حميد العنبر الخويلدي - رماديةُ نورٍ مستهامٍ ، وحدادُ مُوَدِّعٍ.. قراءة في (عويل المنفي) للشاعرة خولة محمد فاضل

عويل المنفي
للشاعرة خولة محمد فاضل. من الجزائر


في منفاي
في غربتي ووحدتي
في عتمة أساي
صدى الردى يدمدم حولي
أعد موتاي
لا وقت في زمني
الصمت الموحش أفناني
روحي تائهة في العتم
فرت مني اي
في سراب من وهم
هباء من عدم
تلاشت أحلامي
في دخان الروح
وصقيع الشوق المغتال
تدثرت بالرماد
بحمى السهاد
سرق الكمد أيامي
يا لوعتي!!
سعير الفقد هيج أحزاني
وفتق صديد جراحي
سيلا جارفا يغرقني
في صقيع احتراقي
يرمدني..
ويردمني في الهيام






———————————————————-


نص نقدي مقابل

رماديةُ نورٍ مستهامٍ ، وحدادُ مُوَدِّعٍ
======================

تعوّدنا ادبها مشرقاً ذا بهجة يضفي على نفس المتلقي المسرة والفرح ، وإن شاءت غرسَ افكارها
بين اعشاب الالفاظ التعبيرية في البُنْية ، فذاك كمثل البستاني المحترف ، ينتقي المكان والخط والزاوية
ويقيس النظر وانطباقه على المشهد ، هنا وردةً وهناك آسةً ونخلةً ولوحاً من الرخام المرصوف ممشىً وموقفاً واريكةً
هنا الشاعرة في نتاجها هذا ، اختارت الحزنَ صبغةً وملفعاً لفّعت به وجه الافق المتناص مع هيولى الذات الاثيرية الحافلة بالاسى عندها في اللحظة الكثيفة للخَلْق والتصير الفني ،
فالاِخبار الاول جرى من قراءةٍ باطنيةٍ ، ادلت بها مدارج الواقع ومراصد الوقت في الاستمكان في الحياة الدارجة ، حيث المحرض
هنا اضحى خارجياً بالحتم ، بحكم ان النص دوافعه انطلقت من منطلق جنائزي ومسحب تراجيدي رمادي ،
خوله الشاعرة ، كتبت ترثي على حد علمنا بها ،وحد ما ترمي المعاني النصّية من مادةٍ شعرية ، اذ عشنا معها خبر الترقب والمتابعة الانسانية لما تمر به ، وبحكم الدراية الواقعية بالحدث ،
وبفعل الجائحة الوبائية طرقت بابها ، وللاسف ، وكان قد اخذت منها كوكبين مشعْين كانا حواليها، وباتا الان في دفاتر الافول ، امّها واخاها ، رحمهما الله ،
العنوان عويل المنفى وهذا ماينوي لك باتجاه من تصويب دلالي ، يستجمع به الشاعر كل نظم الحالة
ليدخل في خدمة غرضه ، وايُّ غرض هو ، غرض الرثاء الذي ترثي به عزيزين ، مايُقدَّرانِ بمقدار مهما كان وبلغ ،
عويل تعني منطقياً وبالمباشر بكاء الفاجعة المفاجئة التي تبتر لابد ، ولا ترضى الا بالاخذ ،
بكاء مصحوب بالخوف والقلق والتوجس والخسارة ،بكاء الغربة والوحشة وخلاء المكان من امانه ،
في منفاي ،،
في غربتي ووحدتي ،،
في عتمة اسايَ ،،
هنا حُدِّدَ المكان ومعه الزمان في الفاجعة وتاثيرها ،
ومن خلال مفردة منفاي ، رسمت نقاط خريطة قسرية انعدمت بها الرغبة والحرية ، ونشط بها التكبيل
وصوت الغريب الذي لاحول ولاقوة له ، بالمواجهة والتصدي وازاحة ما يمكن ازاحته من وهن وقيد ،
منفاي تؤشر عندك توجس الوساوس والبعد السوداوي والحزن الذي لا يشق غباره ، وليس له صحو ونجمة تظهر ، المنفى اقرب الى عمق مجهول الى عالم من الاسطورة خرافي لايُفسّر،
قد تقابلك وجوهٌ هناك تسلب منك استقرارك وهدوئك ، يتهيّأُ لك من انّك في المفتوح دوماً في اللانهايات ،وما وراء التلاشي قد ،
ولان غرض الرثاء هذا يختلف بالتاكيد عن الغرض التقليدي الكلاسيكي في العمود كوننا تعودنا كيف يستثير الشاعر العربي احزانه واشجانه على احبابه او مشاهير قومه عند المفارقة والوداع في الموت وفي الابدي الذي لارجعة منه بعد دخولك فيه ،
هنا اتسع النشور النصي بالمبدعة في ان تأخذ لواحظ الحداثة ومعايير الطرازا المتّبع في خلق النص سيما وتعتبر من رواد مدرسة الحديث وليس العمود والذي لانسميه بالقديم ، فلعله المستمر والمتغير حسب نكهة كل عصر وكل جيل ، وهذي خاصيّة خلود وخاصية لِدْنيّة وجودية امتاز بها عمود الشعر عند العرب ولازال ،
وإنّ غرض الرثاء اخذ اعلى البلاغات في مستوى الخلق والابداع عند العرب في مدرسة العمود الشعري ،،
هنا الشاعرة خولة محمد فاضل ، انتهجت لخوالجها الشعورية بمنهجية حداثوية سردية ، عبْرت عنها باسلوبية بلاغية لفظية منتقاة ،وبتصويرية معبّرة تم التقاط ماكان موائما للحدث وللمهرجان الجنائزي الذي كان يسع العالم في نفس الشاعرة ، وكان مختصراً بليغاً تناصيْاً في بنية النتاج ومعناه،
اخذت على عاتقها التكثيف والرص والترميز ، الايحاء يحرك المحتوى في عام النتاج وفي بطانته ،
تلاشت احلامي ،،،
في دخان الروح ،،
وصقيع الشوق المغتال،،
تدثرت بالرماد ،،
بحمّى السهاد ،،
سرق الكمد ايامي ،،
يالوعتي ،،،،
هنا تطاولت الصورة لرسم تقاسيم ماكان بحسبان الشخص المفجوع ، انما بان وجه الحزن وعلا
افقه للعين الدامعة وللنفس المودّعة ،وهاهو المشهد يتحرك بخطى وئيدةٍ ، والقاسم المشترك بين الراحلَيْنِ والمودّعينَ لهما كونٌ وسيعٌ من الابدي العصي ، لقد قفل ابوابه التي لاتنفتح لِلُّقْيى التي نواعد بها ، وهذا ديدن وجود حتى البعث الاخير وملاقاة الرب الرحيم في نشور القيامة،
ويالبعدَ الحساب والزمن والمعادلة لو طرأت تخاطراتها على ذهن حيٍّ مشتاق ،،
انما هو التسليم واليقين والايمان بالغيبي ، فلقد جعله الله حجةً علينا وان لم نفسّره ،،
دعائنا مع اسطر تعليقنا النقدي المقتضبة بالرحمة والسؤدد لروحَي فقيديها
،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،

ا٠حميد العنبر الخويلدي
حرفية نقد اعتباري
العراق

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى