د. محمد الشرقاوي - من أين تنشأ الارتباطات القومية؟

في أكثر من مناسبة، نبّهت إلى الفرق الشاسع بين الروح الوطنية ومحاسنها التي تحتفي بها المجموعة البشرية والروح القومية ورذائلها التي تدفع ببعض الأشخاص إلى ارتكاب خطايا باسم القومية التي تتخفى في عباءة الوطنية.
في مقالة جديرة بالقراءة بعنوان Nationalism is underrated by intellectuals "القومية التي لا يقدرها المثقفون"، يفكك د. ستيفان والت أستاذ العلاقات الدولية في جامعة هارفارد علاقته بالقومية الأمريكية من حيث الإدراك العقلاني والانتماء العاطفي التلقائي في حقبة انتشار جائحة كورونا ومتابعة اللاعبين الأمريكيين في أولمبياد طوكيو، وكيف يشعر بالانزعاج عندما لا يكسبون الميداليات. فهو يعزو ذلك التعلق إلى "قوة القومية".
ويستند في مفهومه للقومية إلى أن "البشر يشكلون قبائل متميزة على أساس لغة مشتركة، وثقافة، وعرق، ووعي ذاتي. وينبغي أن تكون هذه المجموعات قادرة على حكم نفسها. فهي فكرة قوية للغاية وغامضة إلى حد ما: لماذا يشعر البشر بالارتباط أو القرابة تجاه ملايين الأشخاص الذين لم يلتقوا بهم مطلقًا لمجرد أنهم جزء من نفس الأمة؟ والأهم من ذلك، لماذا يقدم الأفراد تضحيات - وفي بعض الظروف يخاطرون بحياتهم - من أجل هذا "المجتمع المتخيل" من الغرباء؟ للتكرار: لماذا أعمل على تحديد جذر عرقي لهؤلاء الرياضيين الذين لا أعرفهم حتى، وأنا أعلم جيدًا أنني ربما أعارضهم إذا صادف أنهم يرتدون زيًا مختلفًا؟
هي تأملاتٌ في ذات والت نفسه، وكيف ينجر الى التعاطف والتأييد والتفاخر بأناس لا يعرفهم معرفة شخصية. ويلاحظ أننا "نتصرف بهذه الطريقة لأننا حيوانات اجتماعية، و "الأمم" هي أكبر مجموعة اجتماعية يشعر معظم الأفراد بإحساس قوي بالهوية والتعلق بها. لطالما سعت الحكومات من جميع الأصناف إلى تعزيز الشعور بالهوية الوطنية لأنها تجعل من الصعب غزو الدولة، وتسهل التجارة الداخلية ، وتشجع المواطنين على تقديم تضحيات من أجل الصالح العام . وعادة ما تمهد الطريق لأن يتولى بعض الأشخاص السلطة. وليس من المستغرب أن يلجأ القادة الاستبداديون (مثل الرئيس الصيني شي جين بينغ ، ورئيس الوزراء المجري فيكتور أوربان، والرئيس الروسي فلاديمير بوتين ، والرئيس البرازيلي جاير بولسونارو) إلى النداءات القومية لتعزيز الدعم لهم. كما كانت النداءات المستمرة للقومية جزءًا كبيرًا من جاذبية الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، على الرغم من أنها كانت غير صادقة تمامًا."
يذكر ستيفان والت أن القومية كانت تزعجه في بداية مسيرتي المهنية، واعتقد أنها "مفارقة تاريخية يجب كبحها. وكان يربطها بالصراع الدولي ويعتبرها من تلك القوى التي تجعل العالم أكثر خطورة." ويحترس من القومية أيضا لكونها تمثل مصدرًا لمشكلة كبيرة، خاصة "عندما تشجع الدول على رؤية الدول الأخرى على أنها شريرة لا يمكن إصلاحها أو تقود البلدان إلى التبييض من سوء السلوك الماضي بطرق تغذي الخلافات فيما بعد".
نبّه المؤلف ويليام رالف إنج William Ralph Inge ذات مرة إلى أن "الأمة هي مجتمع يوحّده الوهم بشأن أصوله العرقية وبكراهية مشتركة لجيرانه". ويمكن للقومية أيضًا أن "تعزز الحرب من خلال إقناع دولة بأنها متفوقة بالفطرة ، وبالتالي، سيكون من السهل هزيمة المعارضين"، كما يقول والت.
يخلص والت إلى القول "لا أرى أي سبب يمنع التاريخ الصادق من أن يكون مصدرًا حيويًا للكرامة الوطنية. في الواقع، يمكن للأمريكيين أن يفخروا برغبتهم في النظر إلى الماضي دون تردد، على عكس الأنظمة الاستبدادية الهشة التي تحاول إخفاء أخطائها وتشعر بضرورة تلقين المواطنين بنسخة معقمة من الماضي. ومن خلال تجربتي على الأقل، فإن الطلاب أكثر انخراطًا في تاريخ لا ينكمش من الجدل والاختلاف: ليس هناك ما هو أكثر مللًا من أن تتغذى بالملعقة على مجموعة من الحقائق والتفسيرات المعلبة."




تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى