فرضت جائحة كورونا على الإنسان في العالم أجمع أن يلزم البيت في حظر جزئي أحيانًا، وحظر شامل أحيانًا أخرى، وقد بدأ هذا الحظر من نهاية عام 2019م ليستمر إلى الآن.
ماذا يفعل الإنسان حين يجد نفسه فجأة في سجن؟ سجن لم يأت في الأساس من الآخرين بل تحدر إليه من كائن مجهول، فيروس الكورونا الذي راح يتقصد رئتيه للوصول إلى حياته.
فرض لزوم البيت على الإنسان عزلة غريبة لم يكن يظن نفسه أنه سيغرق فيها يومًا. وفي عزلته بات يخاف من كل شيء، ويخشى على فقد من يقيمون معه من الأهل والأبناء.
كان على الإنسان أن يتعايش مع هذا الواقع؛ فلم يجد خيرًا من التأمل والتحديق في التفاصيل الصغيرة في بيته، وكان للنافذة دور في ممارسة هوايته الجديدة؛فأطل منها على الحديقة والشارع، ورأى الطيور والحيوانات من قطط وكلابتسرح أمامه وتمرح في حرية بات يفتقدها.لقد غدت النافذةأنفه وعينه اللذين يهددهما فيروس كورونا اللعين.
أغرب ما في تأملات الإنسان في ظروف كورونا أن يتأمل حذاءه الذي لم يكن يعيره الاهتمام من قبل، وأن يجره تأمله إلى استرجاع تاريخه الشخصي وذكرياته مع الأحذية، وتتبع الذين اهتموا بالحذاء من المفكرين والأدباء والفنانين عبر تاريخ الإنسانية الطويل.
في كتاب «أحلم بالرصيف» الذي أنجزه محمد العامري في أوج أزمة كورونا يتأمل العامري في أحلامه، في خزانة ملابسه، في فراشه وسريره، في سقف البيت وحيطانه، في حديقة المنزل بما فيها من أشجار وأطيار، ليجد أن كل شيء قد تغير؛ فالبيت غدت ممراته عبقة بروائح الكحول، وكل محتوياته تلمع من كثرة ما جرى لها من تعقيم وتنظيف، مما يذكره بمارسيل بروست في روايته «البحث عن الزمن الضائع» فقد كان الرجل يعقم كل الأدوات التي يستخدمها خوفًا من الوباء. أما غرفة النوم فحل مكانها كنبة زرقاء يتمغط عليها بالقرب من مكتبته حيث لا نوم. حتى ذقنه صارت مستطيلة مثل مكنسة الهواء تحاول التمدد على صدره.
ويبلغ العامري حد المأساة حين ينصب تأمله على خزانة أحذيته التي يذكره كل حذاء منها بالبلد الذي اشتراه منه، ويرى الأحذية فيها كالأشباح التي يتكئ بعضها على بعض،ولا تقوى على الحركة، وتتدلى أربطتها مثل لعاب يسيل على شدقي كل حذاء. إنها تشبه أحذية المزارعين والفلاحين التي ظهرت في لوحات فان كوخ على حد وصف جاك دريدا. لقد ركنت في الخزانة لتنام نومًا طويلًا، كأنها في غيبوبة بعد أن فقدت قيمتها حين لم تستخدمها قدماه اللتان تعانيان الآن من» أمية المشي». فهو يحن إلى المشي في الغابات القريبة كما كان يفعل جان جاك روسو؛ لأن المشي ينشط العقل، ويبعث الأفكار العميقة، ويزيل مشاعر الحزن والكآبة.
وفي خضم كآبة العامري وأحلامه يتذكر كتاب فريدريك غرو «المشي فلسفة»، الذي تحدث فيه عن أرثور رامبو الذي كان يندفع إلى المشي بدافع البحث عن الحرية والشمس. كما يتذكر كتاب خيري منصور «الكتابة بالقدمين» الذي يقترب فيه مما ذكره نيتشه بهذا المعنى بأن أصابع القدم تسمع.
في زمن كورونا أصبح الإنسان، كما وصفه العامري في كتابه»أحلم بالرصيف» سجين البيت يذرع الحجرات حافي القدمين يتأمل في كل شيء حتى في حذائه. ويتمنى أن يعود إلى حياته الماضية، ويمشي دون خوف في الشوارع والطرقات.
هكذا حين يكون الحذاء موضوعًا للتأمل يتجلى إحساس الإنسان بعزلته وعظيم مأساته وشدة كآبته.
ماذا يفعل الإنسان حين يجد نفسه فجأة في سجن؟ سجن لم يأت في الأساس من الآخرين بل تحدر إليه من كائن مجهول، فيروس الكورونا الذي راح يتقصد رئتيه للوصول إلى حياته.
فرض لزوم البيت على الإنسان عزلة غريبة لم يكن يظن نفسه أنه سيغرق فيها يومًا. وفي عزلته بات يخاف من كل شيء، ويخشى على فقد من يقيمون معه من الأهل والأبناء.
كان على الإنسان أن يتعايش مع هذا الواقع؛ فلم يجد خيرًا من التأمل والتحديق في التفاصيل الصغيرة في بيته، وكان للنافذة دور في ممارسة هوايته الجديدة؛فأطل منها على الحديقة والشارع، ورأى الطيور والحيوانات من قطط وكلابتسرح أمامه وتمرح في حرية بات يفتقدها.لقد غدت النافذةأنفه وعينه اللذين يهددهما فيروس كورونا اللعين.
أغرب ما في تأملات الإنسان في ظروف كورونا أن يتأمل حذاءه الذي لم يكن يعيره الاهتمام من قبل، وأن يجره تأمله إلى استرجاع تاريخه الشخصي وذكرياته مع الأحذية، وتتبع الذين اهتموا بالحذاء من المفكرين والأدباء والفنانين عبر تاريخ الإنسانية الطويل.
في كتاب «أحلم بالرصيف» الذي أنجزه محمد العامري في أوج أزمة كورونا يتأمل العامري في أحلامه، في خزانة ملابسه، في فراشه وسريره، في سقف البيت وحيطانه، في حديقة المنزل بما فيها من أشجار وأطيار، ليجد أن كل شيء قد تغير؛ فالبيت غدت ممراته عبقة بروائح الكحول، وكل محتوياته تلمع من كثرة ما جرى لها من تعقيم وتنظيف، مما يذكره بمارسيل بروست في روايته «البحث عن الزمن الضائع» فقد كان الرجل يعقم كل الأدوات التي يستخدمها خوفًا من الوباء. أما غرفة النوم فحل مكانها كنبة زرقاء يتمغط عليها بالقرب من مكتبته حيث لا نوم. حتى ذقنه صارت مستطيلة مثل مكنسة الهواء تحاول التمدد على صدره.
ويبلغ العامري حد المأساة حين ينصب تأمله على خزانة أحذيته التي يذكره كل حذاء منها بالبلد الذي اشتراه منه، ويرى الأحذية فيها كالأشباح التي يتكئ بعضها على بعض،ولا تقوى على الحركة، وتتدلى أربطتها مثل لعاب يسيل على شدقي كل حذاء. إنها تشبه أحذية المزارعين والفلاحين التي ظهرت في لوحات فان كوخ على حد وصف جاك دريدا. لقد ركنت في الخزانة لتنام نومًا طويلًا، كأنها في غيبوبة بعد أن فقدت قيمتها حين لم تستخدمها قدماه اللتان تعانيان الآن من» أمية المشي». فهو يحن إلى المشي في الغابات القريبة كما كان يفعل جان جاك روسو؛ لأن المشي ينشط العقل، ويبعث الأفكار العميقة، ويزيل مشاعر الحزن والكآبة.
وفي خضم كآبة العامري وأحلامه يتذكر كتاب فريدريك غرو «المشي فلسفة»، الذي تحدث فيه عن أرثور رامبو الذي كان يندفع إلى المشي بدافع البحث عن الحرية والشمس. كما يتذكر كتاب خيري منصور «الكتابة بالقدمين» الذي يقترب فيه مما ذكره نيتشه بهذا المعنى بأن أصابع القدم تسمع.
في زمن كورونا أصبح الإنسان، كما وصفه العامري في كتابه»أحلم بالرصيف» سجين البيت يذرع الحجرات حافي القدمين يتأمل في كل شيء حتى في حذائه. ويتمنى أن يعود إلى حياته الماضية، ويمشي دون خوف في الشوارع والطرقات.
هكذا حين يكون الحذاء موضوعًا للتأمل يتجلى إحساس الإنسان بعزلته وعظيم مأساته وشدة كآبته.
Bei Facebook anmelden
Melde dich bei Facebook an, um dich mit deinen Freunden, deiner Familie und Personen, die du kennst, zu verbinden und Inhalte zu teilen.
www.facebook.com