يبدو أن دون كيخوت داخل كل فرد منا، نحن أبطال نقاتل في معارك بلا هزيمة. وبعد عشر سنوات سيقوم الحاسب الذكي بتطوير ما نؤلفه من قصص كما يفعل في صورنا القبيحة. وسينتهي عصر الأدباء الكبار، فسوف نكون جميعنا كتاباً كباراً. وحينها سنفقد المتعة الوحيدة في إختلاق معاركنا من تلقاء أنفسنا. سيتمكن الحاسب من إختلاق المجازات الشعرية، وبلمسة طفيفة على الشاشة، سيختار الطفل أن يكون نيرودا، أو بودلير أو مزيجاً منهما. وسيكتب شعراً. حينها سيموت الإنسان الذي في داخله، بدلاً عن أن يرمم الشعر المتبقيَ من إنسانيته.
وليست من سوداوية أكبر من ذلك. حين لا يفرح بالزيف إلا منعدمي الموهبة. لقد وجم الحاضرون حين قال ذلك. وجموا لأنهم جميعاً كانوا أصحاب معارك. كانوا مقاتلي شوارع. تلك الشوارع التي تمرق ملتفة حول ذلك الدهن الرمادي في حضن الجماجم. أما هو فقد رفع رايته البيضاء منذ دهر لا سبيل لعده.
هرب منهم. وهربوا متفرقين أمام نبوءته القاسية. وبقدر عنف موسيقى الحلم تهب رياح فاترة فيغرق في عماء كونه المتعالي في أزله.
فتح كرتونة الفراريج الصفراء التي أخذت تصأصئ، فأطعمها وسقاها ساهماً.
الإنسان يزداد اغتراباً. إنه يتحول لفراريج داخل كرتونة محاطة بالثقوب لكي تتنفس فتحيا، تكبر وتُذبح. لقد حثته صديقته على العودة إلى الكتابة. قالت: ما دام المستقبل كما قلت فمن الأفضل أن يكتشفوا مخطوطتك كآخر منتج بشري طبيعي. ولكن ماذا سأكتب؟...ليس كتاباً مقدساً بالطبع. قالت. ونظر إلى جسدها الممشوق وهي تسند عجيزتها على فخذين عريضين وساقين مثنيتين على أمشاط قدميها. وفكر بأنه لم يعد قادرا على الجلوس في مثل تلك الوضعية منذ عشر سنوات. لم يخبرها بذلك، بل قال وهو مستمر في النظر إلى عينيها الصغيرتين: لا زلتِ شابة. ورأى الفرح يبرق في عينيها وابتسامتها الجزلة. "دائماً شابة" قالت بغرور مفتعل. إنها لا تفتقر للذكاء، والأهم أنها تحبه كما هو. كان ذلك كافياً بالنسبة لكاتب في المعاش. ونظر إلى البرتقالتين على صدرها..، طريتان.."لماذا لا ترتدين مشدات؟".. نهضت وتجاهلت سؤاله. لم أعد قادرا على المعارك الليلية. قال فأجابته "أنت تجرني للحديث عن ذلك" قال: حسنٌ.. تعرفين حماقة الرجال.. في غالب الأحيان تتجاهل النساء تلك التلميحات..كما فعلتِ الآن. أبعدت طقم الجلوس، وفجأة رأى الأثاث كله في حالة فوضى. وقف قليلاً ثم قرر أن يحترم نفسه. ابتعد ببطء. "لست محترماً كما تظنين" وحين استلقى على سريره ورآه منتصباً أضاف: فلي معاركي أيضاً.. قتال الشوارع..ذلك الذي يخوضه كل الذكور منذ بلوغهم. "إنك حالم" قالت وهي تستلقي قربه بأمان. همس: هل تعتقدين أنك آمنة الآن. قالت: لو اعتقدتُّ ذلك لغادرت على الفور. قال بدهشة: حقاً؟!.. هزت رأسها..وأسقط في يده إذ كان عليه حينئذٍ أن يقطع طريقا طويلاً ..طويلاً جداً لخط التماس.
(تمت)
وليست من سوداوية أكبر من ذلك. حين لا يفرح بالزيف إلا منعدمي الموهبة. لقد وجم الحاضرون حين قال ذلك. وجموا لأنهم جميعاً كانوا أصحاب معارك. كانوا مقاتلي شوارع. تلك الشوارع التي تمرق ملتفة حول ذلك الدهن الرمادي في حضن الجماجم. أما هو فقد رفع رايته البيضاء منذ دهر لا سبيل لعده.
هرب منهم. وهربوا متفرقين أمام نبوءته القاسية. وبقدر عنف موسيقى الحلم تهب رياح فاترة فيغرق في عماء كونه المتعالي في أزله.
فتح كرتونة الفراريج الصفراء التي أخذت تصأصئ، فأطعمها وسقاها ساهماً.
الإنسان يزداد اغتراباً. إنه يتحول لفراريج داخل كرتونة محاطة بالثقوب لكي تتنفس فتحيا، تكبر وتُذبح. لقد حثته صديقته على العودة إلى الكتابة. قالت: ما دام المستقبل كما قلت فمن الأفضل أن يكتشفوا مخطوطتك كآخر منتج بشري طبيعي. ولكن ماذا سأكتب؟...ليس كتاباً مقدساً بالطبع. قالت. ونظر إلى جسدها الممشوق وهي تسند عجيزتها على فخذين عريضين وساقين مثنيتين على أمشاط قدميها. وفكر بأنه لم يعد قادرا على الجلوس في مثل تلك الوضعية منذ عشر سنوات. لم يخبرها بذلك، بل قال وهو مستمر في النظر إلى عينيها الصغيرتين: لا زلتِ شابة. ورأى الفرح يبرق في عينيها وابتسامتها الجزلة. "دائماً شابة" قالت بغرور مفتعل. إنها لا تفتقر للذكاء، والأهم أنها تحبه كما هو. كان ذلك كافياً بالنسبة لكاتب في المعاش. ونظر إلى البرتقالتين على صدرها..، طريتان.."لماذا لا ترتدين مشدات؟".. نهضت وتجاهلت سؤاله. لم أعد قادرا على المعارك الليلية. قال فأجابته "أنت تجرني للحديث عن ذلك" قال: حسنٌ.. تعرفين حماقة الرجال.. في غالب الأحيان تتجاهل النساء تلك التلميحات..كما فعلتِ الآن. أبعدت طقم الجلوس، وفجأة رأى الأثاث كله في حالة فوضى. وقف قليلاً ثم قرر أن يحترم نفسه. ابتعد ببطء. "لست محترماً كما تظنين" وحين استلقى على سريره ورآه منتصباً أضاف: فلي معاركي أيضاً.. قتال الشوارع..ذلك الذي يخوضه كل الذكور منذ بلوغهم. "إنك حالم" قالت وهي تستلقي قربه بأمان. همس: هل تعتقدين أنك آمنة الآن. قالت: لو اعتقدتُّ ذلك لغادرت على الفور. قال بدهشة: حقاً؟!.. هزت رأسها..وأسقط في يده إذ كان عليه حينئذٍ أن يقطع طريقا طويلاً ..طويلاً جداً لخط التماس.
(تمت)