حاميد اليوسفي - الشر الذي دخل إلى الرأس.. قصة قصيرة

اقتنى آلة تصبين جديدة . اتصل بحمال ، يثق فيه ، وسبق أن نقل له متاعا آخر من قبل ، ويعرف عنوان المنزل . الآلة ثقيلة يفوق وزنها ستين كيلوغراما ، وتحتاج إلى شخصين قويين لحملها عبر السلالم إلى الطابق الثاني . لهذا طلب منه البحث عن شخص لمساعدته . عثر على شاب قوي البنية في العشرينات يسكن بالجوار .
أنزلا الآلة ، وحملاها عبر السلالم . فتح باب الشقة ، ووضعاها أمام الحمام . أخرجاها من علبة (الكارطون) ثم حملاها إلى داخل الحمام . بينما صاحب البيت والحمال يركبان الأنبوب للآلة ، خرج الشاب القوي البنية إلى الممر ، واختفى لحظة عن أنظارهما . وبعد ذلك أخبر صاحبه بأنه نزل ، وسينتظره في الأسفل .
خرج صاحب البيت من الحمام ، فوجد الشاب قد ذاب بسرعة مثل فص ملح . لم تعجبه الحركة ، انتابه الشك . تأكد من وجود هاتفه فوق حائط قصير في الممر . انتبه أيضا لوجود هاتف زوجته فوق المائدة في الصالون لأنها اعتادت على وضعه أينما اتفق ، ثم لعن الشيطان ، وعاد إلى الحمام .
بعد تثبيت آلة الغسيل ، طلب من الحمال أن ينزل الآلة القديمة ، وأن يوصلها إلى بيت أحد معارفه ، قال بأنه سيصلحها ، ويقدمها هدية لحماته . نادى على زميله من الأسفل وأنزلاها . قدم لهما صاحب البيت الأجرة مضاعفة كدعم أو مساعدة غير مباشرة .
في المساء وهو يهم بالخروج ، قرر أن يأخذ الدراجة لحمل سطل الأزبال ، وأن يذهب راجلا إلى المقهى . بحث عن صندل رمادي صيفي مريح أثناء المشي ، ألف وضعه في الممر الفاصل بين الباب والحمام ، فلم يجده . سأل زوجته بحكم أنها عندما تجمع البيت ، تأخذ كل ما يلبس في الأرجل من صنادل أو أحذية ، وتضعها في المكان المخصص لها . بحث في كل أرجاء المنزل ، وكأن الأرض انشقت وابتلعت الصندل .
تذكر اللحظة التي خرج فيها الشاب القوي البنية من الحمام ، ونزل السلالم ، فشك بأنه ربما وجد الصندل أمامه ، فوضع عليه يده ، وأنزله معه من غير أن يشعر به أحد . نادى الحمال في الهاتف ، وأبلغه بسرقة الصندل ، وأنه سيتصل بالشرطة إذا لم يظهر المسروق حتى يوم الاثنين .
حز في نفسه أنه أراد أن يساعد شخصا ، يعرف بأنه رب أسرة ، ووضعه الاجتماعي هش . كان بإمكانه أن يضيف أجرة الحمال إلى مبلغ شراء آلة الغسيل ويتكفل المتجر بعملية النقل والتركيب .
خيب الحمال ظنه في القاعدة الشعبية التي ظل يؤمن بها لسنوات طويلة . وتبعا لذلك فالشخص الذي تعرفه ، لم يعد أحسن من الشخص الذي لا تعرفه .
في مثل هذه المواقف يتحدث بصمت ، تتعدد وتتضارب الأصوات داخل نفسه مثلما يحصل لطالب الرياضيات مع درس الاحتمالات .
قال الصوت الأول :
ـ لو طلبا منك أن تقدم لهما الصندل لما ترددت في ذلك ، فقد اشتريته بمائة وخمسين درهما ، ولبسته لمدة ثلاث سنوات .
رد الصوت الثاني :
ـ ما يحز في النفس هو الشعور بأنهما استغفلاك . وإذا أردت الانتقام منهما ، أو رد الاعتبار لنفسك ، عليك أن تبلغ الشرطة ، وتتركها تحقق معهما .
تدخل الصوت الثالث :
ـ لو أنك ركبت كاميرا خفية في الممر ، وأخرى أمام باب المنزل ، لاصطدتهما بسهولة ، وبالجرم المشهود !
ـ الناس أصبحت تحرس حتى مؤخراتها بواسطة الكاميرات الخفية !
ـ تخيل نفسك تدخل قسم الشرطة ، وتنتظر ساعة أو ساعتين ، وعندما يحين دورك ، تخبر الشرطي بأنك تريد أن تسجل شكاية بحمال وصديقه تشك بأنهما سرقا صندلا قديما من بيتك ، استعملته لمدة ثلاث سنوات ، وأنت لا تملك أي دليل غير دم وجهك !؟
رد صوت رابع :
ـ وهل تثق الشرطة في دم الوجه . الشرطة في مقرات العمل ، ليست نفس الشرطة التي تقرأ عنها في الروايات والجرائد والمجلات أو تشاهدها في المسلسلات !
الصوت الخامس :
ـ لو كنت مكان أي شرطي في العالم لسخرت منك ، لأن شكايتك غريبة ومبتذلة . يأتي مواطن مخبول ، في الوقت الذي غرقت فيه الشرطة حتى أذنيها ، وهي تواجه تبعات انتشار فيروس كورونا ، وتراقب مدى تنفيذ الناس للبروتوكول الصحي ، وتحقق في مئات الحوادث يوميا حول الإجرام والسرقة ، يأتي مواطن مخبول مثلك ، ويدعي بأن حمالا سرق له صندلا .
الصوت السادس :
ـ قيل بأن فريقا أمنيا كبيرا يتكون من خمسة آلاف شرطي حل بالمدينة لمساعدة الشرطة المحلية في وضع حد لكل ما ينغص على الناس شعورهم بالأمن بعد استفحال الأزمة الاقتصادية بسبب الوباء .
الصوت السابع :
ـ أنت مغربي تنتمي للجيل القديم ، والصندل لم يبق فيه رزق ، وكان سيسرق أو سيضيع بهذه الطريقة أو تلك . ويجب أن تحمد الله وتشكره ، إذا ضاع منك شيء أو سرق ، وبقيت أنت سالما .
الصوت الثامن :
ـ ماذا لو اعترضا سبيلك قبل أداء مستحقات آلة الغسيل للمتجر، وأشهرا في وجهك سيفا كبيرا وخيراك بين تسليم النقود أو طعنك في العنق أو البطن ؟
كنت ستقدم لهما النقود وأنت مرغم أو خائف على روحك ، وبعد ذلك ستختنق حزنا وكمدا ، وتشتم الشرطة ، وتنتقد الدولة ، وتوهم الناس بأنك مظلوم ، وربما تصور شريطا ، وتنشره في اليوتيب ، أوتكتب في الفايس بوك ، أو تصرخ في المقهى بأنه لم يعد أمن في البلد .
عاد الصوت الثاني مبتسما وساخرا :
ـ هل تتذكر قصة الأعرابي وسارقي الإبل* ؟ ربما نسيها بعض القراء !؟ لما لا تكررها على أسماعهم من أجل تعميم الفائدة ؟
الصوت التاسع :
ـ إذا ظهر المعنى لا فائدة في (التكرار)
ـ الصندل سرق مثل الإبل ، والسارق معروف !
ـ وأنت أصبحت مثل الأعرابي ؟!
الراوي :
ـ عندما خرج يوم الاثنين من البيت ، بدل أن يتجه إلى قسم الشرطة ، اتجه إلى متجر (ديكاتلون) ، واقتنى صندلا جديدا بنفس المواصفات .
وطلب من نفسه أن ينسى الحمال والشاب القوي البنية ، وليذهبا إلى الجحيم . وعليه إذا أراد أن يرتاح من وجع الرأس الذي يصيبه ، كلما حاول القيام بفعل خير لصالح من يعتقد بأنهم مقهورين مثله ، أن يختار متجرا مناسبا ، ويؤدي له تكلفة النقل ، ويا دار لم يدخلك شر .
الهوامش :
قصة الأعرابي : كان لأعرابي إبل يرعاها ، ويسهر عليها . وذات يوم أغار مجموعة من اللصوص على هذه الإبل ، وساقوها أمامهم فانتبه الأعرابي وأخذ باللحاق بهم وهو يشتمهم ، ولكنه لم يدرك اللصوص ، وأخذوا الإبل . فلما عاد سأله قومه ماذا فعلت ؟ فقال لهم : أشبعتهم شتما ، وفازوا بالإبل !

مراكش 17 يونيو 2021

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى