بهاء المري - حكم محكمة جنايات الإسكندرية في قضية رية وسكينة 1921 (*)

- وقعت أحداث قتل 17 امرأة في الفترة من نوفمبر 1919 إلى 12 نوفمبر 1920 وصدر الحكم في 16 مايو 1921. ولم يكن القتل لعساكر الإنجليز - بدافع وطني - كما أشاعت الميليشيات الإلكترونية للجماعات الإرهابية وإنما بقصد سرقة مصوغاتهن الذهبية.
بسم الله الرحمن الرحيم
باسم صاحب العظمة فؤاد الأول سلطان مصر
محكمة جنايات الإسكندرية
المُشكلة علنا تحت رئاسة حضرة صاحب السعادة أحمد موسى باشا وحضور حضرات مستر هل ووصفي سميكة مستشارين بمحكمة الاستئناف الأهلية وسليمان عزت بك رئيس النيابة وعلي فهمي كاتب المحكمة.
أصدرت الحكم الآتي
في قضية النيابة العمومية نمرة 43 لسنة 1921
المقيدة بجدول المحكمة بنمرة 93 لسنة 1921
ومحمد أحمد رمضان زوج فاطمة بنت محمود عبد ربه مدعي بحق مدني وحاضر معه بالجلسة حصريا محمد بك أبو شادي ومحمد حسيب المحاميان الأول متطوعا للدفاع عنه والثاني مندوبا بقرار صادر في 28 فبراير 1921 من لجنة المعافاة بمحكمة الإسكندرية الابتدائية الأهلي.
ضد
(1) رية بنت علي عمرها 45 سنة وصناعتها متزوجة وسكنها اللبان
(2) سكينة بنت علي عمرها 57 سنة وصناعتها متزودة وسكنها اللبان
(3) حسب الله سعيد عمره 27 سنة وصناعته عامل وسكنه اللبان
(4) محمد عبد العال عمره 25 سنة شغال في المكابس وسكنه اللبان
(5) عرابي حسان 26 سنة معلم في البحر وسكنه اللبان
(6) عبد الرازق يوسف 30 سنة عربجي وسكنه اللبان
(7) سلامة محمد خضر الكبت 30 سنة سماك وسكنه اللبان
(😎 أمينة بنت منصور 60 سنة خالية وسكنها اللبان
(9) محمد علي القادوس الشهير بالنص 52 سنة وسكنه اللبان
(10) علي محمد حسن الصايغ 26 سنة صايغ وسكنه اللبان
وضد
وزارة الداخلية مدعى عليها في دعوى المدعي المدني
وحضر عنها حضرة فؤاد أفندي عويضة مندوبا
وحضر للدفاع عن الأولى والثانية حضرة أحمد أفندي المدني وعن الثالث حضرة أحمد أفندي حلمي وعن الرابع حضرة جميل أفندي حبيب وعن الخامس حضرة عمارة أفندي نور الدين وعن السادس حضرة شفيق أفندي حلمي وعن السابع حضرة فريد أفندي إبراهيم جرجس وعن الثامنة حضرة محمد أفندي زكي وعن التاسع حضرة عبد الحميد أفندي يوسف وعن الأخير حضرة إسماعيل بك حمزة المحامون.
- بعد سماع أمر الإحالة وطلبات النيابة العمومية وطلبات المدعي بالحق المدني وأقوال المتهمين ودفاع المحامين عنهم وشهادة الشهود والاطلاع على ورق الدعوى وأخذ رأي فضيلة مفتي مدينة الإسكندرية والمداولة قانون:
- وحيث إن النيابة العمومية اتهمت المذكورين:
بأنهم في المدة بين نوفمبر 1919، 12 نوفمبر 1920
- قتلوا عمدا الحريمات خضرة بنت محمود اللمي ونظلة بنت أبو الليل وعزيزة مجهولة اللقب ونبوية بنت جمعة وزنوبة بنت علي أحمد وسليمة بنت إبراهيم الشهيرة بأم عرفات ونبوية بنت علي وفاطمة بنت محمد عبد ربه وزنوبة بنت محمد موسى وفاطمة مجهولة اللقب وأنيسة بنت محمد رضوان وأمينة مجهولة اللقب وخديجة مجهولة اللقب وهانم مجهولة اللقب وفاطمة مجهولة اللقب وحجازية مجهولة اللقب وفردوس بنت فضل عبد الله، وذلك بواسطة كتم النفس والخنق مع سبق الإصرار ثم سرقة مصاغ المجني عليهن المذكورات جميعا. - وبأن الثامنة والتاسع اشتركا مع الفاعلين الأصليين السبعة الأول بالاتفاق والتسهيل لارتكاب إحدى تلك الجرائم وسمحا للفاعلين الأصليين المذكورين بقتل إحدى المجني عليهن وهي نبوية بنت جمعة ودفنها بمنزلهما الأمر المسهل للجريمة فوقعت بناء على ذلك الاتفاق وتلك المساعدة.
- ولأن العاشر في المدة من نوفمبر 2019، 14 نوفمبر 1920 أخفى مصوغات المجني عليهن المقتولات السابق ذكرهن مع علمه بأنها مسروقة وذلك بواسطة شرائه لتلك المصوغات بثمن بخس على مرات متعددة.
وطلبت من حضرة قاضي الإحالة إحالة المتهمين على محكمة الجنايات لمحاكمة السبعة الأول بالمادة 194 ومحاكمة الثامنة والتاسع بالمادتين 194، 199 عقوبات ومحاكمة العاشر بالمادة 279 عقوبات.
وحيث إنه بجلسات 10 مارس، 11، 12 مايو 1921 المحددة لنظر هذه الدعوى أمام هذه المحكمة قررت المتهمتان الأولى والثانية أنهما شاهدتا بعض حوادث القتل ولكنهما لم تشتركا فيه، وأنكر باقي المتهمين ما نسب إليهم وأصرت النيابة على الطلبات السابقة مع مراعاة المادة 26 عقوبات بالنسبة للمتهم الأخير، ودفع مندوب وزارة الداخلية فرعيا بعدم قبول الدعوى المدنية شكلا ضد الوزارة وطلب المحاميان عن المدعي بالحق المدني رفض هذا الدفع وقبول الدعوى شكلا، وبعد أن ضمت المحكمة الدفع الفرعي إلى الموضوع طلب محاميا المدعي بالحق المدني بصفته السابقة الذكر الحكم له على جميع المتهمين ووزارة الداخلية بطريق التضامن خمسماية جنيه على سبيل التعويض مع المصاريف وطلب الحاضر عن وزارة الداخلية الحكم برفض الدعوى قبلها.
وطلب محامي المتهمتين الأولى والثانية استعمال الرأفة معهما وترك تقدير قيمة التعويض قبلهما للمحكمة، وطلب المحامي عن المتهم الثالث إجراء الكشف الطبي على قواه العقلية لمعرفة درجة مسئوليته وطلب في الموضوع الحكم ببراءتهما، وطلب محامي المتهم الرابع اعتباره شريكا ومعاملته بالمادة 194 عقوبات واستعمال الرأفة معه طبقا للمادة 17 عقوبات وإبدال عقوبة الإعدام بالأشغال الشاقة وفوض الرأي في تقدير قيمة التعويض قبله، وطلب المحامون عن باقي المتهمين الحكم ببراءتهم ورفض الدعوى المدنية قبلهم وذلك للأسباب الواردة بمحضر الجلسة.
المحكمة
حيث إنه تبين من التحقيقات التي حصلت في الدعوى ومن شهادة الشهود الذين سمعوا أمام المحكمة في غضون المدة من يناير إلى 14 نوفمبر 1920 ورد لبوليس قسم اللبان بالإسكندرية عشرة بلاغات من اختفاء عشر نسوة من الطبقة الوضيعة القاطنة بدائرة القسم المذكور، قُدمت هذه اللاغات من ذوي قرابتهن وحفظتها النيابة العامة لعدم الاهتداء إلى معرفة مقر لتلك النسوة ولا أسباب غيبتهن وكانت الحرمة سكينة بنت علي همام ثانية المتهمين تسكن في ذلك العهد منزلا لوالدة من يدعى أحمد مرسي كائنا بحارة ماكوريس نمرة 5 خلف قسم اللبان، وكان مؤجرا لشخص يدعى محمد أحمد السميني الذي أجر منه غرفة لسكينة بالدور الأرضي ثم أخلى هذا المنزل واستلمه المؤجر في 30 أكتوبر 1920 فأخذ يجري فيه بعض تحسينات طلبها منه مستأجر جديد، وقد اتفق إنه في يوم 15 نوفمبر 1920 بينما كان أحمد مرسي عبده يحفر في أرضية الغرفة التي كانت تقيم بها سكينة لأجل تركيب مواسير للمياه إذ عثر على جثة امرأة كانت مدفونة فيها فأخطر القسم بذلك، وباستمرار الحفر بأرضية تلك الغرفة وجدت بها أيضا جثتان لامرأتين خلاف الجثة الأولى، ثم حفرت أرضية غرفة أخرى لسكينة بمنزل موجود بحارة النجاة نمرة 9 بقسم اللبان فوجدت بها جثة رابعة.
وقد علم وقتئذ أن لسكينة أخت تدعى رية وهي المتهمة الأولى، ورية هذه متزوجة بحسب الله سعيد ثالث المتهمين وكانت تسكن غرفة بالدور الأرضي بمنزل كائن بشارع علي بك الكبير بالقسم المذكور وتكثر التردد إلى غرفة بمنزل آخر كان بحارة النجاة نمرة 8 بدوره الأرضي تشغلها الحرمة أمينة بنت منصور المتهمة الثامنة، وقد وجدت اثنتي عشرة جثة نسائية مدفونة بالغرفة الأولى وجثة أخرى لامرأة مدفونة بالغرفة الثانية، كل تلك الجثث البالغ مجموعها سبع عشرة هي جثث النسوة المبينة أسماؤهن بأمر الإحالة، وهذه المحلات جميعها أعدت للدعارة سرا وكانت البغايا من النساء تترددن إليها تارة من تلقاء أنفسهن وطورا بطلب من رية وسكينة لتعاطي المسكرات وارتكاب الفحشاء فيها، وكانت إدارة المحلات المذكورة مشتركة بين رية وسكينة وأرباحها تقسم بينهما.
ودل التحقيق على أن ثمانية جثث من السبع عشرة التي اكتشفت بالكيفية المتقدم ذكرها لنسوة من ضمن اللاتي حصل عنهن التبليغ وهن نظلة بنت أبو الليل وسليمة بنت إبراهيم الفقي ونبوية بنت علي وزنوبة بنت علي أحمد الفرارجية وفاطمة بنت محمد عبد ربه المخدمة، وفردوس بنت فضل الله، وتبين أيضا أنه كان لتلك النسوة مصوغات معلومة عند ذويهن لم يعثر عليها في محلات سكنهن.
وحيث إنه باستجواب سكينة أمام النيابة قررت أنها اشتركت بالاتفاق مع أختها رية في قتل عشر نسوة من اللائي وجدت جثثهن بالمنازل المذكورة وبأن مطلقها محمد عبد العال وحسب الله سعيد زوج رية وعرابي حسان وعبد الرازق يوسف صاحبيهم قتلوا فهيمة هاشم ونظلة وعزيزة وزنوبة الفرارجية وبأنهم ما عدا محمد عبد العال قتلوا أنيسة بنت محمد رضوان وبأن حسب الله سعيد اشترك مع عرابي حسان في قتل نبوية زوجة السماك، وسليمة بنت إبراهيم الشهيرة بأم عرفات بائعة الغاز، ونبوية بنت علي القهوجية، وفاطمة بنت محمد المخدمة، ومع محمد عبد العال في قتل فردوس بنت فضل الله، وقررت بأن المجني عليهن كن تجئن بدعوة منها أو من أختها رية إلى تلك المنازل للالتقاء بالرجال حيث يكون هؤلاء المتهمون في انتظارهن مصرين باتفاقهم معها ومع أختها رية على قتل تلك النسوة وسرقة ما يكون عليهن من المصوغات، ولأجل تسهيل قتلهن بواسطة من ذكروا من المتهمين كانتا تقدمان إليهن من الخمور القوية المفعول ما يكفي القليل منها لإسكارهن سكرا شديدا لا يستعن معه محاولة أي مقاومة أو استغاثة، فكان ألئك المتهمون ينتهزون هذه الفرصة لاغتيالهن بواسطة كتم النفس والخنق، وقررت أيضا بأن أحدهم كان يخنق كل امرأة منهن بمنديل يشده حول عنقها أو بيديه بينما كان الآخرون ممسكين بيديها ورجليها وصدرها أو فمها لمنعها من إبداء أي حركة إلى أن يتم زميلهم فعلته وتزهق نفس المرأة، وبأن عرابي حسان هو الذي كان يباشر الخنق في معظم تلك الحوادث، ثم يدفنون جثثهن بالأمكنة التي وجدت فيها بعد تجريدهن من مصوغاتهن ومما يجدونه معهن من النقود وكانت المصوغات تباع بعد ارتكاب الجرائم بمعرفة سكينة ورية إلى المتهم علي محمد حسن الصائغ وغيره وأثمانها توزع بينهم.
وحيث إن الإقرار الصادر من سكينة أمام حضرة قاضي الإحالة وأمام هذه المحكمة لم يخرج عن هذا المعنى غير إنها قررت بأن الداعين لسليمة هم حسب الله سعيد ومحمد عبد العال وعبد الرازق يوسف وسلامة محمد الكبت وقد كررت اعترافها أمام هذه المحكمة.
وحيث إن رية بعد أن اختلفت في أقوالها أمام النيابة اعترفت أثناء استجوابها من حضرة قاضي الإحالة باشتراكها هي وسكينة بطريق الاتفاق في قتل ستة من تلك النسوة هن هانم ونظلة وأمينة وأنيسة وفهيمة وفردوس، وقررت بأن القاتلين لهن زوجها حسب الله سعيد ومحمد عبد العال وعرابي حسان وعبد الرازق يوسف واتفقت روايتها مع رواية سكينة فيما يختص بكيفية حصول القتل ودفن الجثث والتصرف في المصوغات المسروقة وقد كررت اعترافها أمام هذه المحكمة أيضا.
وحيث إن حسب الله سعيد اعترف أمام النيابة بأنه قتل من تلك لنسوة ثمانية وهن نظلة وسليمة ونبوية بنت جمعة الشهيرة بفهيمة باشتراكه مع محمد عبد العال وعرابي حسان وعبد الرازق يوسف وفاطمة بنت محمد عبد ربه المخدمة ونبوية بنت علي القهوجية باشتراكه مع عرابي حسان وسليمة بنت إبراهيم باشتراكه مع عرابي حسان وسلامة محمد الكبت وهانم وحجازية باشتراكه مع محمد عبد العال وأنيسة بالاشتراك مع عرابي حسان وعبد الرازق يوسف، وقرر بأن القاتل لفردوس هو محمد عبد العال وحده.
وحيث إن محمد عبد العال اعترف في تحقيق النيابة العامة بقتله هانم ونظلة بالاشتراك مع حسب الله سعيد وعرابي حسان وعبد الرازق يوسف وبأنه اشترك معهم أيضا في قتل امرأة سنة من ذهب لا يعرف اسمها ورابعة يبلغ عمرها 26 سنة بيضاء نوعا متوسطة الجسم والقامة، وامرأة خامسة وهي التي دفنت في الغرفة سكن المتهمة أمينة بنت منصور ونبوية بنت جمعة الشهيرة بفهيمة، ولم يختلف هذان المتهمان في شيء مما قررته سكينة ورية عن كيفية القتل والدفن والتصرف في المصوغات المسروقة.
وحيث إن باقي المتهمين في جرائم القتل وهم عرابي حسان وعبد الرازق يوسف وسلومة محمد الكبت وأمينة بنت منصور ومحمد علي القادوسي أنكروا ما أسند إليهم.
وحيث إن حسب الله سعيد عدل أمام حضرة قاضي الإحالة عن الاعتراف الصادر منه في تحقيق النيابة مدعيا أنه اعترف من الإهانة والجوع ولكن لا يمكن الاعتداد بهذا الادعاء لأن اعترافه تكرر منه مرارا في التحقيقات ويحتوي على وقائع مطولة وظروف مختلفة لا يمكنه ذكرها إلا إذا كان الاعتراف صادرا عنه بمحض إرادته، وفوق كل ذلك فإنه اعتراف مؤيد بالنسبة إليه كما يلي:
أولا - من ملازمته لزوجته رية في تلك المنازل الملازمة التي لا تجعلها تتداخل في هذه الجرائم إلا باشتراكه معها في الأعمال الشديدة التي لا تقوى عليها النساء، وعلى الأقل بتحريض منه.
ثانيا - من شهادة السيدة بنت سليمان التي قررت بأنه أعطاها جنيهين لأجل أن تتجاهل دخول فاطمة بنت عبد ربه في البيت الذي تقيم فيه سكينة بشارع ماكوريس وعدم خروجها منه، أي البيت الذي قتلت فيه.
ثالثا - من وجود ختمه في التراب وقت التفتيش على الجثث المستخرجة من هذا البيت.
رابعا - من رؤية محمد رمضان أحد الشهود بعد حادثة فاطمة بنت عبد ربه خارجا من البيت ومعه صرة ملابس.
خامسا – من شهادة عزيزة بنت عبد العزيز التي أقامت فترة من الزمن ببيت سكينة بشارع ماكوريس بأنها تواجدت يوما وقت المساء عند رية فكلفها حسب الله بحمل شوال مربوط تنبعث منه رائحة كريهة، فذهب معها عند ملتقى شارع عبد المنعم بشارع أبي الدرداء وهناك أمرها بترك الشوال ثم تبين من التحقيقات التي حصلت بمناسبة البلاغات التي قدمت بشأن اختفاء النساء، وأنه وجد بتاريخ 11 سبتمبر 1920 بالمكن الذي ألقي فيه الشوال هيكل امرأة يرجع تاريخ وفاتها إلى شهرين.
سادسا – من ضبط محبس ذهب لفردوس وملابس لها أيضا من البيت الذي يسكنه مع زنوبة بنت أحمد أبو هلال زوجته الجديدة.
وحيث إن المتهم محمد عبد العال قرر أمام قاضي الإحالة بخصوص الاعتراف الصادر منه في تحقيقات النيابة أنه أغرى من رجال البوليس على هذا الاعتراف، وأنه لا دخل له في جرائم القتل المسندة إليه، ولكن اعترافه مؤيد على كل حال من ضبط فنلة صوف لفردوس عنده ومن إقرار علي محمد حسن الصايغ بحضوره إليه مع حسب الله ورية وسكينة عند عرض المصوغات المسروقة عليه، ومن ملازمته في كل وقت لزوجته سكينة ولأختها رية ولزوجها حسب الله سعيد، ومن شهادة زنوبة بنت أحمد أبو هلال زوجة حسب الله الثانية بأنه جاء إليها بصحبة حسب الله ومعهما ما ضبط عندها من ملابس فردوس بنت فضل الله.
وحيث إن المحكمة تستنتج من الوقائع المتقدم بيانها ومن كون المتهمين المعترفين اشتركوا في بحر المدة التي ارتكبت فيها هذه الجرائم من المصوغات ما لم يمكنهم شراؤها إلا مما سرقوه من حلي المجني عليهن ومن كون حالة الجثث دلت على أن تاريخ القتل لم يكن سابقا على إقامتهم في البيوت التي وجدت بها تلك الجثث إن المتهمين المذكورين لم يشتركوا فقط في قتل النسوة الوارد ذكرهن في اعترافاتهم، بل قتلوا أيضا النسوة الأخرى المبينة أسماؤهن بأمر الإحالة.
وحيث إن المتهم عرابي حسان مع إنكاره ما أسند إليه من التهم ادعى أنه لم يتوجه مطلقا عند رية وسكينة من عهد إقامتهما بالمنازل التي استخرجت منها الجثث وإن كان يوجد سبق معرفة بينه وبينهما وبين حسب الله سعيد ومحمد عبد العال بمناسبة تردده عليهم بالمحل المشهور بالكامب الذي كانت تديره رية بسوق الجمعة بالإسكندرية ولكن قد كذبه في ذلك شهود منهم السيدة بنت سليمان التي قررت بأنها رأته مع حسب الله سعيد وآخرين يسكرون مع فاطمة بنت عبد ربه بغرفة بالمنزل الكائن بشارع ماكويس في نفس اليوم الذي اختفت فيه فاطمة المذكورة، ورأت ترابا مكوما بجوار باب الغرفة وهذا التراب كان قد أخرج من أرضية الغرفة بعد دفن جثة فاطمة فسألت عنه فأخبرها حسب الله ورية أن المرأة قد تقيأت فنقلت التراب إلى تحت سلم المنزل، ومنهم زينب بنت حسن التي شهدت بأن ابنتها نظلة إحدى المجني عليهن كانت تجتمع بالمتهم المذكور عند رية وكانت تخشى لأنه فتوة ومشهور بأنه يخنق، ومنهم شفيقة بنت فتيان، وعبد المحسن بخيت اللذين قررا برؤيتهما عرابي حسان يتردد على منزلي رية الكائن بشارع علي بك الكبير، وقد شهد غيرهم بأن نظلة المقتولة كانت خليلة عرابي وكان يريد التزوج بها ولما اختفت لم يهتم بأمرها وأخذ يقول لكل من يسأله عنها بكرة تحضر.
وحيث فيما يتعلق بالمتهم عبد الرازق يوسف فإنه ثبت من أقوال الشهود أنه كان معاشرا للحرمة أنيسة بنت محمد رضوان إحدى المجني عليهن وكان يجتمع بها في منزل رية بشارع علي بك الكبير وكانت أنيسة المذكورة نسبت إليه قبل اختفائها سرقة قرط من ذهب ونقود، ووسطت بع عليها خصوصا لما رأى أن تهمة السرقة الملص أصدقائها في استرداد هذه الأشياء منه فرفض وأظهر غضبه عليها خصوصا لما رأى أن تهمة السرقة الملصقة به أخذت تنتشر في القهاوي التي كان يذهب إليها، فكان حينئذ من مصلحته أن يقتل أنيسة للتخلص من تشهيرها به والاستفادة يجزء من حليها، وقد ثبت لها أيضا أن عبد الرازق كان معاشرا لرية وسكينة وحسب الله ومحمد عبد العال من بدء سكنهم بالمنازل التي وجدت بها الجثث ومرتبطا بهم كل الارتباط، وكان يرى من واجبه أن يدافع مع عرابي حسان عن سمعة تلك المنازل كلما وجد لذلك فرصة مع علمها بما هو حاصل فيها من القبائح، وكان له عند عبد ربه وسكينة من المنزلة والمكانة ما يجعله يتصرف في محلاتهما كيف يشاء، ويضاف إلى ذلك أنه اشترى هو وعرابي حسان في بحر المدة التي ارتكبت فيها الجرائم المقامة من أجلها هذه الدعوى مصوغات بمبالغ لا يمكنهما الحصول عليها من المكاسب التي كانت تأتيهما بالوسائل المباحة,
وحيث إن يستنتج من هذه الظروف السابق بيانها ومن الكشوف الطبية المتوقعة على الجثث المؤيدة بما ورد في أقوال المتهمين المعترفين من حصول القتل بطريق الخنق ومن يد عدة أشخاص ومن القرائن القوية التي تعزز أقوال رية وسكينة وحسب الله سعيد ومحمد عبد العال بالنسبة لكل من عرابي حسان وعبد الرازق يوسف ما يحمل المحكمة على الاعتقاد بأنهما باشرا معهما القتل السبع عشرة نسوة المتقدم ذكرهن.
وحيث إنه متى تقرر ذلك، يكون عقاب حسب الله سعيد ومحمد عبد العال وعرابي حسان وعبد الرازق يوسف بصفتهم فاعلين أصليين للجرائم المذكورة وهي سفكهم دماء السبع عشرة نسوة عمدا مع سبق الإصرار في الظروف المتقدم بيانها واستباحة أموالهن لتبديدها في المنكرات وذلك في المدة الواقعة بين نوفمبر 1919، 12 نوفمبر 1920 بجهة حي اللبان بالإسكندرية هاته الآثام التي لم يشاهد مثلها في القسوة والفظاعة من عهد تأسيس المحاكم للآن منطبقا على نص المادتين 39، 194 عقوبات، وعقاب رية وسكينة بصفة كونهما اشتركتا مع الفاعلين الأصليين في التاريخ والمكان السابق ذكرهما في تلك الجرائم بطريق الاتفاق والمساعدة في الأعمال المسهلة لارتكابها بأن أحضرتا المجني عليهن إلى محلاتهما وأسكرتاهن لتمكين الفاعلين الأصليين من خنقهن بدون أدنى مقاومة منهن فوقعت جرائم القتل بناء على هذا اتفاق وهذه المساعدة منطبقا على نص المواد 40 فقرة ثانية وثالثة، 41، 194، 199 من القانون المشار إليه.
وحيث إن أوراق هذه الدعوى قد أرسلت بتاريخ 12 مايو 1921 إلى حضرة صاحب الفضيلة مفتي مدينة الإسكندرية لإبداء رأيه طبقا للمادة 49 من قانون تشكيل محاكم الجنايات ووردت منه مشفوعة برأيه في 15 منه بنمرة 401.
وحيث عن تهمة سلامة محمد خضر الملقب بالكبت فإنه لم يوجد ضده سوى أقوال سكينة وحسب الله سعيد التي لم تؤيد بأي دليل من الأدلة المقنعة حتى يمكن الأخذ بها والتعويل عليها في الحكم بإدانة الشخص المذكور فيما هو متهم به كما وإن المحكمة ترى فيما يختص باتهام كل من أمينة بنت منصور ومحمد علي القادوسي الشهير بالنص وهي الاشتراك في قتل نبوية بنت جمعة بالاتفاق والمساعدة أن الأدلة التي وصلت بها التحقيقات لا تكفي لإثبات التهمة الموجهة إليهما ويتعين الحكم حينئذ ببراءة الثلاثة المذكورين لعدم ثبوت التهمة المسندة إليهم ثبوتا كافيا عملا بالمادة 50 من قانون تشكيل محاكم الجنايات.
وحيث عن تهمة إخفاء المصوغات المسروقة المنسوبة إلى علي محمد حسن الصائغ فإنه ثابت من اعترافه أنه اشترى جانبا من مصوغات المجني عليهن على أربع دفع من رية وسكينة بحضور حسب الله سعيد ومحمد عبد العال وذلك في أثناء المدة من نوفمبر 1919 لغاية 12 نوفمبر 1920 بالإسكندرية ولكنه لم يدعي أنه كان جاهلا مصدر تلك المصوغات الحقيقي.
وحيث إنه مع التقرير بأن المتهم المذكور لم يشتر تلك المصوغات إلا في أربع دفع كما يقول وليس في ست دفع كما قالت سكينة، فقد تبين للمحكمة أنه كان يعلم بسرقة المصوغات عند شرائه إياها بدليل حصول الشراء خفية وبثمن يقل عن نصف قيمتها الحقيقية وبدون أن يحتاط في أخذ الضمانات التي يكون شأنها انتفاء مسئوليته عند الاقتضاء وإسراعه بكسر معظم تلك المصوغات لإضاعة معالمها.
وحيث إنه مما تقدم تكون تهم الجرائم المسندة إلى علي محمد حسن الصائغ ثابتة قبله في الأربع وقائع المعترف بها فقط وعقابه ينطبق على نص المادة 279 فقرة أولى من قانون العقوبات مع مراعاة المادة 36 منه بالنظر إلى تعدد الجرائم. عليها الدعوى الجنائية حتى تتم المرافعة.
وحيث إنه فيما يختص بالتعويض المطلوب من الحكومة فإن المادة 54 من قانون تحقيق الجنايات نصت على أنه يجوز لكل من ادعى حصول ضرر له من جناية أو جنحة أو مخالفة أن يقدم شكواه بهذا الشأن ويقيم نفسه مدعيا بحقوق مدنية في أي حالة كانت عليها الدعوى الجنائية حتى تتم المرافعة.
وحيث إن المسوغ لرفع المدعي بالحق المدني بالطريقة التي نصت عليها المادة السالفة الذكر، هو الارتباط الذي يوجد بين ما تضمنته تلك الدعوى من الطلبات وبين الفعل المقامة من أجله الدعوى الجنائية ومتى كانت الدعوى المدنية مبنية على ذلك الفعل يجب رفعها على المتهم أو على من يكون مسئولا عنه مدنيا.
وحيث إنه بالتطبيق لهذه القاعدة لا يجوز توجيه مثل هذا الطلب إلى الحكومة بصفتها مسئولة عن أفعال عمالها الضارة بالغير إلا إذا وجدت دعوى جنائية مقامة على العامل بسبب الفعل المطلوب عنه التعويض وبشرط أن يكون الفعل وقع منه أثناء تأدية العمل المكلف به من قبل الحكومة.
وحيث إنه بالاطلاع على الورقة المعلنة من محمد أحمد رمضان لوزارة الداخلية لم يوجد بها وصف أحد المتهمين الذين تضمن على أسمائهم بأنه من مستخدمي الحكومة وكل ما جاء فيها أن رجال البوليس أهملوا في تأدية واجباتهم حتى أدى ذلك إلى حالة فوضى في الأمن العام كان من شأنها ارتكاب الجرائم التي أقيمت من أجلها الدعوى الجنائية.
وحيث إنه يرى من ذلك أن الدعوى المدنية من محمد أحمد رمضان ضد الحكومة لم تكن الدعوى المقصودة بالمادة 54 من قانون تحقيق الجنايات بل هو دعوى مسئولية مبنية على أسباب تتعلق بوجه عام بما يجب على الحكومة اتخاذه من الاحتياطات لاستتباب الأمن في البلاد وملافاة وقوع الجرائم فيها، فلا يجوز رفعها بالطريقة التي سلكها المدعي المدني ويتعين الحكم حينئذ برفضها شكلا.
وحيث أنه فيما يختص بالتعويض المطلوب الحكم به على رية وسكينة وحسب الله سعيد ومحمد عبد العال وعرابي حسان وعبد الرازق يوسف فإنه ثبت مما قدمه محمد أحمد رمضان من المستندات أن زوجته الحرمة فاطمة بنت عبد ربه إحدى المجني عليهن كانت تدير محلا للاستخدام بدائرة قسم اللبان بمقتضى رخصة حصلت عليها من الجهة المختصة ولم ينازع هؤلاء المتهمون في أنها كانت ترتزق من إدارة ذلك المحل وتشرك زوجها في مكاسبها فيكون قد لحقه ضرر من فقدها ورأت المحكمة أن تقدر ما يستحقه من التعويض عن هذا الضرر بمبلغ مائة وخمسين جنيها يحكم بها على المتهمين المذكورين.
وحيث إنه عن التعويض المطلوب من المتهم علي محمد حسن الصايغ فإنه لا يلزم بهذا التعويض إلا إذا ثبت أن الأشياء التي أخفاها كانت تتضمن مصوغات الحرمة فاطمة بنت عبد ربه كلها أو بعضها وهذا أمر لم تثبته التحقيقات ومن ثم يتعين الحكم برفض الدعوى المدنية الموجهة إليه وإلى كل من سلامة محمد خضر الكبت وأمينة بنت منصور ومحمد علي القادوسي الشهير بالنص المحكوم ببراءتهم كما ذكر فيما تقدم.
وحيث إنه لا محل لإجابة ما طلبه المدافع عن حسب الله سعيد من توقيع الكشف الطبي على هذا المتهم لاختبار قواه العقلية إذ تبين للمحكمة أنه حائز لجميع قواه العقلية.
فهذه الأسباب
- وبعد الاطلاع على النصوص القانونية المتقدم ذكرها:
- حكمت المحكمة حضوريا:
أولا – على كل من رية وسكينة بنتي علي همام وحسب الله سعيد ومحمد عبد العال وعرابي حسان وعبد الرازق يوسف بعقوبة الإعدام وبإلزامهم بأن يدفعوا بطريق التضامن لمحمد أحمد رمضان مبلغ مائة وخمسين ألف جنيها على سبيل التعويض مع مصاريف الدعوى المدنية ورفضت ما عدا ذلك من طلباتا لمدعي المدني قبلهم.
ثانيا – على علي محمد حسن الصايغ بالحبس مع الشغل لمدة خمس سنوات.
ثالثا – ببراءة كل من سلامة محمد خضر الكبت والحرمة أمينة بنت منصور الشهيرة بأم أحمد وزوجها محمد علي القادوسي الشهير بالنص مما أسند إليهم في الدعوى ورفض الدعوى المدنية الموجهة قبلهم وقبل علي محمد حسن الصايغ.
رابعا – بعدم قبول الدعوى المقامة من محمد أحمد رمضان ضد الحكومة ورفض طلب توقيع الكشف الطبي على حسب الله سعيد.
هذا ما حكمت به المحكمة بجلستها العلنية المنعقدة بسراي محكمة الإسكندرية الأهلية في يوم الإثنين 16 مايو 1921 الموافق 8 رمضان 1339 هجرية.
كاتب المحكمة رئيس المحكمة



ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
- الحكم من واقع ملف الدعوى المَحفوظة ضمن التراث القضائي لمصر ببنك القضايا بالمركز القومي للدراسات القضائية بالعباسية – القاهرة.







تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى