أيمن دراوشة - كيف يتفوق النص الضعيف على النص القوي أحيانا؟ من أسرار الكتابة


ربما يثير العنوان غرابة الكثيرين، لكنه حقيقة ، فخلال تجربتي الكتابية ومن ضمنها تحليل النصوص ونقدها ، فقد صادفني مئات النصوص تراوحت بين الضعف والوسط والقوة، وكما أنَّ مهمة النقد تحتاج مهارة فائقة فهي ليست بالمهمة السهلة كما يعتقد البعض، فمهمة الناقد التصويب قبل التحليل، وحتى يكون مصوِّبًا ناجحًا، عليه أن يكون متمكنًا من قواعد النحو والصرف بالدرجة الأولى، وأيضًا علامات الترقيم ومواقع استخدامها الصحيح، إضافة إلى الثقافة الواسعة في علم النفس والفلسفة والأوزان الشعرية والموسيقى والمسرح والسينما والتقنيات الحديثة، ومتابعة كل ما يستجد على الساحة الأدبية عربيًا وعالميًا، فالعالم متغير في كل لحظة، وما كان كلاسيكيًا فقد انتهى عهده؛ لهذا فأنا أعد الناقد أهم من الشاعر وأهم من الروائي وأهم من القاص، وكل الفنون الأدبية ، بشرط أن يتقنها جميعها، أو يتخصص بواحدٍ منها، فناقد لا يعرف الأوزان الشعرية لا يصلح بتاتًا لنقد الشعر، وعدم الإلمام بتقنيات الرواية، مؤكد فاشل في نقده للرواية وهكذا، لن أبتعد عن الموضوع الأساسي ، فالنصوص التي تناولتها متنوعة ما بين خاطرة ورواية وقصص قصيرة وقصص طويلة ودواوين شعر وحتى لوحات فنية ومسرح ، وربما تجاوزت أعمالي النقدية خمسمائة قراءة غير المقدمات التي قدمتها لكتب أدبية وحتى علمية وأكاديمية، هذه النصوص احتوت على أخطاء كثيرة منها ما هو فني ومنها ما هو نحوي وإملائي ولفظي وصرفي وسوء استخدام علامات الترقيم.

في بداياتي النقدية لم أكن متمكنًا من أدواتي الفنية، فكان عليَّ أن أتعلم الأشياء التي ذكرتها سابقًا ، وتعلمي هذا كان بسبب الأخطاء التي وقع فيها أصحابها، فكان عليَّ العودة إلى المعاجم والمصادر والمراجع؛ للتأكد من الوجه الصحيح في تشكيل كلمة معينة أو معلومة أو معنى، وفي الشعر كان عليَّ تعلم الأوزان الشعرية والتقطيع العروضي، أمَّا النحو فكلما أكتشف خطأً نحويًا أو أشك بإعرابه في كتاباتي الخاصة، فقد كنت أعود وأقرأ عن الموضوع كاملا، فإذا تعلق الأمر بتقديم الخبر على المبتدأ، أو حركة على الكلمة مثلا كنت أعود لدرس المبتدأ والخبر، أو المعجم، وقبل الإنترنت كانت الكتب، ثم أصبحت أعود إلى الإنترنت بشكل سريع، بعد أن فقدت كثيرًا من كتبي الورقية، هذا أكسبني معلومات وفوائد غزيرة، فلولا خطأ في إملاء كلمة مثل كؤوس على سبيل المثال وعودتي للإنترنت لمعرفة الرسم الصحيح أو القاعدة الصحيحة، لما كتبتها صحيحًا الآن، وهذا طبعًا ينطبق على علامات الترقيم والبحور الشعرية والمعلومات العامة وغيرها؛ لهذا أتقنت كل الأجناس الأدبية وتقنيات كتابتها وإن كانت ناقصة في البداية، إلا أنَّ أصحاب الاختصاص من الشعراء والمسرحيين وكتاب الدراما لم يقصروا معي أبدًا في تقديم المساعدة بشتى الطرق والأساليب والحمد لله.

يعاني الكتَّاب من مشكلة الكسل والإهمال في مراجعة قاعدة معينة، مما يتسبب في تكرار الخطأ الذي يلازمه في كل كتاباته، فعندما أنبِّه أحد الكتاب بأن عليه معرفة قاعدة كتابة همزة الوصل والقطع مثلا والتي لن تأخذ من وقته ربع ساعة أو أقل، فإنَّ حضرة الكاتب لا يتنازل ويذهب بنفسه للبحث عن الصحيح والشامل، على الرغم أنَّ الإنترنت ومحركات البحث موجودة أمامه.

كما أنَّ كثيرًا من الكتاب يسألونني عن أشياء بسيطة، يستطيعون معرفتها دون استعانة من أحد من خلال محركات البحث مهما كانت تلك الأشياء بسيطة أو معقدة فهي موجودة ومفصلة تفصيلا واضحًا على صفحات الإنترنت وكثير من الآراء والتحليلات للوصول إلى الصواب.

عند تصفحي للإنترنت لمعرفة شيء لا أعلمه، كمصطلح الرباعيات في الشعر مثلا، فقراءتي من كتاب أو الإنترنت أفضل بكثير من الاستعانة بصديق، لأن قراءتي الواسعة والدقيقة لمفهوم الرباعيات من مصادر صحيحة؛ سيرسخ المعلومة في ذهني أكثر من أي صديق متخصص، فمحركات البحث مفتوحة أمامنا على مدار الساعة وإلى ما لا نهاية، أمَّا الصديق فلا تضمن صحة إجابته من عدمها.





فالمدارس والجامعات والمتخصصون والأصدقاء لن لن يكونوا أدرى منك بك.

خلاصة القول : لا تترك شيئًا يجب معرفته لكتابتك أو تؤجله، لأنك ستصادف أشياء كثيرة حتمًا، ولا تكرر أخطاءك المختلفة في نص وراء نص، السؤال ليس عيبًا، ومعرفة إجابته سهلة ليست شائكة، إذا شككت في إعراب كلمة أو في إملائها، أو التباس ما، وعجزت عن معرفة الصواب، فقم فورًا بتغيير الكلمة أو حتى الجملة أو الفقرة كلها، لا سيما إذا كنت تكتب مادة أدبية كالشعر والرواية والقصة ...

إضافة إلى ذلك، لا تدع المتطفلين ينتقدونك بسبب الأخطاء، ويستعرضون عليك، ويسببون لك الإحراج والمضايقة أمام أصدقائك، بل عليك أن تغلق الباب من امامهم ، وتصوب تلك الأخطاء حتى لا تكررها بنص آخر، وربما عاد إليك نفس المتطفلين.

إلى الآن ما زلت أُخطئ، وما زلت أتعلم أمورًا حتى لو بسيطة، وسوف أبقى أتعلم حتى النهاية، فمهما بلغنا من العلم والمعرفة، ستبقى معرفتنا ناقصة، هذا النقص لا يمكن أن يتمم معرفتنا طالما هناك حياة، وطالما هناك تطور ومستجدات لا حصر لها.

وحتى نتعلم علينا أن نخطئ، ومن خطئنا وخطأ غيرنا نتعلم، ولولا معرفتنا بالخطأ ووجه الصواب له، للازمنا الخطأ في كل كتاباتنا.

حدثتكم عن تجربتي في عالم الكتابة، وكيف تمكنت من إتقان كل الأجناس الأدبية، ونقلت لكم جزءًا قليلا من الصورة، وأسرارًا أقولها لأول مرة، فالشكر لله أولا، ولكل من مد لي يد المساعدة سواء بنشر أو تصويب أو تعديل فكرة، أو تعاون أدبي ... والله من وراء القصد.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى