أيمن دراوشة - هل الصورة الفنية تعد مقياسًا لجودة النص أو رداءته؟

لا شك أنَّ الصورة الفنية تعد من من ضروريات النص لاسيما الشعر، وشعر بلا صورة كالشجر بلا ثمر، وعطر بلا رائعة، لنترك الشعر والقصة القصيرة جدَّا والومضات بأشكالها جانبًا، فهي قضية مفروغ منها، ولنتحدث عن النثر سواء خاطرة أو قصة أو رواية.

الصورة الفنية التي تأتي نتيجة انفعال وعفوية وكأنها هي التي صورتك، تلك هي الصورة الجميلة التي نتحدث عنها، أما الصور المصطنعة والمكررة والمقلدة والمكثفة والمحشوة حشوًا، فهي الصور غير المرغوب فيها، خاصة في نص كالرواية يأخذ مساحات واسعة تتجاوز 200 صفحة أحيانًا، وكذلك في القصص والخواطر والنثر بشكل عام.

إذن أحكم على جودة النص أو رداءته من جانب الصورة التي هي جانب من جوانب جماليات النص الكثيرة، وبصفتي ناقد وقارئ لمئات النصوص؛ وجدت أنَّ المبالغة في الصور الفنية يتزاحم في الروايات، وهي صور تقليدية لم تحرك مشاعري أو هزت أحاسيس، وإذا تحدثنا عن الصورة فنحن نقصد الوصف الممل الذي لو استغنينا عنه فلن تتأثر الرواية بشيء، فليس من المعقول أن أقرأ رواية نصفها وصف وصور لا تقدم ولا تؤخر، حتى من كان أسلوبه شاعري أو شاعرًا فنقل لنا صوره من الشعر إلى النثر.

فمثلا في وصف المرأة يكفي صورة واحده لأبرز جمالها أو حسنها، وكذلك البحار والطبيعة والكون، أمَّا أنْ أصف طقم كنب أو سفره مثلا في عشر صفحات أو أكثر فبماذا يفيدني، هذا ينطبق على وصف الأشخاص والأمكنة بطريقة مستفزة وممله لدرجة أنك تنسى ما في الرواية أو القصة من أحداث ...

ماذا لو اختفت الصورة نهائيًا من النص النثري؟

لا أعتقد أن في ذلك إشكال، طالما الكاتب استطاع إيصال هدفه بأقصر الطرق (دون لف ولا دوران) مع عناية مكثفة باللفظ الموحي وعلامات الترقيم والنحو والصرف، وبالتالي خلوه من الأخطاء تمامًا، إضافة إلى الإيجاز والاختصار الذي هو من متطلبات أو أساسيات عصر السرعة، ومطلب القارئ أيضًا شئنا ذلك أو أبينا.

تحدَّثُ زميلك على الخاص، تُوصل ما تريد قوله بدون صور فنية، وربما بلغة عامية، لكن بصدق العاطفة، حتى لو طلبت منه مساعدة معينة‘ فإنك لا تحتاج إلى صور فنية بل إلى شكوى أو تبرير بشكل أدق.

عندما تستمع بقراءة نص ما وتتشوق إلى معرفة ما ستؤول إليه الأحداث، لكنك بالطبع لن تحتاج إلى الصور الفنية حتى يحدث لديك التشويق، ولذة القراءة مثل القصة أو الرواية البوليسية أو قصص وروايات الأطفال، وحتى روايات الحب والغرام ...

الصور الفنية هي زخارف للنص، فهي كالبهارات أو الملح للطعام، تخيَّل لو زدت البهارات أو الملح ماذا سيحدث؟! ستفسد الطعام بالتأكيد، وكذلك النص.

وكلنا يعرف أنَّ شعراء كبار مثل أبي تمام قد اُنتقد بسبب زخرفته المبالغ فيها، وهو شاعر وليس روائيًا، ولا قاصًّا.

خلاصة القول:

النص الناجح مهما كانت ماهيته أو جنسه هو النص الذي يترك فيك أثرًا بعد قراءته سواء احتوى على صور فنية أو خلا منها تمامًا.

أذكر إحدى الروايات القصيرة لروائي يمني كيف أنها قد شدتني من أول كلمة إلى آخر كلمة، ولم أنتبه إلى خلو الرواية من الصور تمامًا على الرغم من نقدي لها إلا بعد أن قرأتها مرة أخرى ... هذا يعني أن ذهنك معلق بالنص وأحداثه بمعزل عن أي صورأو محسنات بديعية ينفر منها القارئ وربما تجاوزها، كشريط لفلم سينمائي ممل قمنا بتقديمه رغبة للوصول إلى معرفة النهاية.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى