البروفيسير عبدالستار إبراهيم - "مأساة أديب" قراءة في كتاب "الشخصية المحورية في الروايةالعربية"

كتاب الشخصية المحورية في الرواية العربية للدكتور خالد محمد عبدالغني من أفضل الكتب التي اطلعت عليها هذه الأيام من تأليف، وموضوع مكتوب بطريقة رائعة وباختيارات ونماذج مختلفة من اضطرابات الشخصية. تفوق في هذا الكتاب الدكتور خالد عبدالغني عن اي كتاب تم نشره في مصر في موضوع اضطرابات الشخصية وفوق أن خالد قد حباه الله بمهارات لغوية، وقدرة علي التدقيق والبحث العلمي بصبر وتؤده...إنه الأحسن..وأحسن مافيه الفصل الذي كتبه عن يوسف إدريس وجاء فيه أنالدكتور شوقي ذلك الشاب الإخواني الذي توحد بالمعتدي، فأصبح عدوانيا وانتهازيا ، وكيف ذاب في الجماعة وضاعت هويته الشخصية، وعباس الزنفلي ذلك العسكري الأسود (الجلاد) الذي أصيب بالجنون حتى وصل لمرحلة أن يأكل لحم ذراعه بعد مرحلة الإدمان وترك الخدمة في الشرطة، وذلك في قصة العسكري الأسود لـيوسف إدريس وفي تفسير ذلك العدوان وتمزيق الجسد تصبح نظرية لاكان عن الاصل الخيالى للعدوانية قادرة على تفسير ذلك العدوان الموجه نحو الذات لدى عباس الزنفلي حيث تساعد – النظرية- فى شرح الصفة الواضحة والغامضة للتجربة البشرية المتعلقة بفكرة البعد الجسدى والتمزيق. وهذه ظاهرة جاء ذكرها فى " جمهورية أفلاطون حيث انه أثناء مرور أحد سكان المدينة بمكان تنفيذ حكم الاعدام علناً " يقال إنه لم يستطع منع نفسه من التفرس فى أجسام الموتى هناك . " بعيون واسعة محملقة اندفع نحو المثبت صارخاً " أيها التعساء هناك تعالوا و املأوا أنظاركم بهذا المنظر الجميل " وقد لاحظ أوجستن أيضاً الجاذبية الخاصة لمشهد الجسد الممزق . وهو يسأل ما وجه الامتاع الذى يمكن أن يكون فى مرآى الجثث الممزقة؟، فالناس تتجمهر وتلتف لرؤية جسد يفترش الأرض ذلك ببساطة من أجل احساسات الحزن والرعب التى يبعثها فيهم مرآى هذا الجسد والقوة الجاذبة لمخاوف الجسد هذه المذكورة فى تلك النصوص القديمة لها وجودها القوى فى الحياة اليومية الحديثة فسائقوا السيارات يلوون أعناقهم عند مرورهم بحادثة فى الطريق ما الذى يأملون فى رؤيته فى قلب هذا المشهد الباعث على الخوف ؟.
وكذلك الفصل الخاص بـ "أديب" بقلم الدكتور طه حسين.. شخصية أديب كما لخصها طه حسين..نموذج رائع لا يقدر علي معالجته إلا الدكتور طه حسين رحمه الله و د. خالد وكلاهما أعني د. خالد والدكتور طه حسين استطاعا من خلال معالجة شخصية "أديب" أحد الشخصيات الأدبية التي أطلق عليها طه حسين اسم "أديب" ، طه حسين وخالد عبدالغني استطاعا ان يتوحدا به ويتوحدا بالتالي بمأساته "أديب" الذي اختلطت فيها مرارة المعاناة في مجتمع لايعطي للثقافة أو المثقف ما يستحقه من تبجيل وتقدير: أديب وطه حسين وخالد عبدالغني ثالوث مثالي سيلج ميدان اضطراب الشخصية دراسة وتحليلا وتفهما واعيا لتلك االحالة التي ألمت ب"أديب" بامتياز فأَدِيب تتضح في شخصيته ملامح البناء النفسي لأعراض اضطراب جنون الاضطهاد والعظمة المعروف بالبارانويا، وكيف انتهى به الحال في إيداعه بإحدى المصحات العقلية في باريس، ومن ثم العودة لقريته في صعيد مصر ، ومما ميز أديب النظارية التي تعرف بأنها نزعة غريزية جزئية تقوم على تشبيق الأحاسيس البصرية، وعندما تكون مسرفة الشدة فهي تقاوم الانتظام تحت زعامة الإنسالية، والنظارية هى الوجه الموجب للاستعراضية، وقد يحدث تعالى بالنظارية فى اتجاه الفن بأشكاله المتعددة أو البحث العلمى، وقد نجد الغرائز الجزئية فى الحياة النفسية اللاشعورية لدى العصابيين ، وآنذاك فإن كل انحراف ايجابى سيصاحبه نظيره السلبي فمن يكون فى لاشعوره محباً للاستعراض يكون فى الوقت نفسه نظارياً وإن كان مظهر واحد فحسب هو الذى يقوم بالدور الغلاب فى الصورة المرضية. وقد كانت النظارية لدى أديب منذ تعرف على طه حسين .
أتركك عزيزي القاريء أن تطلع بنفسك علي تفاصيل هذه الحالة كما لخصها لنا خالد عبدالغني. فقد استطاع أن يوظف مهاراته في الثقافة والأدب، وفي الطب النفسي، وممارسة العلاج النفسي، وحياة المثقفين في مصر كأحسن ما يكون التوظيف.وخالد كما أراه يكتب لزمن قادم فجمهوره ليس الجمهور الحالي وكما يقال أن المعاصرة حجاب ولعل هذا ما يواجهه برغم روعة مشروعه العلمي ، وليس بغريب أن يفوز بجائزة الإبداع والأصالة في العلوم النفسية السلوكية – عبدالستار إبراهيم ورضوى إبراهيم – لعام 2018 عن مجمل أعماله .


البروفيسير عبدالستار إبراهيم
رائد الطب السلوكي العربي – واشنطن العاصمة




1624355309848.png





تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى