اللوحة الأولى : الخبر
كلما اقترب موعد بداية شهر رمضان ، كلما كثرت التوقعات والتكهنات حول فترة الإغلاق ومنع التنقل . البعض افترض أن الجهات المسئولة قد تبدأ حظر التجول بعد منتصف الليل . والبعض الثاني قال بأنه سيبدأ مع الحادية عشرة ليلا . والبعض الثالث راهن على أن الحظر سيكون مباشرة بعد الإفطار .
وقد برر كل فريق موقفه بما انتهى إلى علمه من أخبار ومعطيات ، بعضها يتعلق بالوباء أو الصلاة ، وبعضها يتعلق بأحوال الناس . ورغم ذلك لم يعجب أي فريق التوقع الذي اختاره .
فجأة تدخلت الحكومة ، ووضعت حدا للشائعات ، وأصدرت بلاغا ، تُخبر فيه الناس بحظر الخروج ليلا ابتداء من الثامنة مساء إلى طلوع الشمس ، مع الإبقاء على مختلف التدابير الاحترازية السابقة طيلة شهر رمضان . وربطت القرار بالحفاظ على صحة المواطنين وسلامتهم ، بعد أن تلقت توصية أو تقريرا من اللجنة العلمية والتقنية للحد من انتشار فيروس كورونا مع ظهور السلالات الجديدة .
اللوحة الثانية : نرجس وهادي
سمعت نرجس الخبر في المذياع ، فخرجت من المطبخ ، مسحت يدها بالمنشفة ، وجلست على كرسي بالقرب من باب الصالون قبالة هادي ، وطفلهما الصغير الذي يلعب بالقفز فوق الفراش ، والسقوط على ظهره . قالت لزوجها ، وهي تضع يدها على رأسها :
ـ استحلفك بالله هل هذه حكومة ؟ لنفرض أن اللجنة العلمية معها حق فيما ذهبت إليه ، وتلك مهمتها ، هل ناقشت الحكومة انعكاسات هذا القرار الذي اتخذته على الناس ؟
رد هادي ، وهو يوافقها الرأي :
ـ واضح أنها تتهرب من المسؤولية ، وتريد أن تُلقي بها على اللجنة العلمية والتقنية .
طلبت نرجس من ابنها أن يتوقف عن القفز فوق الفراش ، لأن الجيران سيدقون الباب ، ويطلبون منها كف ابنها عن إزعاجهم ، ثم أضافت :
ـ نحن نسكن داخل قفص لا تتجاوز مساحته أربعة وخمسين مترا مربعا . مجرد المكوث يوما واحدا وراء هذه الجدران الإسمنتية ، يجعل الدم يصعد إلى الرأس ، وتشعر كأنك تغرق في بئر مظلمة خالية من الهواء والماء . والله لا أعرف كيف سنقضي شهرا كاملا في هذا الجُحر ؟!
أكثر من سنة وأنا عاطلة عن الشغل ، كل (الرياضات)* والمطاعم التي اشتغلت بها في السابق هي اليوم شبه مغلقة . ولأني مجرد عاملة موسمية غير مسجلة بصندوق الضمان الاجتماعي ، لم أتلق أي دعم من الحكومة .
أجهشت بالبكاء . مسحت دمعة سقطت فوق خدها . صمتت لحظة ، ثم أردفت :
ـ أحمدك يا رب . تصور لولا صديقتي مها ، التي تدعوني بين الحين والآخر لمساعدتها في تهيئ الحلويات ، لمُتنا من الجوع . الحمد لله على كل حال ، وضعنا أسوء من بعض الناس ، وأحسن من البعض الآخر .
حاول هادي تهدئتها :
ـ الله يهديك آ نرجس . العمل يظهر ويختفي ، والمال يأتي ويذهب ، لكن صحة الإنسان وحياته أهم . كلها أشهر معدودة ، وستُفرج بعد تعميم اللقاح على أغلب السكان . لسنا وحدنا نعاني من الإغلاق ، أو حظر التجوال في الليل .
أحست بحرقة في صدرها ، ومسحت جفنها ، ثم قالت محتجة ومتوعدة :
ـ وماذا سنعمل بهذه الصحة إذا لم نكن سعداء ؟ والله لن أسامح هذه الحكومة في دنيا ولا آخرة ، لأنها بتدبيرها الأعوج للأزمة ، جوعتنا وأذاقتنا مرارة العيش حتى كرهنا أنفسنا ، وها هي الآن ستخنقنا داخل هذه الأقفاص لمدة شهر أو أكثر بين العمل والمطبخ ، وتحرمنا من تنفس الأوكسيجين في الليل خارج هذا الاسمنت الذي ستتحول معه قلوبنا إلى قِطَع من حجر في شهر جعل الله الصيام فيه عبادة ، تغرس في الناس الحب والمودة والتضامن ومساعدة بعضهم البعض ؟!
اللوحة الثالثة : صاحب المقهى
عقد زُهير كل آماله بأن تعمل الحكومة على تقدير الأزمة الاجتماعية والاقتصادية التي يتخبط فيها الناس بعد انتشار الوباء، وتسمح للمقاهي بالعمل حتى منتصف الليل على الأقل .
مباريات كرة القدم ، ورمضان هما ذروة الموسم . بعد أكثر من أربعة أشهر من الإغلاق الكلي في الحجر الصحي ، تم السماح لهم بالعمل حتى الساعة الثامنة مساء ، مع حرمانهم من مداخيل مباريات كرة القدم التي تبدأ في هذا التوقيت .
جرت العادة قبل ظهور الوباء ، أن تمتلئ المقاهي عن آخرها . بعد الصلاة في رمضان ، يخرج الناس للتخلص من تعب العمل والصيام . بعض الزبائن يلعبون الورق ، والبعض يتبادل الحديث ، أو يطالع الجرائد ، وجزء ثالث عينه على الهاتف ، أو مؤخرات النساء اللواتي يتجولن في الشارع .
لو سمحوا له ، لغامر بتحويل المقهى إلى متجر لبيع الخضر والفواكه بشكل مؤقت . من قبل كانوا يسمحون له بالعمل حتى الساعة الثامنة مساء ، ما الذي سيتغير في رمضان ، لو انتقل العمل من النهار إلى الليل ؟ كان عليهم أن يقترحوا مثلا الاكتفاء بملأ نصف المقهى !
تارة يتخيل الكراء والضرائب ومصروف البيت وتراكم الديون وأجور العمال قطيعا من الكلاب ينبح من أمامه ومن خلفه وعلى يمينه ويساره . وتارة يحسّ كأن يدا ضخمة تشُدّه من عنقه ، وتضغط على رأسه ، وتسحبه تحت الماء وتخنقه . كوابيس أفسدت عليه شهر الغفران ، حتى كاد يكفر بالله ، ويرمي مفاتيح المقهى في الشارع ، وينزع سرواله ويجري ويصرخ مثل المجنون !
اللوحة الرابعة : النادل
على بعد أيام قليلة سيحل شهر الغفران ، ولكن عبد السلام أيضا سيتعرض للبطالة . قدّم لزبون طلباته ، وجلس إلى جانب طاولة بالقرب من باب المقهى . شدّ رأسه بين يديه ، أحسّ به يتقلقل مثل بيضة فاسدة . تطِنّ داخله فواتير الماء والكهرباء ووصل الكراء ومصاريف البيت في رمضان وصداع الأبناء والزوجة والجيران . تذكر نفسه عندما كان طفلا صغيرا ، يجري في الزقاق ، ويردد مع الفتيان : " بابا رمضاني عليك نبيع سروالي " . لكنه لم يتبق له سروال لبيعه من أجل رمضان . تمنى لو بقي طفلا ، ولم يكبر ، لما أوجعه رأسه الآن .
ألِف أن ينام إلى وقت متأخر من النهار في رمضان . يذهب إلى المقهى قبل الفطور .
العمل مع كثرة الزبائن ، وارتفاع دخل البقشيش ، يزيل عنه الإحساس بالتعب والإرهاق ، والبعد عن الأسرة . قبل آذان الفجر بقليل ، يعود حاملا كيسا صغيرا من البلاستيك مليئا بالتفاح والموز والليمون ، يُقدّمه رب العمل هدية له على ما يبذله من جهد ، وعلى حسن استقباله للزبائن ، والتحدث إليهم بلسان حلو . ربما ذلك ما جعله يثق فيه ، ويفضله على باقي العمال .
عندما يدخل البيت تنهض زوجته ، وتأخذ الكيس إلى المطبخ ، وتطبع قبلة على خده الأيسر كأنها تشكره ، وتكافؤه على الاعتناء ببيته .
كل شيء انتهى الآن . إذا لم يعمل ، لن يأكل أحد في البيت . بؤس السنة الماضية سيتكرر ، وستتكرر معه المشاكل والخناقات مع الزوجة والجيران . في العام الفائت أنقذه الدعم ، وصاحب المقهى الذي مَدّهُ بسُلفة ، فحَلّ نصف المشاكل . هذه السنة الحكومة سكتت عن الدعم ، ورب العمل هو أيضا في حاجة إلى من يُنقذه . طيلة الموسم وهو يشكو حاجته إلى المال لتسديد ديونه . أقسم له يوما ، وهو يؤدي له أجره ، بأنه أفلس في وقت الحجر الصحي ، وباع ذهب زوجته لكي يأكل ، ويذهب أبناؤه إلى المدرسة .
حتى التدوينة التي نشرها بعض الفضلاء في وسائل التواصل الاجتماعي ، ودعوا من خلالها إلى التضامن مع عمال المقاهي بالتبرع بثمن فنجان قهوة كل ليلة طيلة شهر رمضان أي بحوالي ثلاثمائة درهم ، أو حسب ما تسمح به ظروفهم المادية ، بقيت مجرد أمنية لم يعمل بها إلا القليل من أولاد الناس* الذين لازالت القيم النبيلة تسري في دمائهم .
اللوحة الخامسة : التاجر الصغير
أكثر من سنة وهو يتخبط في الأزمة . خمسة أشهر إغلاق . اختفى السياح الأجانب والقادمين من خارج المدينة ، كأن الأرض ابتلعتهما . أصبح السوق أشد برودة من مؤخرة صائد الأسماك . التجار بالجملة يريدون نقودهم . في كل مرة يهددونه بدفع الشيكات إلى البنك . منذ فتح الدكان بعد الحجر الصحي تقلص الإقبال على شراء البضاعة بشكل مخيف . الدخل لا يكاد يتجاوز أجر العامل الذي يشتغل معه . المسكين متزوج ، وله ابن ، ويصرف على أمه وأخته . تنازل له في البداية عن الدعم الهزيل الذي خصصته الحكومة لبعض التجار الصغار ، ثم ترك له الدكان بما فيه ، ولم يعد ينزل إلى السوق . رأسه توجعه من كثرة المشاكل بعد أن استهلك أغلب مدخراته . وهذه الحكومة بدل من أن تقف إلى جانبه ، وتساعده للخروج من هذه المحنة ، زادته محنة أخرى بما سمته الضريبة الموحدة ، بعد دمج الضريبة على الدخل مع الضريبة على المهنة ، وتضمينها مساهمة التجار ، لتمويل تغطيتهم الصحية .
اللوحة السادسة : المدرس
قبل أيام أصدرت العمالة في العاصمة بلاغا ، أعلنت فيه منع الاحتجاجات لدواعي ترتبط بالإجراءات الاحترازية ضد فيروس كورونا . قبل أسبوع من حلول شهر رمضان شارك طاهر في إضراب دعا إليه زملاؤه مع تنفيذ أشكال احتجاجية في العاصمة . منذ ثلاث سنوات وهم يرفعون شعار إلغاء التعاقد ، والمطالبة بالإدماج في الوظيفة العمومية ، وإنقاذ المدرسة العمومية ، والمماثلة بينهم وبين من اشتغل قبلهم في هذا الميدان . وهي مطالب تبدو مشروعة . يخوضون معركة إعلامية غير متكافئة مع وزير التربية الذي يخرج بين الفينة والأخرى بتصريح يُعلن فيه بأنه لم يعد هناك شيء اسمه التعاقد ، ويؤكد بأنه حلّ محلّه مُصطلح جديد هو (موظفو الأكاديميات) . ويعزف من حين لآخر على وتر الأزمة التي يمر منها البلد بفعل جائحة كورونا ، ويُلمّح إلى أن الموظفين الجدد في قطاع التعليم
العمومي يتقاضون في بداية مشوارهم العملي أجرا لا يقلّ عن ستة آلاف درهم .
في كل مرة يجد أحمد نفسه وجها لوجه مع قوى القمع . في المرة السابقة أسقطه وركله شخص قيل بأنه مشروع عون سلطة . اليوم كسّرت ذراعه شرطة مكافحة الشغب بالزيّ الرّسمي ، ونادت له على سيارة الإسعاف ونقلته إلى المستشفى . وبمجرد ما قضى يومين بعد أن عالجه الطبيب ، خرج في الصباح الباكر ، وعاد إلى البلدة بقرب أسرته ، بعد أن توسلت إليه أمه ، وخيّرته بين الرضا والسخط . أمه لا تفهم شيئا في التوظيف أو السياسة ، تثق بابنها أكثر من الحكومة ، لكنها تخاف مثل أي أم ، أن يتعرض للسجن أو الطرد ، ويصبح (لا حمار ولا سبعة فرانك)* ، بعد أن ذاقت الويلات ، وهي تدعو له صباح مساء بأن يفرجها الله معه ، ويجد شغلا ، ويستقر حاله ، وتختار له بنت الناس ، أو يختار هو العروسة ، وتخطبها له على الأقل . لا زالت تنتظر أن يستجيب الله لأمنيتها ، قبل أن يخطفها الموت . وتعتقد بأن يوم زواجه ، سيكون أسعد يوم في حياتها .
اللوحة السابعة : عبد الله
تناهى إلى علمه إشاعة في وسائل التواصل الاجتماعي ، تقول بأن المسئولين سيسمحون بفتح المقاهي بعد الإفطار ، لكنهم بالمقابل سيمنعون الناس من أداء صلاة التراويح في المساجد والساحات .
تساءل عبد الله مع نفسه :
ـ الكفرة بالله ! كيف يسمحون لأنفسهم بمنع الصلاة ، وإغلاق بيوت الله في شهر العبادة والغفران ؟!
ـ وما العيب في ذلك يا عبد الله ؟! ألم يفعلوها في السنة الماضية بدعوى الوباء ؟
ثم رد على أسئلته :
ـ ولكنهم في الحقيقة لم يمنعوا صلاة التراويح داخل البيوت . هم فقط قالوا بأنها قد تشكل خطرا على صحة المواطنين في زمن الوباء .
وقد قرأتَ لفقيه يرأسُ مجلسا علميا قوله ، بأن صلاة التراويح في البيوت جائزة "بل هي الأصل في فعل النبي صلى الله عليه وسلم ، بعد خروجه مرتين أو ثلاث مرات حيث أم المصلين ، ثم اكتفى بالصلاة في البيت ، وصار الناس يصلي كل واحد بنفسه " . وأضاف : "حتى جاء سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه فجمع الناس في التراويح على إمام واحد .
ورغم أنه برر موقفه بانتشار الوباء ، فقد ردّ عليه بعض الشيوخ ، وسفّهوا كلامه . وقد عُدتَ أمام هذه الفوضى في التأويل والقراءة إلى الشيخ جوجل ، ووجدت كلام الرجل صحيحا .
ولماذا لا تصارح نفسك ، وتقول الحقيقة التي لا يعلمها إلا الله وأنت والقليل من أهلك ، وهي أنك لم تعد تذهب إلى المسجد لأداء صلاة الجمعة . وقد لاحظت بأم عينيك ، كيف يبدأ الناس بالتباعد ، وبمجرد انتهاء الإمام من الخطبة ، والإعلان عن بداية الصلاة يتقدمون بجوار بعضهم ، ويتراصون في الصفوف ، وتتلاصق الأجسام خوفا من دخول الشيطان بينها . وقد تخليت عن أدائها ، بمحض إرادتك ، خوفا على نفسك ، وعلى أسرتك من الهلاك .
وهذه تركيا دولة (الإخوان المسلمين) العظمى التي بايع البعض خليفتها العثماني ، منعت هي الأخرى صلاة التراويح في المساجد والساحات ، والغريب أن أحدا لم يصفها بالكفر والإلحاد .
والله لم يعد الإنسان يعرف ماذا يُسبّق ؟! وماذا يُؤخّر ؟! اللهم ارزقنا حسن الخاتمة .
خشي أن يكون قد تحدث بصوت مرتفع . تمعن قليلا فيما يجري حوله حتى تأكد بأن لا أحد ينظر إليه . الناس أصبحت هذه الأيام تخاف من كل شيء . تخاف من الجدران والهواتف والساعات والتلفزيون . كل شيء اليوم قد يتجسس عليك حتى وأنت نائم داخل غرفة بجانب زوجتك .
ثم تحدث لنفسه دون أن ينبس بكلمة :
ـ والله سبحانه أعلم بمضار الوباء على عباده . ورحمتُه ومغفرتُه تسعان الجميع ، ولكنه قد يكون شديد العقاب مع المشايخ الذين يتلاعبون بكلامه ، ويبتغون من وراء ذلك متاع الدنيا ، ويتظاهرون بالعكس ، وإلا من أين جاءتهم كل هذه السيارات الفارهة ، والألبسة الفاخرة التي يأتون بها إلى الصلاة ؟! وأنت العبد الضعيف تعمل وتكد مثل حمار الطاحونة ، وتُصلي وتصوم وتُصدق منذ سنوات طويلة ، ولا تملك سوى هذه الدراجة الملعونة التي تتركها في عهدة الحارس ، وتضع يدك على قلبك ، وتدعو الله ألا تُسرق منك ، وتعود إلى البيت راجلا . ألم يسرقوا من قبل هاتفك وحقيبة نقودك ، وأرسلوك غاضبا وحزينا إلى البيت ، تكاد تبكي مما ألم بك داخل بيت الله !؟
اللوحة الثامنة : الفيل يا ملك الزمان
لم يظهر زكريا* للَمّ شمل هذا الشُّتات المتضرر من آثار الوباء ، وما صاحبه من إغلاق وكساد ، وللاتفاق على رفع شكوى جماعية للمسئولين .
اجتمع الناس كما فعل سكان القرية التي عبث فيل الحاكم بممتلكاتهم .
تشجع المتضررون ، ودربوا بعضهم البعض على ما سيقولونه بشكل جماعي في شكواهم . وعندما استقبلهم الحاكم ، وسألهم عن طلباتهم ، أجابوا بصوت واحد :
ـ الفيل يا ملك الزمان ؟!
كرروها مرتين ، ثم مرة ثالثة . ، فسألهم غاضبا :
ـ ما شأن الفيل ؟!
سيطر عليهم الخوف والهلع ، ولم يجرُؤ أحد على البوح بالحقيقة . تجمدت الكلمات في الحلوق ! ثم انفجروا مرددين بصوت واحد ، ومن غير تفكير أو اتفاق مسبق :
ـ الفيل يا ملك الزمان ، تنقصه فيلة !؟!
ابتسم الحاكم ، وتنفسوا الصعداء ، كأنهم أزالوا حملا ثقيلا على أكتافهم . أمرهم بالبحث عن فيلة ، وإقامة حفل زفاف للفيل ، يستغرق سبعة أيام وليال من الرقص والغناء والطعام ، حتى تعم الفرحة كل الأرجاء .
المعجم :
ـ (الرياضات) : ج رياض ، دور كبيرة بأحياء المدينة القديمة ، مخصصة للسياح .
ـ أولاد الناس : تعبير عامي في المغرب يعني الأبناء الذين تربوا في أسر محترمة لازالت تؤمن بالقيم النبيلة .
ـ (لا حمار ولا سبعة فرانك) مثل شعبي يقال لمن خرج من صراع أو معركة خاوي الوفاض .
ـ زكريا : إحدى شخصيات مسرحية "الفيل يا ملك الزمان" لسعد الله ونوس .
مراكش 08 أبريل 2021
كلما اقترب موعد بداية شهر رمضان ، كلما كثرت التوقعات والتكهنات حول فترة الإغلاق ومنع التنقل . البعض افترض أن الجهات المسئولة قد تبدأ حظر التجول بعد منتصف الليل . والبعض الثاني قال بأنه سيبدأ مع الحادية عشرة ليلا . والبعض الثالث راهن على أن الحظر سيكون مباشرة بعد الإفطار .
وقد برر كل فريق موقفه بما انتهى إلى علمه من أخبار ومعطيات ، بعضها يتعلق بالوباء أو الصلاة ، وبعضها يتعلق بأحوال الناس . ورغم ذلك لم يعجب أي فريق التوقع الذي اختاره .
فجأة تدخلت الحكومة ، ووضعت حدا للشائعات ، وأصدرت بلاغا ، تُخبر فيه الناس بحظر الخروج ليلا ابتداء من الثامنة مساء إلى طلوع الشمس ، مع الإبقاء على مختلف التدابير الاحترازية السابقة طيلة شهر رمضان . وربطت القرار بالحفاظ على صحة المواطنين وسلامتهم ، بعد أن تلقت توصية أو تقريرا من اللجنة العلمية والتقنية للحد من انتشار فيروس كورونا مع ظهور السلالات الجديدة .
اللوحة الثانية : نرجس وهادي
سمعت نرجس الخبر في المذياع ، فخرجت من المطبخ ، مسحت يدها بالمنشفة ، وجلست على كرسي بالقرب من باب الصالون قبالة هادي ، وطفلهما الصغير الذي يلعب بالقفز فوق الفراش ، والسقوط على ظهره . قالت لزوجها ، وهي تضع يدها على رأسها :
ـ استحلفك بالله هل هذه حكومة ؟ لنفرض أن اللجنة العلمية معها حق فيما ذهبت إليه ، وتلك مهمتها ، هل ناقشت الحكومة انعكاسات هذا القرار الذي اتخذته على الناس ؟
رد هادي ، وهو يوافقها الرأي :
ـ واضح أنها تتهرب من المسؤولية ، وتريد أن تُلقي بها على اللجنة العلمية والتقنية .
طلبت نرجس من ابنها أن يتوقف عن القفز فوق الفراش ، لأن الجيران سيدقون الباب ، ويطلبون منها كف ابنها عن إزعاجهم ، ثم أضافت :
ـ نحن نسكن داخل قفص لا تتجاوز مساحته أربعة وخمسين مترا مربعا . مجرد المكوث يوما واحدا وراء هذه الجدران الإسمنتية ، يجعل الدم يصعد إلى الرأس ، وتشعر كأنك تغرق في بئر مظلمة خالية من الهواء والماء . والله لا أعرف كيف سنقضي شهرا كاملا في هذا الجُحر ؟!
أكثر من سنة وأنا عاطلة عن الشغل ، كل (الرياضات)* والمطاعم التي اشتغلت بها في السابق هي اليوم شبه مغلقة . ولأني مجرد عاملة موسمية غير مسجلة بصندوق الضمان الاجتماعي ، لم أتلق أي دعم من الحكومة .
أجهشت بالبكاء . مسحت دمعة سقطت فوق خدها . صمتت لحظة ، ثم أردفت :
ـ أحمدك يا رب . تصور لولا صديقتي مها ، التي تدعوني بين الحين والآخر لمساعدتها في تهيئ الحلويات ، لمُتنا من الجوع . الحمد لله على كل حال ، وضعنا أسوء من بعض الناس ، وأحسن من البعض الآخر .
حاول هادي تهدئتها :
ـ الله يهديك آ نرجس . العمل يظهر ويختفي ، والمال يأتي ويذهب ، لكن صحة الإنسان وحياته أهم . كلها أشهر معدودة ، وستُفرج بعد تعميم اللقاح على أغلب السكان . لسنا وحدنا نعاني من الإغلاق ، أو حظر التجوال في الليل .
أحست بحرقة في صدرها ، ومسحت جفنها ، ثم قالت محتجة ومتوعدة :
ـ وماذا سنعمل بهذه الصحة إذا لم نكن سعداء ؟ والله لن أسامح هذه الحكومة في دنيا ولا آخرة ، لأنها بتدبيرها الأعوج للأزمة ، جوعتنا وأذاقتنا مرارة العيش حتى كرهنا أنفسنا ، وها هي الآن ستخنقنا داخل هذه الأقفاص لمدة شهر أو أكثر بين العمل والمطبخ ، وتحرمنا من تنفس الأوكسيجين في الليل خارج هذا الاسمنت الذي ستتحول معه قلوبنا إلى قِطَع من حجر في شهر جعل الله الصيام فيه عبادة ، تغرس في الناس الحب والمودة والتضامن ومساعدة بعضهم البعض ؟!
اللوحة الثالثة : صاحب المقهى
عقد زُهير كل آماله بأن تعمل الحكومة على تقدير الأزمة الاجتماعية والاقتصادية التي يتخبط فيها الناس بعد انتشار الوباء، وتسمح للمقاهي بالعمل حتى منتصف الليل على الأقل .
مباريات كرة القدم ، ورمضان هما ذروة الموسم . بعد أكثر من أربعة أشهر من الإغلاق الكلي في الحجر الصحي ، تم السماح لهم بالعمل حتى الساعة الثامنة مساء ، مع حرمانهم من مداخيل مباريات كرة القدم التي تبدأ في هذا التوقيت .
جرت العادة قبل ظهور الوباء ، أن تمتلئ المقاهي عن آخرها . بعد الصلاة في رمضان ، يخرج الناس للتخلص من تعب العمل والصيام . بعض الزبائن يلعبون الورق ، والبعض يتبادل الحديث ، أو يطالع الجرائد ، وجزء ثالث عينه على الهاتف ، أو مؤخرات النساء اللواتي يتجولن في الشارع .
لو سمحوا له ، لغامر بتحويل المقهى إلى متجر لبيع الخضر والفواكه بشكل مؤقت . من قبل كانوا يسمحون له بالعمل حتى الساعة الثامنة مساء ، ما الذي سيتغير في رمضان ، لو انتقل العمل من النهار إلى الليل ؟ كان عليهم أن يقترحوا مثلا الاكتفاء بملأ نصف المقهى !
تارة يتخيل الكراء والضرائب ومصروف البيت وتراكم الديون وأجور العمال قطيعا من الكلاب ينبح من أمامه ومن خلفه وعلى يمينه ويساره . وتارة يحسّ كأن يدا ضخمة تشُدّه من عنقه ، وتضغط على رأسه ، وتسحبه تحت الماء وتخنقه . كوابيس أفسدت عليه شهر الغفران ، حتى كاد يكفر بالله ، ويرمي مفاتيح المقهى في الشارع ، وينزع سرواله ويجري ويصرخ مثل المجنون !
اللوحة الرابعة : النادل
على بعد أيام قليلة سيحل شهر الغفران ، ولكن عبد السلام أيضا سيتعرض للبطالة . قدّم لزبون طلباته ، وجلس إلى جانب طاولة بالقرب من باب المقهى . شدّ رأسه بين يديه ، أحسّ به يتقلقل مثل بيضة فاسدة . تطِنّ داخله فواتير الماء والكهرباء ووصل الكراء ومصاريف البيت في رمضان وصداع الأبناء والزوجة والجيران . تذكر نفسه عندما كان طفلا صغيرا ، يجري في الزقاق ، ويردد مع الفتيان : " بابا رمضاني عليك نبيع سروالي " . لكنه لم يتبق له سروال لبيعه من أجل رمضان . تمنى لو بقي طفلا ، ولم يكبر ، لما أوجعه رأسه الآن .
ألِف أن ينام إلى وقت متأخر من النهار في رمضان . يذهب إلى المقهى قبل الفطور .
العمل مع كثرة الزبائن ، وارتفاع دخل البقشيش ، يزيل عنه الإحساس بالتعب والإرهاق ، والبعد عن الأسرة . قبل آذان الفجر بقليل ، يعود حاملا كيسا صغيرا من البلاستيك مليئا بالتفاح والموز والليمون ، يُقدّمه رب العمل هدية له على ما يبذله من جهد ، وعلى حسن استقباله للزبائن ، والتحدث إليهم بلسان حلو . ربما ذلك ما جعله يثق فيه ، ويفضله على باقي العمال .
عندما يدخل البيت تنهض زوجته ، وتأخذ الكيس إلى المطبخ ، وتطبع قبلة على خده الأيسر كأنها تشكره ، وتكافؤه على الاعتناء ببيته .
كل شيء انتهى الآن . إذا لم يعمل ، لن يأكل أحد في البيت . بؤس السنة الماضية سيتكرر ، وستتكرر معه المشاكل والخناقات مع الزوجة والجيران . في العام الفائت أنقذه الدعم ، وصاحب المقهى الذي مَدّهُ بسُلفة ، فحَلّ نصف المشاكل . هذه السنة الحكومة سكتت عن الدعم ، ورب العمل هو أيضا في حاجة إلى من يُنقذه . طيلة الموسم وهو يشكو حاجته إلى المال لتسديد ديونه . أقسم له يوما ، وهو يؤدي له أجره ، بأنه أفلس في وقت الحجر الصحي ، وباع ذهب زوجته لكي يأكل ، ويذهب أبناؤه إلى المدرسة .
حتى التدوينة التي نشرها بعض الفضلاء في وسائل التواصل الاجتماعي ، ودعوا من خلالها إلى التضامن مع عمال المقاهي بالتبرع بثمن فنجان قهوة كل ليلة طيلة شهر رمضان أي بحوالي ثلاثمائة درهم ، أو حسب ما تسمح به ظروفهم المادية ، بقيت مجرد أمنية لم يعمل بها إلا القليل من أولاد الناس* الذين لازالت القيم النبيلة تسري في دمائهم .
اللوحة الخامسة : التاجر الصغير
أكثر من سنة وهو يتخبط في الأزمة . خمسة أشهر إغلاق . اختفى السياح الأجانب والقادمين من خارج المدينة ، كأن الأرض ابتلعتهما . أصبح السوق أشد برودة من مؤخرة صائد الأسماك . التجار بالجملة يريدون نقودهم . في كل مرة يهددونه بدفع الشيكات إلى البنك . منذ فتح الدكان بعد الحجر الصحي تقلص الإقبال على شراء البضاعة بشكل مخيف . الدخل لا يكاد يتجاوز أجر العامل الذي يشتغل معه . المسكين متزوج ، وله ابن ، ويصرف على أمه وأخته . تنازل له في البداية عن الدعم الهزيل الذي خصصته الحكومة لبعض التجار الصغار ، ثم ترك له الدكان بما فيه ، ولم يعد ينزل إلى السوق . رأسه توجعه من كثرة المشاكل بعد أن استهلك أغلب مدخراته . وهذه الحكومة بدل من أن تقف إلى جانبه ، وتساعده للخروج من هذه المحنة ، زادته محنة أخرى بما سمته الضريبة الموحدة ، بعد دمج الضريبة على الدخل مع الضريبة على المهنة ، وتضمينها مساهمة التجار ، لتمويل تغطيتهم الصحية .
اللوحة السادسة : المدرس
قبل أيام أصدرت العمالة في العاصمة بلاغا ، أعلنت فيه منع الاحتجاجات لدواعي ترتبط بالإجراءات الاحترازية ضد فيروس كورونا . قبل أسبوع من حلول شهر رمضان شارك طاهر في إضراب دعا إليه زملاؤه مع تنفيذ أشكال احتجاجية في العاصمة . منذ ثلاث سنوات وهم يرفعون شعار إلغاء التعاقد ، والمطالبة بالإدماج في الوظيفة العمومية ، وإنقاذ المدرسة العمومية ، والمماثلة بينهم وبين من اشتغل قبلهم في هذا الميدان . وهي مطالب تبدو مشروعة . يخوضون معركة إعلامية غير متكافئة مع وزير التربية الذي يخرج بين الفينة والأخرى بتصريح يُعلن فيه بأنه لم يعد هناك شيء اسمه التعاقد ، ويؤكد بأنه حلّ محلّه مُصطلح جديد هو (موظفو الأكاديميات) . ويعزف من حين لآخر على وتر الأزمة التي يمر منها البلد بفعل جائحة كورونا ، ويُلمّح إلى أن الموظفين الجدد في قطاع التعليم
العمومي يتقاضون في بداية مشوارهم العملي أجرا لا يقلّ عن ستة آلاف درهم .
في كل مرة يجد أحمد نفسه وجها لوجه مع قوى القمع . في المرة السابقة أسقطه وركله شخص قيل بأنه مشروع عون سلطة . اليوم كسّرت ذراعه شرطة مكافحة الشغب بالزيّ الرّسمي ، ونادت له على سيارة الإسعاف ونقلته إلى المستشفى . وبمجرد ما قضى يومين بعد أن عالجه الطبيب ، خرج في الصباح الباكر ، وعاد إلى البلدة بقرب أسرته ، بعد أن توسلت إليه أمه ، وخيّرته بين الرضا والسخط . أمه لا تفهم شيئا في التوظيف أو السياسة ، تثق بابنها أكثر من الحكومة ، لكنها تخاف مثل أي أم ، أن يتعرض للسجن أو الطرد ، ويصبح (لا حمار ولا سبعة فرانك)* ، بعد أن ذاقت الويلات ، وهي تدعو له صباح مساء بأن يفرجها الله معه ، ويجد شغلا ، ويستقر حاله ، وتختار له بنت الناس ، أو يختار هو العروسة ، وتخطبها له على الأقل . لا زالت تنتظر أن يستجيب الله لأمنيتها ، قبل أن يخطفها الموت . وتعتقد بأن يوم زواجه ، سيكون أسعد يوم في حياتها .
اللوحة السابعة : عبد الله
تناهى إلى علمه إشاعة في وسائل التواصل الاجتماعي ، تقول بأن المسئولين سيسمحون بفتح المقاهي بعد الإفطار ، لكنهم بالمقابل سيمنعون الناس من أداء صلاة التراويح في المساجد والساحات .
تساءل عبد الله مع نفسه :
ـ الكفرة بالله ! كيف يسمحون لأنفسهم بمنع الصلاة ، وإغلاق بيوت الله في شهر العبادة والغفران ؟!
ـ وما العيب في ذلك يا عبد الله ؟! ألم يفعلوها في السنة الماضية بدعوى الوباء ؟
ثم رد على أسئلته :
ـ ولكنهم في الحقيقة لم يمنعوا صلاة التراويح داخل البيوت . هم فقط قالوا بأنها قد تشكل خطرا على صحة المواطنين في زمن الوباء .
وقد قرأتَ لفقيه يرأسُ مجلسا علميا قوله ، بأن صلاة التراويح في البيوت جائزة "بل هي الأصل في فعل النبي صلى الله عليه وسلم ، بعد خروجه مرتين أو ثلاث مرات حيث أم المصلين ، ثم اكتفى بالصلاة في البيت ، وصار الناس يصلي كل واحد بنفسه " . وأضاف : "حتى جاء سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه فجمع الناس في التراويح على إمام واحد .
ورغم أنه برر موقفه بانتشار الوباء ، فقد ردّ عليه بعض الشيوخ ، وسفّهوا كلامه . وقد عُدتَ أمام هذه الفوضى في التأويل والقراءة إلى الشيخ جوجل ، ووجدت كلام الرجل صحيحا .
ولماذا لا تصارح نفسك ، وتقول الحقيقة التي لا يعلمها إلا الله وأنت والقليل من أهلك ، وهي أنك لم تعد تذهب إلى المسجد لأداء صلاة الجمعة . وقد لاحظت بأم عينيك ، كيف يبدأ الناس بالتباعد ، وبمجرد انتهاء الإمام من الخطبة ، والإعلان عن بداية الصلاة يتقدمون بجوار بعضهم ، ويتراصون في الصفوف ، وتتلاصق الأجسام خوفا من دخول الشيطان بينها . وقد تخليت عن أدائها ، بمحض إرادتك ، خوفا على نفسك ، وعلى أسرتك من الهلاك .
وهذه تركيا دولة (الإخوان المسلمين) العظمى التي بايع البعض خليفتها العثماني ، منعت هي الأخرى صلاة التراويح في المساجد والساحات ، والغريب أن أحدا لم يصفها بالكفر والإلحاد .
والله لم يعد الإنسان يعرف ماذا يُسبّق ؟! وماذا يُؤخّر ؟! اللهم ارزقنا حسن الخاتمة .
خشي أن يكون قد تحدث بصوت مرتفع . تمعن قليلا فيما يجري حوله حتى تأكد بأن لا أحد ينظر إليه . الناس أصبحت هذه الأيام تخاف من كل شيء . تخاف من الجدران والهواتف والساعات والتلفزيون . كل شيء اليوم قد يتجسس عليك حتى وأنت نائم داخل غرفة بجانب زوجتك .
ثم تحدث لنفسه دون أن ينبس بكلمة :
ـ والله سبحانه أعلم بمضار الوباء على عباده . ورحمتُه ومغفرتُه تسعان الجميع ، ولكنه قد يكون شديد العقاب مع المشايخ الذين يتلاعبون بكلامه ، ويبتغون من وراء ذلك متاع الدنيا ، ويتظاهرون بالعكس ، وإلا من أين جاءتهم كل هذه السيارات الفارهة ، والألبسة الفاخرة التي يأتون بها إلى الصلاة ؟! وأنت العبد الضعيف تعمل وتكد مثل حمار الطاحونة ، وتُصلي وتصوم وتُصدق منذ سنوات طويلة ، ولا تملك سوى هذه الدراجة الملعونة التي تتركها في عهدة الحارس ، وتضع يدك على قلبك ، وتدعو الله ألا تُسرق منك ، وتعود إلى البيت راجلا . ألم يسرقوا من قبل هاتفك وحقيبة نقودك ، وأرسلوك غاضبا وحزينا إلى البيت ، تكاد تبكي مما ألم بك داخل بيت الله !؟
اللوحة الثامنة : الفيل يا ملك الزمان
لم يظهر زكريا* للَمّ شمل هذا الشُّتات المتضرر من آثار الوباء ، وما صاحبه من إغلاق وكساد ، وللاتفاق على رفع شكوى جماعية للمسئولين .
اجتمع الناس كما فعل سكان القرية التي عبث فيل الحاكم بممتلكاتهم .
تشجع المتضررون ، ودربوا بعضهم البعض على ما سيقولونه بشكل جماعي في شكواهم . وعندما استقبلهم الحاكم ، وسألهم عن طلباتهم ، أجابوا بصوت واحد :
ـ الفيل يا ملك الزمان ؟!
كرروها مرتين ، ثم مرة ثالثة . ، فسألهم غاضبا :
ـ ما شأن الفيل ؟!
سيطر عليهم الخوف والهلع ، ولم يجرُؤ أحد على البوح بالحقيقة . تجمدت الكلمات في الحلوق ! ثم انفجروا مرددين بصوت واحد ، ومن غير تفكير أو اتفاق مسبق :
ـ الفيل يا ملك الزمان ، تنقصه فيلة !؟!
ابتسم الحاكم ، وتنفسوا الصعداء ، كأنهم أزالوا حملا ثقيلا على أكتافهم . أمرهم بالبحث عن فيلة ، وإقامة حفل زفاف للفيل ، يستغرق سبعة أيام وليال من الرقص والغناء والطعام ، حتى تعم الفرحة كل الأرجاء .
المعجم :
ـ (الرياضات) : ج رياض ، دور كبيرة بأحياء المدينة القديمة ، مخصصة للسياح .
ـ أولاد الناس : تعبير عامي في المغرب يعني الأبناء الذين تربوا في أسر محترمة لازالت تؤمن بالقيم النبيلة .
ـ (لا حمار ولا سبعة فرانك) مثل شعبي يقال لمن خرج من صراع أو معركة خاوي الوفاض .
ـ زكريا : إحدى شخصيات مسرحية "الفيل يا ملك الزمان" لسعد الله ونوس .
مراكش 08 أبريل 2021