إيريش كِستْنِر - هل تعرفُ البلاد، حيث تُزْهِرُ المدافع؟.. ترجمة: نور الدين الغطاس

توطئة
قد لا يُعيد التاريخ نفسه دائماً، لكنّه مليء بالدروس والعِبر. في الوقت الذي كَتبَ فيه “يوهان ڤولفغانغ فن غُوته” قصيدته “هل تعرفُ البلاد، حيث يُزْهِرُ اللّيمون؟” (حوالي 1782)، التي تفُوح حنيناً رومانسياً إلى إيطاليا، كتبَ الشاعر الألماني “إيريش كِستْنِر” قصيدته “هل تعرفُ البلاد، حيث تُزْهِرُ المدافع؟” عام 1927، نابذاً العنف والحرب.
هذه القصيدة تُوَضّح أنّ هناك تراكم ثقافي بين الأجيال، حَوَّل “كِستنر” رومانسية “غُوته” إلى احتجاج على ضحايا ودمار الحرب العالمية الأولى. تنتمي أعمال “كِستْنِر” إلى فترة “الواقعية الجديدة” في الأدب الألماني. نقدَ “كِستْنِر” المجتمع بصور لغوية تنادي إلى استيعاب ما يجري، محرِّضا على التفكير، رافضاً بذلك العنف والحرب بطريقة لا مثيل لها في الأدب الألماني.

في هذا النص يرسم لنا الشاعر والكاتب “إِيرِيش كِستْنِر” بلاده، حيث استحوذت البروباغندا على العقول، غاب التفكير وحلّت محله الطاعة والانقياد الأعمى، رغم أن هناك أناساً طيّيبين ومسالمين، بلاداً لها ثروات طبيعية وما يكفي للجميع، وما يمكنه أن يجعل الناس سعداء، لكن…؟
رغم مرور ما يقارب المائة سنة على كتابة هذه القصيدة النثرية، أجدُها أكثر مُناسبة لما يقعُ في عالمنا من عنف وحروب، حيث “تُزْهِرُ المدافع”، بدلاً من أن “يُزْهِر اللّيمون”. كما يحذرنا من أن البلاد التي تتلاعب بعقول سكانها، لا تنجح في الأخير، يقول “هناك، لا تنضجُ الحرية، بل تبقى خضراء هناك.” طوبى لمن يتعلمون الدروس والعِبر من التاريخ، بعيداً عن أي إيديولوجية كيفما كان شكلها. / نورالدين الغطاس
▪▪▪

ترجمة من الألمانية إلى العربية: نورالدين الغطاس
هل تعرفُ البلاد، حيث تُزْهِرُ المدافع؟

هل تعرفُ البلاد، حيث تُزْهِرُ المدافع؟
ألا تعرفُها؟ سوف تعرفُها لا محالة!
هناك، يقفُ المُفوِّضون بفخر وجرأة في مكاتبهم،
وكأنّها ثكنات عسكرية.

هناك، تنمُو تحت ربطات العنق، رؤوس الجنيرالات.
يرتدون خوْذات غير مرئية.
لهم وجوه، لكن بلا عقول.
ومَن يذهب منهم للنّوم، لا يعرفُ سوى التناسل!

هناك، عندما يريدُ المسؤول شيئاً ما!
-في حدود مهنته-
أولاً تقفُ العقول مشدُودة، وثانياً خاملة.
الأعين صوب اليمين! والظُهور مُنحنية!

هناك، يُولد الأطفال بِمَهامِيز صغيرة،
ومَفْرَق رأس مُرتب حتى آخر شَعرة.
هناك، لا يُولد الإنسان مدنياً.
هناك، الترقية فقط، لمن يُكَمّم فمه!

هل تعرفُ تلك البلاد؟ يُمكنها أن تكون سعيدة.
يُمكنها أن تكون سعيدة وتمنحُ السعادة؟
هناك، حقول، فحم، حديد وحَجر
واجتهاد وقوة، وأمور أخرى جميلة.

هناك، تجد حتى الروح والجودة بين الحين والآخر!
وبطولة حقيقية. لكن ليس لدى الأغلبية.
هناك طفل في كل رجل ثانٍ،
يُريد أن يلعب بجنود الرّصاص المُصغَّرة.

هناك، لا تنضجُ الحرية، بل تبقى خضراء هناك.
كل ما يَبنيه الإنسان – يُصبحُ دوماً ثكنات عسكرية.
هل تعرفُ البلاد، حيث تُزْهِرُ المدافع؟
ألا تعرفُها؟ سوف تعرفُها لا محالة!

▪▪▪

النص الأصلي: باللغة الألمانية

Kennst Du das Land, wo die Kanonen blühn? I ERICH KÄSTNER I DEUTSCHLAND

Kennst Du das Land, wo die Kanonen blühn?
Kennst Du das Land, wo die Kanonen blühn?
Du kennst es nicht? Du wirst es kennenlernen!
Dort stehn die Prokuristen stolz und kühn
in den Büros, als wären es Kasernen.
Dort wachsen unterm Schlips Gefreitenknöpfe.
Und unsichtbare Helme trägt man dort.
Gesichter hat man dort, doch keine Köpfe.
Und wer zu Bett geht, pflanzt sich auch schon fort!
Wenn dort ein Vorgesetzter etwas will
– und es ist sein Beruf etwas zu wollen –
steht der Verstand erst stramm und zweitens still.
Die Augen rechts! Und mit dem Rückgrat rollen!
Die Kinder kommen dort mit kleinen Sporen
und mit gezognem Scheitel auf die Welt.
Dort wird man nicht als Zivilist geboren.
Dort wird befördert, wer die Schnauze hält.
Kennst Du das Land? Es könnte glücklich sein.
Es könnte glücklich sein und glücklich machen?
Dort gibt es Äcker, Kohle, Stahl und Stein
und Fleiß und Kraft und andre schöne Sachen.
Selbst Geist und Güte gibt’s dort dann und wann!
Und wahres Heldentum. Doch nicht bei vielen.
Dort steckt ein Kind in jedem zweiten Mann.
Das will mit Bleisoldaten spielen.
Dort reift die Freiheit nicht. Dort bleibt sie grün.
Was man auch baut – es werden stets Kasernen.
Kennst Du das Land, wo die Kanonen blühn?
Du kennst es nicht? Du wirst es kennenlernen!

••• ••• •••

إِيرِشْ كِسْتْنِرْ (١٨٩٩-١٩٧٤م)
Erich Kästner (1899-1974)

كاتب، شاعر، صحفي، كاتب سيناريو ألماني (خصوصا في أدب الأطفال)، ولد بمدينة دْرِسْدَنْ الألمانية، يوم الثالث والعشرين، فبراير سنة 1899، من عائلة متواضعة جدا، الأب سرّاج والأم حلاَّقة، كان تلميذا متميزا، بدأ الكتابة في مجلة المدرسة، واصل تفوّقه بالجامعة، حصل على الدكتورة سنة 1925، عان كجندي بالحرب العالمية الأولى، مما جعله يرفضُ الحرب ومن الناشطين المعارضين لها، نشر أول ديوان له “قلبُ على خصر”(عام 1928)، حقق ديوانه نجاحاً كبيراً، نَثر جديد مليء بالنقد الذكي، الحدة والدفء، نبغ كذلك في كتابة أدب الأطفال، حيث حققت كتبه شهرة كبيرة بالداخل والخارج، من أشهرها “إِميلْ والمُحقِّق” (عام 1929)، تُرجمتْ الى أكثر من ٤٠ لغة كما تم تحويلها الى أفلام، بسبب كتاباته الناقدة تم التحقيق معه واعتقاله من طرف النازية، وصلتْ دروة هذا القلق إلى حرق كُتُبِهِ علناً، وأمام أعينه، من طرف النازيين في العاشر من ماي عام 1933 ( أشير هنا إلى تدوينتي “محرقة الكُتب” على هذا الحائط)، كما تم طردهُ من اتحاد الكتاب الألمان، رغم أنَّه حاول الكتابة بأسماء مستعارة تم منعه كليّاً من الكتابة داخل ألمانيا، رغم ذلك لم يُهاجر على عكس الكثير من الكٌتاب آنذاك، يُقال، أنَّه مَكَتَ بألمانيا من أجل أمِّه التي كان له معها علاقة وطيدة، رواياته، مثلا “ثلاث رجال في الثلج” عام 1934 نُشرت خارج ألمانيا، واصل الكتابة بعد الحرب العالمية الثانية في الكثير من المجالات، الصحافة، النثر، المسرح، أدب الأطفال، الرواية…، تعتبر كتاباته إبداعاً سابقاً لعصره، حصل على جوائز وأوسمة عديدة، علاقاته مع النساء لم تكن ناجحة، لم يتزوج، خلَّف ابناً واحداً، في التاسع والعشرون من يوليو سنة 1974 توفي إِيرِشْ كِسْتْنِرْ بمدينة مْيُونِخْ عن عمر يناهز 75 سنة. / نورالدين الغطاس

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى