التمثيل الصامت (الميم) نوع من الأدب الدرامي له جذور يونانية ورومانية. وكلمة ميم مشتقة من اصطلاح يوناني يعني (Mi eistati) ( يقلد, يمثل) وكانت التمثيلية الصامتة عند الإغريق عبارة عن هزلية تتناول حدثاً بلا كلمات. إما الميم فكان في الأصل (سكتش) من نوع درامي غالباً ما كان هزلياً ساخراً واقعياً.
ومن الأشكال المبكرة للميم الشعبي (الكوميديا السيراكوزية) التي ظهرت في القرن الخامس قبل الميلاد, ومن أبرز مؤلفيها (اينجارموس) و(سوفرون) وكان لها تأثير على الكوميدي في أثينا وإن اختلفت عنها في خلو الأولى من الكورس أو الجوقة والخلفية السياسية.
في عهد الرومان عرف التمثيل الصامت بأبسط صورة من صور التسلية الدرامية المعروفة في الأزمنة الكلاسيكية وأكثرها استمراراً. ولم يكن في منشئه مندرجاً في إطار الأنواع الدرامية الحقيقية, لقد كان يوجد في جميع أنحاء العالم القديم مهرجون ولاعبو سيرك واكروبات, يستعرضون فنونهم ومهاراتهم في الأسواق والشوارع والقرى الريفية والساحات العامة لإحياء الحفلات في الأعياد وغيرها.
إن أول من أعطى للميم الروماني إيقاعه وشكله الأدبي الكاتب (ديسيموس لابريوس) في القرن الأول ق. م, وكان مشهوراً في تقديم التمثيلية الصامتة في مهرجان فلورانيا السنوي الصيفي. إن الميم الذي كان موضع احترام وتقدير الشعب الروماني كان مرتبطاً في نشأته بالطقوس الدينية الوثنية التي أخذت تتوارى أمام انتشار المسيحية, ومن المؤكد أن البانتوميم الروماني كان على درجة كبيرة من التنوع والثراء في مجال فن استخدام الإيماء والحركة والإشارة ولغة الجسد وذلك بعد أن تطور هذا الفن على أيدي بعض الممثلين البارعين أمثال: (اندونيكوس).
ويعود الاهتمام بهذا الفن إلى القرن الثاني بعد الميلاد في رسالة (لوسيان ساموساتا) الذي حدد الخصائص الأساسية لممثل الميم بقوله: ( يجب أن تتوافر له معرفة سابقة بالموسيقا والميثولوجيا, وعليه أن يتمتع بذاكرة حادة وحساسية مرهفة وجسم متناسق رشيق يجمع بين القوة العضلية ومرونة الأطراف).
ومنذ العهد اليوناني إلى يومنا,تبدو أهمية فن الميم المتزايدة من خلال تنوع شعبيته التي بلغت أقصاها في (كوميديا ديللارتي) أو (الكوميديا المرتجلة) في إيطاليا في القرن السادس عشر, حيث كان الممثلون يستخدمون الأقنعة والكلمة المنطوقة مع الإيماءة والإشارة وليست الأشكال المألوفة التي عاشت في صورة متغيرة حتى يومنا هذا سوى امتداد لشخصيات الكوميدي المرتجلة.
البانتوميم مثل غيره من الفنون تعرض للاضطهاد من جانب السلطات الدينية والدنيوية في عصور مختلفة في الغرب, في الوقت الذي كان يزدهر فيه مسرح الإيماءة في الشرق. لقد أمر (شارلمان) بتحريم هذا اللون من الفن, واستأنف ابنه قرار التحريم هذا, وبعد ذلك حرم رئيس أساقفة تور على رجال الدين مشاهدة عروض المسرح برمتها, لكن بعد خمسة قرون من هذا الحصار القاسي والاضطهاد, ولد المسرح من جديد في كل من فرنسا وإيطاليا, إلا أنه تبنى صوراً أخرى من الدراما تقوم على الطقوس الدينية, حيث فقدت الإيماءة مكانتها وظلت (كوميديا ابراتشا الإيطالية) وحدها برهاناً حياً على تقديم الفنون الشعبية التي تبتكر مواقف ساخرة وهزلية كاريكاتورية وإيماءات وحركات هادئة إلى حد ما.
وقد اتجهت أنظارالفنانين إلى فرنسا, رغم أن الخيال الفني فيها كان يغط في سبات عميق, وكان لا بد من انتظار تأثير الكوميديين الإيطاليين على (موليير) الذي حاول إنقاذ الكوميديا من سخف وركاكة الحوار بالبحث عن شخصيات من التراث الشعبي عن طريق التمثيل الكوميدي والأقنعة والباليه وحركات الرقص الإيقاعي وبدأت الإيماءة تسترد عافيتها وبعض رونقها من جديد.
عاد البانتوميم إلى الظهور على أحد مسارح باريس الشعبية المتخصص في تقديم عروض الاكروبات على الأسلاك لإثارة وجذب المتفرجين, وقررت فرق الاكروبات عدم استخدام لغة منطوقة, مقتصرين في عروضهم على تقديم التمثيليات الصامتة. لقد أحرز الممثل (ديبورا) شهرة عظيمة إلا أن أسلوب التمثيل الصامت كان يتطلب مفردات وعناصر أفضل من السيناريوهات الشاحبة التي كانت تقدم تحت عنوان (بانتوميم للتهريج).
بمرور الوقت واجتهاد الممثلين وإصرارهم ارتفعت مكانة التمثيل الإيمائي في إنجلترا وفرنسا وخاصة بعد ظهور مسرحية (الابن الضال) الشهيرة ذات الثلاثة فصول المعتمدة على الأداء الصامت, وبذلك اعتبر نقاد المسرح أن هذا النجاح هو المقدمة الأولى للتمثيلية الإيمائية الحديثة – وسنجد أن المدارس الحديثة في الإخرج عند قسطنطين ستانسلافسكي ومايرهولد وجاك كوبو وبارو وجاسمان وبيتر بروك, أصبحت تعتبر الأداء الصامت جزءاً أساسياً من برنامج تدريب الممثل الشامل? اليوم, بعد أن تطورت تقنية المسرح أصبح التمثيل الإيمائي فناً صامتاً كاملاً, فيه يعبر الممثل عن المعاني بالإشارة والحركة والتعبيرات الجسمانية المختلفة.
والممثل في ممارسته لهذا اللون الصعب من الأداء يجب أن يكون قادراً على التعبير عن فكرة وعاطفة بحيث لا يراود المتفرجين إحساسهم بٍأنهم يفتقدون تقديم الكلمة التقليدية في المسرح التقليدي. وكما كان الميم في فرنسا في القرن التاسع عشر, فإن الميم الحديث تصاحبه عادة موسيقا متآزرة مع حركات الممثل وإيماءاته, وقد تكون الموسيقا غير لازمة في أحيان نادرة. ويمكن استخدام المهمات المسرحية أو (لواحق العرض) من ديكور وإكسسوار وملابس وإضاءة كما هو الحال في المسرحيات الناطقة ويمكن كذلك الاستغناء عنها اعتماداً على براعة الممثل وخيال المتفرجين.
في السنوات الأخيرة من القرن الماضي أصبحت الحاجة ماسة أكثر من ذي قبل لتدريب الممثل على الأداء الصامت, وأصبح هذا الفن يدرس أكاديمياً في المعاهد التي تدرس الدراما والباليه, لقد تزايدت شعبية الأداء الصامت في المسرح وأكثر منه في الفنون الاستعراضية, والفنون المتطورة مثل فن البالية والرقص الإيقاعي الحديث, حيث أصبح الاعتماد على الأداء الصامت عنصراً أساسياً في التشكيل الحركي.
لقد عرفنا معاني كثيرة لكلمة بانتوميم منها: أنها باليهات القرن الثامن عشر وهي ذات موضوعات مستمدة من الميثولوجيا الكلاسيكية. وهي أيضاً الاحتفالات الاستعراضية التقليدية التي تقام في أعياد (الكريسماس) في بريطانيا والتي يرجع منشؤها إلى رقصات (ارلكتيو) الهزلية. وهي تمثيليات بيرو الصامتة التي جاءت متأثرة بعرض فرقة البانتوميم الإنجليزي ببارس في نهاية القرن الماضي.
وهي (ميلودراما)
تقدم بأسلوب العرض الصامت, وقد ظهرت في القرن الثامن عشر عندما اقتصرت لغة الحوار المنطوق على المسارح الملكية وحدها في كل من إنجلترا وفرنسا, وأخيراً فهي مصطلح يستخدم لوصف ما يشاهد رقصاً وتمثيلاً ليطلق أيضاً على الحركات التعبيرية التي يأتي بها الممثلون باستخدام بارع للوجه والأطراف. ويجدر بنا أن نعرف أن هناك نوعين من الأداء الإيماني. النوع الأول وهو جاد كلاسيكي والثاني كوميدي شعبي. والنوعان معروفان منذ بداية التاريخ المسرحي.
أما الأول فترجع نشأته إلى الطقوس الدينية عند الشعوب القديمة وهو يتناول النواحي الحادة في حياة الإنسان مثل نجاح أو فشل الآمال والطموحات والمثل العليا. والثاني يتعلق بالألعاب الترفيهية والحب والضحك وغالباً ما يثير السخرية من نقائص الإنسان وفقدانه الاحترام. ونظراً لتعقيد أساليب الأداء فقد اندمجت الصورتان في حال واحد كما حدث في مسرحيات الخوارق والمسرحيات الأخلاقية والأقنعة الإنجليزية ومسرحيات وليام شكسبير والفرنسي موليير, ثم في الباليهات الروسية التي صممها (دياجيليف)..
الأداء الإيماني الجاد كان أول الأمر متضمناً في مسرحيات كبار الكتاب اليونانيين أمثال: سوفوكليس واسخيلوس ويوربيدس, فقد كان يشتمل على إيماءات تعد بشكل عام صوراً مقبولة لتعبير عاطفي طبيعي. وقد نماها وطورها باثيلوس وبيلاديس وآخرون من ممثلي الأداء الصامت لرومانيين كانوا قادرين وحدهم على تمثيل القصص الكلاسيكية العظيمة بأسلوب صامت, كما كانوا يمثلون الأحداث المعاصرة لهم. وقد انحدرت إلينا بعض الإيماءات في صورة ميم كلاسيكي, ولأن هذه الصور من الميم تتناول مشكلات الحياة بأسلوب جاد ينبغي أن تؤدى بإيقاع بطيء وأن تكون كل حركة فيه مقصودة ودقيقة ومدروسة وواضحة, وعلى الممثلين في المسرحية الصامتة أن يتوزعوا في كامل رقعة خشبة المسرح وفي نماذج متوازنة لخلق تشكيلات جمالية تعوض عدم استخدام الكلام. أما الميم الهزلي والشعبي فهو كثيراً ما ينشأ من أحداث غير متوقعة الحدوث في الحياة اليومية حيث يتضاءل ما يتمتع به الإنسان من وقار بسبب مفاجآت الحياة, وهذه التلقائية الواضحة بالطبع هي محور الميم الهزلي الشعبي.
فض الاشتباك بين المفهومين :
وعن أسباب اختلاط الأمر عند البعض على أنهما فن واحد يعبر عن التمثيل الصامت يقول أحمد نبيل . ان هذا اللبس له اصوله التاريخية التي سنتتبعها لنرى أن هذين النوعين كانا في فترات تاريخية يعبران عن نوعين من الفنون يحمل كل منهما صفاته الخاصة، وأنهما في فترات لاحقة أصبحا يعبران عن نفس الشيء مع الإيضاح بأنه في يومنا هذا لا يزال البريطانيون يفرقون بينهما. لذا سنبدأ بالحديث عن جذور المايم والبانتومايم عند الاغريق والرومان
الميم عند الاغريق وهي كلمة قديمة وتعني تقليد الحياة(Imitation of Life) قد أتت الكلمة من الكلمة الاغريقية القديمة (Mimos) وقد بدأ هذا النوع يتشكل من نفس القاعدة الاساسية التي نشأ منها المسرح وهي الرغبة والحاجة عند الانسان للتقليد واللعب وإضافة التفاصيل والزخرفة على امور الحياة اليومية
وكذلك يفرق د. كمال عيد بين فن المايم وفن البانتومايم كالآتي :
" أولا: فن المايم Johann Jakob Engel ,Mime
على الرغم من حداثة العلم إلا أن بداياته تعود إلى الألماني يوهان ياكوب إنجل ، أول الباحثين في علم وفن المايم بكتابه الذي أصدره في نهايات القرن الثامن عشر الميلادي (1785 ) بعنوان ( أفكار حول تقنيات فن المايم ) Ideen Zu Einer Mimik مقعدا فيه أربعة أساسات نظرية لهذا الفن . ونظرا لتاريخية الكتاب فقد أعاد الألماني كلاجس Klages طباعة هذه الأساسات لأهميتها البالغة في كتاب حديث عنوانه ( علم التعبير) Vom Ausdruk Vissensshaftوالأساسات الأربعة هي:
1- يعني فن المايم التعبير عن صور حقيقية أو صور متخيلة في قوة فارقة .. بمعنى التفكير في قيمة سامية رفيعة ، ثم الشج من الجسد ليعبر هو الآخر عن هذه القيمة .
2- هذه المهمة – من وجهة نظر فنان المايم – تتطلب السرعة ، والهمة والقوة والنعومة أيضا . كما تتطلب متناقضاتها في بعض المواقف ، مثل الإبطاء ، التكاسل ، الضعف ، والخشونة .
3- الإعتناء بقاعدة التناظر Analogy بمعنى أن تكون الحركات الخارجية :
Motives التي تعامل معها فنان المايم من الخارج مناسبة ومنسجمة مع
الحركات الداخلية .. أي أن يتوافق الجسد في تعامله مع الروح ( أحاسيس الوجدان) فانسيابية الأفكار الداخلية وحريتها وبساطتها تؤهل فنان المايم لسرعة العرض والحركة المفهومة والحرية في الانطلاق والعكس بالعكس . فإن كانت الأفكار الداخلية معقدة أو غير مرئية ، فإن التحقيق في تطبيقات فن المايم مشوشة مضطربا بطئ الحركة .
4- التفريق بين التعبيرين المشتبكين : والمقصود هو استبيان حقيقة تعبير المايم والتعبير الناشر المسمى بنسخ المايم (أي صورة مزيفة منهCopy ) ولعل تشابه التعبيرين يعود إلى أن التقنية القديمة لفن المايم تكاد تعني ترجمة لعلم الفراسة Physiognomy باعتباره العلم الذي يفصح عن ملامح الوجه وأساريره وعلى الخصوص في إفصلخه عن المزاجMood والخلق أو هو صفات باطنية تتجلى خارجيا .. ومن هنا يكون التقليد سهلا فالعادة أن يكون الرجل الفخزر مشتد القامة ، والرجل المنكسر منحنيا. "
يخرج د.كمال عيد مما تقدم بالقول إن " فلسفة إنجل النظرية تعتمد في الأساس الرابع على نظرية الإغريقي أرسطو التي تقول بأن " المحاكاة في الأساس في الفن ، ومع ذلك فإن تاريخ فن البانتومايم لم يعدم معارضات لهذه الفلسفة النظرية الأرسطية الأنجيلية ( نسبة إلى إنجل) بعد أن جاء الفرنسي إيتيان داكرو Etienne Decroux في نهاية القرن التاسع عشر الميلادي ودحض الفكرة النظرية القديمة مستبدلا إياها بتعبير ( الهدف( Aim في فن المايم ثم موزعا هذا الهدف على عنصرين رئيسيين أطلق عليهما ( المدرك الضمني) Objective ، ( المقاومة) Resistence ففي الهدف المايمي يرتكز العنصر الأول عن العنصر الثاني . وبدخول نظرية المايم على يد داكرو في العنصر الحديث تطور فن المايم ، إذ جعل الأساس المادي في النظرية يعتمد على الرياضة الجمنازية Gymnastics بهدف تقوية الأجسام وترويض العضلات ( وعي نفس الفكرة القديمة في فن البانتومايم عند المسرح الصيني في أوبرات بكين) بل لعلها تعود إلى قديم أصلها في العصر الروماني . "
ويعزى تطوير فكرة فن المايم في العصر الحديث إلى كل من الفرنسيين جان لوي بارو J.L. Barrault ، مارسيل مارسو M. Marceau ،جان سوبيران J. Sobeyran تلاميذ داكرو في فن المايم . وقد اعتمد تجديد أسس ذلك الفن على أيدى هؤلاء على العناصر الآتية : :
1- الحركة Movement
2- الوضع الجسمي (الموقف) Attitude
3- المحرك Motive
ثانيا : فن البانتومايم Pantomime :
فرق شاسع بين فني المايم والبانتومايم ، وبصورة قاطعة . وهو ما يخفى للأسف على الكثيرين من المشتغلين بالفنون التعبيرية . فيما يقول د. كمال عيد بكلمات حادة وقاطعة "يرتكز الأول( المايم) على التقليد أو ( المحاكاة) الأرسطوطالية تاريخيا .. يختلف يختلف البانتومايم في النشأة والجوهر .. يقول د. كمال الدين عيد " يعتمد المايم على الإشارات الجسمانية والتمثيل بالجسد ، وبالصمت، عادة يدخل الحوار وتدخل العبارات الكلامية، قاطعة في فن البانتومايم . كما يستعمل البانتومايم عنصر الموسيقى ، بينما لا نجد لها أثرا أو إشارة في عروض المايم إلا في حالات الخلط الجاهلة "
ثالثا: ممثل البانتوميم هوفي الحقيقة راقص ويقوم بأداء رقص شبيه برقص الباليه الحديث – أو ما يسمى تحديدا"الباليه ميم" (الفرق الجوهري بين الباليه والباليه مايم يتلخص بأن حركة اليد أو القدم تقرأ في "الباليه مايم" مثل إشارات الصم والبكم فعلى سبيل المثال لو وضع الممثل يده على قلبه فهذا يعني كلمة الحب الخ) وعليه فإن البانتومايم الروماني يعتبرالآن المرجعية الرئيسية لفن "الباليه مايم
رابعا: يتم اختيار ممثلي المايم اما اعتمادا على جمال اجسامهم او لقباحتهم المضحكة ويقومون بالتمثيل الصامت تنسيقا مع الحركة، الإيماءة، الإشارة والرقص. من الملفت للانتباه بأن ممثلي المايم عادة ما كانوا من عامة الشعب، ولم تضم أحدا من طبقة النبلاء . الملابس التي يرتدونها تتكون من رداء التونك اضافة الى ارتداء
القبعات، والممثلون الذين يمثلون شخصية الانسان الابله (المهرج لاحقا) يرتدون جاكيتا مرقعا ويحلقون رؤوسهم في حين ترتدي بعض الشخصيات الأخرى ملابس المجتمع الراقي . هناك دائما في هذا الفن شخصيات نمطية ثابتة لا تتغير مثل الزوج المخادع، الرجل الشره او الزوج الغبي وملابسها لاتتغيرأيضا وهي شخصيات مضحكة. أما الإكسسوارات فلم تتعد استخدام القبعات او السيف. وعادة يصبح هؤلاء الممثلون مع الوقت مشهورين لهم معجبيهم وينالون الشهرة والمال. وقد سجل الأثر في القرن السادس الميلادي حادثة زواج إحدى مشاهير ممثلات المايم في حينه "ثيودورا" من الإمبراطور "جوستنيان".أما ممثلو البانتومايم فيمتازون بأن لهم أجساما رياضية وبلباس "التونك"الطويل إضافة إلى عباءة تعطيهم الحرية في الحركة.
خامسا : من الملفت للنظر أن البانتومايم الكوميدي كان قد عاش لفترة قصيرة ثم اندثر وأن البانتومايم لا يعتبر فنا كوميديا بل فن تراجيدي حيث أن مواضيعه غالبا ما تكون مستقاة من الميثلوجيا الإغريقية في حين أن المايم يعتبر فن المسخرة ومواضيعه مستقاة من الحياة اليومية.
عند الرومان سواء كان العرض "مايم" أو "بانتومايم" فإن طقوس العرض تكون على الشكل التالي: تبدأ الاوركسترا بالموسيقى الافتتاحية ثم تظهر الجوقة وبعدها الراقصون ومن ثم ممثلو المايم او البانتومايم ثم يقوم أحد الممثلين مرتديا قناعا له فتحة تناسب الفم بالتعريف عن المسرحية ويعطي شرحا موجزا لقصتها والإعلان عن هذه المشاركة قد يكون على النحو التالي : يحيا القيصر، يحيا الجميع ،باسم القيصر النبيل، اليوم هو اليوم الاول من آب، سنقدم "بانتومايم"من تأليف "ليفس اندرونيكس"تحت عنوان "رومالوس"(Romalus)وسوف تمثل من قبل بيلدس والذي يمثل دور الإله ويرافقه أتباعه وخلال لحظات ستتمكنون من التصفيق لهم جميعا،اشكروا القيصر النبيل. ونلاحظ في هذا الاعلان بأنه قد تضمن اسم الكاتب والممثل، وبعد ذلك تبدأ الجوقة براوية المسرحية ويقوم ممثلو المايم او البانتومايم بتقديم العرض.
هناك نوع آخر طريف من المايم عرف في العهد الروماني وهو"مايم الأموات" ويسمى للذكور ارشيميموس (Archimimus)وللاناث ارشيميما (Archimima)ويتلخص هذا النوع بأنه حين يتوفى لاحد العائلات قريب بقومون باستدعاء الفرق اما النسائية أو الذكورية حسب جنس المتوفي ويقوم هؤلاء الممثلون بارتداء ملابس المتوفى او المتوفاة وتقليد لمحات من حياة الشخص المتوفى في حين يقوم المسؤول عن الفريق الذي يرتدي الملابس السوداء ببعض حركات الرثاء اثناء اداء ممثلي المايم لطقوسهم. هذا النوع يذكرنا بفرق الندب المصرية التي يتم استئجارها حتى يومنا هذا للبكاء والندب على الميت.
نوع آخر حزين لفن البانتومايم: فبالإضافة إلى عروضهم في المسرحيات المنتظمة الا انهم كانوا ايضا يقدمون عروضا في المدرجات الرومانية الرياضية (الأرينا) والتي كما ذكر التاريخ لنا كانت قد اخذت في بعض الاحيان اشكالا دموية لا إنسانية . على سبيل المثال في احد مهرجانات سباق العربات وفي فترةالاستراحة تذكر حادثة لأحد ممثلي البانتومايم والذي كان مجرما حيث كان قد قام بتقليد مشهد عناورفيوس الذي يظهر من الأرض السفلية "ارض الموت" ويعزف الموسيقى وتطرب لعزفه الحجارة والأشجار ويأتون لتحيته وتركع الحيوانات عند قدميه ولكن في نهاية المشهد يتم تقطيع الممثل إلى قطع صغيرة ويتم افتراسه من قبل دب وحشي.
في نهاية العهد الروماني لم يعد هناك تمييز بين هذين النوعين وانما يقدم المايم والبانتومايم كفن منفصل دون مصاحبة الجوقة لهم، ومن هنا اصبح يشار الى هذه الفنون بأنها فن الاداء الصامت مع احتفاظهما بخصوصية كل منهما. ويبقيان حتىيومنا هذايعتبران فن الأداء الصامت باستثناء بريطانيا التي مازال فيها المايم فقط هو فن التمثيل الصامت اما البانتومايم فهو مسرحيات ناطقة مأخوذة من الأساطير والحكايات الخرافية في "ألف ليلة وليلة"مثل "علي بابا و"الأربعين حرامي" أوغيرها مثل"سندريلا" أو "الأميرة النائمة" الخ وهي ما زالت تقدم منذ القرن الثامن عشر وحتى الآن في أعياد الميلاد وغيرها من المناسبات.
مع مرور الوقت تحول ممثلو المايم والبانتومايم إلى لون آخرفي عصر النهضة :يقول د. احمد زكي في كتابه (اتجاهات المسرح المعاصر - فنون العرض"الجزء الأول") بأنه عند سقوط القسطنطينية سنة 1564 م على يد الأتراك في القرن الخامس عشر الميلادي، هرب ممثلو المايم البيزنطيون من المدينة الى اوروبا، وعليه فقد وصل إلى ايطاليا مزيج من المسرح الديني والبانتومايم البيزنطي وجمع غفير من المغنين الرحل الذين ابتدعوا شكلا جديدا هو "الكوميديا دي لارتي" أي الكوميديا المرتجلة وهي بإيجاز نوع مسرحي يعتمد على الممثل وارتجاله لدوره حيث يتمتع هذا الممثل بقدرات عالية من الحيل والبهلوانيات والاكروبات والبانتومايم وسرعة البديهة واللياقة الجسدية ،ولها شخصيات ثابتة مثل: "هارلكوين" و"بنطلون" و"بدرلينو" و"الكابتن" وهدفها فقط الاضحاك، وتعتمد قصصها على قصص الحب والخيانة الزوجية.
ومن الأشكال المبكرة للميم الشعبي (الكوميديا السيراكوزية) التي ظهرت في القرن الخامس قبل الميلاد, ومن أبرز مؤلفيها (اينجارموس) و(سوفرون) وكان لها تأثير على الكوميدي في أثينا وإن اختلفت عنها في خلو الأولى من الكورس أو الجوقة والخلفية السياسية.
في عهد الرومان عرف التمثيل الصامت بأبسط صورة من صور التسلية الدرامية المعروفة في الأزمنة الكلاسيكية وأكثرها استمراراً. ولم يكن في منشئه مندرجاً في إطار الأنواع الدرامية الحقيقية, لقد كان يوجد في جميع أنحاء العالم القديم مهرجون ولاعبو سيرك واكروبات, يستعرضون فنونهم ومهاراتهم في الأسواق والشوارع والقرى الريفية والساحات العامة لإحياء الحفلات في الأعياد وغيرها.
إن أول من أعطى للميم الروماني إيقاعه وشكله الأدبي الكاتب (ديسيموس لابريوس) في القرن الأول ق. م, وكان مشهوراً في تقديم التمثيلية الصامتة في مهرجان فلورانيا السنوي الصيفي. إن الميم الذي كان موضع احترام وتقدير الشعب الروماني كان مرتبطاً في نشأته بالطقوس الدينية الوثنية التي أخذت تتوارى أمام انتشار المسيحية, ومن المؤكد أن البانتوميم الروماني كان على درجة كبيرة من التنوع والثراء في مجال فن استخدام الإيماء والحركة والإشارة ولغة الجسد وذلك بعد أن تطور هذا الفن على أيدي بعض الممثلين البارعين أمثال: (اندونيكوس).
ويعود الاهتمام بهذا الفن إلى القرن الثاني بعد الميلاد في رسالة (لوسيان ساموساتا) الذي حدد الخصائص الأساسية لممثل الميم بقوله: ( يجب أن تتوافر له معرفة سابقة بالموسيقا والميثولوجيا, وعليه أن يتمتع بذاكرة حادة وحساسية مرهفة وجسم متناسق رشيق يجمع بين القوة العضلية ومرونة الأطراف).
ومنذ العهد اليوناني إلى يومنا,تبدو أهمية فن الميم المتزايدة من خلال تنوع شعبيته التي بلغت أقصاها في (كوميديا ديللارتي) أو (الكوميديا المرتجلة) في إيطاليا في القرن السادس عشر, حيث كان الممثلون يستخدمون الأقنعة والكلمة المنطوقة مع الإيماءة والإشارة وليست الأشكال المألوفة التي عاشت في صورة متغيرة حتى يومنا هذا سوى امتداد لشخصيات الكوميدي المرتجلة.
البانتوميم مثل غيره من الفنون تعرض للاضطهاد من جانب السلطات الدينية والدنيوية في عصور مختلفة في الغرب, في الوقت الذي كان يزدهر فيه مسرح الإيماءة في الشرق. لقد أمر (شارلمان) بتحريم هذا اللون من الفن, واستأنف ابنه قرار التحريم هذا, وبعد ذلك حرم رئيس أساقفة تور على رجال الدين مشاهدة عروض المسرح برمتها, لكن بعد خمسة قرون من هذا الحصار القاسي والاضطهاد, ولد المسرح من جديد في كل من فرنسا وإيطاليا, إلا أنه تبنى صوراً أخرى من الدراما تقوم على الطقوس الدينية, حيث فقدت الإيماءة مكانتها وظلت (كوميديا ابراتشا الإيطالية) وحدها برهاناً حياً على تقديم الفنون الشعبية التي تبتكر مواقف ساخرة وهزلية كاريكاتورية وإيماءات وحركات هادئة إلى حد ما.
وقد اتجهت أنظارالفنانين إلى فرنسا, رغم أن الخيال الفني فيها كان يغط في سبات عميق, وكان لا بد من انتظار تأثير الكوميديين الإيطاليين على (موليير) الذي حاول إنقاذ الكوميديا من سخف وركاكة الحوار بالبحث عن شخصيات من التراث الشعبي عن طريق التمثيل الكوميدي والأقنعة والباليه وحركات الرقص الإيقاعي وبدأت الإيماءة تسترد عافيتها وبعض رونقها من جديد.
عاد البانتوميم إلى الظهور على أحد مسارح باريس الشعبية المتخصص في تقديم عروض الاكروبات على الأسلاك لإثارة وجذب المتفرجين, وقررت فرق الاكروبات عدم استخدام لغة منطوقة, مقتصرين في عروضهم على تقديم التمثيليات الصامتة. لقد أحرز الممثل (ديبورا) شهرة عظيمة إلا أن أسلوب التمثيل الصامت كان يتطلب مفردات وعناصر أفضل من السيناريوهات الشاحبة التي كانت تقدم تحت عنوان (بانتوميم للتهريج).
بمرور الوقت واجتهاد الممثلين وإصرارهم ارتفعت مكانة التمثيل الإيمائي في إنجلترا وفرنسا وخاصة بعد ظهور مسرحية (الابن الضال) الشهيرة ذات الثلاثة فصول المعتمدة على الأداء الصامت, وبذلك اعتبر نقاد المسرح أن هذا النجاح هو المقدمة الأولى للتمثيلية الإيمائية الحديثة – وسنجد أن المدارس الحديثة في الإخرج عند قسطنطين ستانسلافسكي ومايرهولد وجاك كوبو وبارو وجاسمان وبيتر بروك, أصبحت تعتبر الأداء الصامت جزءاً أساسياً من برنامج تدريب الممثل الشامل? اليوم, بعد أن تطورت تقنية المسرح أصبح التمثيل الإيمائي فناً صامتاً كاملاً, فيه يعبر الممثل عن المعاني بالإشارة والحركة والتعبيرات الجسمانية المختلفة.
والممثل في ممارسته لهذا اللون الصعب من الأداء يجب أن يكون قادراً على التعبير عن فكرة وعاطفة بحيث لا يراود المتفرجين إحساسهم بٍأنهم يفتقدون تقديم الكلمة التقليدية في المسرح التقليدي. وكما كان الميم في فرنسا في القرن التاسع عشر, فإن الميم الحديث تصاحبه عادة موسيقا متآزرة مع حركات الممثل وإيماءاته, وقد تكون الموسيقا غير لازمة في أحيان نادرة. ويمكن استخدام المهمات المسرحية أو (لواحق العرض) من ديكور وإكسسوار وملابس وإضاءة كما هو الحال في المسرحيات الناطقة ويمكن كذلك الاستغناء عنها اعتماداً على براعة الممثل وخيال المتفرجين.
في السنوات الأخيرة من القرن الماضي أصبحت الحاجة ماسة أكثر من ذي قبل لتدريب الممثل على الأداء الصامت, وأصبح هذا الفن يدرس أكاديمياً في المعاهد التي تدرس الدراما والباليه, لقد تزايدت شعبية الأداء الصامت في المسرح وأكثر منه في الفنون الاستعراضية, والفنون المتطورة مثل فن البالية والرقص الإيقاعي الحديث, حيث أصبح الاعتماد على الأداء الصامت عنصراً أساسياً في التشكيل الحركي.
لقد عرفنا معاني كثيرة لكلمة بانتوميم منها: أنها باليهات القرن الثامن عشر وهي ذات موضوعات مستمدة من الميثولوجيا الكلاسيكية. وهي أيضاً الاحتفالات الاستعراضية التقليدية التي تقام في أعياد (الكريسماس) في بريطانيا والتي يرجع منشؤها إلى رقصات (ارلكتيو) الهزلية. وهي تمثيليات بيرو الصامتة التي جاءت متأثرة بعرض فرقة البانتوميم الإنجليزي ببارس في نهاية القرن الماضي.
وهي (ميلودراما)
تقدم بأسلوب العرض الصامت, وقد ظهرت في القرن الثامن عشر عندما اقتصرت لغة الحوار المنطوق على المسارح الملكية وحدها في كل من إنجلترا وفرنسا, وأخيراً فهي مصطلح يستخدم لوصف ما يشاهد رقصاً وتمثيلاً ليطلق أيضاً على الحركات التعبيرية التي يأتي بها الممثلون باستخدام بارع للوجه والأطراف. ويجدر بنا أن نعرف أن هناك نوعين من الأداء الإيماني. النوع الأول وهو جاد كلاسيكي والثاني كوميدي شعبي. والنوعان معروفان منذ بداية التاريخ المسرحي.
أما الأول فترجع نشأته إلى الطقوس الدينية عند الشعوب القديمة وهو يتناول النواحي الحادة في حياة الإنسان مثل نجاح أو فشل الآمال والطموحات والمثل العليا. والثاني يتعلق بالألعاب الترفيهية والحب والضحك وغالباً ما يثير السخرية من نقائص الإنسان وفقدانه الاحترام. ونظراً لتعقيد أساليب الأداء فقد اندمجت الصورتان في حال واحد كما حدث في مسرحيات الخوارق والمسرحيات الأخلاقية والأقنعة الإنجليزية ومسرحيات وليام شكسبير والفرنسي موليير, ثم في الباليهات الروسية التي صممها (دياجيليف)..
الأداء الإيماني الجاد كان أول الأمر متضمناً في مسرحيات كبار الكتاب اليونانيين أمثال: سوفوكليس واسخيلوس ويوربيدس, فقد كان يشتمل على إيماءات تعد بشكل عام صوراً مقبولة لتعبير عاطفي طبيعي. وقد نماها وطورها باثيلوس وبيلاديس وآخرون من ممثلي الأداء الصامت لرومانيين كانوا قادرين وحدهم على تمثيل القصص الكلاسيكية العظيمة بأسلوب صامت, كما كانوا يمثلون الأحداث المعاصرة لهم. وقد انحدرت إلينا بعض الإيماءات في صورة ميم كلاسيكي, ولأن هذه الصور من الميم تتناول مشكلات الحياة بأسلوب جاد ينبغي أن تؤدى بإيقاع بطيء وأن تكون كل حركة فيه مقصودة ودقيقة ومدروسة وواضحة, وعلى الممثلين في المسرحية الصامتة أن يتوزعوا في كامل رقعة خشبة المسرح وفي نماذج متوازنة لخلق تشكيلات جمالية تعوض عدم استخدام الكلام. أما الميم الهزلي والشعبي فهو كثيراً ما ينشأ من أحداث غير متوقعة الحدوث في الحياة اليومية حيث يتضاءل ما يتمتع به الإنسان من وقار بسبب مفاجآت الحياة, وهذه التلقائية الواضحة بالطبع هي محور الميم الهزلي الشعبي.
فض الاشتباك بين المفهومين :
وعن أسباب اختلاط الأمر عند البعض على أنهما فن واحد يعبر عن التمثيل الصامت يقول أحمد نبيل . ان هذا اللبس له اصوله التاريخية التي سنتتبعها لنرى أن هذين النوعين كانا في فترات تاريخية يعبران عن نوعين من الفنون يحمل كل منهما صفاته الخاصة، وأنهما في فترات لاحقة أصبحا يعبران عن نفس الشيء مع الإيضاح بأنه في يومنا هذا لا يزال البريطانيون يفرقون بينهما. لذا سنبدأ بالحديث عن جذور المايم والبانتومايم عند الاغريق والرومان
الميم عند الاغريق وهي كلمة قديمة وتعني تقليد الحياة(Imitation of Life) قد أتت الكلمة من الكلمة الاغريقية القديمة (Mimos) وقد بدأ هذا النوع يتشكل من نفس القاعدة الاساسية التي نشأ منها المسرح وهي الرغبة والحاجة عند الانسان للتقليد واللعب وإضافة التفاصيل والزخرفة على امور الحياة اليومية
وكذلك يفرق د. كمال عيد بين فن المايم وفن البانتومايم كالآتي :
" أولا: فن المايم Johann Jakob Engel ,Mime
على الرغم من حداثة العلم إلا أن بداياته تعود إلى الألماني يوهان ياكوب إنجل ، أول الباحثين في علم وفن المايم بكتابه الذي أصدره في نهايات القرن الثامن عشر الميلادي (1785 ) بعنوان ( أفكار حول تقنيات فن المايم ) Ideen Zu Einer Mimik مقعدا فيه أربعة أساسات نظرية لهذا الفن . ونظرا لتاريخية الكتاب فقد أعاد الألماني كلاجس Klages طباعة هذه الأساسات لأهميتها البالغة في كتاب حديث عنوانه ( علم التعبير) Vom Ausdruk Vissensshaftوالأساسات الأربعة هي:
1- يعني فن المايم التعبير عن صور حقيقية أو صور متخيلة في قوة فارقة .. بمعنى التفكير في قيمة سامية رفيعة ، ثم الشج من الجسد ليعبر هو الآخر عن هذه القيمة .
2- هذه المهمة – من وجهة نظر فنان المايم – تتطلب السرعة ، والهمة والقوة والنعومة أيضا . كما تتطلب متناقضاتها في بعض المواقف ، مثل الإبطاء ، التكاسل ، الضعف ، والخشونة .
3- الإعتناء بقاعدة التناظر Analogy بمعنى أن تكون الحركات الخارجية :
Motives التي تعامل معها فنان المايم من الخارج مناسبة ومنسجمة مع
الحركات الداخلية .. أي أن يتوافق الجسد في تعامله مع الروح ( أحاسيس الوجدان) فانسيابية الأفكار الداخلية وحريتها وبساطتها تؤهل فنان المايم لسرعة العرض والحركة المفهومة والحرية في الانطلاق والعكس بالعكس . فإن كانت الأفكار الداخلية معقدة أو غير مرئية ، فإن التحقيق في تطبيقات فن المايم مشوشة مضطربا بطئ الحركة .
4- التفريق بين التعبيرين المشتبكين : والمقصود هو استبيان حقيقة تعبير المايم والتعبير الناشر المسمى بنسخ المايم (أي صورة مزيفة منهCopy ) ولعل تشابه التعبيرين يعود إلى أن التقنية القديمة لفن المايم تكاد تعني ترجمة لعلم الفراسة Physiognomy باعتباره العلم الذي يفصح عن ملامح الوجه وأساريره وعلى الخصوص في إفصلخه عن المزاجMood والخلق أو هو صفات باطنية تتجلى خارجيا .. ومن هنا يكون التقليد سهلا فالعادة أن يكون الرجل الفخزر مشتد القامة ، والرجل المنكسر منحنيا. "
يخرج د.كمال عيد مما تقدم بالقول إن " فلسفة إنجل النظرية تعتمد في الأساس الرابع على نظرية الإغريقي أرسطو التي تقول بأن " المحاكاة في الأساس في الفن ، ومع ذلك فإن تاريخ فن البانتومايم لم يعدم معارضات لهذه الفلسفة النظرية الأرسطية الأنجيلية ( نسبة إلى إنجل) بعد أن جاء الفرنسي إيتيان داكرو Etienne Decroux في نهاية القرن التاسع عشر الميلادي ودحض الفكرة النظرية القديمة مستبدلا إياها بتعبير ( الهدف( Aim في فن المايم ثم موزعا هذا الهدف على عنصرين رئيسيين أطلق عليهما ( المدرك الضمني) Objective ، ( المقاومة) Resistence ففي الهدف المايمي يرتكز العنصر الأول عن العنصر الثاني . وبدخول نظرية المايم على يد داكرو في العنصر الحديث تطور فن المايم ، إذ جعل الأساس المادي في النظرية يعتمد على الرياضة الجمنازية Gymnastics بهدف تقوية الأجسام وترويض العضلات ( وعي نفس الفكرة القديمة في فن البانتومايم عند المسرح الصيني في أوبرات بكين) بل لعلها تعود إلى قديم أصلها في العصر الروماني . "
ويعزى تطوير فكرة فن المايم في العصر الحديث إلى كل من الفرنسيين جان لوي بارو J.L. Barrault ، مارسيل مارسو M. Marceau ،جان سوبيران J. Sobeyran تلاميذ داكرو في فن المايم . وقد اعتمد تجديد أسس ذلك الفن على أيدى هؤلاء على العناصر الآتية : :
1- الحركة Movement
2- الوضع الجسمي (الموقف) Attitude
3- المحرك Motive
ثانيا : فن البانتومايم Pantomime :
فرق شاسع بين فني المايم والبانتومايم ، وبصورة قاطعة . وهو ما يخفى للأسف على الكثيرين من المشتغلين بالفنون التعبيرية . فيما يقول د. كمال عيد بكلمات حادة وقاطعة "يرتكز الأول( المايم) على التقليد أو ( المحاكاة) الأرسطوطالية تاريخيا .. يختلف يختلف البانتومايم في النشأة والجوهر .. يقول د. كمال الدين عيد " يعتمد المايم على الإشارات الجسمانية والتمثيل بالجسد ، وبالصمت، عادة يدخل الحوار وتدخل العبارات الكلامية، قاطعة في فن البانتومايم . كما يستعمل البانتومايم عنصر الموسيقى ، بينما لا نجد لها أثرا أو إشارة في عروض المايم إلا في حالات الخلط الجاهلة "
ثالثا: ممثل البانتوميم هوفي الحقيقة راقص ويقوم بأداء رقص شبيه برقص الباليه الحديث – أو ما يسمى تحديدا"الباليه ميم" (الفرق الجوهري بين الباليه والباليه مايم يتلخص بأن حركة اليد أو القدم تقرأ في "الباليه مايم" مثل إشارات الصم والبكم فعلى سبيل المثال لو وضع الممثل يده على قلبه فهذا يعني كلمة الحب الخ) وعليه فإن البانتومايم الروماني يعتبرالآن المرجعية الرئيسية لفن "الباليه مايم
رابعا: يتم اختيار ممثلي المايم اما اعتمادا على جمال اجسامهم او لقباحتهم المضحكة ويقومون بالتمثيل الصامت تنسيقا مع الحركة، الإيماءة، الإشارة والرقص. من الملفت للانتباه بأن ممثلي المايم عادة ما كانوا من عامة الشعب، ولم تضم أحدا من طبقة النبلاء . الملابس التي يرتدونها تتكون من رداء التونك اضافة الى ارتداء
القبعات، والممثلون الذين يمثلون شخصية الانسان الابله (المهرج لاحقا) يرتدون جاكيتا مرقعا ويحلقون رؤوسهم في حين ترتدي بعض الشخصيات الأخرى ملابس المجتمع الراقي . هناك دائما في هذا الفن شخصيات نمطية ثابتة لا تتغير مثل الزوج المخادع، الرجل الشره او الزوج الغبي وملابسها لاتتغيرأيضا وهي شخصيات مضحكة. أما الإكسسوارات فلم تتعد استخدام القبعات او السيف. وعادة يصبح هؤلاء الممثلون مع الوقت مشهورين لهم معجبيهم وينالون الشهرة والمال. وقد سجل الأثر في القرن السادس الميلادي حادثة زواج إحدى مشاهير ممثلات المايم في حينه "ثيودورا" من الإمبراطور "جوستنيان".أما ممثلو البانتومايم فيمتازون بأن لهم أجساما رياضية وبلباس "التونك"الطويل إضافة إلى عباءة تعطيهم الحرية في الحركة.
خامسا : من الملفت للنظر أن البانتومايم الكوميدي كان قد عاش لفترة قصيرة ثم اندثر وأن البانتومايم لا يعتبر فنا كوميديا بل فن تراجيدي حيث أن مواضيعه غالبا ما تكون مستقاة من الميثلوجيا الإغريقية في حين أن المايم يعتبر فن المسخرة ومواضيعه مستقاة من الحياة اليومية.
عند الرومان سواء كان العرض "مايم" أو "بانتومايم" فإن طقوس العرض تكون على الشكل التالي: تبدأ الاوركسترا بالموسيقى الافتتاحية ثم تظهر الجوقة وبعدها الراقصون ومن ثم ممثلو المايم او البانتومايم ثم يقوم أحد الممثلين مرتديا قناعا له فتحة تناسب الفم بالتعريف عن المسرحية ويعطي شرحا موجزا لقصتها والإعلان عن هذه المشاركة قد يكون على النحو التالي : يحيا القيصر، يحيا الجميع ،باسم القيصر النبيل، اليوم هو اليوم الاول من آب، سنقدم "بانتومايم"من تأليف "ليفس اندرونيكس"تحت عنوان "رومالوس"(Romalus)وسوف تمثل من قبل بيلدس والذي يمثل دور الإله ويرافقه أتباعه وخلال لحظات ستتمكنون من التصفيق لهم جميعا،اشكروا القيصر النبيل. ونلاحظ في هذا الاعلان بأنه قد تضمن اسم الكاتب والممثل، وبعد ذلك تبدأ الجوقة براوية المسرحية ويقوم ممثلو المايم او البانتومايم بتقديم العرض.
هناك نوع آخر طريف من المايم عرف في العهد الروماني وهو"مايم الأموات" ويسمى للذكور ارشيميموس (Archimimus)وللاناث ارشيميما (Archimima)ويتلخص هذا النوع بأنه حين يتوفى لاحد العائلات قريب بقومون باستدعاء الفرق اما النسائية أو الذكورية حسب جنس المتوفي ويقوم هؤلاء الممثلون بارتداء ملابس المتوفى او المتوفاة وتقليد لمحات من حياة الشخص المتوفى في حين يقوم المسؤول عن الفريق الذي يرتدي الملابس السوداء ببعض حركات الرثاء اثناء اداء ممثلي المايم لطقوسهم. هذا النوع يذكرنا بفرق الندب المصرية التي يتم استئجارها حتى يومنا هذا للبكاء والندب على الميت.
نوع آخر حزين لفن البانتومايم: فبالإضافة إلى عروضهم في المسرحيات المنتظمة الا انهم كانوا ايضا يقدمون عروضا في المدرجات الرومانية الرياضية (الأرينا) والتي كما ذكر التاريخ لنا كانت قد اخذت في بعض الاحيان اشكالا دموية لا إنسانية . على سبيل المثال في احد مهرجانات سباق العربات وفي فترةالاستراحة تذكر حادثة لأحد ممثلي البانتومايم والذي كان مجرما حيث كان قد قام بتقليد مشهد عناورفيوس الذي يظهر من الأرض السفلية "ارض الموت" ويعزف الموسيقى وتطرب لعزفه الحجارة والأشجار ويأتون لتحيته وتركع الحيوانات عند قدميه ولكن في نهاية المشهد يتم تقطيع الممثل إلى قطع صغيرة ويتم افتراسه من قبل دب وحشي.
في نهاية العهد الروماني لم يعد هناك تمييز بين هذين النوعين وانما يقدم المايم والبانتومايم كفن منفصل دون مصاحبة الجوقة لهم، ومن هنا اصبح يشار الى هذه الفنون بأنها فن الاداء الصامت مع احتفاظهما بخصوصية كل منهما. ويبقيان حتىيومنا هذايعتبران فن الأداء الصامت باستثناء بريطانيا التي مازال فيها المايم فقط هو فن التمثيل الصامت اما البانتومايم فهو مسرحيات ناطقة مأخوذة من الأساطير والحكايات الخرافية في "ألف ليلة وليلة"مثل "علي بابا و"الأربعين حرامي" أوغيرها مثل"سندريلا" أو "الأميرة النائمة" الخ وهي ما زالت تقدم منذ القرن الثامن عشر وحتى الآن في أعياد الميلاد وغيرها من المناسبات.
مع مرور الوقت تحول ممثلو المايم والبانتومايم إلى لون آخرفي عصر النهضة :يقول د. احمد زكي في كتابه (اتجاهات المسرح المعاصر - فنون العرض"الجزء الأول") بأنه عند سقوط القسطنطينية سنة 1564 م على يد الأتراك في القرن الخامس عشر الميلادي، هرب ممثلو المايم البيزنطيون من المدينة الى اوروبا، وعليه فقد وصل إلى ايطاليا مزيج من المسرح الديني والبانتومايم البيزنطي وجمع غفير من المغنين الرحل الذين ابتدعوا شكلا جديدا هو "الكوميديا دي لارتي" أي الكوميديا المرتجلة وهي بإيجاز نوع مسرحي يعتمد على الممثل وارتجاله لدوره حيث يتمتع هذا الممثل بقدرات عالية من الحيل والبهلوانيات والاكروبات والبانتومايم وسرعة البديهة واللياقة الجسدية ،ولها شخصيات ثابتة مثل: "هارلكوين" و"بنطلون" و"بدرلينو" و"الكابتن" وهدفها فقط الاضحاك، وتعتمد قصصها على قصص الحب والخيانة الزوجية.
Zum Anzeigen anmelden oder registrieren
Sieh dir auf Facebook Beiträge, Fotos und vieles mehr an.
www.facebook.com