رحو شرقي - أدب التشرد... لا وطن له!

في يوم ما كتب محمد الماغوط، رحمه الله إحدى القصائد النثرية، وهو بغرفة سحيقة تنعدم لأبسط متطلبات الحياة... هذا الذي يجمع في شخصه ترحال الغجري وريبة البدوي وخجل الريفي .
وقد أشار إلي هذه الغرفة كثيرا في كتاباته مثل قصيدة عنونها بـــ "غرفة بملاين الجدران"، في معزل عن العالم الخارجي.
وأثناء عرضها على الشاعرة سنية الحاج آنذاك والتي سيجمع بينهما القدر فيما بعد وتصبح زوجته... قالت له هذه مسرحية ينقصها الفصل الرابع.
رد عليها قائلا: أنا لا أفهم في الكتابة المسرحية وليس لي علاقة بالتنظير.
بعدها أضاف الفصل الرابع لتصبح من أعظم المسرحيات بعنوان "العصفور الأحدب"
أما في تاريخ المسرح العربي كتب مسرحية من أعظم ما خلده تاريخ الأدب المسرحي بعنوان "كأسك يا وطن"...بطولة دريد اللحام وكوكبة من نجوم المسرح السوري.
عندما سُئل محمد الماغوط عن الكتابة و الطابوهات من طرف أحد الصحفيين وأظنه اللقاء الوحيد والمتفرد مع هذا الصحفي، أجابه قائلا : كيف يريد الكاتب أن يستحم في الشارع دون أنْ يرى الناس عورته.
فالكتابة هي المرآة التي يرى المجتمع وجهه فيها، وليس عارضة أزياء تبحث عن تصفيق المعجبين بها أو موضة لتغزوا جيوب المولوعين.
إلى حنا مينه و زكريا تامر وغيرهم كثيرين الذين كان لهم صوتا في هذا العالم، ومن المغرب الروائي محمد شكري، عندما سُئل في أحد اللقاءات ...لماذا لا تكتب في الحب؟
أجابهم قائلا: أنا أكلت من القمامة ونمت في الشوارع فماذا تنتظرون مني أن أكتب عن الفراشات؟؟
إلى بوشكين والأدب الروسي ، رغم أنه من طبقة أسقراطية لكنه نفي بسبب قصيدة عنوانها" عن الحرية" إلى مقاطعة نائية (ياكتاري نوزلاف) والذي قرأ القرآن في منفاه
وكتب أعظم قصيدة بعنوان "الرسول" صلى الله عليه وسلم... بعدما عُرض عليه القرآن مترجما باللغة الروسية، طلب منهم أن يقرأ القرآن باللغة الأم وهي اللغة العربية لأنه كان يعلم أن كثيرا من النصوص التي شُوهت أثناء ترجمتها ، وكان يستمع للقرآن مقروءا.
قصيدة الرسول التي أبكت دستوفيسكى وهو يقرؤها أمام الجموع في حفل افتتاح النصب التذكاري لبوشكين، وهو آخر لقاء له وآخر رسالة كتبها هذا العملاق:
قصيدة الرسول صلى الله عليه وسلم....
انحنى الملاك على فمي
وبيده اليمنى المضرجة
وضع في فمي المشدوه كل أقوال الحكمة
وشقّ صدري بسيفه واقتلع قلبي المرتجف
مقتطف من قصيدة "الرسول" صلى الله عليه وسلم ، لأب الأدب الروسي ألسكندر بوشكين
و دوستويفسكي الذي عاش بالمنفى بسبب الوشاة والتلفيق الكاذب ومات مدينا لا يقتات إلا من كتاباته، وقد أشار إلى فضح هؤلاء في رواية الشياطين .
ولما سُئل فوريد عن سر بلوغه في علم النفس، رد قائلا:
كتابات دوستويفسكي... هؤلاء المتشردون الذين خلدهم التاريخ بكتاباتهم العظيمة لم يولدوا وملاعق الذهب في أفواههم، بل كانت ولادتهم عسيرة مثل كتاباتهم التي ولدت وعاشت في رحم التشرد والألم.
أما بالجزائر وعن الكاتب العالمي الطاهر وطار، سُئل عن المناهج النقدية بأحد الملتقيات في الكتابة الروائية؟
قال عبارته المشهورة، إن المناهج شياطين، فالنص هو الذي يحمل المنهج النقدي.
ولذلك أن أعظم منهج نقدي للنص هو الواقع لأنه لا يقبل ولا تتناسب معه المساحيق.
وفي الأخير لا يوجد كاتب عظيم ولكن يوجد نص عظيم...رحل الماغوط و مازالت رائعة "كأسك يا وطن" ورحل بوشكين وبقيت رائعة " الرسول" صلى الله عليه وسلم...وسنرحل كلنا، ويبقى الإبداع لا وطن له، ولا شهادة .

بقلم رحو شرقي- معسكر/ الجزائر

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى