أول الكلام :
عن ملاحظات على تجربتي في المجالس الأكاديمية:
من بداهة القول إن فنان الأداء والعرض ممثلا كان أم كان مخرجا أو سينوغرافيا أو كريوجرافيا لا يستقيم عمله ويبلغ هدفه إمتاعا وإقناعا دون تمرسه بمنهج تحليل أو منهج تفكيك نقدي ؛ بينما يقف عمل الناقد عند تمكنه من التحليل فيما هو مقدم على نقده في النص أو العرض الدرامي غير الحداثي ، أو التفكيك فيما بين يديه من نص أو عرض مسرحي حداثي أو بعد حداثي . ومع ذلك أعجب عندما أجد أحد الأساتذة في تخصص النقد المسرحي وهو يلح في الإشراف على بحث طالب في تخصصةالإخراج أو التمثيل أو في السينوغرافيا المسرحية أو فنون الرقص المسرحي
متجاوزا حدود تخصص دقيق ليس من أهله وليست له فيه ممارسة على أي مستو عملي أو نظري ؛ فلكل من النقد اتجاهاته المتضمنة لعدد من النظريات منها القديم ومنها القروسطي ومنها الحديث ومنها المعاصر والتمثيل نظرياته وله مناهجه والإخراج نظرياته ومناهجه .
في مجالنا الأكاديمي نرى عجبا من أصحاب القرار رئيس قسم أكاديمي أو عميدا أو نائبا أو رئيسا لجامعة ؛ حيث يتعامل في المجلس العلمي لا بوصفه رئيسا للمجلس بل باعتباره عمدة والأعضاء يتبعون ما يعرضه العمدة جريا على عادة ( أخلاق القرية ) " أمرك يابا العمدة " ولأخلاق ( أهل البندر ) " الناس على دين ملوكهم أو رؤسائهم " فإذا وجد رئيس المجلس من بين أعضاء مجلسه عضوا غير مهاود وطيع من صنف " موافقون" يرتب لقراره ترتيبا استباقيا من ليل باتصالات هاتفية ( تربيطات) مع الأعضاء الموالين له منة( بتوع .. عديها مادام بعيد عني خلاص )
ثانيا: إخراج مسرحية ملحمية بين النظرية والمنهج :
قرأت في آحد الكتب المسرحية لأحد أساتذة الإخراج المخضرمين أكاديميا ؛ قرأت رأيا استوقفتي مندهشا حيث زعم بكل ثقة أن بريخت ليس مخرجا ؛ مبررا رأيه الإنطباعي هذا ؛ بأن بريخت لم يتخرج في إحدى أكاديميات الفنون !! وفضلا علي دلك ينزع عن نظرية التغريب في المسرح الملحمي صفة النظرية !!
ونقول له بكل ثقة - أيضاً - وماذا عن أول مخرج مسرحي بالمعني العلمي في العصر الحديث ( دوق ساكس ميننجن - جورج الثاني) هل تخرج في أكاديمية الفنون ؟! وماذا عن موليير ، عن شكسبير وعن شون أوكيزي - الفواعلي الإيرلندي - أو مكسيم جورجي - صانع المفاتيح ومعمر الأقفال- هل تخرج أحدهم في أكاديمية الفنون ؟!
بريخت .. الذي ملأ الدنيا بمسرحه تنظيرا وتأليىفا وإخراجا وإدارة وتأسيسا لمسرح بديل مغاير للمسرح الأرسطوى ليس مخرجا !! هل هذا بقول يقال من أكاديمي مسرحي !
رحم الله أبا تمام الشاعر حيث قال :
" السيف أصدق أنباء من الكتب .... "
أما عن نفيه لنظرية التغريب الملحمي البريختية فقد تكلمنا فيه وفصلناه في مبحثنا القصير المنشور من قبل على موقعي الفرعي بموقع الحوار المتمدن ) وعلى موقع (جمعية الدراما) وأثبتنا أصالة نظرية التغريب المسرحي ( يمكن الرجوع إلى ذلك المبحث حول ( نظرية المسرح - قراءة وقراءة مضادة-) ولنا في الموضع كلام جديد أيضاً ؛ نبتدره بسؤال نتوجه به لحضرة الأستاذ الاكاديمي - وهو أحد مخرجي مسرح الدولة في الستينيات وله من المؤلفة ما يربو على العشرين كتابا منشورا -
هل تراك تلزم مخرج مسرحية تنتهج أسلوب التغريب وتقنياته في الكتابة بمحددات النظرية الأرسطية ومرتكزاتها ابتداء من :
- تجسيد فكرة المسرحية في صورة خرافية ( محتملة التصديق افتراضا) لو تمكن من فعل ذلك ؛ فقد وظف الإيهام ؛ والإيهام كما تعلم ضد الدهشة التي تأسست عليها نظرية التغريب . فضلا على أن توظيف الأسطورة أو الحكاية الشعبية أو الخرافية في الملحمية لا تعرض على هيئتها في التراث الشعبي ؛ بل تفرغ من مضمونها الأسطوري القديم ويستبدل بمضمون معاصر - راجع أسطورة الملك سليمان والمرأتين المتشاكيتين على بنوة طفل وكلتيهما تزعم أن الطفل ولدها ؛ فأمر بوضع الطفل في دائرة طباشيرية وطلب من كلتيهما أن تمسك بيد الطفل من جهة وقوفها ورفع السيف موهما المرأتين بأن تحصل من الطفل على نصفه من جهتها ؛ وقبل أن تهم الأم الحقيقية (الأميرة) تهم بجدب الطفل ناحيتها : فإدا بمربيته الخادمة(جروشا) تصرخ لا أريده أعطه لها . وبذلك حكم لها بالطفل مؤقتا بأنها الأم الحقيقية . عندما استلهم بريخت هذه الحكاية التراثية في نزاع امرأتين إحداهما أميرة لفظت طفلها يوم الانقلاب على زوجها الحاكم في انتفاضة أو انقلاب عسكري وقامت خادمتها بتربية الطفل ورعايته حتى بلغ السابعة من عمره ؛ وحينذاك ؛ وقد فشل العسكر في إدارة البلد ؛ فقرروا إعادة الحاكم المخلوع الذي انقلبوا عليه للحكم هنا هرعت الأميرة زوجته أم الطفل لتقديم شكوى للقاضي ( أزدك) – وهو المنسوب الشيوعية نصبه العسكر في جلسة سكرهم قاضيا على البلاد فور عزل الحاكم (الأمير كازابكي) حيث قرروا تعيين أول شخص يمر من أمامهم قاضيا فتصادفن مرور (الصعلوك أزدك) فوضعوه على كرسي القضاء . ولما عرضت عليه قضية نزاع زوجة الحاكم وخادمتها (جروشا) على أمومة الطفل ؛ حاكي حكاية دائرة الطباشير في حكاية الملك سليمان ، لكنه لم يحكم للأم الحقيقية زوج الحاكم بطفلها ؛ بل حكم للخادمة ببنوة الطفل ؛ لأن الأم هربت عشية الانقلاب بجواهرها وأزيائها الثمينة وتركت طفلها المفترض أنه فلذة كبدها ، بينما قامت الخادمة بتربيته . لقد أعاد بريخت القصة مستبدلا الحكم الطبيعي المألوف بنقيضه - إنطلاقا من فكره هو الأيديولوجي (المادية الجدلية التاريخية) فهو إشتراكي - وكان عضوا في الحزب الشيوعي الألماني - حيث يؤمن بأن الأرض لمن يزرعها لا لمن ورثها والمصنع لعماله لا لصاحب رأس المال والأبناء لمن يربيهم لا لمن ولدهم .
ترى أيها الأستاذ الموقر وأنت تقرر إن النظرية محلها الموضوع .. كم يبعد هذا الفكر الأيديولوجي وتلك الفلسفة المادية التاريخية الجدلية عن فكر أرسطو ونظريته النابعة من فلسفته المثالية !!
هكدا مع تغير الموضوع في الملحمية ومع تغير غائيته عن موضوع الأرسطية وغايتها التكهيرية يتغير المنهج ووسائله .
حيث المسألة لا تقتصر على شخصيات محدودة وفق النظرية الأرسطوية ( شخصية محورية - وشخصية محورية مضادة محركة للصراع ، وربما تضاف شخصيتان ثانويتان.. خادم أو مناد ) وأن تعقد الشخصية المحورية لبطل نبيل يتردى بيوءة خطيئة تراجيدية ( يسقط سقوطا مأساويا لتجرؤه وتحديه للآلهة )
تعلم - حفظك الله- أن عصر الآلهة وأنصاف الآلهة وأشباههم قد ولى منذ ثلاثة آلاف عام . وليس في عالمنا المعيش سوى أشخاص عاديين يعيشون كما نعيش وتعيش . وأنت كما تعلم أن المسرح الحديث التقليدي والطليعي والتجريبي يعرض أشخاصا أسوياء وغير أسوياء على صورة الناس في دنيانا وفي تخيلاتنا المحتملة التصديق والتكذيب معا بالإيهام الذي تعاقد عليه فن المسرح منذ قديم الزمان مع الجمهور . وتعلم أيضاً أن مسرح بريخت التغريبي يجنب الإيهام ويستبدله بالدهشة ويجنب الإندماج ويستبدله بالوعي المتبادل جدليا بين الممثل ودوره ، وبين الممثل والجمهور وصولا لغائية مختلفة حيث يستبدل موضوع التطهير بموضزع التغيير .
والآن .. قل يا أستاذ .. بحق المنهج العلمي وأنت أستاذ المناهج هل استبدال الركنين الأساسيين اللذيي ترتكز عليهما المناهج الفنية ؛ المستظلة بالمظلة الأرسطوية ( الايهام والاندماج) هل هبطا هبوطا إضراريا على مسرح بريخت أم أن استبدالهما بجناحي ( الدهشة والوعي) كان دليلا على وجود جسم نظرية تطير في سماوات عالمنا المسرحي الحداثي المعاصر تتعدد فيه دلالة النص ومعنى العرض المسرحي بتعدد متلقييه !! .
- فإذا جئنا لعنصر اللغة ( ذات غناء ؛ محمول على أصوات الكورس المنقسم إلى مجموعتين تساند إحداهما قضية الشخصية المحورية (البطل التراجيدي) قضية تحقق الداتية في غيبة الموضوعية – وهي الطرف الثاني في معادلة فاعلية الفعل -
يينما يساند القسم الأخر من الكورس قضية الشخصية المضادة (محركة الصراع) فتنشط ذاكرة الأستاذ فيتدكر أن القضية في المسرح الأرسطي القديم قضية جبرية ؛ حيث الفعل هو أهم أساس قامت عليه نظرية المحاكاة الأرسطوية بعكس نظرية المحاكاة الأفلاطونية التي ألحت على ( محاكاة الفكرة المثالية المطلقة) فتلزم الفنان يمحاكاة ظل الصورة الأصلية المحفوظة في عالم الغيب . والفعل الدرامي أو الفكرة المطلقة كلاهما سابق الوجود( نظرية الماهية أسبق من الوجود) فالفعل بيد الغيب ( القدرة الإلهية) وما علي الإنسان إلا تجسيده ؛ وهذا هو جوهر الفلسفة المثالية عند أفلاطون وعند أرسطو؛ التي تقف عند حدود تبرير الوجود باعتباره المعطي الإلهي الدي نعيشه ونتفاعل معه على طريقتنا حتى نمضي فيعيشه من يأتي بعدنا ويتفاعل معه على طريقته إلى أن يمضي . وفي التبرير ثبات لظواهر ذلك الوجود على هيئته المعطاة .
ولا شك أن المسرح باعتباره فن الإتصال الجماهيري الحاضر هو ابن عصره يتغير بتغير العصر ، وكدلك الفكر الفلسفسي هو ابن عصره أبضا .
ولأن أصحاب الفلسفة المادية ؛ بدهبون إلى مهمة تفسير ااكون من أجل تغييره ولأن لهم مسرحهم وأدبهم وفنونهم التي تعمل على إشراق نهار اليقظة في وعي سواد الناس من أجل تغيير مظاهر التكلس والتشردم حول شرنقة العادة ؛ وقد كان لمسرج بريخت الملحمي دوره البارز على رأس حقل المسرح الحداثي .
ولأن مسرحه ينبع من الفكر الفلسفي الجدلي للمادية التاريخية فمن غير المعقول ألا يرتكز على أسس نظرية ؛ ولأن مسرحه يرتكز على أيديولوجية إشتراكية ؛ لذا فإن مخرج نص تغريبي البنية لا يوجه ممثليه نحو تجسيد الشخصيات تجسيدا إندماجيا ذاتيا يعدى جمهوره في فرجوبة مسرحية نائمة ؛ ولكن عليه توجبه ممثليه إلى تصوير الشخصية لا تجسيدها.. لَا يحاكي قضية الشخصية بل يحاكي صفة إجتماعية للطبقة التي تنتمي إليها الشخصية وهنا يحث ممثليه على تقديم الشخصية مضفيا عليها وجهة نظره النقدية من على أرضية عصره هو؛ لا عصر الشخصية ؛ كما يوجه مصمم السينوغرافيا إلى البعد عن الإيهام بمناظره وبأزيائه وبالمصاحبات الموسيقية والسمعية والضوئية ؛ ليضع المتلقى في حالة اندهاش وعدم التوهم بأن ما يقدم أمامه حقيقي ؛ للتأكيد علي أنه مجرد لعبة يعاد فبها تصور حكاية أو حدث . مستعاد من الماضي تراثا أو تاريخا . ترى هل يتوحد ذلك مع النظرية الأرسطوية؟
إن الغناء بوساطة الكورس أو الراوية في الملحمي؛ أو الراوي وظيفة ليست لتأييد قضية شخص البطل أو عدوه ؛ لكنها تمهيد للحدث ؛ وتعليق تقدي على الموقف الذي انتهى إليه الصراع بين ممثلي الصفات الاجتماعية المتعارضة في اتجاه كسب تأييد جمهور المشاهدين لوجهة ما بعينها ؛ وهي تؤدى أداء انحياز موقف للموضوعية وليس للداتية . وهنا لا تسعى المصاحبات الموسيقية إلى التأثير الدرامي حضا على تعاطف الجمهور أو تهيئته تهيئة سيكلوجية وشعوريا تميل به نحو وجهة ما قبل انتهاء الحدث المصور أمامه ، فالموسيقي لا تجعل الممثل ولا الجمهور يتوحد مع الحالة ؛ لذا تكون مصاحبة الموسيقي على نقيض الحالة الشعورية - مثال موسيقى عسكرية في مصاحبة عرس أو زفاف وموسيقى فرحة في موكب تشييع جنازة - ليندهش الجمهور من غرابة عدم تناسب الموسيقي مع الموقف خلق ثنائية ( الروعة والتشويه) الركنين الأساسيين لمنهج العرض التغريبي مع التأرخة أو عصرنة الحدث ؛ لوضع المتلقي موضع التساؤل بينه ونفسه عن مبرر استخدام موسيقى أو مسمع صوتي مناقض للحالة التي يشاهدها ؛ ويجد بنفسه إحابة عصرية ، وبهجا تتعدد دلالة دلك بتعدد النتلقين للعرض . ترى أيتوافق هذا مع النظرية الأرسطوية أيها الأستاذ !!
- فإذا جئنا للحبكة الدرامية والوحدات الثلاث ( وحدة البطل ووحدة المكان ووحدة الزمان ) والفصل بين الأنواع ؛ وهي ركن جوهري من أركان نظرية أرسطو ، نذكر بأن الوحدات الثلاث ووحدة الموضوع قد حطمت على أيام أرسطو نفسه من مجموعة مسرحيي نقابة المسرحيين الأغارقة – وهدا ما دكرته أنت نفسك في كتاب قمت أنت بترجمته عن أصل مجري لـ (جيورج سكاي).
كما لم يكن لنظرية الفصل بين التراجيديا والكوميديا ولا للوحدات الثلاث وجود في مسرحيات العصور الوسطى ؛ على الرغم مما ينسبه مؤرخو المسرح إلى شكسبير من أنه من حطم الوحدات الثلاث ونظرية الفصل بين التراجيديا والكوميديا .
لا تقوم بنية المسرحية الملحمية على نظرية الفصل بين الأنواع ولا على الوحدات الثلاث ؛ فهي بنبة أفقية على هيئة لوحات متجاورة وليست رأسية ؛ من هنا انتفت فكرة الحبكة المتقنة حيث استبدلت بحبكة درامية حكائية واهية.
فأين هذا من نظرية أرسطو . والبناء الأفقي للأحداث يفرض في المسرحية التغريبية على المخرج خلق إيقاعات متعددة وجماليات متعددة بتعدد لوحات المسرحية ؛ لتأكيد عدم التوحد بين الشخصيات ، ولتأكيد مفارقاتها ، يوساطة تكوين الصورة المسرحية بثنائية الروعة والتشويه معا ؛ لكشف التناقض بين المواقف ؛ فأين هذا من مبدأ الإندماج ومبدأ الإيهام في النظرية الأرسطوية .
- وإذا تكلمنا عن مستويات اللغة الدرامية - المونولوج مثلا- فهو لا يعد خالة بوح ذاتي تخص الشخصية في حالة صراع صوت فكرها مع صوت مشاعرها في ضمير الشخصية - حسبما هو خالها في المسرحية الدرامية الأرسطوية - وإنما هو تعبير عن بوح بصوت الجماعة أو الطبقة تنوب عنها الشخصية باعتباره نقدا موضوعيا - هو أقصر طريق لكمال الطبقة .
هل جاءت كل تلك التقنيات وذلك المنهج المغاير لتقنيات الإندماج والإيهام من فراغ أم أنها ارتكزت على نظرية ما ؛ لذا نقول لأستاذ كناهج الإخراج والأكاديمي المخضرم هناك نظرية مسرحية تعرف بنظرية التغريب الملحمي وأن هناك مخرج ورجل مسرح صاحب نظرية التغريب ظاهر ظهور الشمس وإسمه بريخت .
الكلمة الثالثة: التكوين المعرفي في مجال الإخراج:
في مجال الإخراج هل يحتاج من يتصدى لإخراج نص مسرحي إلى تعلم حرفة الإخراج ؟!
سؤال طرحه أحد الباحثين من قبل ؛ ولا تزال الإجابة غائمة . وهل يمكن لشخص ما موهوب يريد أن يخرج للمسرح ؛ هل اعتيد مكتفيا بموهبته وحدها ؟!
الآجابة عن هذا السؤال عويصة بقدر ما هو بسيط . هي عويصة ارتكازا على علمية حرفة الإخراج وبسيطة
عند تجنيب المنهج العلمي . وهنا يبرز سؤال آخر ..
بما أن النص المسرحي يتخذ أسلوبا فنيا ما متعارفا عليه سواء أكان كلاسيكيا أو طبيعيا أو واقعيا أو رمزيا أو تعبيريا أو ملحميا أو تسجيليا أو عبثيا ؛ أفيمكن تغاضي الإخراج عن الأسلوب الذي ينتمي إليه النص المسرحي ؟!
فإذا راجعنا إجابة هذا السؤال عند بعض مخرجينا من أساتذة مناهج الإخراج في أكاديمية الفنون المصرية نجدها بالإيجاب ؛ فالأستاذ سعد أردش والأستاذ أحمد زكي يقران - نظريا - بضرورة تطابق أسلوب المخرج مع أسلوب النص المسرحي . ولكنهما عند التطبيق لا يلتزم أسلوب إخراج أي منهما لأسلوب النص المسرحي الذي أخرجه ؛ فغالبا من تتداخل الأساليب الفنية في العروض التي قام كل منهما بإخراجها . وعلى سبيل المثال لا الحصر .. نقف عند إخراج الأستاذ أحمد زكي لنص المسرحية التسجيلية
( غول لويزتانيا) لـ " بيتر فايس" حيث تعتمد المسرحية التسجيلية على الوثائق والتواريخ والأعلام بإسلوب إعادة عرض الظاهرة التاريخية على شاشات المعاصرة ليرى المتلقى فيها رأيا يتوافق مع معطيات عصره . فإذا بإخراج الأستاذ أحمد زكي قد اتجه نحو أسلوب المسرح الشامل إذ تداخلت أساليب المسرح الشامل ( الموسيقى المباشرة والغناء المباشر والتعبير الحركي الموقع ؛ والأداء الأسلوبي الاستعراضي في التمثيل ؛ مع أسلوب كشف أسرار اللعبة المسرحية ، من تواجد المؤدين بين الجمهور بأزياء أدوارهم المسرحية وحيل تنكرهم منتظرين في مدخل قاعة المسرح بين الجمهور حتى السماح لهم بالدخول .
وإذا وقفنا عند مثال من العروض التي أخرجها الإستاذ سعد أردش لنص من نصوص بريخت الملحمية نجدها غير متقيدة بأسلوب نظرية التغريب المسرحي وتقنياتها؛ على النقيض من كل ما كتب هو نفسه ونشر وحاضر في نظرية التغريب والمسرح الملحمي ؛ ففي إخراجه لمسرحية بريشت ( الإنسان الطيب من ستشوان ) وكذلك في إخراجه لمسرحية ( ماهوجوني)
أ. د. أبو الحسن سلاّم
عن ملاحظات على تجربتي في المجالس الأكاديمية:
من بداهة القول إن فنان الأداء والعرض ممثلا كان أم كان مخرجا أو سينوغرافيا أو كريوجرافيا لا يستقيم عمله ويبلغ هدفه إمتاعا وإقناعا دون تمرسه بمنهج تحليل أو منهج تفكيك نقدي ؛ بينما يقف عمل الناقد عند تمكنه من التحليل فيما هو مقدم على نقده في النص أو العرض الدرامي غير الحداثي ، أو التفكيك فيما بين يديه من نص أو عرض مسرحي حداثي أو بعد حداثي . ومع ذلك أعجب عندما أجد أحد الأساتذة في تخصص النقد المسرحي وهو يلح في الإشراف على بحث طالب في تخصصةالإخراج أو التمثيل أو في السينوغرافيا المسرحية أو فنون الرقص المسرحي
متجاوزا حدود تخصص دقيق ليس من أهله وليست له فيه ممارسة على أي مستو عملي أو نظري ؛ فلكل من النقد اتجاهاته المتضمنة لعدد من النظريات منها القديم ومنها القروسطي ومنها الحديث ومنها المعاصر والتمثيل نظرياته وله مناهجه والإخراج نظرياته ومناهجه .
في مجالنا الأكاديمي نرى عجبا من أصحاب القرار رئيس قسم أكاديمي أو عميدا أو نائبا أو رئيسا لجامعة ؛ حيث يتعامل في المجلس العلمي لا بوصفه رئيسا للمجلس بل باعتباره عمدة والأعضاء يتبعون ما يعرضه العمدة جريا على عادة ( أخلاق القرية ) " أمرك يابا العمدة " ولأخلاق ( أهل البندر ) " الناس على دين ملوكهم أو رؤسائهم " فإذا وجد رئيس المجلس من بين أعضاء مجلسه عضوا غير مهاود وطيع من صنف " موافقون" يرتب لقراره ترتيبا استباقيا من ليل باتصالات هاتفية ( تربيطات) مع الأعضاء الموالين له منة( بتوع .. عديها مادام بعيد عني خلاص )
ثانيا: إخراج مسرحية ملحمية بين النظرية والمنهج :
قرأت في آحد الكتب المسرحية لأحد أساتذة الإخراج المخضرمين أكاديميا ؛ قرأت رأيا استوقفتي مندهشا حيث زعم بكل ثقة أن بريخت ليس مخرجا ؛ مبررا رأيه الإنطباعي هذا ؛ بأن بريخت لم يتخرج في إحدى أكاديميات الفنون !! وفضلا علي دلك ينزع عن نظرية التغريب في المسرح الملحمي صفة النظرية !!
ونقول له بكل ثقة - أيضاً - وماذا عن أول مخرج مسرحي بالمعني العلمي في العصر الحديث ( دوق ساكس ميننجن - جورج الثاني) هل تخرج في أكاديمية الفنون ؟! وماذا عن موليير ، عن شكسبير وعن شون أوكيزي - الفواعلي الإيرلندي - أو مكسيم جورجي - صانع المفاتيح ومعمر الأقفال- هل تخرج أحدهم في أكاديمية الفنون ؟!
بريخت .. الذي ملأ الدنيا بمسرحه تنظيرا وتأليىفا وإخراجا وإدارة وتأسيسا لمسرح بديل مغاير للمسرح الأرسطوى ليس مخرجا !! هل هذا بقول يقال من أكاديمي مسرحي !
رحم الله أبا تمام الشاعر حيث قال :
" السيف أصدق أنباء من الكتب .... "
أما عن نفيه لنظرية التغريب الملحمي البريختية فقد تكلمنا فيه وفصلناه في مبحثنا القصير المنشور من قبل على موقعي الفرعي بموقع الحوار المتمدن ) وعلى موقع (جمعية الدراما) وأثبتنا أصالة نظرية التغريب المسرحي ( يمكن الرجوع إلى ذلك المبحث حول ( نظرية المسرح - قراءة وقراءة مضادة-) ولنا في الموضع كلام جديد أيضاً ؛ نبتدره بسؤال نتوجه به لحضرة الأستاذ الاكاديمي - وهو أحد مخرجي مسرح الدولة في الستينيات وله من المؤلفة ما يربو على العشرين كتابا منشورا -
هل تراك تلزم مخرج مسرحية تنتهج أسلوب التغريب وتقنياته في الكتابة بمحددات النظرية الأرسطية ومرتكزاتها ابتداء من :
- تجسيد فكرة المسرحية في صورة خرافية ( محتملة التصديق افتراضا) لو تمكن من فعل ذلك ؛ فقد وظف الإيهام ؛ والإيهام كما تعلم ضد الدهشة التي تأسست عليها نظرية التغريب . فضلا على أن توظيف الأسطورة أو الحكاية الشعبية أو الخرافية في الملحمية لا تعرض على هيئتها في التراث الشعبي ؛ بل تفرغ من مضمونها الأسطوري القديم ويستبدل بمضمون معاصر - راجع أسطورة الملك سليمان والمرأتين المتشاكيتين على بنوة طفل وكلتيهما تزعم أن الطفل ولدها ؛ فأمر بوضع الطفل في دائرة طباشيرية وطلب من كلتيهما أن تمسك بيد الطفل من جهة وقوفها ورفع السيف موهما المرأتين بأن تحصل من الطفل على نصفه من جهتها ؛ وقبل أن تهم الأم الحقيقية (الأميرة) تهم بجدب الطفل ناحيتها : فإدا بمربيته الخادمة(جروشا) تصرخ لا أريده أعطه لها . وبذلك حكم لها بالطفل مؤقتا بأنها الأم الحقيقية . عندما استلهم بريخت هذه الحكاية التراثية في نزاع امرأتين إحداهما أميرة لفظت طفلها يوم الانقلاب على زوجها الحاكم في انتفاضة أو انقلاب عسكري وقامت خادمتها بتربية الطفل ورعايته حتى بلغ السابعة من عمره ؛ وحينذاك ؛ وقد فشل العسكر في إدارة البلد ؛ فقرروا إعادة الحاكم المخلوع الذي انقلبوا عليه للحكم هنا هرعت الأميرة زوجته أم الطفل لتقديم شكوى للقاضي ( أزدك) – وهو المنسوب الشيوعية نصبه العسكر في جلسة سكرهم قاضيا على البلاد فور عزل الحاكم (الأمير كازابكي) حيث قرروا تعيين أول شخص يمر من أمامهم قاضيا فتصادفن مرور (الصعلوك أزدك) فوضعوه على كرسي القضاء . ولما عرضت عليه قضية نزاع زوجة الحاكم وخادمتها (جروشا) على أمومة الطفل ؛ حاكي حكاية دائرة الطباشير في حكاية الملك سليمان ، لكنه لم يحكم للأم الحقيقية زوج الحاكم بطفلها ؛ بل حكم للخادمة ببنوة الطفل ؛ لأن الأم هربت عشية الانقلاب بجواهرها وأزيائها الثمينة وتركت طفلها المفترض أنه فلذة كبدها ، بينما قامت الخادمة بتربيته . لقد أعاد بريخت القصة مستبدلا الحكم الطبيعي المألوف بنقيضه - إنطلاقا من فكره هو الأيديولوجي (المادية الجدلية التاريخية) فهو إشتراكي - وكان عضوا في الحزب الشيوعي الألماني - حيث يؤمن بأن الأرض لمن يزرعها لا لمن ورثها والمصنع لعماله لا لصاحب رأس المال والأبناء لمن يربيهم لا لمن ولدهم .
ترى أيها الأستاذ الموقر وأنت تقرر إن النظرية محلها الموضوع .. كم يبعد هذا الفكر الأيديولوجي وتلك الفلسفة المادية التاريخية الجدلية عن فكر أرسطو ونظريته النابعة من فلسفته المثالية !!
هكدا مع تغير الموضوع في الملحمية ومع تغير غائيته عن موضوع الأرسطية وغايتها التكهيرية يتغير المنهج ووسائله .
حيث المسألة لا تقتصر على شخصيات محدودة وفق النظرية الأرسطوية ( شخصية محورية - وشخصية محورية مضادة محركة للصراع ، وربما تضاف شخصيتان ثانويتان.. خادم أو مناد ) وأن تعقد الشخصية المحورية لبطل نبيل يتردى بيوءة خطيئة تراجيدية ( يسقط سقوطا مأساويا لتجرؤه وتحديه للآلهة )
تعلم - حفظك الله- أن عصر الآلهة وأنصاف الآلهة وأشباههم قد ولى منذ ثلاثة آلاف عام . وليس في عالمنا المعيش سوى أشخاص عاديين يعيشون كما نعيش وتعيش . وأنت كما تعلم أن المسرح الحديث التقليدي والطليعي والتجريبي يعرض أشخاصا أسوياء وغير أسوياء على صورة الناس في دنيانا وفي تخيلاتنا المحتملة التصديق والتكذيب معا بالإيهام الذي تعاقد عليه فن المسرح منذ قديم الزمان مع الجمهور . وتعلم أيضاً أن مسرح بريخت التغريبي يجنب الإيهام ويستبدله بالدهشة ويجنب الإندماج ويستبدله بالوعي المتبادل جدليا بين الممثل ودوره ، وبين الممثل والجمهور وصولا لغائية مختلفة حيث يستبدل موضوع التطهير بموضزع التغيير .
والآن .. قل يا أستاذ .. بحق المنهج العلمي وأنت أستاذ المناهج هل استبدال الركنين الأساسيين اللذيي ترتكز عليهما المناهج الفنية ؛ المستظلة بالمظلة الأرسطوية ( الايهام والاندماج) هل هبطا هبوطا إضراريا على مسرح بريخت أم أن استبدالهما بجناحي ( الدهشة والوعي) كان دليلا على وجود جسم نظرية تطير في سماوات عالمنا المسرحي الحداثي المعاصر تتعدد فيه دلالة النص ومعنى العرض المسرحي بتعدد متلقييه !! .
- فإذا جئنا لعنصر اللغة ( ذات غناء ؛ محمول على أصوات الكورس المنقسم إلى مجموعتين تساند إحداهما قضية الشخصية المحورية (البطل التراجيدي) قضية تحقق الداتية في غيبة الموضوعية – وهي الطرف الثاني في معادلة فاعلية الفعل -
يينما يساند القسم الأخر من الكورس قضية الشخصية المضادة (محركة الصراع) فتنشط ذاكرة الأستاذ فيتدكر أن القضية في المسرح الأرسطي القديم قضية جبرية ؛ حيث الفعل هو أهم أساس قامت عليه نظرية المحاكاة الأرسطوية بعكس نظرية المحاكاة الأفلاطونية التي ألحت على ( محاكاة الفكرة المثالية المطلقة) فتلزم الفنان يمحاكاة ظل الصورة الأصلية المحفوظة في عالم الغيب . والفعل الدرامي أو الفكرة المطلقة كلاهما سابق الوجود( نظرية الماهية أسبق من الوجود) فالفعل بيد الغيب ( القدرة الإلهية) وما علي الإنسان إلا تجسيده ؛ وهذا هو جوهر الفلسفة المثالية عند أفلاطون وعند أرسطو؛ التي تقف عند حدود تبرير الوجود باعتباره المعطي الإلهي الدي نعيشه ونتفاعل معه على طريقتنا حتى نمضي فيعيشه من يأتي بعدنا ويتفاعل معه على طريقته إلى أن يمضي . وفي التبرير ثبات لظواهر ذلك الوجود على هيئته المعطاة .
ولا شك أن المسرح باعتباره فن الإتصال الجماهيري الحاضر هو ابن عصره يتغير بتغير العصر ، وكدلك الفكر الفلسفسي هو ابن عصره أبضا .
ولأن أصحاب الفلسفة المادية ؛ بدهبون إلى مهمة تفسير ااكون من أجل تغييره ولأن لهم مسرحهم وأدبهم وفنونهم التي تعمل على إشراق نهار اليقظة في وعي سواد الناس من أجل تغيير مظاهر التكلس والتشردم حول شرنقة العادة ؛ وقد كان لمسرج بريخت الملحمي دوره البارز على رأس حقل المسرح الحداثي .
ولأن مسرحه ينبع من الفكر الفلسفي الجدلي للمادية التاريخية فمن غير المعقول ألا يرتكز على أسس نظرية ؛ ولأن مسرحه يرتكز على أيديولوجية إشتراكية ؛ لذا فإن مخرج نص تغريبي البنية لا يوجه ممثليه نحو تجسيد الشخصيات تجسيدا إندماجيا ذاتيا يعدى جمهوره في فرجوبة مسرحية نائمة ؛ ولكن عليه توجبه ممثليه إلى تصوير الشخصية لا تجسيدها.. لَا يحاكي قضية الشخصية بل يحاكي صفة إجتماعية للطبقة التي تنتمي إليها الشخصية وهنا يحث ممثليه على تقديم الشخصية مضفيا عليها وجهة نظره النقدية من على أرضية عصره هو؛ لا عصر الشخصية ؛ كما يوجه مصمم السينوغرافيا إلى البعد عن الإيهام بمناظره وبأزيائه وبالمصاحبات الموسيقية والسمعية والضوئية ؛ ليضع المتلقى في حالة اندهاش وعدم التوهم بأن ما يقدم أمامه حقيقي ؛ للتأكيد علي أنه مجرد لعبة يعاد فبها تصور حكاية أو حدث . مستعاد من الماضي تراثا أو تاريخا . ترى هل يتوحد ذلك مع النظرية الأرسطوية؟
إن الغناء بوساطة الكورس أو الراوية في الملحمي؛ أو الراوي وظيفة ليست لتأييد قضية شخص البطل أو عدوه ؛ لكنها تمهيد للحدث ؛ وتعليق تقدي على الموقف الذي انتهى إليه الصراع بين ممثلي الصفات الاجتماعية المتعارضة في اتجاه كسب تأييد جمهور المشاهدين لوجهة ما بعينها ؛ وهي تؤدى أداء انحياز موقف للموضوعية وليس للداتية . وهنا لا تسعى المصاحبات الموسيقية إلى التأثير الدرامي حضا على تعاطف الجمهور أو تهيئته تهيئة سيكلوجية وشعوريا تميل به نحو وجهة ما قبل انتهاء الحدث المصور أمامه ، فالموسيقي لا تجعل الممثل ولا الجمهور يتوحد مع الحالة ؛ لذا تكون مصاحبة الموسيقي على نقيض الحالة الشعورية - مثال موسيقى عسكرية في مصاحبة عرس أو زفاف وموسيقى فرحة في موكب تشييع جنازة - ليندهش الجمهور من غرابة عدم تناسب الموسيقي مع الموقف خلق ثنائية ( الروعة والتشويه) الركنين الأساسيين لمنهج العرض التغريبي مع التأرخة أو عصرنة الحدث ؛ لوضع المتلقي موضع التساؤل بينه ونفسه عن مبرر استخدام موسيقى أو مسمع صوتي مناقض للحالة التي يشاهدها ؛ ويجد بنفسه إحابة عصرية ، وبهجا تتعدد دلالة دلك بتعدد النتلقين للعرض . ترى أيتوافق هذا مع النظرية الأرسطوية أيها الأستاذ !!
- فإذا جئنا للحبكة الدرامية والوحدات الثلاث ( وحدة البطل ووحدة المكان ووحدة الزمان ) والفصل بين الأنواع ؛ وهي ركن جوهري من أركان نظرية أرسطو ، نذكر بأن الوحدات الثلاث ووحدة الموضوع قد حطمت على أيام أرسطو نفسه من مجموعة مسرحيي نقابة المسرحيين الأغارقة – وهدا ما دكرته أنت نفسك في كتاب قمت أنت بترجمته عن أصل مجري لـ (جيورج سكاي).
كما لم يكن لنظرية الفصل بين التراجيديا والكوميديا ولا للوحدات الثلاث وجود في مسرحيات العصور الوسطى ؛ على الرغم مما ينسبه مؤرخو المسرح إلى شكسبير من أنه من حطم الوحدات الثلاث ونظرية الفصل بين التراجيديا والكوميديا .
لا تقوم بنية المسرحية الملحمية على نظرية الفصل بين الأنواع ولا على الوحدات الثلاث ؛ فهي بنبة أفقية على هيئة لوحات متجاورة وليست رأسية ؛ من هنا انتفت فكرة الحبكة المتقنة حيث استبدلت بحبكة درامية حكائية واهية.
فأين هذا من نظرية أرسطو . والبناء الأفقي للأحداث يفرض في المسرحية التغريبية على المخرج خلق إيقاعات متعددة وجماليات متعددة بتعدد لوحات المسرحية ؛ لتأكيد عدم التوحد بين الشخصيات ، ولتأكيد مفارقاتها ، يوساطة تكوين الصورة المسرحية بثنائية الروعة والتشويه معا ؛ لكشف التناقض بين المواقف ؛ فأين هذا من مبدأ الإندماج ومبدأ الإيهام في النظرية الأرسطوية .
- وإذا تكلمنا عن مستويات اللغة الدرامية - المونولوج مثلا- فهو لا يعد خالة بوح ذاتي تخص الشخصية في حالة صراع صوت فكرها مع صوت مشاعرها في ضمير الشخصية - حسبما هو خالها في المسرحية الدرامية الأرسطوية - وإنما هو تعبير عن بوح بصوت الجماعة أو الطبقة تنوب عنها الشخصية باعتباره نقدا موضوعيا - هو أقصر طريق لكمال الطبقة .
هل جاءت كل تلك التقنيات وذلك المنهج المغاير لتقنيات الإندماج والإيهام من فراغ أم أنها ارتكزت على نظرية ما ؛ لذا نقول لأستاذ كناهج الإخراج والأكاديمي المخضرم هناك نظرية مسرحية تعرف بنظرية التغريب الملحمي وأن هناك مخرج ورجل مسرح صاحب نظرية التغريب ظاهر ظهور الشمس وإسمه بريخت .
الكلمة الثالثة: التكوين المعرفي في مجال الإخراج:
في مجال الإخراج هل يحتاج من يتصدى لإخراج نص مسرحي إلى تعلم حرفة الإخراج ؟!
سؤال طرحه أحد الباحثين من قبل ؛ ولا تزال الإجابة غائمة . وهل يمكن لشخص ما موهوب يريد أن يخرج للمسرح ؛ هل اعتيد مكتفيا بموهبته وحدها ؟!
الآجابة عن هذا السؤال عويصة بقدر ما هو بسيط . هي عويصة ارتكازا على علمية حرفة الإخراج وبسيطة
عند تجنيب المنهج العلمي . وهنا يبرز سؤال آخر ..
بما أن النص المسرحي يتخذ أسلوبا فنيا ما متعارفا عليه سواء أكان كلاسيكيا أو طبيعيا أو واقعيا أو رمزيا أو تعبيريا أو ملحميا أو تسجيليا أو عبثيا ؛ أفيمكن تغاضي الإخراج عن الأسلوب الذي ينتمي إليه النص المسرحي ؟!
فإذا راجعنا إجابة هذا السؤال عند بعض مخرجينا من أساتذة مناهج الإخراج في أكاديمية الفنون المصرية نجدها بالإيجاب ؛ فالأستاذ سعد أردش والأستاذ أحمد زكي يقران - نظريا - بضرورة تطابق أسلوب المخرج مع أسلوب النص المسرحي . ولكنهما عند التطبيق لا يلتزم أسلوب إخراج أي منهما لأسلوب النص المسرحي الذي أخرجه ؛ فغالبا من تتداخل الأساليب الفنية في العروض التي قام كل منهما بإخراجها . وعلى سبيل المثال لا الحصر .. نقف عند إخراج الأستاذ أحمد زكي لنص المسرحية التسجيلية
( غول لويزتانيا) لـ " بيتر فايس" حيث تعتمد المسرحية التسجيلية على الوثائق والتواريخ والأعلام بإسلوب إعادة عرض الظاهرة التاريخية على شاشات المعاصرة ليرى المتلقى فيها رأيا يتوافق مع معطيات عصره . فإذا بإخراج الأستاذ أحمد زكي قد اتجه نحو أسلوب المسرح الشامل إذ تداخلت أساليب المسرح الشامل ( الموسيقى المباشرة والغناء المباشر والتعبير الحركي الموقع ؛ والأداء الأسلوبي الاستعراضي في التمثيل ؛ مع أسلوب كشف أسرار اللعبة المسرحية ، من تواجد المؤدين بين الجمهور بأزياء أدوارهم المسرحية وحيل تنكرهم منتظرين في مدخل قاعة المسرح بين الجمهور حتى السماح لهم بالدخول .
وإذا وقفنا عند مثال من العروض التي أخرجها الإستاذ سعد أردش لنص من نصوص بريخت الملحمية نجدها غير متقيدة بأسلوب نظرية التغريب المسرحي وتقنياتها؛ على النقيض من كل ما كتب هو نفسه ونشر وحاضر في نظرية التغريب والمسرح الملحمي ؛ ففي إخراجه لمسرحية بريشت ( الإنسان الطيب من ستشوان ) وكذلك في إخراجه لمسرحية ( ماهوجوني)
أ. د. أبو الحسن سلاّم
Zum Anzeigen anmelden oder registrieren
Sieh dir auf Facebook Beiträge, Fotos und vieles mehr an.
www.facebook.com