تناول محمد كأس شاي مع كسرة خبز بزيت الزيتون . لم تكن لديه شهية هذا الصباح للفطور . الجو حامض في الخارج ، وحامض في رأسه أيضا . سمع زوجته تسأل من المطبخ :
ـ ماذا فعلت لنا مع الكبش ؟ متى ستقتنيه ؟ وبكم ؟
لم يرس بعد على بر . لا يعرف من أين سيأتي بالنقود . الكبش سيأتي ، سيأتي ! بكم ؟ وكيف ؟ ومتى ؟ لا يعلم ذلك غير الله .
قال وهو يضع اللقمة فوق المائدة :
ـ خير إنشاء الله
خرجت من المطبخ ، ومسحت يديها بالمنشفة ، وجلست بجانبه . أفرغت كأس شاي ، ونظرت إليه بعينين تشعان بفرح غريب ، وقالت :
ـ اسمع يا محمد السنة الماضية تساهلت معك ، وأسررتها في نفسي . اقتنيت لنا (خروفة) ، وجعلتنا أضحوكة أمام سكان الدرب . أطفال الجيران استهزؤوا بأبنائك ، وسخروا منهم ، وسألوهم لماذا كبشكم بغير قرون ؟ لماذا كبشكم لا ينطح ؟ نريد هذه السنة كبشا بقرون كبيرة . أضع الحناء على جبهته ، وأشعل له البخور ! نريد كبشا ينطح أكباش الجيران ، وينطح أولاد الجيران أيضا ! أريد أن أرفع رأسي في الدرب .
لا بد أن يهدئها ، لن يخبرها بالحقيقة ، ليس الآن ! وقف وقبل أن يتجه نحو الباب كرر عبارته السابقة :
ـ سيكون خيرا إنشاء الله .
رمقت اللقمة فوق المائدة ، لم تر في جوابه خيرا . امتصت فرحها الذي اصطنعته ، وعادت إلى المطبخ ، وطلبت من الله أن يمر هذا العيد بخير . لا تريد أن تتشفى فيها الجارات ، ويتخذنها موضوعا للسخرية والتندر كما حدث في العيد الماضي .
وهو يقطع الدرب اشتعلت في رأسه حرب ضروس . قال لنفسه :
ـ كورونا وما خلفت من ركود وديون ، والحرارة المفرطة والعطلة وهزالة الراتب والكبش ومصاريف البيت والعيد وفواتير الماء والكهرباء والكراء وعائشة والأولاد والجيران ، كل ذلك يجعلك تدخل جهنم قبل يوم الحساب .
تذكر بعض الفقهاء الذين يحكون في وسائل التواصل الاجتماعي بأن سيدنا إبراهيم عليه السلام أراد أن يذبح ابنه كما جاء في الرؤيا ، فأمره الله سبحانه بافتداء ابنه إسماعيل بخروف أقرن وأملح ، قيل بأنه هبط من الجنة . فهو لم يذهب إلى السوق ، ويشتري خروفا ، كما نفعل نحن !؟
ثم تساءل في السر :
ـ لماذا لا تبعث السماء للفقراء الخرفان من فوق ، ونذبحها تقربا إلى الله ، ونملأ الأرض بالفرح والسعادة والعبادة ؟
رد بصمت :
ـ ولكن الفقراء ليسوا أنبياء ؟ لقد حدث ذلك منذ زمن سحيق ، ثم إن إبراهيم عليه السلام يقولون بأنه جد الأنبياء !
حذر نفسه من خطورة التفكير بهذا الشكل :
ـ انتبه ، واحذر من هذيان الشياطين ، قبل أن يسمعك أحدهم ، ولن ينفع معك في هذه الحال لا ذبح كبش ، ولا ذبح جمل ، بل سيذبحونك أنت ، ويرمون جثتك للكلاب .
لو قلت لعائشة :
ـ اذبحوني أنا !؟ تقربوا برأسي إلى الله ؟!
لا أعتقد أنك يمكن أن تراوغها بهذه السهولة ، إنها في مثل هذه المواقف تصبح أذكى من الفلاسفة والفقهاء ، وستقول لك :
ـ إن الله لم يطلب منا ذبح أزواجنا ؟! كفى من الحمق ؟! كن رجلا مثل الرجال واخرج للبحث عن الكبش !
تحاول إخافتها بعبد الله ولد زهور :
ـ هل تتذكرين عبد الله ولد زهور ؟ يقولون بأنه ضرب زوجته ليلة العيد الفائت حتى ملأ وجهها بالدم والبقع الزرقاء . اختفى ولم يعد إلى البيت منذ ذلك الوقت . أمه تطلب من الله ألا يكون قد ارتكب جرما ، وعاد إلى السجن ثانية .
وستقول لك :
ـ سمعت عنه في الحمام . فعلها ولد الهبيلة . وهل تعلم ماذا صنعت زوجته بعد ذلك ؟ يقولون والله أعلم ، بأنها منذ ذلك الحين وهي تنام مع من يساوي ، ومن لا يساوي ، لكي تضمن لقمة عيشها . الرجال يا محمد ليسوا حمقى مثل عبد الله ولد زهور ، يذهبون إلى السجن ، ويتركون خلفهم نساء وأطفالا وأهلا بلا مورد ولا رزق .
عاد إلى نفسه ، وتضرع إلى الله متسائلا :
ـ لماذا يترك الفقهاء الناس يمتحنونا بهذه الطريقة البشعة ، يضعون الأضحية في كفة ، ونحن في كفة أخرى . ويشبهون الكبش بصاحبه . يا إلهي كيف تشبه الأضاحي أصحابها ؟
ـ أنت الذي تسكن في الفيلا أو القصر ، وتشتري كبشا أو اثنين ثمن الواحد قد لا ينزل عن ستة آلاف درهم ، فأنت رجل قوي ، تنطح مثل الكبش الذي ستذبح يوم العيد . وسيرضى عنك الله والرسول والجزار والزوجة والأولاد والجيران وفقهاء (الواتساب) و(التيك توك) ، ويضربون بك الأمثال .
ضحك مع نفسه . لم ير ذلك بعينيه ، سمع فقط الناس يتحدثون عنه . من يذبح عجلة ، هل يشبه العجلة ؟
ـ وأنت الذي تسكن في الهامش ، وتشتري خروفا صغيرا ، أو تسرق نعجة ، فأنت أيضا تشبه أضحيتك ، وبدل أن تنطح غيرك ، عليك أن تهيئ نفسك لينطحك الجزار والزوجة والأولاد والجيران وشيوخ (الواتساب) و(التيك توك) .
لماذا لا يُغرق فقهاء (الواتساب) هواتف الناس بالفيديوهات والرسائل التي تنصح الفقراء بأن ذبح الخرفان يوم عيد الأضحى ليس إلزاميا بالنسبة للمحتاجين ، ويمنعون من يُحمل نفسه فوق طاقتها . بدل ذلك ، فهم يمعنون في تعذيبنا ، ويبعثون برسائل يحددون فيها أوصاف كبش العيد بأن يكون جميل الوجه ، خاليا من العيوب ، قرونه كبيرة ، تجاوز السنة ، وهذا ثمنه لا ينزل عن ثلاثة آلاف درهم . حتى المرضى الذين لا يأكلون لحم الغنم أجازوا لهم ذبح الماعز والبقر .
المهم أن تذبح ، حتى ولو كنت فقيرا . قد يسامحك الله ، ويغفر لك ، ويقدر ظروفك . لكن لا بد أن تذبح ، أو يذبحك الجزار وزوجتك وأولادك ، وجيرانك وسكان الحي ، وشيوخ (الواتساب) و(التيك توك) .
مراكش 16 يوليوز 2021
ـ ماذا فعلت لنا مع الكبش ؟ متى ستقتنيه ؟ وبكم ؟
لم يرس بعد على بر . لا يعرف من أين سيأتي بالنقود . الكبش سيأتي ، سيأتي ! بكم ؟ وكيف ؟ ومتى ؟ لا يعلم ذلك غير الله .
قال وهو يضع اللقمة فوق المائدة :
ـ خير إنشاء الله
خرجت من المطبخ ، ومسحت يديها بالمنشفة ، وجلست بجانبه . أفرغت كأس شاي ، ونظرت إليه بعينين تشعان بفرح غريب ، وقالت :
ـ اسمع يا محمد السنة الماضية تساهلت معك ، وأسررتها في نفسي . اقتنيت لنا (خروفة) ، وجعلتنا أضحوكة أمام سكان الدرب . أطفال الجيران استهزؤوا بأبنائك ، وسخروا منهم ، وسألوهم لماذا كبشكم بغير قرون ؟ لماذا كبشكم لا ينطح ؟ نريد هذه السنة كبشا بقرون كبيرة . أضع الحناء على جبهته ، وأشعل له البخور ! نريد كبشا ينطح أكباش الجيران ، وينطح أولاد الجيران أيضا ! أريد أن أرفع رأسي في الدرب .
لا بد أن يهدئها ، لن يخبرها بالحقيقة ، ليس الآن ! وقف وقبل أن يتجه نحو الباب كرر عبارته السابقة :
ـ سيكون خيرا إنشاء الله .
رمقت اللقمة فوق المائدة ، لم تر في جوابه خيرا . امتصت فرحها الذي اصطنعته ، وعادت إلى المطبخ ، وطلبت من الله أن يمر هذا العيد بخير . لا تريد أن تتشفى فيها الجارات ، ويتخذنها موضوعا للسخرية والتندر كما حدث في العيد الماضي .
وهو يقطع الدرب اشتعلت في رأسه حرب ضروس . قال لنفسه :
ـ كورونا وما خلفت من ركود وديون ، والحرارة المفرطة والعطلة وهزالة الراتب والكبش ومصاريف البيت والعيد وفواتير الماء والكهرباء والكراء وعائشة والأولاد والجيران ، كل ذلك يجعلك تدخل جهنم قبل يوم الحساب .
تذكر بعض الفقهاء الذين يحكون في وسائل التواصل الاجتماعي بأن سيدنا إبراهيم عليه السلام أراد أن يذبح ابنه كما جاء في الرؤيا ، فأمره الله سبحانه بافتداء ابنه إسماعيل بخروف أقرن وأملح ، قيل بأنه هبط من الجنة . فهو لم يذهب إلى السوق ، ويشتري خروفا ، كما نفعل نحن !؟
ثم تساءل في السر :
ـ لماذا لا تبعث السماء للفقراء الخرفان من فوق ، ونذبحها تقربا إلى الله ، ونملأ الأرض بالفرح والسعادة والعبادة ؟
رد بصمت :
ـ ولكن الفقراء ليسوا أنبياء ؟ لقد حدث ذلك منذ زمن سحيق ، ثم إن إبراهيم عليه السلام يقولون بأنه جد الأنبياء !
حذر نفسه من خطورة التفكير بهذا الشكل :
ـ انتبه ، واحذر من هذيان الشياطين ، قبل أن يسمعك أحدهم ، ولن ينفع معك في هذه الحال لا ذبح كبش ، ولا ذبح جمل ، بل سيذبحونك أنت ، ويرمون جثتك للكلاب .
لو قلت لعائشة :
ـ اذبحوني أنا !؟ تقربوا برأسي إلى الله ؟!
لا أعتقد أنك يمكن أن تراوغها بهذه السهولة ، إنها في مثل هذه المواقف تصبح أذكى من الفلاسفة والفقهاء ، وستقول لك :
ـ إن الله لم يطلب منا ذبح أزواجنا ؟! كفى من الحمق ؟! كن رجلا مثل الرجال واخرج للبحث عن الكبش !
تحاول إخافتها بعبد الله ولد زهور :
ـ هل تتذكرين عبد الله ولد زهور ؟ يقولون بأنه ضرب زوجته ليلة العيد الفائت حتى ملأ وجهها بالدم والبقع الزرقاء . اختفى ولم يعد إلى البيت منذ ذلك الوقت . أمه تطلب من الله ألا يكون قد ارتكب جرما ، وعاد إلى السجن ثانية .
وستقول لك :
ـ سمعت عنه في الحمام . فعلها ولد الهبيلة . وهل تعلم ماذا صنعت زوجته بعد ذلك ؟ يقولون والله أعلم ، بأنها منذ ذلك الحين وهي تنام مع من يساوي ، ومن لا يساوي ، لكي تضمن لقمة عيشها . الرجال يا محمد ليسوا حمقى مثل عبد الله ولد زهور ، يذهبون إلى السجن ، ويتركون خلفهم نساء وأطفالا وأهلا بلا مورد ولا رزق .
عاد إلى نفسه ، وتضرع إلى الله متسائلا :
ـ لماذا يترك الفقهاء الناس يمتحنونا بهذه الطريقة البشعة ، يضعون الأضحية في كفة ، ونحن في كفة أخرى . ويشبهون الكبش بصاحبه . يا إلهي كيف تشبه الأضاحي أصحابها ؟
ـ أنت الذي تسكن في الفيلا أو القصر ، وتشتري كبشا أو اثنين ثمن الواحد قد لا ينزل عن ستة آلاف درهم ، فأنت رجل قوي ، تنطح مثل الكبش الذي ستذبح يوم العيد . وسيرضى عنك الله والرسول والجزار والزوجة والأولاد والجيران وفقهاء (الواتساب) و(التيك توك) ، ويضربون بك الأمثال .
ضحك مع نفسه . لم ير ذلك بعينيه ، سمع فقط الناس يتحدثون عنه . من يذبح عجلة ، هل يشبه العجلة ؟
ـ وأنت الذي تسكن في الهامش ، وتشتري خروفا صغيرا ، أو تسرق نعجة ، فأنت أيضا تشبه أضحيتك ، وبدل أن تنطح غيرك ، عليك أن تهيئ نفسك لينطحك الجزار والزوجة والأولاد والجيران وشيوخ (الواتساب) و(التيك توك) .
لماذا لا يُغرق فقهاء (الواتساب) هواتف الناس بالفيديوهات والرسائل التي تنصح الفقراء بأن ذبح الخرفان يوم عيد الأضحى ليس إلزاميا بالنسبة للمحتاجين ، ويمنعون من يُحمل نفسه فوق طاقتها . بدل ذلك ، فهم يمعنون في تعذيبنا ، ويبعثون برسائل يحددون فيها أوصاف كبش العيد بأن يكون جميل الوجه ، خاليا من العيوب ، قرونه كبيرة ، تجاوز السنة ، وهذا ثمنه لا ينزل عن ثلاثة آلاف درهم . حتى المرضى الذين لا يأكلون لحم الغنم أجازوا لهم ذبح الماعز والبقر .
المهم أن تذبح ، حتى ولو كنت فقيرا . قد يسامحك الله ، ويغفر لك ، ويقدر ظروفك . لكن لا بد أن تذبح ، أو يذبحك الجزار وزوجتك وأولادك ، وجيرانك وسكان الحي ، وشيوخ (الواتساب) و(التيك توك) .
مراكش 16 يوليوز 2021