يصعد الأمل لدينا كلما فتح الله لنا طاقة من بصيص النور؛ فتتصاعد الأمنيات جميعاً الي سطح الأحلام، لنيل شئ من السعادة البسيطة المشروعة.
في بعض الأحيان نظن أننا نقترب من أحلامنا ؛ ولكن عندما نقترب من أحلامنا نجدها أحلاماً مبعثرة
رزقني الله بعمل اضافي قبل عيد الأضحى بأيام قليلة، سعدت بهذا الرزق ليس من أجلي، ولكن من أجل إسعاد أبنائي، وادخال الفرحة في قلوبهم، لأنني سوف أشتري لهم لحمة العيد من عند الجزار، كما كانوا يتمنون هذا من قبل، لقد سئموا اللحوم المجمدة، التي كنت أشتريها لهم في الأعياد، لأنني عامل يومية بسيط، محدود الدخل، والرزق بالنسبة لي رزق غيبي،
أوقات يكون وفيراً، وأحياناً كثيرة يقل، أو ينعدم
ذهبت الي المنزل بعد الإنتهاء من عملي، وجدت أولادي في انتظاري، كي أكمل بهجتهم، وأشتري لهم كل طلباتهم، بما فيها لحمة العيد من عند الجزار، لقد طال انتظارهم للتعرف علي هذه اللحمة،التي يسيل لعابهم بمجرد ذكر اسمها أمامهم، ولأنني قد وعدتهم أن أشتريها لهم عندما يمن الله عليَّ بثمنها، لأن قروشي القليلة التي أكسبها من عملي - كعامل يومية - لا تكفي لسد حاجتهم الأساسية : الخبز، الخضار، الفطار...
في بعض الأحيان كنت أعمل لساعات متأخرة من الليل، عندما يأتينا إيصال نور أو مياه أو غاز، أو عندما يحتاج أحد الأبناء إلى مصاريف للدرس، أو أن يكون أحدهم قد تمزق حذاءه ؛ولا ينفع معه تصليح.
قابلني أولادي بضحكات منفرجة الأسارير:
- بابا جه، بابا جه ...
سعدت لسعادتهم لأنني لأول مرة سوف أحقق لهم ما تمنوه.
بدَّلت ثياب العمل في برهة، وخرجت بصحبتهم مسرعاَ ؛ اشتريت لهم كل ما طلبوه، وفي النهاية أخذتهم عند الجزار، وقفوا مشدوهين، مثبتين أنظارهم علي اللحوم والجزار والزحمة المفرطة عليه، يمطون شفاههم بسعادة وفخر ... مر من أمامهم أحد أصدقائهم نظروا إليه شذراَ من مؤخرة مقلهم، ثم أكملوا المشاهدة، اشتريت لهم اللحم الضاني من الجزار.
في الصباح ارتدى كلٌ منهم ثيابه الجديدة، فرحين مهللين ودلفوا إلي حجرتي يُقبِّلون جبهتي ويدي ويدعون لي : ( ربنا يخليك لنا يا بابا وكل سنة وحضرتك طيب، وأنا أقبلهم واضعاً في أيديهم العيدية)...
أحسست بسعادة تغمرني ؛وتنتشل أي ارهاق أو تعب قد ألمَّ بي، نتيجة ساعات العمل الإضافية من أجل زيادة قروشي القليلة ...
أعدت زوجتي طعام الإفطار وتَحلَّقنا جميعاً أمام الطبلية مثبتين أنظارنا علي اللحمة التي سوف نتعرف عليها للمرة الأولى، و التي كنا نأمل مراراً أن نتعرف عليها..
كان طعام الإفطار فتة باللحم، أكل كلٌ منا الفتة ؛ ووزعت زوجتي علينا اللحمة، كلما تضع زوجتي قطعة أمام أحد الأبناء ينظر إليها بدهشة، يُقَرَّبها من فيه؛ ثم يعيدها أمامه.
وعندما رأيتها في أيديهم وجدت زوجتي تمط شفتيها وتحدثني في همس : لقد خدعك الجزار، قطّعها لك معظمها سمينة.
لفظها الأبناء معللين :
- لا نريد لحمة الجزار.
دلفت دمعة حزينة من عين الأب، ثم تلتها بعض الدمعات التي فشل في تحجيمها داخل مٌقله ... لمحها الأبناء، علي الفور التقط الأبناء اللحمة ؛ قضم كلٌ منهم قضمة مع ابتسامة مصطنعة ؛ محدثين:
- لا ...لا يا أبي ؛ إنها جميلة .
فاطمة مندي
في بعض الأحيان نظن أننا نقترب من أحلامنا ؛ ولكن عندما نقترب من أحلامنا نجدها أحلاماً مبعثرة
رزقني الله بعمل اضافي قبل عيد الأضحى بأيام قليلة، سعدت بهذا الرزق ليس من أجلي، ولكن من أجل إسعاد أبنائي، وادخال الفرحة في قلوبهم، لأنني سوف أشتري لهم لحمة العيد من عند الجزار، كما كانوا يتمنون هذا من قبل، لقد سئموا اللحوم المجمدة، التي كنت أشتريها لهم في الأعياد، لأنني عامل يومية بسيط، محدود الدخل، والرزق بالنسبة لي رزق غيبي،
أوقات يكون وفيراً، وأحياناً كثيرة يقل، أو ينعدم
ذهبت الي المنزل بعد الإنتهاء من عملي، وجدت أولادي في انتظاري، كي أكمل بهجتهم، وأشتري لهم كل طلباتهم، بما فيها لحمة العيد من عند الجزار، لقد طال انتظارهم للتعرف علي هذه اللحمة،التي يسيل لعابهم بمجرد ذكر اسمها أمامهم، ولأنني قد وعدتهم أن أشتريها لهم عندما يمن الله عليَّ بثمنها، لأن قروشي القليلة التي أكسبها من عملي - كعامل يومية - لا تكفي لسد حاجتهم الأساسية : الخبز، الخضار، الفطار...
في بعض الأحيان كنت أعمل لساعات متأخرة من الليل، عندما يأتينا إيصال نور أو مياه أو غاز، أو عندما يحتاج أحد الأبناء إلى مصاريف للدرس، أو أن يكون أحدهم قد تمزق حذاءه ؛ولا ينفع معه تصليح.
قابلني أولادي بضحكات منفرجة الأسارير:
- بابا جه، بابا جه ...
سعدت لسعادتهم لأنني لأول مرة سوف أحقق لهم ما تمنوه.
بدَّلت ثياب العمل في برهة، وخرجت بصحبتهم مسرعاَ ؛ اشتريت لهم كل ما طلبوه، وفي النهاية أخذتهم عند الجزار، وقفوا مشدوهين، مثبتين أنظارهم علي اللحوم والجزار والزحمة المفرطة عليه، يمطون شفاههم بسعادة وفخر ... مر من أمامهم أحد أصدقائهم نظروا إليه شذراَ من مؤخرة مقلهم، ثم أكملوا المشاهدة، اشتريت لهم اللحم الضاني من الجزار.
في الصباح ارتدى كلٌ منهم ثيابه الجديدة، فرحين مهللين ودلفوا إلي حجرتي يُقبِّلون جبهتي ويدي ويدعون لي : ( ربنا يخليك لنا يا بابا وكل سنة وحضرتك طيب، وأنا أقبلهم واضعاً في أيديهم العيدية)...
أحسست بسعادة تغمرني ؛وتنتشل أي ارهاق أو تعب قد ألمَّ بي، نتيجة ساعات العمل الإضافية من أجل زيادة قروشي القليلة ...
أعدت زوجتي طعام الإفطار وتَحلَّقنا جميعاً أمام الطبلية مثبتين أنظارنا علي اللحمة التي سوف نتعرف عليها للمرة الأولى، و التي كنا نأمل مراراً أن نتعرف عليها..
كان طعام الإفطار فتة باللحم، أكل كلٌ منا الفتة ؛ ووزعت زوجتي علينا اللحمة، كلما تضع زوجتي قطعة أمام أحد الأبناء ينظر إليها بدهشة، يُقَرَّبها من فيه؛ ثم يعيدها أمامه.
وعندما رأيتها في أيديهم وجدت زوجتي تمط شفتيها وتحدثني في همس : لقد خدعك الجزار، قطّعها لك معظمها سمينة.
لفظها الأبناء معللين :
- لا نريد لحمة الجزار.
دلفت دمعة حزينة من عين الأب، ثم تلتها بعض الدمعات التي فشل في تحجيمها داخل مٌقله ... لمحها الأبناء، علي الفور التقط الأبناء اللحمة ؛ قضم كلٌ منهم قضمة مع ابتسامة مصطنعة ؛ محدثين:
- لا ...لا يا أبي ؛ إنها جميلة .
فاطمة مندي