متعب جدا باستحضار كلمات أغنية... كانت يوما تملأ الفضاء الفاصل بين نافذتي وشرفة الجيران، مطلعها يلحّ على تلافيف دماغي ويدور في ظلام المكان، افتقاده لنافذة يجعله أشبه بقبر... ليس القبر بمصطلح مناسب لهروبي المؤلم، لأعود إلى الأغنية، انشغالي بها أنساني قدميَّ المتورمتين.
ومرت الأيام نعم تذكرتها... 《دارت الأيام ومرت الأيام ما بين بعاد وخصام وقابلتك...》
آه كم كانت النسمات البحرية العالقة بصوت أم كلثوم منعشة، ماذا قالت بعد أن قابلته؟، لا أدري ...
أحدهم يقرع على الحائط: اسكتْ أو اكملها، تكرارك ،لذات الكلمات ، تعذيب آخر، كقطرات الماء المتساقطة بانتظام على رؤوسنا.
- زيارة.
جاءت في أوانها، الآن سأسألها كيما تخفف من عبء نسياني للكلمات، اللحن يمور في شراييني؛ فأسير رقصا عابرا للممر الطويل ...
كان الأمر مقتصرا على اجتيازها لممر يفصل بين عالمينا، لتصبح مالكة لبيتي كارهة لمكتبتي، معترضة على اجتماع رفاقي في غرفتي الجوّانية، وكم كانت تضيق ذرعا بأغانيهم، هي لم تكن تطيق الشيخ إمام ولا أشعار محمود درويش، وأنا كنت أنتقد تسليم عقلها لمخدر موسيقي، بالرغم من حبي الضمني له، هأنا أغني أغانيها فقط. يصفعني الحارس بكفه الثقيلة على ظهري ويزفر متأففا من رقصي، ينظر في عينيّ شزرا: أأنت مجنون؟ لا غرابة فالكل هنا يعتقد ذلك.
- أين أمّك؟
دموعها تقطع ظلال مربعات الشبك على وجهها البريء الحزين ...
أجابت نظراتها المتلعثمة بالحقيقة المرة، وطأطأت رأسها بصمت، فأشفقت عليها وتوقفت عن إيلامها.
- أبنيتي، هل تتذكرين ماذا بعد (وقابلتك) في دارت الأيام؟
ترتبك شفتاها، تشع ضحكتها المبللة بالدموع، تحتفي بالخلاص من هم الجواب عن أمّها. تميل برأسها وتؤرجح يدها كأنها تقف على مسرح وتلوح بمنديل يخلخل الهواء فيتمايل كل الحضور:
- (وقبلتك نسيت أني ... خصمتك... وسامحت عذاب قلبي)
- آه ...
ندت آه حرّى عن الحارس المتبختر بين الشبكين، الفاصل بيننا، لكن تأوهه لم يوقف صدى صوتها العذب، ساهما كنت في أنامله التي راحت تعزف على الباب الحديدي، انتبهت كم هي غضة وناعمة، لا تصلح ان تكون بكف سجان، أو لعله قد استبدلها... أضحكتني فكرة الاستبدال. طال تفكيري بيده وطالت الزيارة أكثر من المسموح لها ان تدوم، ودام ندى زهور ابنتي في هذا القحط.
... لطالما كان صوتها ينافس العصافير في حدائق ملكت طفولتها، وعلى منابر مدرستها ، وكم كنت أشعر بالفخر وهي تتصدر فرقة كورال الجامعة .
نسيت مصير زوجتي، أتعبني خلق المبررات لها، أو انشغلت عنها في مراقبة الحارس، أبحث في رأسه عن أذن ثالثة للموسيقا. بعد تلك الآه، صرت أرى فيه إنسانا مختلفا، وقد يكون عاشقا.
وبقيت تدور الأيام حتى موعد الزيارة التالية:
- ماذا تقول أم كلثوم بعد "وما أنا بالمصدّق فيك قولا".
- "ولكني شقيت بحسن ظني" ..... صدّق أبي صدّق ... وكفاك شقاء بحسن ظنك.
وتابعتُ الغناء، أدحر ما استطعت من العتمة إلى أن أشرقت شمسي.
اتّكئ على كتف ابنتي -وقد كبّرها الانتظار- نغني معا" درب الرجوع لعشّ الطفولة" ، في حدائق تحتفي صغار عصافيرها بعودتنا.
صديقة علي ... سوريا
ومرت الأيام نعم تذكرتها... 《دارت الأيام ومرت الأيام ما بين بعاد وخصام وقابلتك...》
آه كم كانت النسمات البحرية العالقة بصوت أم كلثوم منعشة، ماذا قالت بعد أن قابلته؟، لا أدري ...
أحدهم يقرع على الحائط: اسكتْ أو اكملها، تكرارك ،لذات الكلمات ، تعذيب آخر، كقطرات الماء المتساقطة بانتظام على رؤوسنا.
- زيارة.
جاءت في أوانها، الآن سأسألها كيما تخفف من عبء نسياني للكلمات، اللحن يمور في شراييني؛ فأسير رقصا عابرا للممر الطويل ...
كان الأمر مقتصرا على اجتيازها لممر يفصل بين عالمينا، لتصبح مالكة لبيتي كارهة لمكتبتي، معترضة على اجتماع رفاقي في غرفتي الجوّانية، وكم كانت تضيق ذرعا بأغانيهم، هي لم تكن تطيق الشيخ إمام ولا أشعار محمود درويش، وأنا كنت أنتقد تسليم عقلها لمخدر موسيقي، بالرغم من حبي الضمني له، هأنا أغني أغانيها فقط. يصفعني الحارس بكفه الثقيلة على ظهري ويزفر متأففا من رقصي، ينظر في عينيّ شزرا: أأنت مجنون؟ لا غرابة فالكل هنا يعتقد ذلك.
- أين أمّك؟
دموعها تقطع ظلال مربعات الشبك على وجهها البريء الحزين ...
أجابت نظراتها المتلعثمة بالحقيقة المرة، وطأطأت رأسها بصمت، فأشفقت عليها وتوقفت عن إيلامها.
- أبنيتي، هل تتذكرين ماذا بعد (وقابلتك) في دارت الأيام؟
ترتبك شفتاها، تشع ضحكتها المبللة بالدموع، تحتفي بالخلاص من هم الجواب عن أمّها. تميل برأسها وتؤرجح يدها كأنها تقف على مسرح وتلوح بمنديل يخلخل الهواء فيتمايل كل الحضور:
- (وقبلتك نسيت أني ... خصمتك... وسامحت عذاب قلبي)
- آه ...
ندت آه حرّى عن الحارس المتبختر بين الشبكين، الفاصل بيننا، لكن تأوهه لم يوقف صدى صوتها العذب، ساهما كنت في أنامله التي راحت تعزف على الباب الحديدي، انتبهت كم هي غضة وناعمة، لا تصلح ان تكون بكف سجان، أو لعله قد استبدلها... أضحكتني فكرة الاستبدال. طال تفكيري بيده وطالت الزيارة أكثر من المسموح لها ان تدوم، ودام ندى زهور ابنتي في هذا القحط.
... لطالما كان صوتها ينافس العصافير في حدائق ملكت طفولتها، وعلى منابر مدرستها ، وكم كنت أشعر بالفخر وهي تتصدر فرقة كورال الجامعة .
نسيت مصير زوجتي، أتعبني خلق المبررات لها، أو انشغلت عنها في مراقبة الحارس، أبحث في رأسه عن أذن ثالثة للموسيقا. بعد تلك الآه، صرت أرى فيه إنسانا مختلفا، وقد يكون عاشقا.
وبقيت تدور الأيام حتى موعد الزيارة التالية:
- ماذا تقول أم كلثوم بعد "وما أنا بالمصدّق فيك قولا".
- "ولكني شقيت بحسن ظني" ..... صدّق أبي صدّق ... وكفاك شقاء بحسن ظنك.
وتابعتُ الغناء، أدحر ما استطعت من العتمة إلى أن أشرقت شمسي.
اتّكئ على كتف ابنتي -وقد كبّرها الانتظار- نغني معا" درب الرجوع لعشّ الطفولة" ، في حدائق تحتفي صغار عصافيرها بعودتنا.
صديقة علي ... سوريا
Войдите на Facebook
Войдите на Facebook, чтобы общаться с друзьями, родственниками и знакомыми.
www.facebook.com