منصور حسين - المدينة الحجرية والمدينة المباركة

يبدأ دكتور سيد شعبان فى قصته البوم واليمام قائلا (حين أعود إلى شقتي تلك الهاربة من الزمن)
فالحين هو : وقْتٌ من الدّهر مُبْهَمٌ ، طال أَو قَصرُ..
يتمرد هنا دكتور سيد شعبان علي عنصر الزمن في قصته فيضع الزمن بين يدى القارئ , ويضع لقصته عنصر المكان وهو الشقة , ثم يقدم لنا سيناريو تفصيلى لتلك الشقة فيقول (حجراتها تبدو مغارة في جوف الجبل) ثم يقف عند باب الذكريات عند تلك الكعبة التى حج لها مع ابراهيم ناجى الذى يقول في قصيدته العودة :

هذه الكعبةُ كنّا طائفيها والمصلّين صباحاً ومساءَ
كم سجدنا وعبدنا الحسنَ فيها كيف باللّه رجعنا غرباء
دارُ أحلامي وحبّي لقيتْنا في جمود مثلما تلقى الجديدْ
ينتقل ابراهيم ناجى من باب الذكريات إلي البيت كما ينتقل سيد شعبان من أطلاله إلي ذكرياته وحبيبته هناك ثمة تقارب بين روح الشاعر وروح السارد
_ ثم يقدم شخصيته دكتور سيد شعبان بكل مقوماتها الثلاث : (البعد الجسمانى _ الإجتماعى _النفسى )
تلحظ تلك المقومات في سردة عن الشخصية فهو المكلف بتغير العالم حيث يقول :
) تتدلى ياقة قميصي أشبه بتجاعيد وجه يوشك على الاحتضار، تتداعى الذكريات؛ الزوجة الجميلة والمكانة العالية؛ انتهيا مع موات الحلم، كان ذلك محض خيال لجائع في سوق المدينة العاقر، تعبأ أجساد الأطفال في علب بلاستيكية، تطاردني الأوهام أنني المكلف بتغيير العالم...)
تلحظ أن شخصية قصته هو المكلف بتغير العالم يذكرنا بتصوف الحلاج عند صلاح عبدالصبور في مسرحيته الشهيرة (الحلاج ) , وكل منهم يعتقد تغيره من وجهة نظره وكل منهم يدرك أن المهملة ليست سهلة إنها حرب الكلمة في مطلع مسرحية الحلاج (قتلوه بالكلمات ) وانها حرب الكلمة عند سيد شعبان ( تطاردني الأوهام أنني المكلف بتغيير العالم، تخيلت أن تلك مهمة سهلة، أمسك بفرشاة وألون واجهات البيوت، أنثر قصائد الحب عند مداخل الميدان، لكم كنت مجنونا!) وكلاهما مكلف بتغير العالم ....
حتى يذكرنا الأدب اليونانى والأغريقى ومسرحيات سفوكليس إلي أن تصل شكسبير وبرناردو شو فلم يكن التغير نابع عند شكسبير من تعليمة أو مجتمعه وانما كان التغير هو تغير فردى يشعر بالفرد بوجوده فى مجتمعه فعلية أن يغير مهما كانت ثقافته أو درجة تعليمه فهى مهملة تولاها الكاتب ولم تكن بالمهمة السهلة ..
ويقول سيد شعبان عن المجنون (كان سروالي الممزق يثير سخرية المارين، حين اشتدت الريح وأوشك السلم أن يسقط بي، لم يهتموا، أخذوا يتندرون علي، تمسكت بحلمي؛ تماديت في فقاعة الوهم؛ لا يدرك المجنون علته.)
فالمجنون هنا هو شخصية الكاتب التى تذكرنى بكتاب المجنون لجبران فيسرد جبران من جهة وسيد شعبان من جهة حديث عن تلك المدينة فالمدينة عند سيد شعبان عاقر , وعند جبران مدينة مباركة فعندما دخل جبران مدينته وجد جميع من فيها أعور أقطع وعندما عرف السبب قالوا له (إذا كانت عينك اليمنى تشكك بها فاقلعها والقها عنك )
أما عن مدينة سيد شعبان فهى المدينة العاقر هى المرأة التى لم تنجب بعد , ويصفها أيضا دكتور سيد شعبان بالمدينة الحجرية (المدينة الحجرية والتي باتت باهتة لا يتناولون طعام الذين عند حوافها، ينفرون من زيهم وألوان أجسادهم...
إن المهمة الحقيقة للتغير يتولاها المبدع الحقيقى فنسمع عن شخص ذهب ليحطم معبدًا ما فى العصر اليونانى فبكى اليونانيون لذلك فكيف حطم هذا الرجل المعبد أمسكوا به وعندما سألوه عن السبب , قال (أدرك تمامًا أن حياتى تافهه وأريد الخلود , فحاولت أقدم عملا يراه الناس ويذكرونى به ...إن محاولة الخلود لم تكن بالفكرة التى لا وجود لها وانما ناقشتها أروبا في كثير من كتابتها فترى تلك الراقصة التى تذهب لدور السينما وعندما شاهدها المخرج واتفق معها علي صنع فيلمًا لها ذهبت إلي الفندق فالتقت برجل غريب أخبرها بقصته وانه رجل كتب عليه أن يعيش خالدًا ولكن ماذا أفاده الخلود وقد فقد كل من يحبهم ...

منصور حسين



منصور.jpg

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى