سعيد كنيش - الصين الحاضر الغائب في قمة بوتين- بايدن

هل يمكن معرفة ما ستؤول إليه العلاقات بين روسيا الاتحادية وحلف الناتو بقيادة أمريكا، وذلك بعد لقاء القمة بين الرئيسين الروسي بوتين و الامريكي بايدن بمدينة جنيف السويسرية يوم 16/06/2021 ؟
رغم تقليص الانتظارات المتوقعة من الطرفين إلى الحد الأدنى بحكم الظروف التي تنعقد فيها القمة ؛ هل تصل أمريكا إلى تحقيق ما تريده بعد تجميع حلفائها من خلال مؤتمر ما يسمى بالسبعة الكبار؟
هذه الاسئلة وغيرها التي أطرحها في هذا المقال كمتتبع، هي من أجل محاولة فهم صراع القوة بين أمريكا وروسيا الاتحادية ضمن العلاقات الجيوسياسية التي تتحكم وتؤثر في وضعنا الوطني والاقليمي والدولي حاليا و في السنوات المقبلة.
تنعقد هذه القمة كما يعرف الجميع بعد وصول الصراع بين روسيا وأمريكا إلى مرحلة ما قبل الخطر المباشر بالاصطدام العسكري خاصة في الأزمة مع أوكرانيا. ومع ذلك فإن الوضع مختلف تماما عن مرحلة الثمانينات من القرن الماضي. ويجب أن نمحي من أذهاننا تصور عودة الحرب الباردة . فروسيا بعد أن تحولت اليوم إلى بلد رأسمالي و كادت تنهار وتتحول إلى دولة فاشلة؛ ليست هي الاتحاد السوفياتي بوصفه «إمبراطورية الشر" في عالم تنائي القطبية. وأمريكا اليوم ليست كما كانت بسبب الأزمة الداخلية الشاملة التي تتخبط فيها بارتباط مع الفشل والخسائر التي تعرضت لها في حروبها العدوانية في عدة مناطق من العالم. أما عالم اليوم فهو في الطريق إلى التحول إلى عالم متعدد القطبية، ينهي مع الهيمنة الامريكية الاحادية على العلاقات الدولية منذ تسعينات القرن الماضي، وهي وضعية فريدة و منفلتة في تاريخ تشكل وهيمنة وانهيار الامبراطوريات.
القمة كما يبدو قد رغبت فيها امريكا وبالضبط بعد فشل استفزازات حلف الناتو في أزمة أوكرانيا؛ وذلك مع قدوم بايدن إلى البيت الابيض من وراء انتخابات عمقت انقسام أمريكا السياسي والاجتماعي بدون رجعة.
أولا، ماذا تريد الولايات المتحدة من روسيا الاتحادية ؟
ما تأمله هو ارجاع روسيا الاتحادية إلى محيط تأثيرها وابتعادها عن التقارب مع الصين. وهو ما يتم التعبير عنه بلغة ديبلوماسية مخادعة من طرف المسؤولين الامريكيين بعلاقات "مستقرة ومتوقعة" stables et prévisibles .أي علاقات قابلة للتحكم من طرف أمريكا وخاضعة لها. ليست بمثل العلاقات مع أوربا حليفة أمريكا التقليدية إذا أردنا المقارنة. ولكن من موقع أقل كثيرا، وكضرورة لا مناص منها من أجل التشبث بالإبقاء على هيمنتها وتحكمها في العالم ، والتفرغ لمواجهة العدو الاساسي للولايات المتحدة الصاعد، الصين.
لكن هناك فرق بين ما تأمله أمريكا وما تستطيع الحصول عليه. فقد تبين للدولة العميقة في الولايات المتحدة قبل انعقاد القمة بقليل، أنه من غير السهل عزل روسيا وإخضاعها لما تريده، خاصة بعد موقعة الحشود العسكرية الروسية الكبيرة على حدودها مع إقليم الدونباس في أوكرانيا، وفي البحر الاسود، كرد مباشر على تهديدات حلف الناتو بالتدخل العسكري في أوكرانيا وتهديد أمن روسيا القومي. وكان قد علق الرئيس بوتين ردا على اتهامات حلف الناتو: " نحن نقوم بحشد القوات والقيام بالمناورات فوق أراضي روسيا، ولم نرسل قوات إلى حدود أمريكا". فتلقت أمريكا الرسالة بوضوح وغيرت موقفها بسرعة اتجاه حل الازمة في أوكرانيا؛ وذلك بالعودة إلى " اتفاقيات مينسك" السياسية كحل لازمة إقليم الدونباس. بعد أن قامت حكومة كييف بدعم أمريكي- اوروبي بخرق الاتفاق الاممي المصادق عليه من طرف مجلس الامن. وكادت تشعل حربا خطيرة لا يمكن التحكم في نتائجها من طرف الجميع. وعادت الولايات المتحدة لتقول من خلال تصريح بايدن بعد انتهاء لقاء القمة: " لقد توصلنا إلى مواصلة الطريق الديبلوماسي المرتبط باتفاق منسك". ولكن مواصلة الديبلوماسية لا تعني تماما الالتزام بالاتفاق. وهدا هو الوجه المظلم والثابت في موقف الولايات المتحدة من الاتفاقيات الدولية و التلاعب وعدم الالتزام بها.
تسعي الولايات المتحدة إلى تهدئة التوتّرات، أو تجميد التناقضات المتنامية بينهما بالشكل الدي يسمح للأميركيين بالتركيز على التحدّي الصيني كما قلت. لكن هده المهمّة تبدو شبه مستحيلة. أوّلاً بسبب الاهداف الاستراتيجية لموسكو التي لا تبحث عن تفاهمات مع الأميركيين والغربيين بشكل عام. فالأهداف الرئيسة للطرفين متناقضة. الولايات المتحدة وحلفائها داخل أو خارج حلف الناتو مستفيدون جوهرياً من النظام الدولي الذي جرى تشييده تدريجياً منذ 1945، ويريدون إدامته على حاله. أمّا روسيا والصين، فهما معاديان جذرياً للوضع القائم وتعملان على تغييره. وبناءً على ذلك، فإن التقاطع الروسي - الأميركي مستبعَد جدّاً، باستثناء حدّ أدنى من التعاون لضبط سباق التسلّح والتفاوض حول الأسلحة النووية الاستراتيجية.
تانيا، ماذا تريد روسيا الاتحادية من الولايات المتحدة ؟
أسجل أولا أن بوتين لا يرغب في الابتعاد عن العلاقة مع الصين، بمعنى التشبت بتطوير شراكة استراتيجية عامة ودائمة التطور بينهما. وهو ما تسير عليه العلاقة الحالية بينهما. وتسبب هذه العلاقة وتطورها في سيناريو أسود للولايات المتحدة لا يمكن احتماله، بل تعمل على محاربته. و في نفس الوقت يرغب بوتين في سيادة وازدهار روسيا التام فهي دولة كبيرة وشاسعة. ويعرف أن هذا الوضع غير ممكن تماما إلا في عالم متعدد القطبية.
في المرحلة التي تلت انهيار الاتحاد السوفياتي، اختارت أمريكا إقصاء روسيا من جميع البنى السياسية والأمنية الجماعية. وتم إدماج دول «حلف وارسو» السابقة في «حلف الناتو»، و«أطلسة» أوروبا الشرقية بشكل كامل، من دون وجود أي تهديد روسي تجاه أوروبا هذه المرّة. وقام الرئيس بوش الابن في 2007، بالإعلان عن العزم على ضمّ جورجيا وأوكرانيا إلى الناتو، فأيقظ لدى الاستراتيجيين العسكريين الروس مخاوف التطويق القديمة، التي سبق لستالين التنديد بها في 1946. وبعد أن جهر الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، بعقيدته الجديدة في مؤتمر ميونيخ للأمن في 2007، تمّت ترجمتها ميدانياً في السنة التالية خلال الحرب الخاطفة بين بلاده وجورجيا، وكذلك بعد 7 سنوات، عبر الردّ الروسي الحازم على الإطاحة بالرئيس الأوكراني فيكتور يانوكوفيتش من قِبَل فريق يميني و عنصري مدعوم وموالٍ علناً للغرب الامبريالي.
لقد قد دفع نشر بطّاريات صواريخ أميركية إضافية في أوروبا، وتزايد المناورات العسكرية قرب حدود روسيا في الفترة الأخيرة، إلى تطوير روسيا «لدبلوماسية نووية» تتمحور حول برامج لتحديث قوّاتها المسلّحة، وإنتاج منظومات سلاح قادرة على اختراق الأنظمة الدفاعية الأميركية.
لقد استوعبت روسيا في عهد بوتين الدرس تماما، بعد انهيار الاتحاد السوفياتي. فأغلبية شعوب روسيا الاتحادية تتذكر الان بمرارة الحقبة السوداء من الاهانات و الخطر القومي الذي تعرضت له من طرف أمريكا وحلف الناتو عندما وضعت ثقتها القيادة البائسة لغورباتشيف و يلتسين في وعود الحلف بعدم توسيع تواجد قواعده شرقا. فأصبحت حدود روسيا مهددة بقواعد الحلف من جميع الجهات الشمالية والغربية والجنوبية في كماشة واحدة. مع تنظيم عملية النهب لثرواتها من طرف مافيات وأوليغارشيات مالية متحالفة مع الغرب تطبق قواعد مدرسة شيكاغو الاقتصادية في الليبرالية. ثم مهددة روسيا الاتحادية بخطر التفكك الداخلي من عصابات الارهاب الديني والقومي المسخرة من طرف الولايات المتحدة وحلفائها. فأمريكا ترى في روسيا بلدا مساحته كبيرة جدا ويتعارض مع خططها لإدامة هيمنتها على العالم.
فموقف بوتين في القمة يتعلق بتحديد الخطوط الحمر التي تعبر عن مصالح روسيا الحيوية التي لا يمكن القبول بتخطيها. لقد جاء في تصريح بوتين قوله بهذا الصدد: بشكل عام لقد أصبحنا نفهم بشكل واضح على ماذا نتحدث عندما يتعلق الامر بالخطوط الحمر. لكني أقول بصراحة لم نصل بعد إلى تحديد التفاصيل بشكل يمكننا من توزيع أو تقسيم أي شيء بيننا".
هذا هو هدف الطرفين وما يرغبان فيه كما تم توضيحه بشكل عام، لكن الأمور المهمة تكمن في التفاصيل كما يقال. فالتفاصيل لا يمكن معرفتها وتحديدها حسب الملفات التي تمت معالجتها، وفقط من خلال التصريح المشترك الصادر عن القمة، أو من خلال الأجوبة عن أسئلة الصحافيين التي أعقبت الندوتين اللتان تم عقدهما بشكل منفصل من طرف أولا بوتين، تم من بعده بايدن. ويلزم للمتتبعين في مراكز البحث فترة طويلة لمتابعة واستيعاب هذه التفاصيل المرتبطة ببؤر الصراع، وفي الواقع الملموس على المستوى الاقليمي والدولي .
أما في التصريح المشترك، فقد تم الوقوف فقط على الاستقرار الاستراتيجي الذي يستند على المبادئ الاولية التي تعني أن حربا نووية لا يمكن لأي طرف ربحها ولا يمكن خوضها. وأيضا رجوع السفيرين إلى مواقعهما بالعاصمتين. لكن الحوار الاستراتيجي بشكل مفصل لا يمكن الانتهاء منه هذا إن تم إلا بعد ستة أشهر على الأقل. لأن هذا الحوار المركزي سيكون حول العلاقة بين الولايات المتحدة وروسيا الاتحادية في ظروف القرن الواحد والعشرين. وسيهم بالإضافة إلى الاسلحة النووية، ملف الامن السيبراني، وملف القوة الفضائية، وملف الاسلحة التقليدية.
هذا يعني أن العمل المنتج المرتبط بالحوار الاستراتيجي في الملفات المذكورة أعلاه، لا زال منتظرا وطريقه طويلة. والسؤال المطروح هل "المركب العسكري الصناعي والامني" صانع القرار في أمريكا، يرغب فعليا في هذا الحوار الاستراتيجي، ويتطلع إلى نتائج مشتركة وايجابية للطرفين؟
أما من جهة الرئيس بوتين فيجيب على هذا السؤال في الندوة الصحافية، ويقول:" كيف سيصبح هذا الاستقرار الاستراتيجي قائما في ظل استمرار دعم الانقلاب الذي حصل في أوكرانيا". مما يعني أن الاستقرار الاستراتيجي العام غير منفصل عن الاستقرار الاقليمي، خاصة إذا تعلق الامر ببلد أصبح معاديا لروسيا وتوجد له حدود مشتركة معها، وداخله أقلية روسية مهددة من التطرف اليميني. ويختم الرئيس بوتين معلقا على لقاء القمة في ندوته الصحافية: " ليست لدي أوهام، ولا يمكن أن تكون هناك أوهام ".
فيما يتعلق بالملفات الاقليمية التي تهم منطقتنا العربية والمغاربية وشمال أفريقيا. فلم تطرح أسئلة من الصحافة الحاضرة في الندوتين. فلم تصدر مثلا ولو كلمة واحدة عن القضية الفلسطينية بعد النصر الي حققته المقاومة الفلسطينية في شهر ماي.
أعود إبالقارئ/ة إلى عنوان ها المقال " الصين الحاضر الغائب في قمة بوتين/ بايدن"، لأقول ختاما ، إن تطبيق الأسلوب الاستعماري " فرق لتهيمن" العزيز على هنري كسنجر فيما يتعلق بالعلاقة بين الصين وروسيا، لقد فقد مفعوله وتم إبطاله في هده القمة.
(ملاحظة: تم طرح هدا المقال للنشر سابقا في جريدة الاوراق الالكترونية)
سعيد كنيش تمارة في 2021/07/05.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى