أمل الكردفاني - تاريخ العالم الإفتراضي

ذلك البحَّار الذي وضع رسالته الأخيرة داخل زجاجة ملقياً بها إلى أمواج المحيط، قبل أن تغرق سفينته، كان يلقي بذاته الإفتراضية الخالدة بعد موته إلى ذات إفتراضية أخرى لا يعلمها.
كانت الرسالة شاشة ما تصل بين المفترضات، التي لا إتصال حقيقيٌ بينها، وهنا تقفز الشخصية المفهومية لدى دولوز، لتؤسس لتلك العلاقة الإفتراضية وتسلب العالم الرقمي هيمنة المفهوم. فدستوفسكي هو الآن في غرفته الباردة البائسة، يراقب الصرصار المُلهِم، ويؤلف رواية الإنسان الصرصار، ونحن معه في ذات الوقت، في اللا الزمان واللا مكان. إن المؤلف يحتجب خلف شخصيته، واضعاً الشخصية المفهومية كشاشة الحاسب الآلي ليتواصل افتراضياً مع القارئ، وكذلك تفعل الكتب المقدسة، والأساطير القديمة، والشخصيات الإعتبارية، والذات في مواجهة الآخر عبر اللغة والحركة والسكنات، إذ هناك دائماً تلك الشاشة التي تؤكد إفتراضية العالم بأسره فينحسر مصطلح الواقع داخل الذات، بل الذات ذاتها لو جردناها من كونها مصطلحاً كلياً، لكانت دماؤنا ذاتها تلك التي تسيل في مجرى الشرايين والأوردة لا تتواصل معنا إلا افتراضياً. الآيدولوجيات، والأفكار والمنتجات، كما لو كنا نترابط مع كل شيء بموجات لا مرئية ولا محسوسة. ولكننا نحاول شدها وجذبها إلينا لتكون معنا ونكون معها، بحثا عن إندماج مفترض. الأفلام والمسلسلات، وأبطالها وحكاياتها، التي نلاحقها برغبة غير محددة وغير مفهومة لنا، بحيث لا يمكن أن نقول بأنها مجرد علاقة ترفيهية مسلية، بل هي جزء من محاولاتنا الدؤوبة لكي نخلق ارتباطاً لنا بما يحيط بنا من معطيات تنفر عنا باستمرار كطرفي مغنطيس. تلك الحروب والرصاصة التي يبحث عنها جسد الجندي، مفترضاً ما وراءها من تصورات. الجنس بخيالاته، والحب بمحددات جذبه الكامنة في العقل. العالم الأفتراضي هو الحقيقة التاريخية. كل ما حدث هو أنه تبأر وتركز في التكنولوجياً، ليكون حقيقياً أذ يعكس العالم الافتراضي حقاً.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى