شريف محيي الدين إبراهيم - حساب مع الرب.. قصة قصيرة

صديقي المتدين... عبد الجبار
يعبد الله بطريقته كما يفهمها !!
يصلي ما كتب عليه، ويدفع الصدقات أو الزكاة.
يصوم معظم أيام السنة،و يذهب للعمرة مرة كل عام ، كما أنه حج بيت الله عدة مرات.
ثم ينتظر الأجر والثواب من عند الله.
نعم هو ينتظر !!
صديقي المتدين....عبدالجبار
يحصى كل ما أنفقه أو عمله من خير، أو قام به من طقوس لصلاة أو صوم.
وبدقة غريبة، يسجل هذا في كراسة عجيبة خاصة به، كتب على غلافها الملون حساب مع الرب!!

لعله ينتظر أجره مضاعفا....
وقد حدد بنفسه نصيبه من الآخرة فامتلأت كراسته،في المنتصف الثاني منها، برسومات عجيبة لأنهار من عسل وخمر، ونساء فاتنات، شبيهات بنجوم سينما الإغراء ، وأشياء عجيبة أخرى.
ربما، هي رغباته، أو طموحاته، التي فشل في تحقيقها، أو حتى بعض مما يرى في أحلامه.

و هو ينتظر أجره ، أيضا في الدنيا...
كثيرا ما شاهدته ، وهو يخاطب الله، حين، تلم به مشكلة، أو يضيق عليه في رزقه، و يسأله في عصبية :
لماذا؟
ألم أصل وأصوم وأتصدق؟!
ثم يذهب إلى كراسته، منفعلا، فيخرجها من درج مكتبة، ويعيد قراءة، كل ما سجل فيها من أعمال وصدقات، وينظر،إلى النصف الثاني منها ثم يتطلع إلى السماء، ويبكي.

يوما ما، وأثناء إحدى زيارته لي ، تعرف على عبد الرحمن، وهو صديق آخر لي ، لا يصلي ولا يصوم ولا يعد ملتزما بمنظوره.
حينئذ غضب كثيرا، وكاد يتشاجر معه، ومعي!!
ولما نصحه بالالتزام ولم يستجب له،أمرني بالابتعاد عنه ومقاطعته، وتوقع له أن يخسر كل شيء وأن تتدمر حياته، و طفق ينتظر ويراقب ويتتبع أخباره.

ولكن الشيء الذي أزعجه كثيرا، هو أن صديقي عبد الرحمن، كان يتمتع بحياته، وتبدو عليه كل مظاهر النعمة والسعادة.
حتى أن أمواله زادت وتجارته ربحت، ربحا وفيرا.

وحين ألم بصديقي عبد الرحمن مرض ، شديد قال لي عبد الجبار، الذي بات يتتبع، ويعرف كل أخباره حتى من قبل، أن أعرفها أنا :
يجب أن نذهب لزيارته، هذه أصول الدين عيادة المريض، فأنت حين تزوره، كأنك تزور الرب.
وحين انصرفنا من عنده قال لي في سعادة، بالغة :
انظر، عبد الرحمن مريض،يتعذب،ربما هي سكرات الموت.
وأخذت الغبطة تملأ نفسه، وهو يؤكد لي:
هذا عقاب الرب ، حتما سوف تنهار صحته، وتنتهي حياته، وسيكون هذا جزاء عادلا له .

بعد عدة أيام، وعلى غير توقع عبد الجبار ، تحسنت صحه عبد الرحمن!!
قال لي،عبد الجبار ، في حزن :
بالتأكيد لدى عبد الرحمن زوجة سيئة ستحيل حياته إلى جحيم.
ولما شاهد، صدفة، زوجته، و وجدها سيدة فاضلة واعية،و جميلة كما نجمات السينما.
قال لي :
إذن لابد أن يعاقبه الله في عياله.
ولكنه، وجدهم في أحسن حال!!
صحتهم على ما يرام، و دراستهم هم فيها متفوقون ، بل وكانوا بارين، محبين وطائعين لوالدهم .

تعب صديقي عبد الجبار كثيرا واضطرب!!
ثار على زوجته، وعياله، وأعلن قطيعته لنا جميعا.
ثم أخذ كراسته العجيبة، ذات الغلاف الملون و ذهب إلى المسجد الذي يؤذن فيه، وبدلا من أن يقيم الأذان، أمسك بالميكروفون، وجعل يخاطب الله بصوت سمعه كل من في الشارع :
لماذا يا رب؟!
أهذا هو العدل؟!
عبد الرحمن لا يطيعك وتمنحه كل شيء؟!
وأنا رغم كل ما أقوم به، صحتي معتلة،وزوجتي دميمة ضعيفة العقل، وعيالي فاشلون غير طائعين.
حتى المال ضيقت على فيه!!
لماذا...
لماذا يا رب، لا تعطيني مثل ما أعطيك؟!
وجعل يقلب في صفحات كراسته ، ويشير إلى كل ما قام به من أفعال ينتظر عليها الأجر و الثواب!!

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى