مع كتابات.. مؤمن سمير: الشعر هذا الجامح القاتل، هو منحة الله ليتحقق الرداء النفسي التعويضي.. خاص: حاورته- سماح عادل

خاص: حاورته- سماح عادل

"مؤمن سمير" شاعر مصري، وكاتب في مجال المسرح والنقد.
* صدر له:
1 – بورتريه أخير، لكونشرتو العتمة. شعر، 1998.
2- هواء جاف يجرح الملامح. شعر، الهيئة العامة لقصور الثقافة 2000.
3- غاية النشوة. شعر، طبعة أولى: الهيئة العامة لقصور الثقافة 2002. طبعة ثانية: مكتبة الأسرة 2003.
4- بهجة الاحتضار. شعر، الهيئة المصرية العامة للكتاب 2003.
5- السِريّون القدماء. شعر، الهيئة المصرية العامة للكتاب 2003.
6- ممر عميان الحروب. شعر، الهيئة العامة لقصور الثقافة 2005.
7- تفكيك السعادة . شعر، 2009.
8- تأطير الهذيان. شعر، دار التلاقي للكتاب 2009.
9- بقع الخلاص . مونودراما، الهيئة العامة لقصور الثقافة، بيت ثقافة الفشن 2010.
10- إضاءة خافتة وموسيقى. مجموعة مسرحية، الهيئة المصرية العامة للكتاب 2009.
11- يطل على الحواس. شعر، كتاب اليوم. دار أخبار اليوم 2010.
12- الهاتف. مسرحية للأطفال. الهيئة المصرية العامة للكتاب 2010.
13- أوراد النوستالجيا . مقالات نقدية . إقليم القاهرة الكبرى الثقافي2011.
14 – رفة شبح في الظهيرة. شعر. الهيئة المصرية العامة للكتاب 2013.
15- عالِقٌ في الغَمْرِ كالغابة كالأسلاف. شعر. الهيئة العامة لقصور الثقافة 2013.
16- كائنٌ وحيدٌ يقبعُ في لوحة وكتابات أخرى، مقالات، مطبوعات اتحاد الكُتَّاب فرع بني سويف والمنيا 2016.
17- إغفاءة الحطَّاب الأعمى، شعر، دار روافد 2016.
18- حيزٌ للإثم، شعر، 2017.
19- بلا خبز ولا نبيذ، شعر، الهيئة المصرية العامة للكتاب 2017.
20- صياد السمك الناطق، قصص مترجمة، الهيئة المصرية العامة للكتاب2016.
21- غذاء السمك، نَص، الذهبية للنشر والتوزيع 2019.

إلى الحوار..

** في كتابك (الأصابع البيضاء للجحيم.. قراءات في محبة الشعر): على أي أساس اخترت الشعراء الذين تناولت تجاربهم الشعرية؟
– لم يكن الأمر مخططاً بالنسبة لهذا الكتاب بشكل مباشر وواضح عن طريق الاختيار المبدئي للشعراء ثم محاولة النظر في تجربة كل منهم، ولكن التخطيط هنا كان أقرب لأن يكون بشكل غير مباشر وأقرب للإرهاص بمعنى أن هناك فكرة معينة أو توجه كان مسيطراً على الذائقة الشخصية، وتم اختيار التجارب الشعرية على مدى السنوات بشكل لا واعي ليظهر أن الاختيارات تُعَضِّد هذا التوجه وتغذيه وتؤكده..كان هذا التوجه هو أن يكون نتاج الشاعر تأكيداً لتوجه أو طريقة أو منحى في الكتابة الشعرية قد أثرت في التجارب الشعرية المعاصرة له أو التالية أو في السياق العام الحداثي الذي يجمع هذه التجربة مع غيرها.. طبعاً هذا المعيار مفتوح ويسمح بدخول تجارب كثيرة جداً مؤثرة في سياقها ولكن الحقيقة أن هناك بُعْد شخصي في كل كتابة هو المحبة أو الاستفزاز الجميل في تجارب دون غيرها رغم قابلية تجارب كثيرة جداً جداً للتحاور معها، لكن على أية حال يمكن النظر لهذا الكتاب على أنه يمثل اقتراباً حميماً من أريج باقة متوهجة من التجارب الشعرية من ضمن حديقة غنَّاء تتسع حولنا كل يوم..

** في كتاب (الأصابع البيضاء للجحيم.. قراءات في محبة الشعر) اخترتَ بعض الشعراء من أجيال السبعينات والتسعينات.. تقسيم الكتاب والشعراء إلى أجيال هل هو تقسيم مراوغ وغير منصف، بمعنى أن لا حدود فاصلة وواضحة بين الأجيال كما يتخيلها ويروج لها أصحاب نظرية الأجيال الأدبية، وأن عشر سنوات غير كافية لعمل تغييرات أدبية، كما أنه لا توجد قواعد محددة وصارمة لانتماء كل كاتب إلى الجيل الذي يحددونه، هل هو موعد نشر أول كتاب أو ظهور أول كتابة له في الصحف الثقافية، أم أن تأتي نصوصه بجديد؟
-حتى الآن نحن نضطر كغيرنا لاستخدام المفهوم الجيلي العَشْري في تقسيم الأجيال الشعرية رغم يقين الجميع بخطأ هذا المنظور وعدم دقته، ربما لأنه سهل وربما لأنه قر في الذائقة بشكل كبير وواضح رغم اليقين بأنه غريب وليس أصيلاً. في ظني أن الأمر يرجع إلى اختلاف جيل السبعينات الحاد والقاطع عمن سبقهم فكان الجميع بالتالي يتلمسون مدى ثورية هذه التجارب الغاضبة التي انضوت في جماعيتين شعريتين هما “إضاءة ” و “أصوات”.ثم كانت هناك محاولات لمخالفة توجهاتهم الفنية في الشعراء التاليين لهم في حقبة الثمانينات وبعد ذلك محاولات أخرى للانطلاق بعيداً عن الاتجاهيْن في مرحلة التسعينات، كانت أجيال الحداثة الشعرية الثلاثة الكبيرة في مصر والوطن العربي مليئة بالحراك ومحاولة الثورة وجذب الذائقة لحساسية أخرى ومن المعتاد في فترات التحولات أن يتعامل المتلقين مع تجارب التوجه الجديد رغم تباينها الطبيعي وكأنها إسهامات جيل واحد بنزعة فنية مسيطرة ومحددة بالذات.ثم تهدأ المعارك بطبيعة الأمور ويمارس الزمن تفعيل مصفاته ومفرزته لتظهر التجارب الواعدة بالجمال كلٌ على حدة ولكن بعد أن تكون تحولت لمشاريع ناضجة، الشعر في النهاية مشروع فني فردي وشخصي وذاتي، يحمل من ثقافة المبدع، بالطبع إذا كان مبدعاً حقيقياً صاحب مشروع، وتوجهاته الفنية ومراحله الإبداعية وجسارته وطموحه وتجريبه أكثر مما يحمل من عناصر تشابهاته مع التجارب المعاصرة له والتي قد يرجع تشابهها إلى سياق زمني وفني يفرض التجمع لإحداث نقلة وهو أمر مرحلي فقط..

** هل يعاني نقد الشعر في منطقة الشرق من مشكلات وما هي في رأيك؟
– نقد الشعر عندنا دائماً ما يعاني من مشكلة مركبة تتكون من كثرة التجارب الشعرية وتوالدها وتشظيها وطموحها الدائم بطريقة يعجز معها النقد عن ملاحقة، وتلمس العناصر الفنية المتجددة في كل مشروع والاقتراب منها وقراءتها قراءة نصية وجمالية، وتمثل وسائل الاتصال تحدياً يُصَعِّب الأمر من حيث جَعْلِهِ سهلاً ومتاحاً، حيث أن سهولة انتشار التجارب وقدرتها اللانهائية المتجددة على استيعاب الأعداد المهولة من المحاولات بما يشبه أحياناً الكرنفال الفني العظيم، لهو أمر مفرح ومطلوب لكنه مربك، كذلك لا مناص من الاعتراف الدائم للأسف، بأن القلة فقط من النقاد هم القادرون على صنع جسر بين الجامعة بدراساتها النظرية وبين الواقع الشعري العملي.
ثم إنه بطبيعة الظرف الحضاري المتوتر والمناخ المتقلب قيمياً ووعيياً بما يؤثر بالتأكيد على مجال الثقافة والنقد بالتضييق وحيناً بالتهميش المجتمعي، يقل عدد من يحمل روح المغامرة والمبادرة الفردية وتتقلَّص بالتالي أعداد مَن تتسم قراءاتهم للشعر بالإبداع الموازي الذي يحمل الطموح في الاجتهاد وليس اجترار النظريات وإنزال كتالوج كل نظرية على أي نص. لكن لنكون منصفين، نجد أنه في الوقت الحالي يمكن تلمُّس تجارب نقدية عظيمة فعلاً لمجموعة من نقاد الأجيال المتأخرة الأحدث، المتجاوزة للكثير من تصنيفات الدورات التاريخية السابقة الضيقة وغير البريئة ولا الشفافة، بحيث تدعو للفرح والاطمئنان بما تحمل هذه الإضافات من رؤى أكثر اتساعاً وانفتاحاً على كل جهد في الغرب والشرق وبما يبذل أصحابها من جهود طموحة ومخلصة ومتوالية في متابعة كل التجارب والظواهر ومحاولة التقصي وإلقاء الضوء على الظواهر الفنية والتجارب الجديدة ومحاورة الجانب النظري كذلك..

** في كتاب (غذاء السمك) سرد يعتمد على التداعي، مليء بالحزن، والإحساس بالوحدة والاغتراب، ونظرة مغايرة للواقع لا تتذوق التفاصيل الجميلة بالأحرى تشعر ببشاعتها.. حدثنا عنه؟
– هذا الكتاب يحمل تجريداً للمشاعر والأحاسيس الإنسانية في محاولة لردها لعناصرها الأولية ولكن بعد حذف كل ما هو مزيف ولزج ووهمي ليظهر أن الأصل هو الخوف والموت وليس الأمان ولا السعادة، هي تجربة كائن وحيد لأقصى درجات ومظاهر الوحدة حتى وصل للتوحد الكامل والانفصال عن كل ما حوله بالاختيار واليقين بأن السلام يكمن فقط في الاستقرار داخل شرنقة الذات، ولكن لأن البشر مربوطون ببعضهم ولو حتى بالهواء المشترك كان الأمر صعباً أو بالأحرى مستحيلاً.لهذا كانت كتابة هذا البطل والمهمش في الآن ذاته تحمل وتعبر وتشي بهذه المعاناة الدائمة وإعادة قراءة العالم وتفسيره وفق نظرته الخاصة وتكريس الجهود النفسية في الهدم الكامل ليس لإعادة بناء جسور جديدة، ولكن لتنسم الأمان مع رائحة الاحتراق والدم التي تعني غياب الآخر القاسي والمؤذي للأبد. ليس مهماً إذن على من يبتغي تأطير الخراب والتحديق فيه، أن يرسم التجربة سرداً، أو حتى شعراً يستفيد من رحابة وانطلاق السرد، المهم أنه يقول ويقول لذاته الغريبة عنه بمقدار الآخرين حيث أنها مفروضة قطعاً ولا تلتصق به نتيجة اختيار، إذ ربما ساعة الانتهاء من البوح والتلاشي التام، يرى بشكل أفضل.

** في كتابك (غذاء السمك) كانت خيالات البطل ممتلئة بالعنف والرغبة في التمزيق والحرق والتنكيل بشخصيات محيطة لكنه دائما ما يلوم نفسه لأنه جبان.. عن ماذا يعبر هذا العنف؟
– هذا العنف هو المرآة السوداء للخوف، كما يعبر عن العجز التام عن التواصل مع الآخر الذي لا يضعه البطل إلا في خانة العدو الدائم لكنه القادر الذي يكشف بديمومة قدرته وسيطرتها عن عجز الكائن وضعفه وجبنه وضآلته بإزاء كل كبير، العنف هو ثورة اليائس التي لا تسير إلا في الجانب المعاكس والنقيض ولا تنجح مطلقاً إذ أنها بلا هدف ولا تخيل قابل للتحقق ولا طموح محدد لأن هذا الأمر يتطلب الثقة أو القدرة وهو البعد الغائب على الدوام فكان الحل في ارتياد الخيال والأحلام التي تحمل فضاءً أكثر اتساعاً ومن هنا ينكل البطل بأعدائه ويعريهم من هالاتهم لكن المفارقة أن الآخر المؤذي والقاتل قد يكون هو الذات نفسها فهنا تتأزم المعضلة وتتعقد ويظهر العجز وتنكشف الحقيقة السوداء وتدفع دفعاً للانهيار والتلاشي التام..

** ماذا يعني الشعر بالنسبة لك.. وهل تشعر بالإشباع النفسي لمجرد كتابة النصوص حتى قبل وصوله للمتلقي؟
– إن علاقتي بالشعر، بعد ما يقرب من الثلاثة عقود من اللعب معاً، لا تأخذ مطلقاً شكل التآلف والتطبيع والاستيعاب والفهم من كل طرف للآخر بل تصل دائماً للصراع و الاضطهاد والغموض والحيرة وأحياناً المرض العضوي، وأنا في الحقيقة حزين لأن شكل علاقتي بهذا الكائن المغوي أخذت هذا الشكل العنيف حيث لا يدخل إليَّ إلا من خلال جهازي العصبي المرهق وأنا بكل دهشة أتابع أصدقاء يستمتعون بالأمر وهو مصدر بهجة على المستويين، مستوى ومرحلة إنتاج النص ومستوى ومرحلة إعلانه، إلا أنه لابد لي من الاعتراف أنني على مستوى حياتي العامة والخاصة والاجتماعية والنفسية لا أطلق نفثة الارتياح إلا بعد الانتهاء من كتابة قصيدة.أنا إنسان غير متحقق نفسياً ولا اجتماعياً وأسرياً ولا على مستوى العمل بالطريقة المُرضية، وربما يكون هذا بسبب الشعر، هذا الجامح القاتل، وربما بالعكس، يكون الشعر هو منحة الله أو الشيطان ليتحقق الرداء النفسي التعويضي. في النهاية ليس الشعر في حد ذاته كفن علاجاً، ولا مَرَضاً بالأحرى بل هو مجرد طريقة في النظر للعالم وإقحام الذات في الكون بعد أن همشتها السياسة والجغرافيا والأيدولوجيات والحروب والفلسفات إلخ.لكنني، مؤخراً، علمت وفهمت أنني معه بالذات أحقق صداقة ملموسة وحقيقية مع كائن ما، اختارني ليكون بيننا علاقة ما بدلاً من الأوهام الضخمة التي هي صداقاتي الأخرى مع الكون والبشر والأهل والوعي والأفكار والتجارب الخ. هو الصديق الذي لابد من تحمله واستيعاب تناقضاته وأوهامه إذ ربما يكون صورة للذات ولو حتى بالنقيض.

** في كتاب (أناشيد الغيمة المارقة) تناولت من أسميتهم شعراء الموجة الأحدث في قصيدة النثر المصرية.. ماذا كنت تعني بذلك؟
– أعني بهم شعراء ما بعد الموجات الحداثية الثلاث الكبيرة وهي ما اصطُلِح على تسميتها بأجيال السبعينات والثمانينات والتسعينات حيث لاحظتُ أن هناك حساسيات فنية جديدة طموحة للتجاوز تخلقت وظهرت بشكل واضح بعد كتابة وتجارب شعراء الموجات الثلاث، تنتمي لتوجهات مختلفة ولها سمات فنية تحاول الخصوصية والتميز عن ماسبق..هذه التجارب رأيت أنه لابد من رصدها وإلقاء الضوء عليها في محاولة للتحاور مع السياق الفني الذي تدور في ثناياه..

** في رأيك ما هي أهم سمات قصيدة النثر في مصر حالياً بناء على اطلاعك على إنتاج هؤلاء الشعراء؟
– ربما تنتمي تجاربهم لعيون أكثر اتساعاً وانفتاحاً على الآخر أيا كانت موضعه، كما أنها تصدر عن شعراء أقل انتماءً لأفكار التراتب الزمني والتعامل بتبجيل ما قد يكون مزيفاً مع أصحاب التجارب الأسبق ويشعرون بالنفور التام من فكرة التجمعات الفنية والجماعات الأدبية التي فرضتها سياقات ثقافية سابقة لهذا فوصولهم ليقين فردية الشعر كان أسرع وذلك مع أكبر قدر من نزع الهالات حول فكرة الشعر في حد ذاته وتأثيره بأي شكل ولو كان بسيطاً على أرواح البشر وتحطيم اليقينيات بالتالي حول شخصية الشاعر وإلهاماته ووحيه إلخ.
كل هذه السمات لا يمكن نزع التأثير التكنولوجي عنها ولا فصلها عن حالة الاندياح التي تخلقها مواقع التواصل، وقدرتها المعجزة على صنع الانتشار والتوصيل في لحظات ومنحها الحرية للمبدعين ربما بشكل غير مسبوق. أما عن النتاج ذاته فيتميز بقدر أكبر من الذاتية والتعامل بتجاهل تام ولا مبالاة مع الأساطير المؤسسة لحياتنا الاجتماعية والسياسية والفلسفية والدينية، والجرأة الكاملة في التعبير عن الجنس باعتباره بعداً أساسياً في حياتنا.وتذويب أي فوارق بين العامية والفصحى والاعتماد على السرد بشكل أساسي وخلق مجازات كلية، والتخفف في صنع الصورة وتبسيطها لأقصى درجة. وهناك ملاحظة عملية هي أنك وأنت ترصد أي كم ضخم من النتاج الشعري لابد وأن تلمس حساسية خاصة تخص قصيدة النثر المصرية مثلاً، وهي متميزة عن اللبنانية التي تتميز هي الأخرى بسمات خاصة تختلف بها عن مثيلتها في السعودية أو في المغرب العربي وهكذا.في كل منطقة حضارية تصبغ شعرائها بصبغتها الثقافية، وذلك رغم أن التعميم دائماً وأبداً خاطئ وغير دقيق، لأن الشعر مشروع فردي كما أشرنا قبلاً ويخرج كل شاعر حقيقي مع الزمن والتجارب من عباءاته الضيقة ويكون تأثره بالعالم كله وليس بمكان ثقافي محدود. لكن تظل الحقيقة هي أن هناك قصائد نثر بعدد مَن يكتبونها في العالم.

** هل هناك سعي لتأريخ حركة الشعر في مصر ودراستها بشكل جدي؟
– هناك محاولات في المؤسسات الثقافية ولكنها لا تحقق النتيجة المرجوة وهناك مبادرات فردية ولكنها غير ظاهرة، المفروض أن يكون هناك توجه عام، تخلقه الجامعات وتُعنى به بالذات، يحتشد لأهمية الأمر ويكون حيادياً ومنهجياً حتى لا يكون التأريخ من وجهة نظر توجه جمالي أو حتى سياسي معين، وهو ما يُصعِّب الأمر ويجعل النتاج أقرب لوجهة النظر الشخصية وليس للرصد العلمي المتجرد.

** في ديوانك (سلة أيروتيكا تحت نافذتك) الغزل لديك مختلف.. حدثنا عن ذلك؟
– مثَّل لي هذا الديوان تحدياً من ناحية أنه يتقصد موضوعاً هاماً كان لابد لي من التطرق إليه لأنه كان يخلق استفزازاً جمالياً بديعاً على الدوام، وهو الرغبة في اصطياد ومحاصرة الأنوثة في حيز فني يكشف روعتها واكتنازها، تلك الفكرة التي راوغتني في قصائد الدواوين السابقة، وأخَذَت أنماطاً وتجليات متعددة من أشكال العلاقة مع هذا الكيان المغوي وهو الأنثى، حتى تربى داخلي حافز وغاية الاستعاضة الكاملة عن العالم بواسطة وجوده هو- ذلك الفادح- ووضعه تحت سماء البصر والبصيرة، بتكريس عمل متكامل عنه في لحظة خاصة وصافية لا تملك الأنثى معها إلا خلع أردية المجتمع والخوف وما إلى ذلك من ستائر على الرؤية، لتتجلى الروح المحاصَرة وتصدح النفس وتبوح.. كأنني أنا قد صرتُ هو، وهو قد تجلى للعالم في صورة أنا، والعالم مفقود، وكلما اكتشفنا مدى الاتصال والواحدية: ينكشف جزء من العالم. لقد حاول ديواني هذا وطمح في أن يحاور الأنثى في أصدق تجلياتها وأكثرها وعورة وغموضاً وبهاءً ساطعاً، في الرقصة الحسية الجسدانية الغامرة وفي تماهي الأرواح بعد عبور عتبة الجسد.

** في رأيك هل فاقمت عزلة الفيروس الجديد من مشكلات الثقافة في مصر على مستوى النشر والنقد والصحافة الثقافية التي تدور في دائرة ضيقة؟
– بالطبع الأمر يخص العالم كله لكن تجلياته تختلف من مكان إلى آخر، وفي مصر قد تكون الأزمة قد كشفت عن التراجع الحاصل منذ سنوات في مناحي ثقافية كثيرة رغم المحاولات الدؤوبة من كافة الاتجاهات، حيث أن الجميع يضع رأسه في الرمال متجاهلاً أن الأمور تتعلق بالسياق الحضاري المتراجع وفي الدوران في فلك نفس أسئلة النهضة التي لم تُحَل أو تواجه بشجاعة حتى اليوم، ثم جاء الوباء الذي فرض العزلة وأوقف الأنشطة فاضطر الإنسان الذي لم يفقد قدرته على تجديد الهواء إلى أن يكثف من عمله باستخدام التقنيات الحديثة مقاوماً فكرة الانهزام أو التجمد في انتظار الموت.

** هل فكرت في كتابة رواية، وإلى أي مدى يظهر الكاتب خبايا ذاته وخيالاته الخاصة في نصوصه؟
– فكرت كثيراً في أن أُظهر نفسي للعالم عن طريق شكل فني آخر يختلف عن الشعر وهو الرواية، لكني هربت كثيراً وقاومت نفسي أكثر لأني أدرك أن هذا الفن ساحر ولا يكف عن اختراع أشكال الفتنة التي تسلب المسحورين لبهم ويقينهم، وبهذا فمن الأكيد أنني سأكرس نفسي للركض في هذا الطريق بغض النظر عن النجاح في صنع خصوصية أم لا وبالتالي أبتعد عن الشعر، صديقي اللدود لأن إكمال الطريق بجناحين حتماً سيكون صعباً على مَنْ يتعامل مع موضوع الإبداع بكثير من التوتر على المستوى الشخصي والعصبي. أنا بالفعل أخاف أن أخون الشعر فيخونني هو ويتخلى عني للأبد، أو حتى يؤذيني نفسياً فتفسد اللعبة التي بها تستمر حياتي.إن المبدع يعتبر الإبداع مجالاً لاقتناص لحظات زمنية أو نفسية من العالم الكبير أو من عالمه الشخصي ليصرخ أو يبكي أو يهمس ويضع بصمته، لكن الخبرة والصنعة تتدخل فتحول الموضوع من مجرد البوح الذاتي إلى صورة العمل الفني، وهكذا تصير غاية المبدع الصدق الفني وليس صدق وقائعه النفسية أو الشخصية.

** ثلاثُ قصائد لــــ”مؤمن سمير”

1

“رسائلُ الضَفَّةِ الأخرى”
أودُّ أن أقفزَ فوقَ النهرِ
لأُمْسِكَ بالضَّفَةِ الأخرى
وأستأنفَ طريقي
للقلعةِ الكبيرةِ…
النهرُ يعوقني
والجميلةُ المأسورةُ
رسائِلُها تُشكشِكُ عظامي..
رسالتُها الأخيرةُ كانت غيمةً تبتسمُ
ثم تبكي..
والتي قبْلَها
كانت وردةً بِطَلَّةٍ من حرير
تنتقلُ من حكايةٍ لأخرى
وتتركُ أريجاً خافتاً
وصفيراً حزيناً..
بالأمس كنتُ وحدي
وكنتُ خائفاً..
بحثتُ عن صورةِ أمي لأصيرَ جريئاً
واصطدتُ خفاشيْنِ سَمينيْنِ..
فَرَكْتُ الجَنَاحاتِ
وألقيْتُ رمادهما في طبقي
…وهكذا امتلأ البيتُ بالعواء
وصرتُ وحشاً يطيرُ فوق النهرِ..
يطوي الضَفَّةَ الأخرى في جيبهِ
ويصطحبُ الجميلةَ التي تراهُ جميلاً
والتي تتزينُ مدينتنا الصغيرةُ
بذكراها..
كلَ حصاد..

——————————

2

“ذاكرة بيضاء”

وأنا صغير
كنت أغمضُ عيني
وأحاولُ اصطيادَ لحظةٍ سحريةٍ
أحملها بحرصٍ
وأخفيها تحت وسادتي
لأحلُمَ بجارتنا التي سافرت بعيداً
لكنها نَسِيَتْ جديلةً شقراءَ
تهيمُ فوق البيوت
وتندهُ الغيمةَ الباسمةَ
وقلوبها البيضاء..
وعندما كَبُرَتْ عظامي
كنتُ أغمض عيني
وأدخلُ أَسِرَّة بنات القرية جميعاً
وأحاولُ صنعَ حكاياتٍ ملونةٍ
لكنَّ شياطينها
بيضاء..
كذلك كلما كنتُ أموتُ
كنتُ أُفِّتشُ
عن روحٍ ليست مراوغةٍ..
بيضاء..
لأسنِدَ فزعي الباهتَ
وهروبي الذي بلا لونٍ
ولا بصيرةٍ شفيفةٍ
وبيضاء..
…….
في آخر السِكَّةِ
صارت عيوني بيضاء
وشهقتي بيضاء
والأنهارُ على جلدي تهبطُ وتهبطُ
ثم تعلو في الساعةِ البيضاء
لكنَّ حفرتي، قريبتي
ظلت تغيمُ وترجع
والسماءُ، جارتي
ظلت تبيعُ ظلالاً
.. وتشتري ماضيها
وتُمسِكهُ من قرنِهِ
وتضحكُ ثم تقول
هذهِ سريرتي
البيضاء..
—————–

3

“قصيدةٌ خائبةٌ، تقفُ أمامَ البحرِ.. وتموتُ مكانها”


في ذلك اليوم
فَرَّت من الوسادةِ قصيدة..
نَزَلَت بهدوءٍ أريبٍ
غطتني
ثم تَنَهَّدتْ..
طَرْقَعَت أصابعها
واحتارت بين الطيرانِ من الشرفةِ
أو النزول من بابِ البيت..
قالت عندما سأطير
سَأُمُرُّ على عشاق وقتلةٍ
يثرثرون وأرواحُهم تراقبهم
أو أشاركُ مجانينَ وليمتهم..
سأعلو أيضاً
لدرجةِ أن أغوصَ في الغَيْمَات
الضالةِ
وأكتبُ على السحاب كلاماً غامضاً
عَلَّ الطيور تتعثرُ فيه..
لكنني لو حرَّكْت أقدامي ونَزَلْتُ
سأضبِطُ الذكرياتِ
و هي تفرُّ من أصحابها
على السلالم
وأنهَشُ فَوَرانها القديم
فتنكمشْ وننساها للأبد..
وقد أحاذي سيارةً
بداخلها ملاكمينَ فقدوا صوتهم
بعدما أَدركوا أن الرواياتِ الحديثةِ
لاكت أدوارَهم
واهتمت بالذئاب
والموسيقى التي تختبئُ
في معطف الموت..
القصيدة أيضاً من لحمٍ ودم
لهذا ستوقِفُ كل هذه الدراما
لتلهث
وتضبطُ دقاتِ قلبِها المرتعش
وتقولُ أنا الحائرةُ الأبديةُ
لا شطَّ لي
ولا مَرْسَى
عيوني حتى اليوم
لا تقوى على نَسْجِ دموعٍ صلبةٍ
وضلوعي لا ترعى أحلام الجَدِّ
المصلوبِ على بوابةِ حقلِهِ
من أيام المماليك..
حتى جسدي
رغم كل مغامراتِهِ
وأوهامهِ
أَخَفُّ من ريشةٍ
في جبينِ خائفٍ أصيل..
لهذا فالأجدى من حَفْر ممراتٍ بين الظِلالِ
أو اقتناص سماواتٍ
ودَقِّها على ورقةٍ بيضاء،
أن أُعيد رسمَ الحبيبةِ التي تغني
وهي تَحْلُم
فلا تتسللُ منها ملامِحُها وسطَ الضجيجِ،
أو أريجُها أو حضُنها الموصوف..
كذلك لا بد من اللعب المتمرس بين السرادقات
بسكِّينٍ
أو برقصةٍ في حلقةِ النارِ
فيتجددَ العزمُ
وتصفو الرؤيةُ أمامَ كل هذه التلالِ
من الحَكَايا
و الضبابِ
الذي بلا نهاية..
……
*نشر الحوار في الموقع العراقي "كتابات"يوم الخميس3يونيو/حزيران2021 *

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى