د. صبرى محمد خليل - المنطق الفلسفي الاستخلافي: محاوله فى المنطق الفلسفي الإسلامي المعاصر

تعريف المنطق: كلمة منطق في اللغة العربية مشتقة من النطق أي الكلام، ولكن المقصود المعاني أو دلالات الألفاظ. وفي اللغات الأوربية نجد كلمة (Logic) مشتقة من كلمة ( Logoc) ( لوغوس) في اللغة اليونانية ، وتعني الكلمة والعقل ، والمعنى الاصطلاحي العلم الذي يبحث في قواعد العقل أي قوانين الفكر.

خصائص المنطق: واهم خصائص المنطق الصورية ، والمقصود بالصورية أن المنطق يبحث في صور الفكر أو شكله ، بصرف النظر عن مادته أو مضمونه.

المنطق فلسفة وعلم و فن:

أ‌- 1 / فلسفة المنطق: هي الأفكار أو المفاهيم " الكلية - المجردة"، السابقة على الكشف عن قوانين التفكير" علم المنطق و اشكاله " فن المنطق".، ويقع في إطارها البحث في طبيعة المنطق )تعريفه) وقيمته ووظيفته . وهنالك فلسفات لمنطق بمقدار ما هنالك من فلسفات

أ - 2 / المنطق الفلسفي: استخدم مصطلح "المنطق الفلسفي" بدلالات متعددة ، أهمها القضايا التى تناولها المنطق التقليدي " الارسطى"، ولا تقع فى إطار المنطق المعاصر"المتضمن للمنطق الرمزي و الرياضي". ونستخدمه للدلالة على هو فرع من فروع المنطق يقابل فلسفه المنطق فى الفلسفه،اى يتناول المفاهيم "الكلية - المجردة"ـ السابقه على الكشف عن قوانين التفكير واشكاله .

ب/علم المنطق :هو البحث في القوانين التي تضبط حركة التفكير ، وهي قوانين موضوعية بمعنى أنها ذات وجود سابق على معرفتها، وغير متوقف على هذه المعرفة . وحتمية بمعنى أن كل تفكير إنساني لا يخرج عنها ، إذ الخروج عنها يعني الجنون والهذيان. غير أن هذا لا يعني أن كل علم المنطق صحيح، فكون النظرية العملية لا يعني أنها صحيحة ،فثم نظرية علمية صحية وأخرى خاطئة، فكلاهما علمية بمعنى أنها بحث علمي ، ولكن قد تصدق أو لا تصدق في اكتشاف القانون الموضوعي.

ج/ فن المنطق : هو أشكال أو أنماط الفكر ، التي يجب أن تجئ على مقتضى قوانين المنطق لكن تكون صحيحة.

قوانين التفكير: وقوانين المنطق الأساسية ثلاثة:

1. الذاتية(ا هى ا)( الشجرة هى الشجرة).

2. عدم التناقض(ا ليست لا ا)(الشجرة ليست لا شجرة).

3. الثالث المرفوع(ا اما ا او ل اا).(الشجره هى اما شجره او لا شجره).

تطبيقات المنطق: وللمنطق تطبيقات معاصرة كثيرة منها : مناهج البحث بما هي القواعد الوضعية التي تحدد طرق العلم بالمشاكل العلمية، ونمط الفكر الذي يصوغ حلول هذه المشاكل فهي تنتمي إلى المنطق كفن، وعلم مناهج البحث قاعدة البحث في كل علم لذا تنتهي العلوم بكلمة (Logy) للدلالة على المنطق ككلمات(Biology Sociology ...) . ومنها الذكاء الاصطناعي وهو فرع من علوم الحاسوب الكمبيوتر يقوم على محاكاة التفكير الإنساني على الحاسوب ومن تطبيقاته الإنسان الآلي (الروبوت(.

موقف العلماء المسلمين من المنطق:

موقف الرفض المطلق
:
ويقوم على الرفض المطلق للمنطق ، دون تمييز بين المنطق كفلسفه وعلم وفن . ومن أشهر ممثليه ابن الصلاح في كتابه (الفتاوى) الذى يقول فيه عن المنطق ( واما عن المنطق فهو مدخل الفلسفة ، ومدخل الشر شر...) ( فتاوى ابن الصلاح ، طبعة القاهرة ، 1348 ، ص 35 ).

نقد:

· هذا الموقف يخلط بين علم المنطق وفلسفة المنطق، فالاول هو القوانين " السنن الالهيه بالتعبير القرانى " النوعيه التى تضبط الفكر الانسان. بينما الثانية هى تفسير معين لطبيعة المنطق ، يستند الى فلسفه معينه. فالمنطق بالمعنى الأول لا يخرج منه اى تفكير إنساني ، والدليل على ذلك ان ابن الصلاح نفسه بنى موقفه الرافض للمنطق على القياس وهو شكل من أشكال التفكير المنطقي: حيث يمثل تقريره ان" الفلسفه شر" مقدمة كبرى لحجه المنطقيه، بينما يمثل تقريره إن " المنطق مدخل الفلسفة " مقدمة صغرى لهذه الحجة المنطقيه، اما تقريره ان " المنطق شر" فهو نتيجه هذه الحجه المنطقية .اما المنطق بالمعنى الثانى (اى الفلسفة الأرسطية للمنطق التى تستند الى نظريات ميتافيزيقية تخالف العقيدة الإسلامية) فلا تثريب فى رفضه

· كما ان هذا الموقف يخلط – فى احيان كثيره - بين المنطق الأرسطي واللغه اليونانيه ، فى حين ان المباحث اللغوية هى جزء فقط من المنطق الأرسطي وليس كله، فالمنطق قوانين التفكير وليس قوانين اللغة.

الموقف التقويمى: ويقوم على التمييز بين فلسفة المنطق وعلم المنطق وفن المنطق . فقد يرفض هذا الموقف بعض فلسفات المنطق ، خاصة تلك التى تستند الى اسس ميتافيزيقية تخالف الأسس الميتافيزيقية الفلسفة المنطق .وفى ذات الوقت فان هذا الموقف يأخذ بالمنطق كعلم، أي كقوانين" سنن الالهيه بالتعبير القرانى " نوعية تضبط حركة الفكر ، مع تقرير إمكانية رفضه لنظريات منطقية معينة، لأن كون النظرية المعينة علمية لا يعني أنها صحيحة، ولكن معيار الرفض هنا هو كون هذه النظريات غير علمية او خاطئه. اما فن المنطق ان هذا الموقف قائم أخذ بعض أشكال التفكير التي جاء بها المناطقة " القدماء والمحدثين ، الغربيين او الشرقيين" ورفض بعضها وإضافة أخرى .فهو ينطلق من فرضية ان المنطق كفن غير مقصور على اشكال تفكير معينه،وان هذه الاشكال تتأثر بالسياق الحضاري.

ابن حزم: يرى ان المنطق لا غناء عنه للفقيه المجتهد (الفصل فى الملل والنحل، طبع المثنى ، بغداد، 1950، ج 2 ، ص 95). ولكنه يرفض النظريات الميتافيزيقية الأرسطية.

الغزالى:

قسم الفلسفة الى الرياضات والالهيات والمنطقيات والطبيعيات، ويرى ان المنطقيات أكثرها على منهج الصواب ، والخطأ فيها نادر (مقاصد الفلاسفة ص30). وأن غرضها تهذيب طرق الاستدلال ، وذلك مما يشترك فيه النظار. وان ما يحيط بها فلا ثقة بعلومه أصلا. وفى ذات الوقت فان الامام الغزالى أشار الى بعض أوجه القصور فى بعض الاشكال المنطقية الأرسطية. وحاول تأسيس فلسفه إسلامية للمنطق كما فى كتابه " القسطاس المستقيم" حيث حاول فيه استنباط الموازين الخمسة الثلاثه ( الثلاث الحمليات والشرطي المتصل والمنفصل) من القران الكريم.

ابن تيميه: هناك قراءة تضع ابن تيمية مع انصار موقف الرفض المطلق للمنطق الا أنها قراءه جزئية , فالقراءه الشامله تبين ان موقفه من المنطق هو موقف تقويمي يتضمن جانبين:

جانب سلبى: ويتضمن:

نقد فلسفه المنطق:

1- ان المنطق غير مفيد ( لا يحتاج إليه الذكي ولا ينفع به البليد). وهذا القول يخالف حقيقة ان علم المنطق اصبح احد المرتكزات الأساسية ، للعديد من العلوم كالرياضيات والهندسة والحاسوب...

2- ان المنطق لا يناسب العلوم الاسلاميه ، التى لها ما يناسبها منطق مستمد من اللغة العربيه. وهذا القول يخلط بين المنطق "الأرسطي" واللغه"اليونانيه". ورغم وجود ارتباط بين المنطق واللغة، الا ان المنطق هو قوانين الفكر وبينما اللغة هى وعاء الفكر.

3- ان المنطق لايزيل الخلاف. وهذا القول يخالف حقيقة ان غايه المنطق التفكير السليم، وليس إزالة الخلاف، مع كون المنطق يمكن ان يسهم فى تقليل مساحة الخلاف، فى حاله نجاحه فى تحقيق غايته .

نقد علم المنطق:

1- التعريف بالحد ليس مناسبا لكل أحوال التعريف .

2- طريقة التعريف بالحد لا تعطى علما بالموجود.

الجانب الايجابى:

ويتضمن قبول ما يراه صحيحا من منطق أرسطو, فقبل عموما نظريه القياس و نظرية اليقينيات .

كما يقرر ان للقران منهجا خاصا فى الإيمان والاستدلال يتلاءم مع الفطرة والمباحث العمليه.

المنطق الفلسفى الاستخلافى:

الحقيقه المطلقه ينفرد بها لله تعالى
:ينطلق المنطق الفلسفي الاستخلافي من تقرير فلسفه الحقيقة والمنطق الإسلامي أن الحق من صفات الألوهية " التى مضمونها ما دل على كونه تعالى غاية مطلقة"،وهو ما أشارت إليه الكثير من النصوص ، كقوله تعالى(أَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ الْمُبِينُ﴾(النور:25)، و(ثُمَّ رُدُّوا إِلَى اللَّهِ مَوْلاهُمُ الْحَقِ)(الأنعام:62). و بالتالي فان أولى نتائج تطبيق مفهوم التوحيد " توحيد الألوهية تحديداً " هو إفراد الحق المطلق او الحقيقة المطلقة " اى المستوى المطلق لقيمة الحق اوالحقيقة" لله تعالى .

الحقيقه المطلقه شهاديه وغيبيه :وهذه الحقيقة المطلقة تشمل الحقيقه الشهاديه التى موضوعها عالم الشهادة بدرجاته المتعددة ، والحقيقه الغيبية التى موضوعها عالم الغيب ، قال تعالى (عالم الغيب والشهادة العزيز الحكيم ﴾ ( التغابن: 18)

لا يجوز إسناد الحقيقة المطلقة لسواه تعالى: ويترتب على هذا ان - إسناد الحق المطلق او الحقيقة المطلقة" اى المستوى المطلق لقيمه الحق او الحقيقه" لسواه تعالى ، هو شرك في الألوهية " (شرك اعتقادي يتصل بالعقيده - عند المشركين- او شرك عملي يتصل بالسلوك كما عند بعض المسلمين)

ظهور الحق الالهى المطلق او الحقيقه الالهية المطلقة : ولهذا الحق الالهى المطلق – الحقيقة الالهيه المطلقة- شكلين من أشكال الظهور:

ظهور صفاتي: في عالم الشهادة " الحياة الدنيا" وله شكلين :

شكل تكويني " الحق التكوينى او الحقيقه التكوينيه ": يتمثل في الوجود الشهادى الشامل للكون المسخر والإنسان المستخلف ـ والسنن الالهيه " الكليه او النوعيه " التى تضبط حركته ، (وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ بِالْحَقِّ) (مَا خَلَقَ اللَّهُ ذَٰلِكَ إِلَّا بِالْحَقِّ)

المنطق التكوينى(علم المنطق): ويتضمن هذا الحق التكوينى او الحقيقه التكوينيه المنطق التكوينى، بما هو الكشف عن القوانين - السنن الالهيه الالهيه بالتعبير القرانى- النوعيه التى تضبط حركه التفكير الانسانى ، فهو يقابل علم المنطق .ومصدره هو هذه القوانين – او السنن الالهيه النوعيه وليس القران ذاته، وقد اشار القران الكريم لبعض هذه القوانين ، كاشارته لقانون عدم التناقض فى قوله تعالى(أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافًا كَثِيرًا )( النساء: 82)، ولكن من باب ضرب الامثله ، ومن اجل حث المسلمين على الكشف عن هذه القوانين فى الفكر وليس فى القران ذاته ،قال تعالى﴿ قد خلت من قبلكم سنن فسيروا في الأرض فانظروا كيف كان عاقبة المكذبين ﴾ [ آل عمران: 137] ، فالقران الكريم هو كتاب لهدايه الناس لما فيه صالحهم فى كل زمان ومكان وليس كتاب فى علم المنطق او غيره من العلوم كما فهم البعض خطا.

الحق التكليفي او الحقيقه التكليفيه : ويتمثل في الوحى والمفاهيم والقيم والقواعد الكلية ، التى ينبغي ان تضبط حركه الانسان عند اتخاذه قيمه الحق الالهيه مثل اعلى مطلق ، يسعى لتحقيقه فى الارض، دون ان تتوافر به امكانية التحقيق النهائى لها لانها مطلقه ،(لَقَدْ جَاءَتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِالْحَقِّ). (وأنزل معهم الكتاب بالحق ).

المنطق التكليفى"فلسفه المنطق": ويتضمن مجموعة القواعد الكلية التى تولى بيانها الوحى، والتى تحدد نمط الفكر الذى يصوغ الحلول النظرية للمشاكل التى يواجهها الانسان ، فهو يقابل فلسفه المنطق.

مفهوم التسخير: مضمونه هنا ان الأشياء والظواهر التي لها درجة التسخير تظهر صفه الحق الالهيه على وجه الإجبار، فهي دائماً آيات دالة على الحق المطلق لله تعالى.فهو يشير الى أول درجات الظهور الصفاتى للحق الإلهي المطلق (لخلق السموات والأرض أكبر من خلق الناس ولكن أكثر الناس لا يعلمون)

مفهوم الاستخلاف: مضمونه هنا هو إظهار الإنسان لصفة الحق الإلهية في الأرض ، بتوحيد الإلوهية "على الوجه السابق بيانه". والعبادة التى لها معنى خاص ومعنى عام مضمونه هنا اتخاذ صفة الحق الألهية مثل أعلى مطلق يسعى الإنسان إلى تحقيقه في الأرض - دون ان تتوافر له إمكانية التحقيق النهائى له كما اشرنا سابقا- ولا يعني هذا إلغاء الحق اوالحقيقه الإنسانية بل تحديدها- كما يحد الكل الجزء فيكمله ويغنيه - وذلك باتخاذ مقتضى صفة الحق الإلهية التكويني " السنن الإلهية الكلية والنوعية" والتكليفي "مفاهيم وقيم وقواعد الوحي الكلية" ضوابط موضوعية مطلقة للحقيقه الإنسانية (فمن يهدي إلى الحق أحق أن يتبع أمن لا يهدي إلا أن يهدى )

الظهور الذاتي " التجلي" للحق الالهى المطلق: في عالم الغيب (المتضمن للحياة الآخرة) ،وقد عبرت عنه النصوص بصيغ مختلفة ، كما فى قوله تعالى﴿يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُم بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴾ (النور:٢٤).


د. صبرى محمد خليل/ أستاذ فلسفه القيم الاسلاميه فى جامعه الخرطوم
[email protected]

الموقع الرسمي للدكتور/ صبري محمد خليل خيري | دراسات ومقالات: https://drsabrikhalil.wordpress.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى