خيري حسن - ..فى الإسكندرية.. [ليست هذه حرباً عالمية جديدة.. ولكنها فَضة]!!

"فى حب الإسكندرية الجميلة.. وإلى كل ما هو جميل، وأصيل" بهذه الكلمات بدأ الراحل أسامة أنور عكاشة.. معركته/ مسلسل( الرايا البيضا) الذى أخرجه محمد فاضل وقال فيه:"هذه المعركة حدثت ولازالت تحدث"..!
•••
(القاهرة - 1988)
فى هذا العام انتج التليفزيون المصرى مسلسل (الرايا البيضا) الذى يُعد من الأعمال المتميزة ذات القيمة، والمضمون؛ والرسالة، والهدف. حيث دار الصراع فيه ما بين فَضة المعداوى( لعبت دورها الراحلة سناء جميل) وبين الدكتور مفيد أبو الغار ( لعب دوره الراحل جميل راتب). وبدأ الصراع واشتد ـ وما زال قائماً ـ بين الحق والباطل. بين العدل والظلم. بين الثقافة والتفاهة. بين الجمال والقبح. بين الوعى والغيبوبة. بين الأصالة والسطحية. أحداث المسلسل دارت حول سيدة من الأثرياء ترغب فى الاستيلاء على قصر أثري بالإسكندرية، لتهدمه، وتقيم مكانه مبنى سكني قبيح المنظر والجوهر. والأحداث ـ كما كتب أسامه أنور عكاشة ـ حدثت ولازالت تحدث.. ولكن أسماء الأماكن والأشخاص ليست كذلك".. وبعد مرور أكثر من 32 سنة تقريباً. مات أسامة أنور عكاشة.. وماتت سناء جميل..ومات جميل راتب.. ولكن مازالت فَضة المعداوي وفريقها بيننا، يحارب الدكتور مفيد أبو الغار وفريقه.. والحرب قائمة، ودائمة، ما بين فريق الشر وفريق الخير.. ما بين التاريخ، والعراقة، والصمود والصعود. وبين التراجع، والتدهور، والجمود. هذا الوضع يفرض بالضرورة على كل إنسان ـ والمثقف فى الصفوف الأولى ـ أن يختار بين البقاء والشموخ وبين الانتهاء والخضوع... وتلك هى المعركة!!
***
[كورنيش الإسكندرية ـ2021]
كانت الساعة قد اقتربت من السابعة مساءً عندما غادرت مقهى تاريخى يقع بالقرب من كوبري استانلى بعد جلسة مطولة مع محمود عوضين وكيل وزارة الثقافة الأسبق والإعلامى هشام عياد والصحفى جمال عبد الصمد. الآن فى طريقى إلى شارع فيكتور باسيلى بوسط المدينة لحضور ندوة عن الشاعر الراحل زكي عمر. فى المسافة من المقهى حتى السيارة تذكرت مسلسل (الرايا البيضا) للراحل أسامة أنور عكاشة، وكيف كان ـ ومعه فريق العمل ـ قد استَشرفَ المستقبل من خلال ذلك العمل الممتع، لتجد الإسكندرية نفسها اليوم أمام معركة جديدة من المعارك الدائمة، والقائمة فى بلادنا بين فَضه المعداوي وبين مفيد أبو الغار فى صراعهما ـ الرمزي بالطبع ـ حول قصر أثري يمثل تاريخ مصر كلها ـ وليس الإسكندرية فقط ـ ذلك التاريخ الذى فيما يبدو، هناك فى المنطقة - منطقة الشرق الأوسط - من يُريد له التفكيك، والانهيار، والضياع، والسقوط!
***
(السيارة ـ بعد 10 دقائق)
أنظر من النافذة على عمارات وشوارع الإسكندرية العريقة. وأتذكر الندوة التى جئتُ من أجلها قبل ساعات.. وهى لمناقشة كتاب( يا صاحب المدد.. سيرة شاعر ومسيرة وطن) والذي تضم صفحاته وقائع وحقائق وشهادات سرقة شاعر العامية زكي عمر ومشوار حياته الإنسانى والابداعى.
***
[السيارة ـ بعد 20 دقيقة ]
وصلنا إلى مبنى أتيليه الإسكندرية الذى أسسه الراحل محمد ناجي عام 1934 ليكون منارة للفنون، والثقافة، والذاكرة، والوعى، ودعم الأصالة، وتثبيت القيم، والكرامة، والجمال فى العقول والنفوس. ومازال رغم مرور الزمن والمحن، يلعب دوره التنويرى حتى اليوم. المبنى بناه اليونانى (تمفاكو) عام 1893 وهو مسجل كأثر من آثار مصر الإسلامية برقم 538 لسنة 1996. وانتقلت ملكيته من بائع إلى آخر حتى وصلت - المِلكية - لمن وصلت له اليوم من الملاك [ أحفاد فَضة المعداوي ]الذين يرغبون ويسعون بالقانون ـ كله بالقانون ـ للاستحواذ على المبنى وهدمه بالطبع ـ كما حدث لفيلا الدكتور أبو الغار ـ لإقامة مكانه غابة جديدة من الأسمنت تحت مسمى برج سكنى!
***
[القاعة الكبري ـ بعد 30 دقيقة]
فى القاعة وجدت فريق الدكتور مفيد أبو الغار أو من يمثله فى أيامنا( الفنان سامي حلمى والشاعر جابر بسيونى والناقد عبد المنعم كامل والأديب منير عتيبة والدكتور محمود عوضين والناقد سعيد الصباغ والشاعر أحمد سماحه والدكتور محمد حداد والأديبة منى عارف والكاتب أحمد إبراهيم والكاتبة صفاء المصرى والشاعر سمير جرجس والشاعر جلال خليفة والناقدة عطيات الطوخى والناقدة نانية حمادة والأديبة آمال الشاذلى والناقد محمود بكرى والكاتب محمد جابر والاعلامى هشام عياد والصحفى جمال عبد الصمد والكاتب شريف حسن الوسية وغيرهم من فريق الدكتور أبو الغار الذين حالت ظروفهم عن الحضور. هذا الفريق - وغيره من أبناء الاسكندرية - مع الدكتور وفيق خليل ومجلس الإدارة يساندون الأتيليه بالحضور الدائم والمكثف ضد فَضة المعداوي ومن يمثلها..!
***
[محطة الأتوبيس ـ الساعة الواحدة صباحاً]
بعدما ودعت الأصدقاء والصديقات، وجلست فى مقعدى، نظرت من الشباك نظرة طويلة على شوارع الإسكندرية الساكنة وراء أعمدة الإنارة وأنا أودعها عائداَ للقاهرة.. ولسان حالى يقول: جئت للأتيليه بحثاً عن حق زكى عمر..الشاعر والإنسان.. فوجدت أتيليه الإسكندرية العظيم ومبناه التاريخى العريق، يعانى من نفس الظلم والقهر. ومن نفس الحرب التى يديرها ويخوضها فريق فَضة المعداوي ضد فريق الدكتور مفيد أبو الغار!!
***
[ القاهرة ـ الثالثة صباحاً]
بعدما وصلت، غادرت الأتوبيس، وبدأت أسُير وحدى فى ميدان الفريق عبد المنعم رياض الهادئ من كل شئ، حتى وصلت بجوار تمثاله الذى يذكرنا بيوم استشهاده على الجبهة المصرية عام 1969 خلال حرب الاستنزاف. مشاهد جنازته التاريخية الرهيبة التى تقدمها الرئيس جمال عبد الناصر رغم مرضه، تظهر ملامحها أمامى خلف الأضواء الخافتة.. ووجوه مشيعيه تبدو لى وكأنها تقول: إن الحرب مازالت قائمة.. وعلينا أن نختار! إما أن ننضم لفريق الدكتور (مفيد أبو الغار)...ونقول معه: سنقاوم.. سنقاوم! وإما نستسلم (ونرفع الراية البيضا)..وننضم لفريق(فَضة المعداوى) ونقول معها: "ولا حمو..التمساحة يلا"!!.وفى النهاية..وفي البداية..الاختيار لك!
خيرى حسن.

خيري حسن

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى