عامر الطيب - هل يوجد رياضيون بين أصدقائي الشعراء على الفيسبوك؟

يُفترض أنْ يرتبط الشعر ارتباطاً وثيقاً بالرياضة على اعتبار إنهما نشاطان لترويض الحواس ،لتخفيف اللغة و الجسد من الأوزان الزائدة و بشكل أو بآخر يكون الجري أو المشي المنتظم خلف الكرة أو بدونها كتابة بالقدمين فيما يغدو الشعر جرياً بحواس يقظة لملاحقة المعاني و الصور التي و إن خُيّلَ لنا إنها على قارعة الطريق إلا أن التقاطها لا يبدو سهلاً .
من النادر أن أقرأ في سير الشعراء إنهم كانوا يلعبون الكرة أو يمارسون الجري سوى القليل الذين ينشرون الآن عن ذهابهم للنادي الرياضي، يلتقطون لنا صوراً ببطون منكمشة و ملابس رياضية وهم غالباً يقصدون النادي للتقليل من الوزن لا لاعتبار الرياضية فلسفة لا لاعتبارها المكمل اللازم للشعر.
كان الرصافي من أوائل مَن واكب كرة القدم فقد كتب في قصيدة له مطلعها :
قصدوا الرياضة لاعبين وبينهم
كرة تُراضُ بلعبها الأجسامُ
ثم قال :-
إن الجسوم إذا تكون نشيطة
تقوى بفضل نشاطها الأحلام
يقرر الرصافي إن قوة الشعر ، و دقة الأحلام تسند إلى نشاط الأجسام و قبل ذلك بقرون يرى المتنبي إن كسله و توقفه عن ركوب فرسه هو سبب حماه الشهيرة:
يقول لي الطبيب أكلتَ شيئاً
و داؤك في شرابك الطعام
و ما في طبه إني جواد
أضرَّ بنفسه طول الجمام .
فيما يمدح أمرؤ القيس فرسه لأنه:
مكر مفر مدبر مقبل معاً
كجملود صخر حطه السيل من علِ
و الكر و الفر هو المراوغة كما لو أن الشاعر شجعَ اللاعب الأرجنتيني ليونيل ميسي من أحد المدرجات .
و قد كتب الجواهري أيضاً مطلع السبعينات قصيدة فيها سخرية عن الملاكمة كلعبة عنيفة لكنه يخاطب الملاكم الأسطورة محمد علي كلاي قائلاً :-
شِسْعٌ لنعلِكَ كلّ مَوْهِبةٍ
وفداءُ زندِك كلّ موهوبِ
وصدى لُهاثِكَ كلّ مُبتَكَرٍ
من كلّ مسموعٍ ومكتوب
يا سـالـباً بجِمـاع راحتِـهِ
أغنى الغنى، وأعزّ مسلوبِ
ما الشعرُ؟.. ما الآدابُ؟.. ما بِدَعٌ
للفكر؟.. ما وَمَضاتُ أُسلوب؟
في كتاب الوجود و العدم لسارتر يتردد ذكر رياضة التزلق على الجليد فيما يرى كامو إنه تعلم الأخلاق من خلال كرة القدم التي لعبها بشبابه و يحلم جاك دريدا على الدوام بأن يصبح حارس مرمى .
تُعتبر كرة القدم إحدى أقدم الألعاب التي مارستها الشعوب منذ القدم ثم تطورت قوانينها و مازالت تتطور إلى الآن و هي إضافة إلى إنها نشاط محبب منذ الصغر فانها تعتبر أيضا جزء من التراث الوطني ،ففوز فريق بكرة القدم لا يقل عن فرحة فوز كاتب بنوبل للأدب.
إننا نلعب من أجل التسلية، المتعة، تخفيف الضغط اليومي، صحة الجسد و للأسباب نفسها نكتب، الشعر لعبة أيضا وذلك لا ينتقص من قيمته فإن اللهو في عالم مزدحم بالجدية الصارمة و القوانين المريرة يبدو ملحاً بل مثالياً .
الألعاب في مجملها تبدو أقرب للشعر منها للفنون الأخرى ففي الدومينو نتقابل أنا و رفاقي كما يحدث في أي مبارزة شعرية ،أي خدعة نخترق بها القوانين المسبقة إذا اضطررنا ،يتعصب صديقي مشتاق ما أن خسر أول جولة و يعمد حسين لاستخدام حيله الذكية بإيقاع الخصم أما عقيل فيبدو على الرغم من مهاراته في اللعب كأي شاعر كسول يقضي وقته متفرجاً لا صانعاً ، الرفاق الذين نتعرف عليهم في اللعبة أو في للشعر هم الأقرب للمزاج الشخصي غالباً .
في بداية كتابه الشهير " كرة القدم بين الشمس و الظل " يعترف إدواردو غاليانو بأنه كان يحلم أن يكون لاعباً بل كان يلعب في الليل أثناء نومه، يقرر بعد ذلك أن تاريخ كرة القدم هو رحلة تحولها من متعة إلى واجب، من فن إلى متاجرة و يُحول أثر ذلك اللاعب من حالم إلى مدجن وما جرى في كرة القدم جرى في الأدب عامة و في الشعر خاصة إذ تم شراء الشعراء بطرق شتى لإضعاف قوتهم الفطرية، تم تخويفهم و إلقاء الشكوك حول ابتكاراتهم مرة بعد أخرى أو تفسيرها من ناحية تاريخية و إجتماعية فقط .
يتم التعبير عن الروح العالية غالباً بأنها روح رياضية روح مصفاة و متخففة من الانفعال و بالطريقة ذاتها يقال عن لغة ما إنها شاعرية ليعنى إنها لغة سلسة ،خفيفة الوزن و متخلصة من الضغوط .
ينقل لنا ستيفن كونور في كتابه" الفلسفة الرياضية" قصة رواها له أحد رفاقه من إنه مع رفيق آخر كان يتدربان على كرة القاعدة ولكن لم يكن لديها كرة فاستعملا تفاحة و عندما شقت بسبب ضربة إلى نصفين تمكن رفيقه من التقاط النصفين حتى خلعت كتفه
و قد شهدت طفولتنا لعب الكرة بواسطة قطعة قماش ملفوفة كما تم استعمال ورق علب السجائر للكتابة في السجن أو عند تعذر الحلول .
أثير جدلا مؤخراً حول اعتبار الرياضة فناً مثل القصة له بداية و هدف و خاتمة أيضاً و هي بالفعل فن واقعي سحري بالرغم من أنه مقيد بقوانين منفق عليها مسبقاً إلا أن ثمة لاعبين يكسرون القيود فاتحين الآفاق أمام الأجيال مثل الساحر مارادونا،
لاعبون يراوغون كشعراء يمكنهم مغافلة المشاهير و تسجيل الهدف بطريقة خاطفة و حرة و غير مخطط لها منذ البدء،
أن تكتبَ قصيدة نثر جيدة بالنسبة لي هو أن تسجل هدفاً باليد .


عامر الطيب



تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى