الجزء الثامن عشر
1
المُواطِن المغربي مُحتقرٌ في قطار "تي جي في" رغم أنَّه مُجرَّد خُردة مُسْتَوردة من العُهود الغابِرة للعجوز المتصابية اللعوب خالتهم فرنسا، والدليل واقعة الرجل الذي ركب بجانبي لأول مرة في البُراق، سَرقَتْهُ المسكين غفوةٌ وتجاوز في الحلم محطَّته التي دفع ثمنها تذكرة باهظة، وحين زاره المُراقب للمرَّة الثانية ووجد أنه زاد في سكة الحديد مسافة إضافية، طالبه بمبلغ آخر أكبر من جيبه، ضرب الرجل يده للجيب فاصطدم بجدار الإفلاس حين لم يجد المبلغ كاملا، يا للحرج الذي تفصَّد عرقا من الجبين، نظر حواليه وكأنه يسْتنجد بأقرب سطل، فلم يجد غير المُعاقِب أقصد المراقب يحمل آلته الإلكترونية على أهبة المصِّ لآخر عرق، اقترح عليه أن يؤدي المبلغ ببطاقة بنكية فقوبل طلبه بالرفض، تساءلتُ ألا يُمكن مع مرارة الحياة للسُّكَّر أن يهْبط في سُلَّم الدَّورة الدموية لمواطني هذا البلد من راكبي الخردة المغلَّفة بورق السلوفان، ألا يُمكن لله أن ينْفرد بعبارة سُبحان من لا يسهو ولا ينام، ما هذا الكُفر في تعامل موظفي الدَّابة البطيئة من حيث اللياقة مع الزبناء، بل إنَّ المُراقب المُتباهي برجل أمن يملأ كتفيه، طالب الرجل المُحترم الغارق في حرجه بالبطاقة الوطنية ليكنِّش له غرامة مُضاغفة ثلاث مرات عن التي طُولب بأدائها وهو على متْن القطار، لا أريد أن أحمِّل هذه الحادثة أكثر مما تحتمل، ولكن على بساطتها أيقنتُ أن المجتمع الذي يوتى بمثل هذا القطار سرعةً أكثر من إمكانياته الفكرية البطيئة، يجعلنا نعيش كل يوم حالة انتحار !
2
ما أسرع الخطى بالميِّت على الأكتاف إلى مسكنه الأخير، ما أثقلها عائدة للحياة العادية !
3
يفتح حساباً في الأنستغرام وهو لا يساوي في سوق البشرية نصف غرام !
4
من يُحافظ في جوقة العازفين على تناغم اللحن، ليس كمنْ يُسْقط الميزان بلحن مختلف !
5
لكثرة بطائقه المَرْصوصة البنيان في حافظة الجيب، ضاع اسمه وصار الناس يُنادونه بالعضو، غير أنَّه اختفى وكأنَّ الأرض ابتلعته منذ آخر جلسة معنا بالمقهى حين سأله معتوه عابر: هل بين بطائقه الكثيرة ما يصلُح لسحب الفلوس من الحائط !
6
لا يعترف إلا بالتاريخ الهِجْري، ولا يريد عنه بديلا يحصي الأيام والشُّهور ويعُدُّ السنوات، كان هجريا في كل أوقاته وربما حتى في ساعة اليد، وحين سألتُه يوماً لِمَ أنْت عكس التيار، أجابني بسؤال آخر: وهل تجد في التاريخ الميلادي مُناسبة أشهى منْ عيد الأضحى !
7
أغلب البكاء في الجنازة لا يكون بالضَّرورة على الميِّت ولكن شفقةً على أنفسنا من المصير المنتظر !
8
في أحد المقاهي، شاشتان من الحجم الكبير، أمّا التي على يميني فتذيع أغاني جورج وسوف بصورة ثابتة، وفي ذات البث تتدفَّقُ الشاشة على يساري من قناة عربية بكل ما استجدَّ من أخبار سياسية مع التركيز على البؤر المتوترة بالحروب، أذنٌ تسمع لجورج يُغنِّي عن اختلاجات الغرام وسُلطانه على القلوب، وأذنٌ تتابع كيف تسْتعرِض قِوى العالم ترْسانتها الحربية مُتباهية بصناعة الآلام، لا أعرف بأي الأذنين أحتفظ بعد أن انفصمتُ لاثنين من جراء هذا الدَّمار النَّفسي الخطير، ولكن المُشكلة هنا لا تكمن في الأخبار ولا في جورج وسوف، إنَّما في عبقرية صاحب المقهى الذي درس كل الأسواق، فتوصَّل أنه لا يمكن استدراج أكثر عدد من الزبائن إلا إذا ضرب الأذنين معاً بحجر واحد إرضاءً لجميع الأذواق !
9
أفظع الآلام ما لا نعرف مصدرهُ ونبحث عن مُسبِّباته في أقرب الناس الذين حولنا !
10
لا أعرف لماذا راقتْني موضة سروال الجينز المقطَّع، وقد لبستُه ليس من باب مُجاراة روح العصر، لأنِّي أعْلم أنَّ أشهر الألبسة قد ترتديها أجسادٌ بدون روح، ولكن ربَّما تضامناً مع امرئ يظهر بنفس السِّروال كل يوم دون أن يستثني أيام الأعياد على مدار السنة، حتى اكتسب هذا السروال بقوة الاستعمال الذي جعلته شاحباً مُمزقاً روح العصر وصار على الموضة !
11
كاد القمع أن يصبح فتيلا لا يحتاج لزيت أو بنزين كي يندلع، لولا أن السُّلطة تُجهِّز دائما المخزون الكافي من الشمع لتجعل شُعلته ذابلة، بل تُشجِّع على استعماله كإضاءة في الزوايا والأضرحة لجلْب الحظ ِّوالسيطرة على جيب الحبيب !
12
أغرب ما يحدث في زمننا أنْ يُصَاب رجلٌ بسكْتة قلبية وحين يفحصه الطبيب يجده بدون قلب!
محمد بشكار
............................................
افتتاحية ملحق"العلم الثقافي" ليوم الخميس 10 يونيو 2021
1
المُواطِن المغربي مُحتقرٌ في قطار "تي جي في" رغم أنَّه مُجرَّد خُردة مُسْتَوردة من العُهود الغابِرة للعجوز المتصابية اللعوب خالتهم فرنسا، والدليل واقعة الرجل الذي ركب بجانبي لأول مرة في البُراق، سَرقَتْهُ المسكين غفوةٌ وتجاوز في الحلم محطَّته التي دفع ثمنها تذكرة باهظة، وحين زاره المُراقب للمرَّة الثانية ووجد أنه زاد في سكة الحديد مسافة إضافية، طالبه بمبلغ آخر أكبر من جيبه، ضرب الرجل يده للجيب فاصطدم بجدار الإفلاس حين لم يجد المبلغ كاملا، يا للحرج الذي تفصَّد عرقا من الجبين، نظر حواليه وكأنه يسْتنجد بأقرب سطل، فلم يجد غير المُعاقِب أقصد المراقب يحمل آلته الإلكترونية على أهبة المصِّ لآخر عرق، اقترح عليه أن يؤدي المبلغ ببطاقة بنكية فقوبل طلبه بالرفض، تساءلتُ ألا يُمكن مع مرارة الحياة للسُّكَّر أن يهْبط في سُلَّم الدَّورة الدموية لمواطني هذا البلد من راكبي الخردة المغلَّفة بورق السلوفان، ألا يُمكن لله أن ينْفرد بعبارة سُبحان من لا يسهو ولا ينام، ما هذا الكُفر في تعامل موظفي الدَّابة البطيئة من حيث اللياقة مع الزبناء، بل إنَّ المُراقب المُتباهي برجل أمن يملأ كتفيه، طالب الرجل المُحترم الغارق في حرجه بالبطاقة الوطنية ليكنِّش له غرامة مُضاغفة ثلاث مرات عن التي طُولب بأدائها وهو على متْن القطار، لا أريد أن أحمِّل هذه الحادثة أكثر مما تحتمل، ولكن على بساطتها أيقنتُ أن المجتمع الذي يوتى بمثل هذا القطار سرعةً أكثر من إمكانياته الفكرية البطيئة، يجعلنا نعيش كل يوم حالة انتحار !
2
ما أسرع الخطى بالميِّت على الأكتاف إلى مسكنه الأخير، ما أثقلها عائدة للحياة العادية !
3
يفتح حساباً في الأنستغرام وهو لا يساوي في سوق البشرية نصف غرام !
4
من يُحافظ في جوقة العازفين على تناغم اللحن، ليس كمنْ يُسْقط الميزان بلحن مختلف !
5
لكثرة بطائقه المَرْصوصة البنيان في حافظة الجيب، ضاع اسمه وصار الناس يُنادونه بالعضو، غير أنَّه اختفى وكأنَّ الأرض ابتلعته منذ آخر جلسة معنا بالمقهى حين سأله معتوه عابر: هل بين بطائقه الكثيرة ما يصلُح لسحب الفلوس من الحائط !
6
لا يعترف إلا بالتاريخ الهِجْري، ولا يريد عنه بديلا يحصي الأيام والشُّهور ويعُدُّ السنوات، كان هجريا في كل أوقاته وربما حتى في ساعة اليد، وحين سألتُه يوماً لِمَ أنْت عكس التيار، أجابني بسؤال آخر: وهل تجد في التاريخ الميلادي مُناسبة أشهى منْ عيد الأضحى !
7
أغلب البكاء في الجنازة لا يكون بالضَّرورة على الميِّت ولكن شفقةً على أنفسنا من المصير المنتظر !
8
في أحد المقاهي، شاشتان من الحجم الكبير، أمّا التي على يميني فتذيع أغاني جورج وسوف بصورة ثابتة، وفي ذات البث تتدفَّقُ الشاشة على يساري من قناة عربية بكل ما استجدَّ من أخبار سياسية مع التركيز على البؤر المتوترة بالحروب، أذنٌ تسمع لجورج يُغنِّي عن اختلاجات الغرام وسُلطانه على القلوب، وأذنٌ تتابع كيف تسْتعرِض قِوى العالم ترْسانتها الحربية مُتباهية بصناعة الآلام، لا أعرف بأي الأذنين أحتفظ بعد أن انفصمتُ لاثنين من جراء هذا الدَّمار النَّفسي الخطير، ولكن المُشكلة هنا لا تكمن في الأخبار ولا في جورج وسوف، إنَّما في عبقرية صاحب المقهى الذي درس كل الأسواق، فتوصَّل أنه لا يمكن استدراج أكثر عدد من الزبائن إلا إذا ضرب الأذنين معاً بحجر واحد إرضاءً لجميع الأذواق !
9
أفظع الآلام ما لا نعرف مصدرهُ ونبحث عن مُسبِّباته في أقرب الناس الذين حولنا !
10
لا أعرف لماذا راقتْني موضة سروال الجينز المقطَّع، وقد لبستُه ليس من باب مُجاراة روح العصر، لأنِّي أعْلم أنَّ أشهر الألبسة قد ترتديها أجسادٌ بدون روح، ولكن ربَّما تضامناً مع امرئ يظهر بنفس السِّروال كل يوم دون أن يستثني أيام الأعياد على مدار السنة، حتى اكتسب هذا السروال بقوة الاستعمال الذي جعلته شاحباً مُمزقاً روح العصر وصار على الموضة !
11
كاد القمع أن يصبح فتيلا لا يحتاج لزيت أو بنزين كي يندلع، لولا أن السُّلطة تُجهِّز دائما المخزون الكافي من الشمع لتجعل شُعلته ذابلة، بل تُشجِّع على استعماله كإضاءة في الزوايا والأضرحة لجلْب الحظ ِّوالسيطرة على جيب الحبيب !
12
أغرب ما يحدث في زمننا أنْ يُصَاب رجلٌ بسكْتة قلبية وحين يفحصه الطبيب يجده بدون قلب!
محمد بشكار
............................................
افتتاحية ملحق"العلم الثقافي" ليوم الخميس 10 يونيو 2021
Mohamed Bachkar
Mohamed Bachkar is on Facebook. Join Facebook to connect with Mohamed Bachkar and others you may know. Facebook gives people the power to share and makes the world more open and connected.
www.facebook.com