محمد علي عزب - الشاعر والحداثة والتراث

الحداثة الشعرية والأدبية والفنية بوجه عام في أوضح وأتم صورها هي وعي روحي معرفي جمالي، وعي بالذات وروح العصر والتراث، وإن كان الحداثي هو المنتج المعبر عن الإبداع الحقيقي الجديد في عصرنا فإن التراث هو الزاد الثقافي المختزن في الوجدان والذاكرة وهو المعيار الذي يقاس عليه مدى انحراف الجديد عن القديم، لنعرف ماذا أضاف الجديد من إضافات تخص عصره، بالطبع ليس من الإبداع في شئ استنساخ التراث، ولكن القطيعة المعرفية التامة مع التراث ستفقدك المعيار الذي تقيس عليه ما أنجزته أن كنت أنجزت أيضا، وستكون معلقا في الهواء بلا زاد ثقافي ومعرفة بالبيئة الثقافية التي من المفترض التي من المفترض انها حاضنة لجذورك.، ليست المشكلة إذا في تراثنا الأدبي لأنه ببساطة ابن الماضي، المشكلة فينا نحن فهناك من يعيد إنتاج التراث ولا يضيف جديدا، وهناك من يأخذ موقفا عدائيا من التراث الأدبي وفي الغالب لا يكون صاحب الموقف العدائي قرأ شيئا من التراث الأدبي، وإن قرأه لا يستوعبه لأنه يحكم بمعايير عصرنا على عصور أخرى لم تكن بها تلك المعايير،إن مقلدي التراث مجرد ناسخين لتجارب ماضوية لها جماليتها الخاصة بعصرها، هم كحبات الملح التي تذوب في بحر التراث، اما أصحاب القطيعة المعرفية التامة مع التراث فهم معلقون في الهواء وسقوطهم أمر حتمي، التراث جزء أصيل من ثقافة الأمة ومن ينفصل عن ثقافة وهوية أمته يظل معلقا في الهواء، ومثالا لذلك الشاعر التشيلي الكبير بابلو نيردوا الذي انطلق إلى العالمية من ثقافة وتراث وهوية أمته وقضاياها وانفتح على الثقافات الأخرى فأصبح شاعرا عالميا من أهم شعراء القرن العشرين، في حين أن مواطنه الشاعر فيثنتي هويدو برو انسلخ عن ثقافة وتراث وقضايا أمته ظلت نصوصه المكتوبة بالفرنسية معلقة في الهواء حتى بعد رحيله بحوالي نصف قرن...

محمد علي عزب


تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى