عبدالجبار العلمي - عن الشاعر المغربي أحمد الجوماري

يعتبر الشاعر أحمد الجوماري من كوكبة الشعراء المؤسسين للقصيدة الحديثة في المغرب إلى جانب زميله الشاعر المجيد أحمد المجاطي وغيره، أمثال محمد السرغيني وعبدالكريم الطبال ومحمد الخمار الكَنوني . وقد كان حريصا في شعره على الجمالية والشاعرية البعيدة عن المباشرة رغم التزامه بقضايا الواقع المغربي وما يمور فيه من التناقضت والظلم الاجتماعي .. لكنه لم ينل ما كان جديرا به من تقدير وتكريم رحمه الله. حقا من غاب، غاب حقه في هذا البلد .. لماذا لم تجمع أعماله الشعرية في مجلد واحد ( الأعمال الكاملة ) من لدن الوزارة الموكول إليها الشأن الثقافي إسوة بغيره من الشعراء والكتاب الآخرين ؟ لماذا لم تف الوزارة بوعدها كما ذكر نجله الأخ يونس الجوماري ؟ والمعروف أن كل طبعات دواوينه نفدت من زمن ، وبنفادها ستطوي يد النسيان تراث شاعر له تجربة متميزة في المشهد الشعري المغربي المعاصر ، و سيغيب عن صفحات تاريخ الأدب العربي في المغرب شاعر له مكانته وقامته الشعرية التي لاتقل عن قامات شعراء جيله في المشرق والمغرب.
الشاعر أحمد الجوماري لم ينل ما يستحقه من تقدير وتكريم باستثناء تسمية شارع من شوارع حي المعاريف باسمه في عهد المجلس البلدي الاتحادي . قضيت اليوم في قراءة ديوان الشاعر " أوراق الليل " ، فقرأت شعرا ذا رسالة ، لكنه لا ينزل بأجنحته إلى النثرية أو المباشرة ، ونمثل لذلك بقصيدة
" يسألونك عن الليل " من المتقارب، يقول فيها :
يظل يطارده الليل، والليل ذئب ضرير ْ
يُهاجم، كالبحر ، يخنُقُ عنْقَ الحبيبة
يغلق في نشوة عطر دمٍ، تفجر من شفتين مقطعتين
فيقوم أشباحَه المرعباتِ ..
يُقمن احتفالاتهن ، طقوس عباداتهن
قبيل اغتصاب المساءْ !
وأحسب أن كل قصائد الديوان من القصائد المحككة التي يصعب عليك أن تستبدل بكلمة من قصيده كلمة أخرى ، كما بدا لي من قراءتي الأولية. هذا فضلا عن نظرته الثاقبة إلى الواقع واستشرافه إن لم نقل تنبأه بالمستقبل العربي والقومي المتردي المأزوم المهزوم الذي بسوده القمع وقانون القوة الغابوي . يقول في قصيدته " السيف " :
كوى القلب تلك التي أشرعت ذات يوم نوافذها للريح
ودلت في آخر ذاك المساء الجميل
عناقيد أسرارها للصباح
لماذا هي الآن مظلمة كليالي الخليج - المحيط؟ ...
سألنا فقيل لنا :
الصمت حكمة هذا الزمان
بحثنا فقيل لنا :
السيف سلطان هذا الزمان.
والديوان مذيل بقراءتين مفيدتين للشاعر المرحوم عبدالله راجع و الناقد الباحث الرصين نجيب العوفي .
عودتي إلى قراءة ديوان الشاعر" أوراق الليل " الذي كان منزويا هو وزميله " أشعار في الحب والموت " في مكتبتي المبعثرة.، أكدت لي بالملموس قيمة هذين الديوانين في المشهد الشعري المغربي والعربي، وأنهما من أجمل دوأوين الشعر المغربي المعاصر وأجودها بناء ودلالة. ولا يقل مقامه عن الدواوين الشعرية للشعراء المشارقة الذين نعدهم من رواد الشعر العربي المعاصر .

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى