د. صبري محمد خليل خيري - فلسفة الاستخلاف: محاوله فى الفلسفه الاسلاميه المعاصره

تمهيد: هذه الدراسه هى محاوله فى الفلسفه الاسلاميه المعاصره، تنطلق من محاوله الربط بين الفلسفه الاسلاميه ، ومفهوم الاستخلاف القرانى ،بأبعاده المتعددة الحكمية " الفلسفية " والمنهجية والمعرفية - مع التركيز على أبعاده الحكميه " الفلسفيه" ، باعتبار ان الفلسفه الاسلاميه محل الدراسه تتمثل فيها– لذا اطلقنا على هذه المحاوله اسم " فلسفه الاستخلاف " . [/SIZE]
طبيعه فلسفه الاستخلاف: فلسفة الاستخلاف هى فلسفة اسلامية معاصرة ، ذات طبيعة انسانية -روحية " دينية "، وسطية متجاوزة لكل من الفلسفات المادية والمثالية .

ا/ اسلاميه: والمقصود بكون هذه الفلسفة إسلامية انها اجتهاد مقيد بالنص ، وليس كونها نص" يقيني الورود قطعي الدلالة " .

ب/ معاصره: اما المقصود بكون هذه الفلسفة معاصرة انها :

اولا: تتجاوز موقفي الرفض والقبول المطلقين ، من الإسهامات الفلسفية للمجتمعات الأخرى المعاصرة لنا، إلى موقف نقدي يرفض من هذه الإسهامات ، ما تناقض مع أصول الدين النصية الثابتة ”على المستوى النظري ” ، وواقع المجتمعات المسلمة “على المستوى العملي” ، ويأخذ ما اتسق معهما.

ثانيا: انها تهدف - طبقا لمستواها التطبيقى " المذهبى " - إلى وضع حلول للمشاكل- المشتركة - التي يطرحها واقعنا الزمانى والمكاني.

ج/ذات طبيعة إنسانية – روحية " دينية " : وفلسفه الاستخلاف فلسفة ذات طبيعة إنسانية – روحية " دينية " لأنها قائمه على التأكيد على قيمه الوجود الانسانى، وإثباتها لهذا الوجود بأبعاده المتعددة، كوجود محدود تكوينيا بالسنن الالهيه ، التي تضبط حركه الوجود" الشهادى "، وتكليفيا بالمفاهيم والقيم والقواعد الكليه التى مصدرها الوحى .

د/ العلاقة بين الوجودين الالهى والانسانى تحديد وتكامل وليس إلغاء وتناقض : وهي تجعل العلاقة بين الوجود الالهى والوجود الانسانى- بأبعاده المتعددة - علاقة تحديد وتكامل، وليست علاقة إلغاء وتناقض كما في الفلسفات الانسانيه الغربية . كما أنها قائمه على أن الوجود الانسانى “ المستخلف” ليس وجود بسيط ، بل هو وجود مركب من أبعاد ماديه”حسية شهاديه” وروحيه”غيبيه” متفاعلة ، وضرورة تحقيق التوازن بين هذه الأبعاد المتعددة- استنادا إلى مفهوم الوسطية – فهى ترفض إشباع حاجاته المادية وتجاهل حاجاته الروحية "وهو ما يلزم من الفلسفات المادية " . كما ترفض إشباع حاجاته الروحية وتجاهل حاجاته المادية " وهو ما يلزم من الفلسفات المثالية "، وتدعو إلى إشباع حاجاته المادية والروحية معا (وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الآخِرَةَ وَلا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا...)(القصص:77) .

تعريف فلسفه الاستخلاف: هى محاولة لتحديد العلاقة بين أطراف علاقة الاستخلاف " والتى هى فى ذات الوقت محاور الوجود الرئيسية " : المستخلف " بكسر اللام" ( الله تعالى)، والمستخلف " بفتح اللام " (الإنسان)، والمستخلف فيه (الكون). وذلك باتخاذ المفاهيم ألقرانيه الكلية " التوحيد والاستخلاف والتسخير" مسلمات أولى ، ثم محاوله استنباط النتائج الفلسفية لهذه المفاهيم ، متخذه من اجتهادات أهل السنة "بمذاهبهم المتعددة" العقدية "الكلامية " – نقطة بداية- وليس نقطه نهاية – لهذا الاجتهاد.

الانطلاق من مفهوم الحكمه القرانى: وتنطلق فلسفة الاستخلاف من الحكمة كمفهوم اسلامى للفلسفة، استنادا الى ان بعض دلالات مصطلح " الحكمة " القرآني ، تقابل الدلالة الاصلية لمصطلح " فلسفة " في الفكر الفلسفى الغربي ، وهذا ما يمكن استنباطه من ورود المصطلح في القرآن بمعاني كالعقل والعلم والفهم والإصابة في القول... ولا يعنى ذلك عدم جواز استخدام مصطلح " الفلسفة " ، طالما ان المصطلح بستخدم بدلاله لا تتناقض مع مفاهيم وقيم وقواعد الوحي الكلية ، لان العلماء قرروا قاعدة " لا مشاحة في الألفاظ بعد معرفة المعاني" .

فلسفة الاستخلاف وبعض المفاهيم الفلسفية:

مفهوم العقل:
وتنظر فلسفة الاستخلاف إلي العقل باعتباره نشاط او فاعلية معرفية ، استنادا الى انه يرد في القران الكريم لفظ عقل بصيغة الاسم ، بل ورد بصيغة الفعل " يعقل، تعقلون، يعقلون..."، وهى تعتبر ان العقل كفاعليه معرفيه محدود "مقيد": اولا: بالوحي في إدراكه لعالم الغيب المطلق عن قيود الزمان والمكان . ثانيا: بالحواس في إدراكه لعلم الشهادة المحدود زمانا و مكانا.

مفهوما الميتافيزيقا والغيب: وفلسفة الاستخلاف ترفض بعض الدلالات " الخاطئه " لمصطلح الميتافيزيقا ، ولكنها تقبل دلالة معينه للمصطلح ، مضمونها الإيمان بأن الوجود لا يقتصر على الوجود الشهادي ، المحدود بالحركة خلال الزمان والتغيير في المكان، ويمكن للإنسان أن " يشاهده" بحواسه ، وبالتالي يدركه بوعيه ، بل يمتد ليشمل الوجود الغيبي – اى غائب عن حواس الإنسان ، وبالتالي عن إدراكه وتصوره- بشكليه : المحدود غير القائم بذاته "كوجود الملائكة" ، والمطلق القائم بذاته " وجود الله تعالى" . وتقر بضرورة الميتافيزيقا طبقا لهذه الدلالة (الإيمان بالغيب)

مباحث الفلسفة الاساسيه فى فلسفة الاستخلاف:

اولا: نظريه الوجود:
تستند فلسفة الاستخلاف إلى نظرية في الوجود ، تنطلق من المفاهيم القرانية الكلية الثلاثة: التوحيد والتسخير والاستخلاف.

مفهوم التوحيد: ومضمون مفهوم التوحيد إفراد الربوبيه والالوهيه لله تعالى ، فهو بالتالي ينقسم إلى توحيد الربوبية ، الذي مضمونه أن الله تعالى ينفرد بكونه الفاعل المطلق، اى الدائم كونه فاعلا فتعبير ابن تيميه ، و توحيد الإلوهية الذى مضمونه أن الله تعالى ينفرد بكونه الغاية المطلقة ، اى الغاية المطلوب بتعبير ابن تيميه. فالتوحيد بقسميه " توحيد الربوبية و الالوهية" يتعلق إذا بإفراد الوجود المطلق " فعلا وغاية" لله تعالى. ولهذا الفعل المطلق الذي عبر عنه القران الكريم بمصطلح " الربوبية "، شكلين من اشكال :

اولا: ظهور صفاتى : ومضمونه أن عالم الشهادة قائم على ظهور صفات الربوبية " اى ما دل على الفعل المطلق لله تعالى"، ولهذا الظهور ايضا شكلين:

الشكل الأول: التكويني: يتمثل في الكون، والسنن الإلهية التي تضبط حركته ، يقول ابن تيميه(المخلوقات كلها آيات للخالق والفرق بين الايه والقياس إن الايه تدل على عين المطلوب الذي هو أيه وعلامة عليه)(مجموع الفتاوى: 1/48 ).

ظهور صفه الخلق : ويتضمن هذا الشكل التكوينى للظهور الصفاتى ظهور صفه الربوبيه ( الخلق) ، اى ظهور الفعل المطلق في الإيجاد، والذي ينفرد به الله تعالى، في عالم الشهادة المحدود بالزمان والمكان، ومضمونه إيجاده للنوع المعين "المخلوق" ،في عالم الشهادة المحدود بالزمان والمكان، بعد أن كان غائباً عنه في عالم الغيب المطلق عن قيود الزمان والمكان، فهو "عند الله" إنزال هذا النوع من درجات الوجود المطلق "عالم الغيب"، إلى الوجود المحدود" عالم الشهادة" ، لذا عبر القران عن الخلق في بعض المواضع بالإنزال كما في قوله تعالى (وأنزلنا الحديد فيه بأس شديد …) .

التمييز بين الخلق والجعل: وقد ميز القران الكريم بين مصطلحي الخلق والجعل، دون أن يفصل بينهما، مع تأكيده الارتباط بينهما، ومرجع هذا التمييز أن مصطلح الخلق في القران يشير إلى مجمل الفعل المطلق في الإيجاد الذي ينفرد به الله تعالى، كما يشير إلى ظهور هذا الفعل المطلق ، في عالم الغيب المطلق عن قيود الزمان والمكان كما في قوله تعالى (الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ) ( الأنعام :1) ، أما مصطلح الجعل في القران فيشير إلى ظهور هذا الفعل المطلق في عالم الشهادة المحدود في الزمان والمكان، كما في قوله تعالى (وَجَعَلْنَا فِيهَا جَنَّاتٍ مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنَابٍ وَفَجَّرْنَا فِيهَا مِنَ الْعُيُونِ) ( يس : 34) .

اشكال الخلق: وهذا الظهور للفعل المطلق في الإيجاد " الخلق" ، لا يأخذ شكل واحد، بل اشكال متعددة ،بعضها متصل بعالم الغيب "المطلق"، وبعضها متصل بعالم الشهاده "المقيد" .

اولا: شكل متصل بعالم الغيب:

الأمر:
وهو امر لا يتم في زمان أو مكان، قال تعالى(إنما أمره أراد شيئاً أن يقول له كن فيكون).

ثانيا: اشكال متصله بعالم الشهاده:

ا/ التسوية
: وهو جعل النوع في أحسن الهيئات ، قال تعالى(الَّذِي خَلَقَ فَسَوَّى وَالَّذِي قَدَّرَ فَهَدَى )،يقول ابن كثير في تفسير الايه ( أَيْ خَلَقَ الْخَلِيقَة وَسَوَّى كُلّ مَخْلُوق فِي أَحْسَن الْهَيْئَات…) .

ب/ التقدير: وهو إيجاد فعلي للنوع المعين، في عالم الشهادة القائم على السببية، بعد إيجاد شروط (أسباب) وجوده ، قال تعالى (وما من شئ إلا عندنا خزائنه وما ننزله إلا بقدر معلوم) .

ج/ الهدايه : وهو ضبط حركة النوع المعين بسنن إلهية كلية ونوعية بعد إيجاده، قال تعالى (الذي أَعْطَى كلَّ شيء خَلْقَه ثم هَدَى) ، وورد في (لسان العرب) (من أَسماء الله تعالى سبحانه: الهادي؛ قال ابن الأَثير: هو الذي بَصَّرَ عِبادَه وعرَّفَهم طَريقَ معرفته حتى أَقرُّوا برُبُوبيَّته، وهَدى كل مخلوق إِلى ما لا بُدَّ له منه في بَقائه ودَوام وجُوده).

الشكل الثانى: تكليفى: اما الشكل الثانى للظهور الصفاتى فيتمثل في الوحي ومفاهيمه وقيمه وقواعده الكلية .

درجات الوجود الشهادى: وللوجود الشهادى درجتان هما:

اولا: الوجود التسخيرى " الطبيعي": والذى يمكن تفسيره من خلال مفهوم التسخير، والذى مضمونه أن الأشياء والكائنات - التي لها درجه التسخير- تظهر صفات ربوبية والوهيه الله تعالى ، على وجه الإجبار ، فهي دائما آيات داله على وجوده المطلق .

ثانيا : الوجود الاستخلافى "الانسانى": والذى يمكن تفسيره من خلال مفهوم الاستخلاف ،والذى مضمونه إظهار الإنسان لربوبية وإلوهيه الله تعالى في الأرض ،على المستوى الصفاتى، على وجه الاختيار، وهو ما يكون بالعبودية والعبادة. وإظهار صفات الالوهيه يكون بتوحيد الالوهيه والعبادة ، وللاخيره معنى خاص ومعنى عام ، ومضمون الأخير كل فعل الغاية المطلقة منه الله تعالى. أما إظهار صفات الربوبية فيكون بتوحيد الربوبية والعبودية، والاخيره تعنى تحديد الفعل الانسانى " وليس إلغائه ".

ثانيا: ظهور ذاتي : ومضمونه ظهور ذات الفعل المطلق ، وقد عبر عنه القران بمصطلح "التجلى"، ولهذا الظهور الذاتي شكلين:الشكل الأول :مقيد: ويتم في الحياة الدنيا وله شكل تكويني يتمثل في معجزات الأنبياء، وشكل تكليفي يتمثل في نزول الوحي على الأنبياء.الشكل الثاني : مطلق: ويتم في الاخره ، فالحياة الاخره هي درجه من درجات الوجود ، قائمه على الظهور الذاتي " التجلي" ، هذا التجلى يترتب عليه تغيير الوجود الشهادى المحدود بالزمان والمكان ،والقائم على الظهور الصفاتى، بوجود غيبي، قائم على الظهور الذاتى ، غير أن هذا الظهور الذاتي أو التجلي " بالنسبة إلي الناس" ليس شاملا لجميعهم، بل هو مقصور على المؤمنين، وهو ما عبر عنه أهل السنة برؤية المؤمنين ربهم يوم القيامة.

ثانيا: نظريه المعرفه: كما تستند فلسفه الاستخلاف إلى نظريه في المعرفة مضمونها أن العلم صفة ألوهية،وبالتالي ذات مضمون دال على كونه تعالى غاية مطلقة ،وهذه الصفة تظهر في عالم الشهادة من خلال شكلين:

ا/ شكل تكويني: يتمثل في عالم الشهادة"المتضمن للكون المسخر والإنسان المستخلف" كمصدر للمعرفة – والإحساس والتفكير المجرد (التذكر والإدراك والتصور) والرؤية الصادقة كوسائل لمعرفته.

ب/ شكل تكليفي: يتمثل في عالم الغيب كمصدر للمعرفة والوحي كوسيلة لمعرفته .

ثالثا: نظريه القيم: كما تستند فلسفه الاستخلاف إلى نظريه في القيم مضمونها التمييز بين نوعين من القيم: قيم مطلقة تمثل المستوى المطلق للقيمة مصدرها الله تعالى" المستخلف بكسر اللام"، وقيم محدودة تمثل المستوى المحدود للقيمة مصدرها الإنسان" المستخلف بفتح اللام" ، وهذا التمييز بين النوعين من القيم - أو بين المستويين من مستويات القيمة - مصدره توحيد الإلوهية، إذ انه قائم على إفراد المطلق من الصفات- القيم "كالعدل والرحمة والحكمة والعلم..."لله تعالى، فالإلوهية لا تنصب على هذه الصفات في ذاتها ، بل على المطلق منها "باعتبار أن مضمونها كونه تعالى الغاية المطلقة". أما الجمع بين نسقى القيم: " المطلقة/الموضوعية/المعيارية /الغائية"، و"النسبية/ الذاتية /الوصفية /الوسليه" ، فيتم طبقا لمنهج المعرفة الاسلامى ،وسنه " الكدح إلى الله " والتي مضمونها " التكليفى "أن حركه الإنسان تاخذ شكل فعل غائي محدود بفعل مطلق"الربوبية" وغاية مطلقه " الالوهيه "، ومضمون الاخيره أن الله تعالى ينفرد بكونه غاية مطلقة ، وأن صفات إلوهيته هي قيم مطلقة ،يسعى الإنسان لتحقيقها في واقعه المحدود، دون ان تتوافر له أمكانيه التحقيق النهائى لها.

مباحث الفلسفة الفرعية فى فلسفة الاستخلاف:

فلسفه العلم:
وتستند فلسفه الاستخلاف الى فلسفه علم تكاد تتطابق مع نظريه المعرفه المشار اليها اعلاه، لانها تنطلق ايضا من العلم كصفه الوهيه ، وتستند الى ذات المفاهيم الكليه "التوحيد والتسخير والاستخلاف ، وطبقا لهذه المفاهيم الكليه فانه يمكن تقسيم العلوم الى الانماط التاليه:

(1) علم التوحيد:وهو ما يقابل الدراسات الدينية في الفكر الغربي

(2)علوم الاستخلاف : وهى ما يقابل الدراسات الانسانيه في الفكر الغربي وتنقسم إلى:

(ا) علوم الاستخلاف التكويني : وهى ما يقابل العلوم الانسانيه في الفكر الغربي

(ب)علوم الاستخلاف التكليفى: وهى ما يقابل فلسفه العلوم الانسانيه في الفكر الغربي.

(3)علوم التسخير: وهى ما يقابل العلوم الطبيعية في الفكر الغربي .

الفلسفه السياسيه: كما تستند فلسفة الاستخلاف الى فلسفة سياسية تنطلق من جمله من المفاهيم والقيم والقواعد الكلية ، التي مصدرها النصوص اليقينية الورود القطعية الدلالة ،والتى تضبط النشاط السياسى للمجتمع ومنها :

أولا: التوحيد وإسناد الحاكمية " السيادة - السلطة المطلقة " لله .

ثانيا: الاستخلاف وإسناد الأمر(السلطة) للجماعة. أما الحاكم فنائب ووكيل عنها، لها حق تعيينه ومراقبته وعزله .

وقد وضعت الفلسفه السياسيه الاسلاميه القواعد الكليه للسلطة ، وهى المساواة العدل الشورى ، أما كيفيه قيام السلطة في زمان ومكان معينين ، فقد تركت للمسلمين أمر الاجتهاد فيها ، بما في ذلك الاستفادة من إسهامات المجتمعات الأخرى ، بشرط عدم تناقضها مع اصول الدين النصيه الثابته.

الفلسفة الاقتصادية : كما تستند فلسفه الاستخلاف الى فلسفة اقتصادية تنطلق من جمله من المفاهيم والقيم والقواعد الكلية، التي مصدرها النصوص اليقينية الورود القطعية الدلالة،والتى تضبط النشاط الاقتصادى للمجتمع ومنها:

أولا:التوحيد وإسناد ملكية المال" اى حق التصرف المطلق فيه " لله تعالى.

ثانيا:الاستخلاف واستخلاف الجماعة في الانتفاع بالمال، وهو ما يتحقق من خلال

(ا) تقرير أن للجماعة حق الانتفاع بمصادر الثروة الرئيسية دون الفرد ، (ب) تولى الدولة إدارة إنتاج هذه المصادر باعتبارها وكيل للجماعة ونائب عنها .

(ج) أما ما دون مصادر الثروة الرئيسية ، فان للجماعة أن تتركه حقا ينتفع به الفرد يشرط عدم تناقضه مع مصالحها.

الفلسفه الاجتماعيه: كما تستند فلسفه الاستخلاف الى فلسفة اجتماعية تنطلق من جمله من المفاهيم والقيم والقواعد الكلية، التي مصدرها النصوص اليقينية الورود القطعية الدلالة ، والتى تضبط النشاط الاجتماعى للمجتمع ومنها:

الاستخلاف الاجتماعى واطواره : الاستخلاف الاجتماعى هو أبدال وتغيير قوم بقوم آخرين، ومن أدلته قوله تعالى﴿ وَاذْكُرُواْ إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَاء مِن بَعْدِ عَادٍ ﴾ ( الأعراف:74). وهو شكل من اشكال الاستخلاف التكوينى ، الذى مضمونه أن الله تعالى أودع في الإنسان إمكانية تحقيق الاستخلاف في الأرض ، لانه اودع فيه أمكانيه معرفه والتزام السنن إلالهيه التي تضبط حركة الوجود، كما فى قوله تعالى﴿ ثُمَّ جَعَلْنَاكُمْ خَلَائِفَ فِي الْأَرْضِ مِن بَعْدِهِمْ لِنَنظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ ﴾(يونس: 14). والاستخلاف الاجتماعي لا يتم جملة واحدة ، بل خلال أطوار نامية خلال الزمان، وهي :

(ا) طور الاسره : وقد ردت الاشاره اليه فى العديد من الايات كقوله تعالى ﴿ وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا ﴾ ، والاسره أيضا وحده تكوين أساسيه لكل الأطوار التالية، وبالتالي غير قابله للتجاوز.

(ب) طور العشيرة: وقد وردت الاشاره اليه فى قوله تعالى﴿ وانذر عشيرتك الأقربين﴾.

(ج - د ) أطوارالقبيلة والشعب: وقد وردت الاشاره اليهما فى قوله تعالى ( وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا).

(ه) طور أمه التكوين" أو الطور القومي": وهنا يجب التمييز "وليس الفصل" بين دلالتين لمصطلح امه:

ا/ أمه التكليف : و مناط الانتماء إليها العقيدة .

ب/أمه التكوين : ومناط الانتماء إليها معيارين:

أولا:معيار اللسان "اللغه": وقد وردت الاشاره اليه فى العديد من النصوص كقوله تعالى ( وَمِنْ آَيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِلْعَالِمِينَ)( الروم:22 ) ، و كقوله ( صلى الله عليه وسلم) (يا أيها الناس إن الرب واحد، والأب واحد، وليست العربية بأحدكم من أب ولا أم، وإنما هي اللسان، فمن تكلم بالعربية فهو عربي )(رواه ابن عساكر:3/ 203) ، يقول الإمام ابن تيميه عن الحديث أن (...معناه ليس ببعيد، بل هو صحيح من بعض الوجوه )( الاقتضاء ، طبع الأنصار ، ص169) ...

ثانيا:الاستقرار في الأرض الخاصة "الديار": وقد وردت الاشاره اليه فى العديد من الايات كقوله تعالى:﴿ لا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ ﴾( الممتحنة:8) .

(و) طور العالمية: وهو غايه الاستخلاف الاجتماعى النهائيه ، ووحدات تكوينه هى الامم.

ثانيا:التوازن بين الفرد والجماعه: والفلسفه الاجتماعيه الاسلاميه تقوم على التوازن بين الفرد والجماعة ، من خلال التأكيد علي ان الجماعة بالنسبة للفرد ، كالكل بالنسبة للجزء، تحده فتكمله وتغنيه ولكن لا تلغيه ، وهو ما اشارت اليه العديد من النصوص ، كقوله (صلى الله عليه وسلم) (مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى) ) اخرجه مسلم، كتاب البر والصلة والآداب، باب تراحم المؤمنين وتعاطفهم وتعاضدهم، " 4/ 1999" ، برقم: "2586"، والبخاري، كتاب الأدب، باب رحمة الناس ) ، فهى وسط بين الفلسفات الاجتماعيه الفردية، التي تتطرف فى التاكيد على الوجود الفردى لدرجه الغاء الوجود الجماعى " كالفلسفة الليبرالية " – وهو التطرف الذى رفضته العديد من النصوص كقوله (صلى الله عليه وسلم) (...فإن الذئب يأكل القاصية. )( رواه أحمد في المسند ، وأخرجه أبو داود، والنسائي، وحسنه الألباني) - . وبين الفلسفات الاجتماعية الجماعية ، التى تتطرف فى التاكيد على الوجود الجماعى لدرجه الغاء الوجود الفردى" كالفلسفة الماركسية " – وهو التطرف الذى رفضته العديد من النصوص كقوله (صلى الله عليه وسلم) (لا يكُنْ أحَدُكمْ إمَّعَة، يقول: أنا مع الناس، إن أحْسنَ الناسُ أحسنتُ، وإن أساؤوا أسأتُ، ولكن وَطِّنُوا أنفسكم إن أحسنَ الناسُ أن تُحْسِنُوا، وإن أساؤوا أن لا تَظلِمُوا)( أخرجه الترمذي عن حذيفة).

[SIZE=18px]المستوى التطبيقى لفلسفه الاستخلاف: ويتمثل فى البعد المذهبي لمفهوم الاستخلاف، اى الاستخلاف كمذهب " اى كمجموعه من الحلول للمشاكل التي يطرحها الواقع المعين". فقد اشار القران الكريم أشار إلى الوعد الالهى باستخلاف أمه التكليف بأممها وشعوبها التكوينية المتعددة في قوله تعالى (وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ ...)(النور:55). و الايه تتضمن الاشاره إلى أنواع متعددة من الاستخلاف هي :
أولا: الاستخلاف الاصلى"المثال" : ويتضمن أيضا نوعين من أنواع الاستخلاف:
ا/ الاستخلاف النبوي(المثال الاتباعى).
ب/الاستخلاف الراشدي(المثال الاقتدائى) .
ثانيا:الاستخلاف التبعى (استخلاف الامه بعد الخلافة الراشدة): ويتضمن هذا الاستخلاف أيضا أنواع متعددة من الاستخلاف:
ا/ استخلاف الامه في الماضي(استخلاف الامه الأول) : وهو استخلاف الامه بعد الخلافة الراشدة، وقد كان قائما على الاتصال الزمانى بالاستخلاف المثال بنوعيه النبوي” والاقتدائى”الراشدي”، كما كان قائما على الاتصال المتناقص بالاستخلاف المثال بنوعيه ، بمعنى انه تضمن انقطاع قيمي تدريجي عنه.
ب/ استخلاف الامه في الحاضر (استخلاف الامه الثاني): وهو استخلاف الامه في الحاضر ، وتحققه يكون بعد انقطاع زماني وقيمي عن الاستخلاف المثال بنوعيه ، وأدله هذا النمط من أنماط الاستخلاف تشير إلى عدد غير معلوم من أنماط الاستخلاف .
ج/ استخلاف الامه في المستقبل(استخلاف الامه الأخير) : وهو استخلاف الامه آخر الزمان- والذي هو ممكن الوقوع في كل زمان- وهو مرتبط بظهور اشراط الساعة
شروط الاستخلاف: وتنقسم الى
اولا: شروط نصية مطلقة : وتتضمن مفاهيم وقيم وقواعد الوحي الكلية.
ثانيا: شروط اجتهادية مقيدة : تتضمن أهداف الاراده الشعبية العربية "الحرية والعدالة الاجتماعية والوحدة والاصاله والمعاصرة"، والتي يتضمن تأصيلها:
اولا: أنها تطبيق لقيم دعا إليها الإسلام :
ا/ فقد أكد المنظور القيمى الإسلامى على قيمه الحرية بأبعادها المتعددة قال عمر بن الخطاب ( رضى الله عنه )( متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهم أحراراً) (فتوح مصر ، ص 290 )
ب/ كما اعتبر المنظور الاجتماعي والاقتصادى الاسلامى أن العدل الاجتماعي غاية للنشاط الاقتصادي للفرد والدولة ”كممثل للمجتمع” ، وذلك من خلال تقريره لشرطي العدل الاجتماعي: الشرط الاول هو تكافؤ الفرص، ومثال له قول عمر بن الخطاب (رضي الله عنه) ( والله ما احد أحق بهذا المال من احد ، وما من احد إلا وله نصيب في هذا المال نصيب أعطيته أو منعته)، والشرط الثاني هو عدالة توزيع الثروة ،ومثال له روي أن ابوعبيدة تحدث يوماً مع عمر(رضي الله عنه) في استخدام الصحابة في العمل فقال ( أما إن فعلت فأغنهم بالعمالة عن الخيانة ) .

ج/ كما حثت النصوص المسلمين على الوحدة- بشكليها التكليفى "الديني" والتكويني" السياسي" ، كما في قوله تعالى (واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا) .

ثانيا: ان السياسة الشرعية هي ما كل يحقق مصلحه الجماعة ولو لم يرد فيه ، يقول ابْنُ عَقِيلٍ(السِّيَاسَةُ مَا كَانَ فِعْلاً يَكُونُ مَعَهُ النَّاسُ أَقْرَبَ إلَى الصَّلَاحِ، وَأَبْعَدَ عَنْ الْفَسَادِ، وَإِنْ لَمْ يَضَعْهُ الرَّسُولُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَلَا نَزَلَ بِهِ وَحْيٌ)( ابن القيم / كتاب الطرق الحكمية في السياسة الشرعيه).



د. صبرى محمد خليل/ استاذ فلسفة القيم الاسلامية فى جامعة الخرطوم
[email protected]



________________________
الموقع الرسمي للدكتور/ صبري محمد خليل خيري | دراسات ومقالات الموقع الرسمي للدكتور صبري محمد خليل خيري[/SIZE]

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى