سألت فاطمة صديقتها ليلى :
ـ هل تعرفين حليمة زوجة إبراهيم الاسكافي ؟
أجابت ليلى باقتضاب :
ـ لا . لا أعرفها . ما لها ؟
وضعت فاطمة كأس الشاي فوق المائدة وقالت :
ـ اسمعي ، حليمة امرأة بعشرة رجال ، تشتغل في كل شيء إلا الحرام . تخدم في البيوت ، تبيع الخضر في السوق العشوائي ، تعمل (طيابة)* في الحمام لتطعم أبناءها . سبع صنائع والرزق ضائع . يعرفها الحي بكامله الصغير قبل الكبير .
سألت ليلى باستغراب :
ـ وزوجها ألا يصرف على البيت ؟
قالت فاطمة وملامح وجهها تعبر عن إحساسها بالألم :
ـ زوجها ولد الحرام ، دائما سكران ، بالليل والنهار .
تقول المسكينة أنها تفرح عندما تقترب الانتخابات ، وتبدأ الحملات ، تعمل شهرا كاملا بالليل والنهار ، وتأكل هي والأبناء حتى يشبع الجميع ، وتترك للزوج عشاءه . ولا تجد الوقت الذي تحك فيه رأسها ، وتتمنى لو استمرت الحملة العام كله . لم تكن تعرف أنها مهمة لهذه الدرجة . المقدم يسأل ، وجل المرشحين يطلبون ودها . روت لي مرة ، والحيرة تأكل قلبها وعقلها :
ـ أقسمت على كتاب الله لمرشحين يتنافسان في الدائرة ، وأخذت منهما عمولة وهما يعلمان بذلك ، وكل واحد يطلب مني أن أعمل لصالحه ، وأتجسس على خصمه .
أُحس بسعادة غامرة عندما تزورني سيدة تركب سيارة فاخرة ، لا يدخل مثلها إلى الحي إلا أيام الحملات الانتخابية . وأسعد أكثر ، عندما يُحيط الأطفال بالسيارة ، ويُطوّقونها من كل جانب ، وهم يرقصون من الفرح ، لأن امرأة مثل النساء اللواتي لا يرونهن إلا في التلفزيون ماثلة أمامهم بلحمها ودمها ، ويَدُلّونها على مسكن حليمة ، ولا تصل حتى يكاد صدرها ينفجر من الإحساس بالضيق ، وتستغرب كيف قضيت العمر كله في هذا المستنقع . أما الرجال فلهم أمنيات أخرى ، فقد أسرَّ لي إبراهيم زوجي مرة وهو سكران ، بأنه تمنى لو انفرد بها راجلة في خلاء مقفر لاغتصبها ، وغرز أسنانه مثل وحش كاسر في لحمها الأبيض المكتنز .
المرشح المُلتحي نفحني ليلة التصويت بمأتي درهم ، وأخرج مُصحفا صغيرا من جيبه وسألني هل أنا مُتوضئة . كذبت وأجبت بنعم ، الله يسامحني ، ثم ناولني المصحف ، وطلب مني أن أُقبله وأحلف بآياته المقدسة ، على أن أصوت لصالحه في الغد . وعندما أنهيت القسم أمطرتني داعية ترافقه بوابل من الكلام الغليظ ، لم أحتفظ منه إلا ببعض الأسماء مثل الصحابة والبخاري ومسلم وعكرمة وابن تيمية ، وأن من يحنث بالقرآن الكريم ، لن ينام ولن يرتاح في قبره ، حتى يُبعث يوم القيامة ، ويُعلق من رموش عينيه، ويُشوى من الصباح إلى المساء ، ويعود إليه لحمه ، وتجري الدماء في عروقه ، ويُشوى من جديد ، ويبقى هكذا إلى أبد الآبدين . والله خفت أن أشوى ، أو تحل بي مصيبة ، ولم أنم في الليل . وبمجرد ما استيقظت في الصباح ذهبت إلى مكتب الاقتراع ، ولم أرتح إلا بعد أن صوت عليه ، وعدت إلى البيت لتناول فطوري ، فوجدت إبراهيم قد سرق المأتي درهم ، واختفى ولم يعد إلا بعد منتصف الليل . مرضت يومين بالحسرة ، لم أنهض فيهما من الفراش ، واعتقدت أن ما أصابني ربما حدث بسبب الكذب .
بقوا يرددون نفس الكلام الكبير الذي يخيفون به البسطاء مثلي من يوم القيامة . خدمت في بيوتهم ، رأيتهم يكذبون ، وسمعتهم يسرقون . لم أذق معهم لا زيت ولا خبز ولا سمن عمر بن الخطاب .
وأستغربُ كيف نعتقد نحن الفقراء بأن الله سبحانه يُعذبنا على أتفه الأسباب ، ولا يُعاقب هؤلاء الذين يحفظون كتابه ، ويتاجرون به في الحملات الانتخابية والصفقات الكبرى ، ويأكلون حقوقنا في واضحة النهار ، ويشترون بعرقنا أفخم السيارات ، ويبنون أفخر المنازل والفيلات ، ويعيشون في النعيم .
وعندما نطلب منهم القليل ، يزيدون في الأسعار والمحروقات ، ويفعلون مثل زوجي إبراهيم ، يشتكي دائما بأنه معدم ، ولكنه في آخر الليل يعود مخمورا ، ولا أحد يعرف من أين أتى بالنقود التي اشترى بها الخمر .
المعجم :
ـ طَيّابة : امرأة تعمل بالحمام ، تملأ تنظف المكان الذي ستجلس فيه الزبونة وتملأ السطول بالماء الدافئ وتغسل للزبونة مقابل عمولة تقل أو تكثر حسب كرم هذه الأخيرة .
مراكش 14 غشت 2021
ـ هل تعرفين حليمة زوجة إبراهيم الاسكافي ؟
أجابت ليلى باقتضاب :
ـ لا . لا أعرفها . ما لها ؟
وضعت فاطمة كأس الشاي فوق المائدة وقالت :
ـ اسمعي ، حليمة امرأة بعشرة رجال ، تشتغل في كل شيء إلا الحرام . تخدم في البيوت ، تبيع الخضر في السوق العشوائي ، تعمل (طيابة)* في الحمام لتطعم أبناءها . سبع صنائع والرزق ضائع . يعرفها الحي بكامله الصغير قبل الكبير .
سألت ليلى باستغراب :
ـ وزوجها ألا يصرف على البيت ؟
قالت فاطمة وملامح وجهها تعبر عن إحساسها بالألم :
ـ زوجها ولد الحرام ، دائما سكران ، بالليل والنهار .
تقول المسكينة أنها تفرح عندما تقترب الانتخابات ، وتبدأ الحملات ، تعمل شهرا كاملا بالليل والنهار ، وتأكل هي والأبناء حتى يشبع الجميع ، وتترك للزوج عشاءه . ولا تجد الوقت الذي تحك فيه رأسها ، وتتمنى لو استمرت الحملة العام كله . لم تكن تعرف أنها مهمة لهذه الدرجة . المقدم يسأل ، وجل المرشحين يطلبون ودها . روت لي مرة ، والحيرة تأكل قلبها وعقلها :
ـ أقسمت على كتاب الله لمرشحين يتنافسان في الدائرة ، وأخذت منهما عمولة وهما يعلمان بذلك ، وكل واحد يطلب مني أن أعمل لصالحه ، وأتجسس على خصمه .
أُحس بسعادة غامرة عندما تزورني سيدة تركب سيارة فاخرة ، لا يدخل مثلها إلى الحي إلا أيام الحملات الانتخابية . وأسعد أكثر ، عندما يُحيط الأطفال بالسيارة ، ويُطوّقونها من كل جانب ، وهم يرقصون من الفرح ، لأن امرأة مثل النساء اللواتي لا يرونهن إلا في التلفزيون ماثلة أمامهم بلحمها ودمها ، ويَدُلّونها على مسكن حليمة ، ولا تصل حتى يكاد صدرها ينفجر من الإحساس بالضيق ، وتستغرب كيف قضيت العمر كله في هذا المستنقع . أما الرجال فلهم أمنيات أخرى ، فقد أسرَّ لي إبراهيم زوجي مرة وهو سكران ، بأنه تمنى لو انفرد بها راجلة في خلاء مقفر لاغتصبها ، وغرز أسنانه مثل وحش كاسر في لحمها الأبيض المكتنز .
المرشح المُلتحي نفحني ليلة التصويت بمأتي درهم ، وأخرج مُصحفا صغيرا من جيبه وسألني هل أنا مُتوضئة . كذبت وأجبت بنعم ، الله يسامحني ، ثم ناولني المصحف ، وطلب مني أن أُقبله وأحلف بآياته المقدسة ، على أن أصوت لصالحه في الغد . وعندما أنهيت القسم أمطرتني داعية ترافقه بوابل من الكلام الغليظ ، لم أحتفظ منه إلا ببعض الأسماء مثل الصحابة والبخاري ومسلم وعكرمة وابن تيمية ، وأن من يحنث بالقرآن الكريم ، لن ينام ولن يرتاح في قبره ، حتى يُبعث يوم القيامة ، ويُعلق من رموش عينيه، ويُشوى من الصباح إلى المساء ، ويعود إليه لحمه ، وتجري الدماء في عروقه ، ويُشوى من جديد ، ويبقى هكذا إلى أبد الآبدين . والله خفت أن أشوى ، أو تحل بي مصيبة ، ولم أنم في الليل . وبمجرد ما استيقظت في الصباح ذهبت إلى مكتب الاقتراع ، ولم أرتح إلا بعد أن صوت عليه ، وعدت إلى البيت لتناول فطوري ، فوجدت إبراهيم قد سرق المأتي درهم ، واختفى ولم يعد إلا بعد منتصف الليل . مرضت يومين بالحسرة ، لم أنهض فيهما من الفراش ، واعتقدت أن ما أصابني ربما حدث بسبب الكذب .
بقوا يرددون نفس الكلام الكبير الذي يخيفون به البسطاء مثلي من يوم القيامة . خدمت في بيوتهم ، رأيتهم يكذبون ، وسمعتهم يسرقون . لم أذق معهم لا زيت ولا خبز ولا سمن عمر بن الخطاب .
وأستغربُ كيف نعتقد نحن الفقراء بأن الله سبحانه يُعذبنا على أتفه الأسباب ، ولا يُعاقب هؤلاء الذين يحفظون كتابه ، ويتاجرون به في الحملات الانتخابية والصفقات الكبرى ، ويأكلون حقوقنا في واضحة النهار ، ويشترون بعرقنا أفخم السيارات ، ويبنون أفخر المنازل والفيلات ، ويعيشون في النعيم .
وعندما نطلب منهم القليل ، يزيدون في الأسعار والمحروقات ، ويفعلون مثل زوجي إبراهيم ، يشتكي دائما بأنه معدم ، ولكنه في آخر الليل يعود مخمورا ، ولا أحد يعرف من أين أتى بالنقود التي اشترى بها الخمر .
المعجم :
ـ طَيّابة : امرأة تعمل بالحمام ، تملأ تنظف المكان الذي ستجلس فيه الزبونة وتملأ السطول بالماء الدافئ وتغسل للزبونة مقابل عمولة تقل أو تكثر حسب كرم هذه الأخيرة .
مراكش 14 غشت 2021