ولتعلم يا عزيزي القارئ أنك وفي الوقت الذي تقرأه به هذا السطر الأخير من روايتي سيكون جسدي مجرد نقطة ماء تجري مع النهر إلى محيطه الأخير.. إلى مصبه الأخير...
أنهى صاحب دار النشر قراءة الرواية التي انتهت بهذا السطر والذي يعد خاتمة صادمة وجيدة لما سبقه من أحداث. لكن قشعريرة عبرت جسده عندما عبرته هذه الكلمات.. راح يسترجع أخر حوار له مع كاتب هذا العمل ونظرات الإصرار على قراءة الرواية بأسرع وقت لتقييم إن كانت الدار ستقوم بطباعتها أم لا..
يذكر كم كان الكاتب دميم الوجه و شكله منفر للعين ولكن في نظراته طفى حزن عارم طغى على كل ملامح القبح في وجهه.
_ لا.. لا.. هذا مجرد فخ يحاول الكاتب إيقاع القارئ به لا أكثر.. لقد لعبها صح في هذه النهاية الصادمة. علق معجبًا..
_ وماذا إن كان ما تفكر به صحيحًا؟ ردد صوت بداخله..
_ هل يعقل أنه أقدم على الانتحار حقًا؟
عادت القشعريرة لجسده بطريقة جعلته يرتعش وعاد بسرعة إلى مكان ما في وسط الرواية يشرح فيه الكاتب عن المكان الذي يفكر فيه البطل بالانتحار ووضع حد لحياته بسبب تنمر الأخرين على إعاقته الجسدية ..
ولكن الكاتب ليس بمعاق...
_ ولكنه دميم الخلق مما يدفع الناس للاستهزاء به أكثر مما فعلوا مع بطلنا المعاق جسديًا في الرواية. تمتم محتارًا.
عاد للقراءة بتمعن يحاول التكهن بحقيقة وجود هذا المكان على أرض الواقع أم لا..
_ ممممم لقد نال مني هذا الكاتب ووصل لما يريد بهذا السطر الأخير. إنها فقط نهاية البطل لا أكثر.. جميل جميل..
أغلق الكتاب مقررًا الاتصال بالكاتب في الصباح ليعلمه بموافقته على طباعة العمل.
خلد إلى نومه وراح السطر الأخير يقتحم أفكاره وحلمه بشكل ملح إلى أن استفاق منزعجًا بناء على إلحاح السطر عليه بالاستيقاظ .
_ حسنًا ولو أن الوقت منتصف الليل لكني سأكلمه الأن وسأوبخه مازحًا على قدرته على إثارة القلق بداخلي بسبب سطره الأخير هذا..
رن الهاتف كثيرًا ورغم إصراره على إعادة الاتصال مرة تلو الأخرى لكن شيء ما كان يخبره أنه لن يجيب، وبات مشوشًا بين ما يشعر به من قلق وبين النهاية الذكية التي أنهى الكاتب بها عمله.
_ هذا الدميم اللعين .. لقد أصاب مقتلي في جملته هذه ،إنه ذكي بالفعل رغم قباحته..
_ هل فهمت الأن لماذا من الممكن أن يكون ما كتبه حقيقة؟ زجر نفسه غاضبا .
ها أنت تنعته بالدميم اللعين أخر المطاف، فهل تتخيل كم شخصًا مثلك ربما رموا هذه الكلمة في وجهه دون رحمة؟ هذه الجملة حقيقية وربما لازال هناك وقت لتنقذه من مصير سيقدم عليه.
هب من سريره في الحال خجلًا من نعته للكاتب بهذه الكلمة وخاصة بعد أن قرأ روايته التي عبر بها بشكل موجع عن معاناة ذلك البطل المعاق مع البشر .
_ بشر؟؟ نحن لسنا ب بشر ..نحن أقل شأنًا من الحيوانات بوضاعتنا هذه..
تبًا لنا من تافهين..
أرتدى ثيابه بسرعة وكانت الساعة قد قاربت على الرابعة صباحًا واتجه إلى أقرب مخفر شرطة . لا يعلم ماذا سيكون ردهم على ما سيقول لكن يجب عليه أن يفعل شيئا .. أجل ربما هذه رسالة كان يقولها الكاتب في نظرات الحزن التي رشقه بها وهو يطلب بإصرار قراءة العمل بأسرع وقت ممكن.
طريقة شرح ما حدث معه لرئيس قسم الشرطة ومساعديه وقدومه في هذا الوقت الباكر جدًا حفز شيء بداخلهم على متابعة الأمر على الفور، ربما بالفعل هذا الرجل في حالة اكتئاب فظيع وبحاجة لمد يد العون له..
في الحال أجرى رئيس القسم اتصالاته ليصل إلى عنوان بيته وتوجهوا جميعًا إلى هناك واضطروا إلى خلع قفل الباب بعد أن يأسوا من كثرة الطرق عليه ولا من مجيب، ولكنهم لم يجدوا أحد في الشقة التي من الواضح أن من يسكنها قد غادرها منذ وقت ليس بطويل فالطعام والشاي كان على المائدة والخبز لا زال طريَا ...في الحال استفسر رئيس القسم عن مكان انتحار البطل في الرواية وبعد أسئلة كثير لسكان البناية اللذين التموا على صوت اقتحام المنزل استطاع الفريق تحديد المكان وهو عند ساقية على أطراف المدينة قرب مزار لولي صالح.. وبالفعل ما إن وصلوا المكان حتى شاهدوا ثيابًا هناك أكد صاحب دار النشر أنها ثياب الكاتب التي كان يرتديها عندما جاءه منذ يومين ليعرض عليه العمل. ووجدوا ورقة وضعت تحت حجر كتب عليها..
ولتعلم يا عزيزي القارئ أنك وفي الوقت الذي تقرأه به هذا السطر
الأخير سيكون جسدي مجرد نقطة ماء تجري مع النهر إلى محيطه
الأخير... إلى حتفه الأخير...
على الرغم من ذلك قامت دورية الشرطة بتمشيط المنطقة والبحث بكل ما أوتيهم من قدرة عنه علّ الحظ يسعفهم بإنقاذه قبل فوات الأوان ، ولكن للأسف دون جدوى.
في اليوم التالي تصدرت القصة وسائل التواصل الاجتماعي وقنوات التلفاز والجرائد منددين بكمية القبح التي عوملت بها هذه الضحية وغيرها من الضحايا لقبح في وجوههم لا حول ولا قوة لهم به.. رفعت شعارات كثيرة لحماية هؤلاء من ممارسات البشر المؤلمة وتوجهت عروض كثيرة في الأسبوع المقبل إلى الوصي على أعماله لتحويل الرواية إلى فيلم سينمائي سيحدث ثورة في عالم القيم الأخلاقية وبالتأكيد سيدر على هذه الشركات مرابح طائلة من وراءه .
رفعت صوره في كثير من الأماكن وقد رسمت كلوحات وكاريكاتير بشكل أظهر الحزن والبراءة والجمال في وجهه رغم كل البشاعة فيه.. وبات حديث الشارع لأسبوع على الدوام وطبعت الرواية وبيع منها ما لم يكن ليتوقعه أحد في هذه الفترة الزمنية القصيرة.
كتبت هاشتاغات كثيرة تتمنى لو أنه حي لكي يرونه مدى محبتهم وتقديرهم لموهبته الكتابية و جمال روحه وأنهم أسفون عن كل من جرحه يومًا ولو بنظرة واحدة ..
_ ها هم البشر دائمًا يصحون في الوقت المتأخر..
_ إلى متى سنبقى وحوش في هيئة بشر!
_عد وسترى كم نحن نحبك..
أصبح بين ليلة وضحاها أيقونة للجمال و رمًزا للظلم والتنمر.
ثمة أناس كثر أكدوا أنهم سمعوا أنينه يخرج من تلك الساقية، وأخرون أكدوا أنه كان يجوب الحواري ليال ليسمع أنات ندم الذين ظلموه ودفعوا به إلى تلك النهاية المأساوية.. لكن الأكثر جدلا واستفسارا في حكايته هو انتشار صورة له وبيده روايته، هذا من دون أن يعلم أي أحد مصدر تلك الصورة ومن هذا المحترف البارع الذي ركّبها وجعلها تبدو وكأنها حقيقية تمامًا.
لوريس فرح / سوريا / النمسا
أنهى صاحب دار النشر قراءة الرواية التي انتهت بهذا السطر والذي يعد خاتمة صادمة وجيدة لما سبقه من أحداث. لكن قشعريرة عبرت جسده عندما عبرته هذه الكلمات.. راح يسترجع أخر حوار له مع كاتب هذا العمل ونظرات الإصرار على قراءة الرواية بأسرع وقت لتقييم إن كانت الدار ستقوم بطباعتها أم لا..
يذكر كم كان الكاتب دميم الوجه و شكله منفر للعين ولكن في نظراته طفى حزن عارم طغى على كل ملامح القبح في وجهه.
_ لا.. لا.. هذا مجرد فخ يحاول الكاتب إيقاع القارئ به لا أكثر.. لقد لعبها صح في هذه النهاية الصادمة. علق معجبًا..
_ وماذا إن كان ما تفكر به صحيحًا؟ ردد صوت بداخله..
_ هل يعقل أنه أقدم على الانتحار حقًا؟
عادت القشعريرة لجسده بطريقة جعلته يرتعش وعاد بسرعة إلى مكان ما في وسط الرواية يشرح فيه الكاتب عن المكان الذي يفكر فيه البطل بالانتحار ووضع حد لحياته بسبب تنمر الأخرين على إعاقته الجسدية ..
ولكن الكاتب ليس بمعاق...
_ ولكنه دميم الخلق مما يدفع الناس للاستهزاء به أكثر مما فعلوا مع بطلنا المعاق جسديًا في الرواية. تمتم محتارًا.
عاد للقراءة بتمعن يحاول التكهن بحقيقة وجود هذا المكان على أرض الواقع أم لا..
_ ممممم لقد نال مني هذا الكاتب ووصل لما يريد بهذا السطر الأخير. إنها فقط نهاية البطل لا أكثر.. جميل جميل..
أغلق الكتاب مقررًا الاتصال بالكاتب في الصباح ليعلمه بموافقته على طباعة العمل.
خلد إلى نومه وراح السطر الأخير يقتحم أفكاره وحلمه بشكل ملح إلى أن استفاق منزعجًا بناء على إلحاح السطر عليه بالاستيقاظ .
_ حسنًا ولو أن الوقت منتصف الليل لكني سأكلمه الأن وسأوبخه مازحًا على قدرته على إثارة القلق بداخلي بسبب سطره الأخير هذا..
رن الهاتف كثيرًا ورغم إصراره على إعادة الاتصال مرة تلو الأخرى لكن شيء ما كان يخبره أنه لن يجيب، وبات مشوشًا بين ما يشعر به من قلق وبين النهاية الذكية التي أنهى الكاتب بها عمله.
_ هذا الدميم اللعين .. لقد أصاب مقتلي في جملته هذه ،إنه ذكي بالفعل رغم قباحته..
_ هل فهمت الأن لماذا من الممكن أن يكون ما كتبه حقيقة؟ زجر نفسه غاضبا .
ها أنت تنعته بالدميم اللعين أخر المطاف، فهل تتخيل كم شخصًا مثلك ربما رموا هذه الكلمة في وجهه دون رحمة؟ هذه الجملة حقيقية وربما لازال هناك وقت لتنقذه من مصير سيقدم عليه.
هب من سريره في الحال خجلًا من نعته للكاتب بهذه الكلمة وخاصة بعد أن قرأ روايته التي عبر بها بشكل موجع عن معاناة ذلك البطل المعاق مع البشر .
_ بشر؟؟ نحن لسنا ب بشر ..نحن أقل شأنًا من الحيوانات بوضاعتنا هذه..
تبًا لنا من تافهين..
أرتدى ثيابه بسرعة وكانت الساعة قد قاربت على الرابعة صباحًا واتجه إلى أقرب مخفر شرطة . لا يعلم ماذا سيكون ردهم على ما سيقول لكن يجب عليه أن يفعل شيئا .. أجل ربما هذه رسالة كان يقولها الكاتب في نظرات الحزن التي رشقه بها وهو يطلب بإصرار قراءة العمل بأسرع وقت ممكن.
طريقة شرح ما حدث معه لرئيس قسم الشرطة ومساعديه وقدومه في هذا الوقت الباكر جدًا حفز شيء بداخلهم على متابعة الأمر على الفور، ربما بالفعل هذا الرجل في حالة اكتئاب فظيع وبحاجة لمد يد العون له..
في الحال أجرى رئيس القسم اتصالاته ليصل إلى عنوان بيته وتوجهوا جميعًا إلى هناك واضطروا إلى خلع قفل الباب بعد أن يأسوا من كثرة الطرق عليه ولا من مجيب، ولكنهم لم يجدوا أحد في الشقة التي من الواضح أن من يسكنها قد غادرها منذ وقت ليس بطويل فالطعام والشاي كان على المائدة والخبز لا زال طريَا ...في الحال استفسر رئيس القسم عن مكان انتحار البطل في الرواية وبعد أسئلة كثير لسكان البناية اللذين التموا على صوت اقتحام المنزل استطاع الفريق تحديد المكان وهو عند ساقية على أطراف المدينة قرب مزار لولي صالح.. وبالفعل ما إن وصلوا المكان حتى شاهدوا ثيابًا هناك أكد صاحب دار النشر أنها ثياب الكاتب التي كان يرتديها عندما جاءه منذ يومين ليعرض عليه العمل. ووجدوا ورقة وضعت تحت حجر كتب عليها..
ولتعلم يا عزيزي القارئ أنك وفي الوقت الذي تقرأه به هذا السطر
الأخير سيكون جسدي مجرد نقطة ماء تجري مع النهر إلى محيطه
الأخير... إلى حتفه الأخير...
على الرغم من ذلك قامت دورية الشرطة بتمشيط المنطقة والبحث بكل ما أوتيهم من قدرة عنه علّ الحظ يسعفهم بإنقاذه قبل فوات الأوان ، ولكن للأسف دون جدوى.
في اليوم التالي تصدرت القصة وسائل التواصل الاجتماعي وقنوات التلفاز والجرائد منددين بكمية القبح التي عوملت بها هذه الضحية وغيرها من الضحايا لقبح في وجوههم لا حول ولا قوة لهم به.. رفعت شعارات كثيرة لحماية هؤلاء من ممارسات البشر المؤلمة وتوجهت عروض كثيرة في الأسبوع المقبل إلى الوصي على أعماله لتحويل الرواية إلى فيلم سينمائي سيحدث ثورة في عالم القيم الأخلاقية وبالتأكيد سيدر على هذه الشركات مرابح طائلة من وراءه .
رفعت صوره في كثير من الأماكن وقد رسمت كلوحات وكاريكاتير بشكل أظهر الحزن والبراءة والجمال في وجهه رغم كل البشاعة فيه.. وبات حديث الشارع لأسبوع على الدوام وطبعت الرواية وبيع منها ما لم يكن ليتوقعه أحد في هذه الفترة الزمنية القصيرة.
كتبت هاشتاغات كثيرة تتمنى لو أنه حي لكي يرونه مدى محبتهم وتقديرهم لموهبته الكتابية و جمال روحه وأنهم أسفون عن كل من جرحه يومًا ولو بنظرة واحدة ..
_ ها هم البشر دائمًا يصحون في الوقت المتأخر..
_ إلى متى سنبقى وحوش في هيئة بشر!
_عد وسترى كم نحن نحبك..
أصبح بين ليلة وضحاها أيقونة للجمال و رمًزا للظلم والتنمر.
ثمة أناس كثر أكدوا أنهم سمعوا أنينه يخرج من تلك الساقية، وأخرون أكدوا أنه كان يجوب الحواري ليال ليسمع أنات ندم الذين ظلموه ودفعوا به إلى تلك النهاية المأساوية.. لكن الأكثر جدلا واستفسارا في حكايته هو انتشار صورة له وبيده روايته، هذا من دون أن يعلم أي أحد مصدر تلك الصورة ومن هذا المحترف البارع الذي ركّبها وجعلها تبدو وكأنها حقيقية تمامًا.
لوريس فرح / سوريا / النمسا