سروري كبيراً بالنتائج الفكرية والروحية التي حصلت من اختباراتك في البيئة الجديدة الغريبة التي قضيت فيها ما يقارب السنة. وقد ساعدك الاغتراب والابتعاد عن المشاكل اليومية المتنوعة الملحّة في الحركة القومية الاجتماعية، مع الاتصال بالنتاج الفكري الثقافي، على التأمل في هدوء في الأساس العَقَدي للنهضة القومية الاجتماعية العظيمة التي نقوم بها، ومقابلته بغيره مما عرض لك في دراستك وفي احتكاكك بأنواع العقائد والمذاهب التي عرضتها أمامك البيئة الإنترناسيونية التي قضيت فيها المدة الأخيرة، وإدراك عظم الرسالة الإنشائية التعميرية التي نحملها ونعمل لتحقيقها.
إنّ نظرتك الواضحة إلى ما وصلت إليه واقتناعك باكتفائك من الدروس الفلسفيةوبحاجتك إلى العودة إلى الوطن - إلى مدرستنا الفلسفية الإبداعية، لمعالجة أسسها العقائدية وإكمال بناء نفسك في تعاليمها وتثقيف الأفكار بها إنّ هذه النظرة تتفق كل الاتفاق مع حديثي الأخير إليك و إلى الرفيق فؤاد نجار في وجوب البناء النفسي الفلسفي في تعاليمنا ومذهبنا الأصيل، وإني أرحّب كثيراً بعزمك على العودة إلى الوطن في أواخر هذه السنة. فالعمل العقدي الثقافي يحتاج إلى هذا الإحساس الحي الفاعل المتجلي فيك. ونحن في معركة فكرية سلاح أعدائنا فيها ليس من أفكارهم وتعابيرهم بل من أفكارنا وتعاييرنا! فهم يقتبسون كل نظراتنا الفلسفية والسياسية ومبادئنا الاجتماعية ويمسخونها ويصبغونها بمعتقداتهم ودعواتهم العوجاء فيظنهم الناس منشئين ومفكرين! ولمّا كانت وسائلهم للنشر أكثر كثيراً من وسائلنا، وكان الوقت اللازم لعملهم باطمئنان واستمرار مستتباً لهم، فإن الكثير من أفكارنا أصبح يُعرف عنهم أكثر مما يُعرف
عنا في أوساط لمّا تصل إليها إذاعتنا.
من جهة أخرى نحن في حاجة كبيرة إلى زيادة إنتاجنا الأدبي و إلى بث روح النهضة الأولى والإيمان بالنصر والحرب من أجله. إنّ الميعان السابق الذي تولد أثناء غيابي بعامل الاتجاهات الفردية غير المسؤولة كاد يفقدنا معنى القضية والإيمان بالتعاليم والعمل في وحدة الاتجاه، وكدنا نعود إلى الفوضى التي من أهم أهداف الحركة القومية الاجتماعية القضاء عليها. لذلك أسرّ كثيراً بتنبّهك إلى هذه الناحية الهامّة من العمل القومي الاجتماعي الظاهر في العبارة الواردة في كتابك: "إنّ مراجعتك التعاليم وأدب العقيدة قد أدت إلى شعورك بالنقص الشديد في الاهتمام بهذه القواعد والحاجة الملحّة لمعالجة هذه الأسس العقدية ودرسها وتمحيصها وبناء الصرح العقدي الهائل الموجود فيها ضمناً، عليها" وإني أرحّب كثيراً برأيك في تقسيم العمل بين اختصاصصين وهو ما كان من جملة قواعد التنظيم الحزبي التي وضعت تشاريعها. بمثل هذا الفهم يمكننا أن نواجه المستقبل، بصفتنا حركة، بثقة عظيمة تذلل كل صعب.
إنّ عودتك في أواخرهذه السنة تأتي مناسبة لاحتياجات النهضة العظيمة التي تقوم بها. ومع أني كنت أود أن تكمل درس الدكترة من أجل قيمة المركز العلمي والرتبة بالنظر لمفهوم البيئة ونظر المؤسسات التهذيبية، فإني أفضّل اكتفاءك من التخصص في العموميات بما وصلت إليه لتتصرف إلى التخصص في فلسفتنا وقيمنا والعمل في ثقافتنا. فمجموعنا القومي الاجتماعي في أشد الحاجة إلى المتخصصين في عقيدته الذين ينصرفون إلى توطيد أسس نهضته وتقوية ثقته بنفسه وبمصيره. وإنّ وجودك بقربي سيعينني على تصريف أمور كثيرة تزدحم وتتراكم حولي وليسوا كثراً الذين أستطيع تكليفهم النظر في بعضها. ولكن المشكلة التي يجب حلها هي عملك الكسبي في المكان الذي يقوم فيه مركز الحزب. فإذا لم نوفق بمركز لك في الجامعة الأميركانية وجب أن نبحث كل المشاريع والإمكانيات التي تمكّن من إبقائك في المركز. ولعل حالة الحزب المالية تتحسن بحيث تتمكن من توفير بعض الأسباب، ولكن وجودك هنا سيساعد كثيراً على حلّ هذه المشكلة.
لا مانع عندي أو في المركز من زيارتك للأمين السابق فخري معلوف مع أني أرجّح، بالنسبة إلى المعلومات، عدم الفائدة من زيارته إلا فائدة الوقوف على حالته.
وردتني بصورة متتابعة قصاصات الجرائد الأميركانية في صدد المسألة الفلسطينية وهي مفيدة لمعالجتنا الأمور، وآخر ما ورد هو قصاصة مجلة تايم في 16 أغسطس/آب الحاضر المحتوية على مقال "إسرائيل".
أتمنى لك النجاح التّام في أطروحتك وآمل أن تعود سريعاً معافى فنعود إلى الاجتماع والتحدث والعمل معاً. إقبل سلامي القومي. ولتحيى سورية.
بعد: إذا توقفت في العمل مع السيد منير سعاده فيمكنك تكليفه الاهتمام بمراسلتنا ومواصلتنا بكل ما يهمّ قضيتنا مما ينشر في أميركانية.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى