(تغنيت بفلسطين الحلم عمري كله، فلما زرت فلسطين الحقيقة, التي أعطيت لنا, وشاهدت ما فعلناه بها, تذكرت هذه القصة)
كان فارس اسمًا على مسمى، زينة فرسان العشيرة، وجوهرة شباب القرية بطوله الفارع وقامته الممشوقة في مثل استقامة الرمح. وكانت أيام الأعراس ولياليها هي المناسبات التي تتجلى فيها مواهبه الفائقة في ميدان الفروسية، عندما يتسابق الفرسان أثناء زفة العريس على ميدان بيادر القرية، أو قبل ذلك أثناء مواكبة العروس إن كان قدومها من إحدى القرى المجاورة، ومثل ذلك في حلقة (الدبكة) عندما ُيلوح بمنديله على رأس الحلقة، بينما تتحفز قدمه اليمنى ذاهبة آيبة استعدادا للانطلاق، ويشنف الآذان صوت نايٍ شجيٍ يسري في العروق فيبعث فيها رعشة ونشوة غامرة، تتبعه أغنية يترنم بها أحد أفراد الحلقة:
( نزل عالدبكة اللوّيح الشاطر لوحة يمينه تشرح الخاطر )
ثم تطير الأقدام والأبدان من زهوها وانفعالها طيرانا، بينما عيون الصبايا ترمق الفتيان من فوق السطوح المحيطة بالساحة التي تتوسط القرية، وتتعلق بفارس من بينهم، وتخصه بنظرات الإعجاب، وكلٌ تمني نفسها أن يكون فارسها المنتظر، فهو إلى جانب مواهبه ووسامته الفائقة، ابن مختار القرية وأكبر ملاكها .
وما كانت نظرات المعجبات وتهافتهن، بل وتخاصمهن على الظفر بفارس لتلقى منه أي تجاوب، ولا كان يعيرها أدنى اهتمام .
ورغم إلحاح والديه عليه، ورغبتهما في تزويجه ورؤية أحفادهما يدبان على الأرض، واستعراض أسماء حسناوات القرية على مسامعه وتعداد محاسنهن، وتخييره في انتقاء من تعجبه منهن ليسارعوا إلى خطبتها فورا، إلا أنه كان يتهرب من الجواب دائما، ويؤجل الأمر مختلقا الأعذار الواهية، حتى حار أهله في أمره .
ما علموا في بداية الأمر أن قلبه معلق بحليمة التي لقيها ذات يوم وقد وردت تملأ جرتها من ماء (بير الصفا) الذي يقع في منتصف الطريق بين قريتهم والقرية التي تجاورها من جهة الغرب، ما كان بينهما أكثر من تحية عابرة ثم سؤال عن اسمها وابنة من تكون، وغير نظرة إلى زرقة عينيها وهي مقبلة، وأخرى إلى ضفائرها الشقراء التي تتسلل نهاياتها من تحت منديلها وهي مدبرة، لكنها نظرة وقعت في موقع اللب والرعب والحب، فهام بها فارس هياما شديدا، وأحبها حبا ملأ عليه دنياه
لكنه كتم أمره في بادئ الأمر، بعد أن سأل خفية عن الفتاة ونسبها وأيقن استحالة ظفره بها وتزويجه إياها، وقد علم أن لها أبناء عمومة كثر مثل عوالي الرماح في فتوتهم، ومن المستحيل أن يتنازلوا عنها ويدعوها تتزوج من غيرهم .
أسرَّ فارس هواه ما وسعه ذلك، حتى ُغلب على أمره، وفضحه هزاله وطول شروده وذهوله عما حوله، ثم انفجار ما في نفسه، وانطلاقه على لسانه شعرا وأغنيات تصدع القلب وتلين الصخر، حتى ذاع سره على كل لسان وتغنت بأغنياته الركبان :
على بير الصفا وردت حليمة ضفاير شقر وارختهن حليمة
ولكم ياناس مين شاف لي حليمة حليمة اللي سبت عقلي وطار
وبلغ ذلك قوم حليمة، فثارت ثائرتهم، وغلت الدماء في عروقهم وانقطع بذلك آخر خيط كان يتعلق به، فلو كان لديه بصيص أمل في أن يرقوا لحاله، أو يقبلوا بجاهة يرسلها لهم والده، فقد تبدد ذلك الأمل بعد أن شبّب بابنتهم وفضحها عل كل لسان. هذا إذا لم يتربصوا به ويقعدوا له كل مقعد، لينكلوا به، ثأرا لكرامتهم وصونا لشرفهم .
مضت شهور على تلك الحال، وفارس يهيم على وجهه في البراري لا يرى إلا طيف حليمة، ولا يلهج إلا باسمها، حتى صدق من لم يصدق سابقا قصة ليلى والمجنون، ومن ظن أنها ضرب من الخيال والمبالغات، بعد أن شاهد مثيلتها بأم عينيه .
ما كان أمام أبيه إلا أن يحاول يائسا قرع الأبواب الموصدة، والتعلق بأوهى الخيوط وإرسال الجاهات وتقديم الاعتذارات لأهل حليمة، علّهم يصفحون عن ولده أولا، ثم يمني نفسه في أن يوافقوا على خطبتها له ثانيا .
وما أدهش الناس وأذهلهم أنه وخلافا لما اعتادوه في هذه الحالات، فقد أبدى أهل الفتاة لينا وأريحية وصفحا لم يعهدوا مثله في مثل هذه الحالات، وأبلغوا الجاهة التي تكونت من مخاتير ووجهاء القرى المجاورة بتنازلهم عن مطالبتهم برأس فارس، وذهبوا في سماحتهم كل مذهب حينوا قبلوا به صهرا لهم يمكنه التقدم لخطبة ابنتهم أنّى يشاء.
عادت لفارس روحه التي فارقته زمنا، وظن أنه في حلم جميل، فكأنه لا يصدق ما سمعته أذناه، وأن ذلك الكابوس الثقيل من اليأس قد انزاح عن صدره، وبات يؤمل نفسه بقرب لقاء حليمة روحا وبدنا.
لم يتردد والد فارس لحظة، بل عزم على أن يطرق الحديد وهو حامٍ، فتقدم لخطبة حليمة لولده، وأقيمت الولائم والأفراح التي ما شهدت القريتان مثيلا لها من قبل ومن بعد .
لم يتأخر موعد الزفاف طويلا عن يوم الخطبة، بضعة أسابيع فقط .
بعدها توجهت قريتنا عن بكرة أبيها برجالها ونسائها، شيبها وشبابها، لتواكب العروس، إجلالا لقدر أهلها، وعرفانا بجميلهم وموفور كرمهم .
بعد عصر ذلك اليوم عاد أهالي قريتنا بعروسهم محمولة في هودج مزركش مزين بشتى الألوان، تحف به من كل جانب كوكبة من أشجع الفرسان، وخلفهم تهادى على مهله موكب المشاة والركبان حتى وصل قريتنا قبيل الغروب،حيث تواصلت الاحتفالات ولعلع الرصاص في كل مكان، وانعقدت حلقات الدبكة في ساحات القرية، وصدحت النايات بأعذب الألحان، وانطلقت مواويل(العتابا والميجنا والدلعونا) تملأ سماء القرية فرحا وتحيل ليلها نهارا، وأطلقت النساء زغاريدهن وأغنياتهن العذاب حتى انتصف الليل أو كاد. عندها أدخل العريس إلى عروسه التي كانت لا تزال متلفعة بعباءتها، متنقبة بشالها، مصرة أن لا تمتد يد لتكشف الغطاء عن وجهها قبل يد فارسها وزوجها .
دخل فارس على عروسه والدنيا لا تسعه من فرط فرحته وسروره، كأنه في حلم يخشى أن يفر من بين أجفانه إن استيقظ فجأة، فيطبق عينيه بقوة على حلمه البديع . وتقدم نحو حليمة، ومد يده ليزيح النقاب عن وجهها مؤملا أن يغوص عميقا في سحر تينك العينين الزرقاوين، ويلمس بيده ضفائر حليمة الشقراء التي طالما تغنى بها .
ويالهول ما طالعته عينا فارس عندما أزاح النقاب عن وجه عروسه، فما وجد أمامه سوى جارية شوهاء في مثل سواد الغراب. عقدت الدهشة والحيرة لسانه، فلم ينبس ببنت شفة . جلس على الأرض مسندا رأسه بكلتا يديه غير مصدق ما يراه، ظن للوهلة الأولى أن بصره قد زاغ، وأن عينيه تخدعانه، فاسترق نظرة خاطفة أخرى إلى الوجه الأكدر الماثل أمامه، فتيقن أنه أمام حقيقة وليس في حلم، ولبث على حاله ذاهلا شاردا لا يسعفه لسانه على النطق ، تتزاحم الأفكار السوداء في رأسه. يضيق صدره ولا ينطلق لسانه, يقلب النظر صامتا في أمر هذا الفخ الذي نصب له .
كيف يواجه أهله، والناس الذين سيفدون غدا للتهاني والتبريك ورؤية العروس؟
أيقول لهم إنها هذه هي التي جن في هواها، وهام بها حبا، وفضلها على كل بنات قريته !وكيف سيرفع رأسه بعد اليوم، وتقع عينه على عين أي فتاة أو فتى في القرية؟ وهل سيكونون إلا شامتين مستهزئين .
أوشك الفجر أن يطلع وهو على حاله منزوٍ في ركن الغرفة، مطرقا برأسه إلى الأرض لا يقوى على الكلام .
وقبل أن يلملم نفسه ويستجمع قواه ليغادر هاربا رجاها هامسًا:
أما الجارية فقد احتاروا في أمرها، هل يردونها من حيث أتت فيفضحون أنفسهم، ويعرضونها للسخرية، أم يحتجزونها لديهم ويخفون خبرها ؟
وأخيرا قر قرارهم على تزويجها لكهل من رعاتهم وتغييبها بين جدران حجرة داخلية لا يراها فيها أحد.
فيصل سليم التلاوي
كان فارس اسمًا على مسمى، زينة فرسان العشيرة، وجوهرة شباب القرية بطوله الفارع وقامته الممشوقة في مثل استقامة الرمح. وكانت أيام الأعراس ولياليها هي المناسبات التي تتجلى فيها مواهبه الفائقة في ميدان الفروسية، عندما يتسابق الفرسان أثناء زفة العريس على ميدان بيادر القرية، أو قبل ذلك أثناء مواكبة العروس إن كان قدومها من إحدى القرى المجاورة، ومثل ذلك في حلقة (الدبكة) عندما ُيلوح بمنديله على رأس الحلقة، بينما تتحفز قدمه اليمنى ذاهبة آيبة استعدادا للانطلاق، ويشنف الآذان صوت نايٍ شجيٍ يسري في العروق فيبعث فيها رعشة ونشوة غامرة، تتبعه أغنية يترنم بها أحد أفراد الحلقة:
( نزل عالدبكة اللوّيح الشاطر لوحة يمينه تشرح الخاطر )
ثم تطير الأقدام والأبدان من زهوها وانفعالها طيرانا، بينما عيون الصبايا ترمق الفتيان من فوق السطوح المحيطة بالساحة التي تتوسط القرية، وتتعلق بفارس من بينهم، وتخصه بنظرات الإعجاب، وكلٌ تمني نفسها أن يكون فارسها المنتظر، فهو إلى جانب مواهبه ووسامته الفائقة، ابن مختار القرية وأكبر ملاكها .
وما كانت نظرات المعجبات وتهافتهن، بل وتخاصمهن على الظفر بفارس لتلقى منه أي تجاوب، ولا كان يعيرها أدنى اهتمام .
ورغم إلحاح والديه عليه، ورغبتهما في تزويجه ورؤية أحفادهما يدبان على الأرض، واستعراض أسماء حسناوات القرية على مسامعه وتعداد محاسنهن، وتخييره في انتقاء من تعجبه منهن ليسارعوا إلى خطبتها فورا، إلا أنه كان يتهرب من الجواب دائما، ويؤجل الأمر مختلقا الأعذار الواهية، حتى حار أهله في أمره .
ما علموا في بداية الأمر أن قلبه معلق بحليمة التي لقيها ذات يوم وقد وردت تملأ جرتها من ماء (بير الصفا) الذي يقع في منتصف الطريق بين قريتهم والقرية التي تجاورها من جهة الغرب، ما كان بينهما أكثر من تحية عابرة ثم سؤال عن اسمها وابنة من تكون، وغير نظرة إلى زرقة عينيها وهي مقبلة، وأخرى إلى ضفائرها الشقراء التي تتسلل نهاياتها من تحت منديلها وهي مدبرة، لكنها نظرة وقعت في موقع اللب والرعب والحب، فهام بها فارس هياما شديدا، وأحبها حبا ملأ عليه دنياه
لكنه كتم أمره في بادئ الأمر، بعد أن سأل خفية عن الفتاة ونسبها وأيقن استحالة ظفره بها وتزويجه إياها، وقد علم أن لها أبناء عمومة كثر مثل عوالي الرماح في فتوتهم، ومن المستحيل أن يتنازلوا عنها ويدعوها تتزوج من غيرهم .
أسرَّ فارس هواه ما وسعه ذلك، حتى ُغلب على أمره، وفضحه هزاله وطول شروده وذهوله عما حوله، ثم انفجار ما في نفسه، وانطلاقه على لسانه شعرا وأغنيات تصدع القلب وتلين الصخر، حتى ذاع سره على كل لسان وتغنت بأغنياته الركبان :
على بير الصفا وردت حليمة ضفاير شقر وارختهن حليمة
ولكم ياناس مين شاف لي حليمة حليمة اللي سبت عقلي وطار
وبلغ ذلك قوم حليمة، فثارت ثائرتهم، وغلت الدماء في عروقهم وانقطع بذلك آخر خيط كان يتعلق به، فلو كان لديه بصيص أمل في أن يرقوا لحاله، أو يقبلوا بجاهة يرسلها لهم والده، فقد تبدد ذلك الأمل بعد أن شبّب بابنتهم وفضحها عل كل لسان. هذا إذا لم يتربصوا به ويقعدوا له كل مقعد، لينكلوا به، ثأرا لكرامتهم وصونا لشرفهم .
مضت شهور على تلك الحال، وفارس يهيم على وجهه في البراري لا يرى إلا طيف حليمة، ولا يلهج إلا باسمها، حتى صدق من لم يصدق سابقا قصة ليلى والمجنون، ومن ظن أنها ضرب من الخيال والمبالغات، بعد أن شاهد مثيلتها بأم عينيه .
ما كان أمام أبيه إلا أن يحاول يائسا قرع الأبواب الموصدة، والتعلق بأوهى الخيوط وإرسال الجاهات وتقديم الاعتذارات لأهل حليمة، علّهم يصفحون عن ولده أولا، ثم يمني نفسه في أن يوافقوا على خطبتها له ثانيا .
وما أدهش الناس وأذهلهم أنه وخلافا لما اعتادوه في هذه الحالات، فقد أبدى أهل الفتاة لينا وأريحية وصفحا لم يعهدوا مثله في مثل هذه الحالات، وأبلغوا الجاهة التي تكونت من مخاتير ووجهاء القرى المجاورة بتنازلهم عن مطالبتهم برأس فارس، وذهبوا في سماحتهم كل مذهب حينوا قبلوا به صهرا لهم يمكنه التقدم لخطبة ابنتهم أنّى يشاء.
عادت لفارس روحه التي فارقته زمنا، وظن أنه في حلم جميل، فكأنه لا يصدق ما سمعته أذناه، وأن ذلك الكابوس الثقيل من اليأس قد انزاح عن صدره، وبات يؤمل نفسه بقرب لقاء حليمة روحا وبدنا.
لم يتردد والد فارس لحظة، بل عزم على أن يطرق الحديد وهو حامٍ، فتقدم لخطبة حليمة لولده، وأقيمت الولائم والأفراح التي ما شهدت القريتان مثيلا لها من قبل ومن بعد .
لم يتأخر موعد الزفاف طويلا عن يوم الخطبة، بضعة أسابيع فقط .
بعدها توجهت قريتنا عن بكرة أبيها برجالها ونسائها، شيبها وشبابها، لتواكب العروس، إجلالا لقدر أهلها، وعرفانا بجميلهم وموفور كرمهم .
بعد عصر ذلك اليوم عاد أهالي قريتنا بعروسهم محمولة في هودج مزركش مزين بشتى الألوان، تحف به من كل جانب كوكبة من أشجع الفرسان، وخلفهم تهادى على مهله موكب المشاة والركبان حتى وصل قريتنا قبيل الغروب،حيث تواصلت الاحتفالات ولعلع الرصاص في كل مكان، وانعقدت حلقات الدبكة في ساحات القرية، وصدحت النايات بأعذب الألحان، وانطلقت مواويل(العتابا والميجنا والدلعونا) تملأ سماء القرية فرحا وتحيل ليلها نهارا، وأطلقت النساء زغاريدهن وأغنياتهن العذاب حتى انتصف الليل أو كاد. عندها أدخل العريس إلى عروسه التي كانت لا تزال متلفعة بعباءتها، متنقبة بشالها، مصرة أن لا تمتد يد لتكشف الغطاء عن وجهها قبل يد فارسها وزوجها .
دخل فارس على عروسه والدنيا لا تسعه من فرط فرحته وسروره، كأنه في حلم يخشى أن يفر من بين أجفانه إن استيقظ فجأة، فيطبق عينيه بقوة على حلمه البديع . وتقدم نحو حليمة، ومد يده ليزيح النقاب عن وجهها مؤملا أن يغوص عميقا في سحر تينك العينين الزرقاوين، ويلمس بيده ضفائر حليمة الشقراء التي طالما تغنى بها .
ويالهول ما طالعته عينا فارس عندما أزاح النقاب عن وجه عروسه، فما وجد أمامه سوى جارية شوهاء في مثل سواد الغراب. عقدت الدهشة والحيرة لسانه، فلم ينبس ببنت شفة . جلس على الأرض مسندا رأسه بكلتا يديه غير مصدق ما يراه، ظن للوهلة الأولى أن بصره قد زاغ، وأن عينيه تخدعانه، فاسترق نظرة خاطفة أخرى إلى الوجه الأكدر الماثل أمامه، فتيقن أنه أمام حقيقة وليس في حلم، ولبث على حاله ذاهلا شاردا لا يسعفه لسانه على النطق ، تتزاحم الأفكار السوداء في رأسه. يضيق صدره ولا ينطلق لسانه, يقلب النظر صامتا في أمر هذا الفخ الذي نصب له .
كيف يواجه أهله، والناس الذين سيفدون غدا للتهاني والتبريك ورؤية العروس؟
أيقول لهم إنها هذه هي التي جن في هواها، وهام بها حبا، وفضلها على كل بنات قريته !وكيف سيرفع رأسه بعد اليوم، وتقع عينه على عين أي فتاة أو فتى في القرية؟ وهل سيكونون إلا شامتين مستهزئين .
أوشك الفجر أن يطلع وهو على حاله منزوٍ في ركن الغرفة، مطرقا برأسه إلى الأرض لا يقوى على الكلام .
وقبل أن يلملم نفسه ويستجمع قواه ليغادر هاربا رجاها هامسًا:
- أرجوك قولي لي من أنت ؟
- أنا حليمة المطلق .
- أنت التي قابلتك على " بير الصفا " وسألتك عن اسمك ؟
- لا تلك ابنة الشيخ، ولكن اسمها حليمة المطلق أيضا مثل اسمي .
- وأين هي ؟
- لقد تزوجت الليلة أيضا، تزوجت من ابن عمها ذياب .
- وأنت من تكونين ؟
- أنا جارية الشيخ مطلق ووالدي راعي أغنامه.
أما الجارية فقد احتاروا في أمرها، هل يردونها من حيث أتت فيفضحون أنفسهم، ويعرضونها للسخرية، أم يحتجزونها لديهم ويخفون خبرها ؟
وأخيرا قر قرارهم على تزويجها لكهل من رعاتهم وتغييبها بين جدران حجرة داخلية لا يراها فيها أحد.
فيصل سليم التلاوي