علجية عيش - إخوان الجزائر من الشيخ محفوظ نحناح إلى عبد الرزاق مقري.. صراع بين الأصالة و الحداثة

صعود حركة مجتمع السلم "حمس" في الجزائر أو كما كانت تسمى بحماس بقوة إلى الغرفة السفلى بالبرلمان و هي المعروفة بحزب الإخوان في الجزائر سيكشف الكثير من المفاجآت بعد جهد نضالي طويل لا أحد يمكن أن ينكره ، أولها أن تعيد الإعتبار للحركات الإسلامية في الجزائر و ترفع عنه الجمود إن صح القول بعدما عرفت سقوطا مريعا بعد الحرب الأهلية التي عاشتها الجزائر و التي عرفت بالعشرية السوداء أو العشرية الحمراء كما يحلو للبعض تسميتها، ثم استعادة ما سلب منها بقوة القانون أي استعادة هويتها الإسلامية من حمس إلى حماس ( الألف التي اجبرت عبلى حذفها) ، ثم تأتي المرحلة الثالثة و هي أسلمة الجزائريين الذين أعلنوا في فترة من الفترات تبنيهم إيديولوجيات دخيلة على المجتمع الجزائري، بحيث يصبح كل شيئ إسلامي ( بنك إسلامي، مسرح إسلامي، سينما إسلامية.. مسبح إسلامي و بحر إسلامي و حتى العرس إسلامي الخ) ، و ماعدا ذلك فهو حرام و غير مشرع في الإسلام، إذا قلنا أن دور الحركات الإسلامية هو دور وعظي إصلاحي إرشادي توجيهي أكثر ماهو سياسي، و إن أريد له أن يكون له دور سياسي، خاصة و هو لا يزال يواجه الحزب العتيد ( الأفلان) الذي في كل موعد انتخابي يحصل على الأغلبية البرلمانية ، فمن المفترض أن يخلق له المناخ السياسي الذي يتلاءم مع كل مرحلة على أن يكون هذا الدور بعقلية واعية لا بعقلية عدائية، يُفَعِّلُ فيها مسار التعايش السلمي المشترك و يقيم علاقة إنسانية حضارية مع كل التيارات الأخرى.
كما من حق حركة مجتمع السلم على غرار الحركات الإسلامية الأخرى أن تستعيد مشروع الدولة الإسلامية، من خلال تأسيس "تحالفا إسلاميا" يجمعها باللأحزاب الإسلامية التي تحصلت على مقاعد داخل البرلمان ، و مما لا شك فيه هو أن تحقيق هذا المشروع يقود حزب الإخوان في الجزائر (حمس) إلى تأسيس تحالفات إسلامية من خارج الجزائر أيضا لاسيما الجماعات التي كانت تربطها علاقات متينة مع الشيخ محفوظ نحناح، و الشيخ أبو جرة سلطاني المعروف باسم مراقب الإخوان ، الذي كان يترأس الحركة، ما يقال عن حزب الإخوان في الجزائر و الذي عرف تحولا كبير على كل المستويات بعد رحيل الشيخ محفوظ نحناح، أنه لا يمكنه البقاء تحت عباءة أميرهم أو رئيسهم ، و لذا عرفت حركة مجتمع السلم بعد رحيل نحناح تغيرات منذ مجيئ أبو جرة سلطاني ثم عبد المجيد مناصرة قبل ان ينسحب هذا الأخير و يؤسس حزبا جديدا، ليغيب عن الأنظار في الساحة السياسية، ثم مجيئ الدكتور عبد الرزاق مقري.
فعن ابو جرة سلطاني المغضوب عليه من قبل رفاقه في الحزب بسبب أخطائه التي لا تعد و لا تحصى و خلافاته مع خصومه و تورطه في قضايا عديدة كما تكشف التقارير، منها قضايا تعذيب و بالخصوص ملف أنورمالك، و الخطأ الثالث ترشحه ضمن قوائم الحزب المحل ( الفيس) في الإنتخابات البرلمانية الملغاة عن ولاية تبسة ، ثم تورطه في ملف الخليفة عندما كان وزيرا للعمل في العهدة الأولى من تولي بوتفليقة رئاسة الجمهورية و قضايا أخرى، لكنه تمكن من العودة إلى الساحة لتأسيس مرحلة جديدة للتيار الإسلامي في الجزائر عن طريق إنشائه "المنتدى العالمي للوسطية" أراد سلطاني من وراء هذا المشروع تطبيق الشعار التالي: خير الأمور أوسطها"، حيث يرى أن خير ما في الديمقراطية أو جوهر الديمقراطية متفق مع جوهر تعاليم الإسلام، اي ان يختار الناس من يحكمهم و لا يفرض عليهم حاكم، يحاسبونه إذا أخطأ ثم عزله بعد ذلك سلميا، كما أن الهدف من هذا المشروع نسج شبكات مصلحية مع الجماعات الإسلامية داخل و خارج الجزائر بطريق سلمية و ليس عن طريق العنف و المواجهة ، و لعل هو السبب الرئيسي الذي جعل الحكومة لا تعتمد مشروعه تجنبا لأيّ صراع قد يعيد البلاد إلى ما كانت عليه في التسعينيات.
طبعا لا يمكن التنكر لجهود الحركة الإسلامية في الجزائر من أجل بعث الحياة الإسلامية من جديد، لاسيما وقوفها ضد قضية منع الخمار و اللحية في بطاقة التعريف الوطنية و جوازات السفر، و فرضت تطبيق المادة التي تنص على أن الإسلام دين الدولة، لكنها في المقابل فشلت في منع صناعة الخمور و بيعها و منع استيرادها أو تقديمها للوفود الأجنبية من غير المسلمين، بحيث لم تحرك ساكنا في المطالبة بإلغاء قانون استيراد الخمور، ربما كان هذا الفشل بسبب أنها كانت تمثل التحالف الرئاسي ( الأرندي ، الأفلان و حمس) كما علل مراقبون ذلك، السؤال الذي يطرح اليوم بحدّة، هل تقبل حركة مجتمع السلم بقيادة عبد الرزاق مقري أن تكون متحالفة رئاسيا مع حزب جبهة التحرير الوطني الذي يعتبر صاحب الأغلبية في البرلمان، و هو الخصم اللدود لها؟.
و المتتبع لخطابات الرئيس الحالي لحركة مجتمع السلم الدكتور عبد الرزاق مقري يجدها تختلف عمن سبقوه في رئاسة الحركة، فلا أحد يجزم إن كان مقري إخوانيا يفكر بمنطق أصولي؟ أم حداثيا يحيا بفكر مفتوح بعيدا عن ظلام التعصب و غواشي العناد؟ أو أنه يجمع بين الإثنين، أو أنه يكفر بهما، فهو لا يقف على خطاب موحد و لا خطاب مزدوج، كما لا يقف على خطاب واضح و صريح كما نراه في خطاب الشيخ عبد الله جاب الله رئيس جبهة العدالة و التنمية، بل هو في خطاباته يتلاعب بالكلمات ، هذه الكلمات تتسم بالتهديد و الوعيد و كأنه يريد أن ينتقم من شخص أو هيئة في الدولة أو ينتقم من حزب سياسي معين، في كل هذا و ذاك يمكن القول ان التيار الإسلامي في الجزائر حاول أن يجمع الدين بالسياسة و لكنه فشل في تحقيق مشروعه، لأنه انخرط في النظام ويعتقد أنه بإمكانه بناء دولة إسلامية و حكومة إسلامية من داخل البرلمان.
من جهة أخرى يعتقد التيار الإخواني أنه تأسس ليحكم بالحق الإلهي، لكنه تجاهل الواقع الذي يعيشه المجتمع الجزائري، الذي يغرق شبابه في وحل المخدرات و ارتكابه أبشع الجرائم و انحرافه كليا ، فغرق هو الآخر في الشبهات، طبعا من الصعب جدا أن يغير أيّ حزب سياسي الأوضاع الإجتماعية بين عشية و ضحاها، من الصعب جدا أن يسن قانونا يحرم فيه بيع الخمور أو استيرادها، أو جلد الزاني و الزانية أو قطع يد السارق، أو إعدام من يتورط في جرائم القتل العمدي و هو لا يملك برنامجا يجدد فيه رؤيته و رسالته و يبين فيه أهدافه و وسائله و مناهجه في إصلاح المجتمع من نواحيه المختلفة ( الإقتصادية، الإجتماعية التربوية و الثقافية ، لأن كل الأحزاب سواء كانت وطنية ، ديمقراطية و إسلامية لم تكن تملك برنامجا و كانت تطبق برنامج رئيس الجمهورية.
الملاحظ أن كل الأحزاب (عدا المعارضة للسلطة كحزب العمال، الأفافاس، الأرسيدي و جبهة العدالة و التنمية ) ، نجدها تطبق برنامج الرئيس، و هي تسير على نفس النهج ، أي انها تطبق برنامج الرئيس الحالي عبد المجيد تبون الذي حاول هو الآخر أن يسلك منهج الإمام علي بن ابي طالب لما سمح لجماعة الخوارج المعارضين لحكمه أن يكون لهم وجودهم الحزبي و السياسي مع أفكارهم المعارضة بشرط أن لا يكون هناك عنف أو تطرف، بدليل قيامه بمشاورات مع الأحزاب السياسية بمختلف توجهاتها الموالية و المعارضة طمأنهم بضمان نزاهة اإلإنتخابات و قال انه على يقين ان الشعب الجزائري لاسيما الشباب منه الذي زرع بوعيه في الحراك الشعبي أمل الشعب قادر على بناء جزائر جديدة يسودها العدل و الأمن و الإستقرار و أكد في رسالته للشعب الجزائري أن الجزائر تبنى بإرادة شعبها و ابنائها، كما فتح المجال للجمعيات و المجتمع المدني بأن يعبروا عن طموحات الشعب و محاربة الفساد بكل اشكاله ، حيث قدم كل التسهيلات لكل من يرغب في الترشح و فتح الباب أمام القوائم الحرة، لكن..؟؟
فما يطرحه المراقبون هو أنه طالما الرئيس عبد المجيد تبون رجل متسامح مع الإسلاميين لماذا لم يرفع يده على أنصار الفيس المحل؟ و لماذا لم يعتمد حزب الدكتور أحمد طالب الإبراهيمي؟، إذا قلنا أن الإصرار على المنع مخالف للمواثيق الدولية و ميثاق حقوق الإنسان، و هو الذي ( أي رئيس الجمهورية) تعايش مع الحراك الشعبي الذي يقوده دجيل جديد يختلف عن الجيل الذي سبقه، جيل متعدد الثقافات ، متاثر بمعطيات الربيع العربي، جيل استعمل الخطاب السلمي الحضاري كاسلوب في المواجهة ليطالب بدولة مدنية لا دولة عسكرية و سايره منذ انتخابه على رأس الجمهورية الجزائرية، و هو يدرك تمام الإدراك أن الدولة المدنية لا يميزها عن غيرها إلا أن مرجعيتها الشريعة الإسلامية، تبقى مسألة تعامل الرئيس مع الأحزاب الإسلامية فهو الذي أكد في حملته الإنتخابية بأنه لا يمثل أي حزب سياسي أكان حزبا وطنيا أو ديمقراطيا أو حزبا إسلاميا، و أنه رئيس كل الجزائريين، و عبر عن موقفه بأن المواطن هو صاحب القرار، و هو التوجه الذي مكن الجزائريين من إلإلتفاف حوله لمواصلة التغيير الجذري و رفع التحديات في ظل الوضع الجيوسياسي الذي تمر به البلاد على كل الأصعدة.
علجية عيش

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى