ذاك البغل ذو الوجه المنتفخ، و الكرش المندلق أمامه كجثة، ما زال متسمراً في شرفته بالبناية المقابلة، بلباسه الكتاني الأبيض ذي الحبلين المتدليين كمشنقتين، و صدره المشعر كغوريلا، أمرت زوجتي ألا تفتح الشباك المطل على الشارع الرئيسي، أو تفتح باب الشرفة
- لماذا؟!
تسأل مستغربة
- هكذا
تمسح باطن كفيها في قميصها، و بظهر الكف الأيمن تمسح عرقاً وهمياً عن الجبين، تشير لل(بانو) الممتليء إلى آخره بالملابس المبتلة:
-و أين يمكنني نشر هذا؟
- في شرفة غرفة النوم
-الشمس لا تقربها، ستستغرق ملابسك وقتاً طويلاً حتى تجف
-لا بأس، يمكنني الانتظار
بغيظٍ، تحمل ال (بانو) الثقيل، ترمقني بنظرةٍ لم أدر لم بدت لي مشفقة! زوجتي لم تعتد بعد على المسكن الجديد
-ضيقٌ هو بعض الشيء
تقول و إبتسامةٍ بلا معنى تكسو وجهها الأشقر الجميل
-مطبخنا في المسكن القديم أوسع، و الصالة أيضاً، هنا لا تدخل الشمس إلا عبر الشباك المطل على الشارع الرئيسي، و شرفة الصالة
تضرب على فخذي ضاحكةً:
-كانت الشمس تسكن منزلنا، تذكر شجرة الكرز في الحديقة بجانب السور؟ و تلك الزيتونة المطلة على غرفة النوم؟
بأناملها الرقيقة تمسح دمعةً علقت برمشها الطويل:
-أوصيت الملاك الجدد بحوض الزهور، رجوتهم أن يتركوه كما هو، لا أدري ما مصيره الآن، رأيت ابنتهم تلك الطويلة السمراء تقطف زهرة الجوري، بينما أجمع ما تبقى لنا من اغراضٍ في المطبخ، جاءني صراخها عبر شباك المطبخ؛ فانتفضت، بكيت حين سمعت عتابهاً: لماذا؟
ألوك سيجارتي بينما أتابعها منثنية الجذع، تحمل الغسيل المبتل إلى غرفة النوم، صارت عجيزتها أكثر استدارةً عن ذي قبل، و أكبر قليلاً، لا أعلم تحديداً متى حدث هذا، لكنني لم أنتبه، منذ انتقلنا إلى تلك البناية الهادئة في أطراف المدينة، و أنا لا أهتم كثيراً بتلك التفاصيل
-ما بك؟
كنت ألهث، و العرق ينفجر من كل مليمتر في جسدي، لكأنما مسامي عيون ماءٍ لا تنضب، استوي جالساً، أمد يدي إلى المنضدة ألتقط علبة السجائر، أرمي واحدةً بين شفتي، أجاهد لأشعلها، و لا أفلح، أرتعش و كأني أقف في مركز زلزالٍ بقوة مائة ريختر، تقوم، تشعل الضوء، في عريها بدت شاهقةً كإلهة، تجلس على طرف السرير، تأخذ رأسي بين نهديها، نهدان منتصبان، شامخان كساري علم، تمسح على شعري، تقبل جبيني:
-تعرفين...إحم..ال..ال..ضغوط، أعصابي لي..لي ليست على ما يرام، رب ربما كا....
تسكتني بقبلةٍ مفاجئة، قبلةٌ حانيةٌ طويلةٌ ملتهبةٌ؛ فأهوي باكياً بين فخذيها، أفرغ كل ما في جعبتي من ضعفٍ، و قلة حيلة، كطفلٍ تائهٍ، أنتحب. في الصباح أخرج إلى الشرفة لأطعم العصافير، يراني البغل؛ فيدير وجهه مرتبكاً، يتناول جريدةً قديمة، يدعي التركيز في القراءة بينما عيناه تهربان باتجاه عيني اللتين رشقتهما سهمين في جسده، يقوم مسرعاً، يدخل مغلقاً الباب وراءه، أقف و أنا انتفض عضباً، نظراتي ما زالت معلقةً على شرفته
لابد أنه يراقبني من خلف أصيص الشباك، هذا الملعون، انتبه على كفٍ تربت على كتفي:
-هل أنت بخير؟
ألتفت لزوجتي، أتأمل غلالتها الرقيقة، أدفعها منفعلاً إلى الداخل
-ألم أقل لك لا تخرجي إلى الشرفة بملابس البيت؟
أصرخ، فترتد إلى الخلف في رعب
-لا تخرجي إلى الشرفة على أية حال، و لأي سبب
كنت أشير بأصابعي مهدداً، فجأةً توقفت، أخبرني اتساع عينيها الرائعتين كم أنا مجنون، سكت، فجرت من أمامي و هي تشهق بالبكاء، أردت أن ألحق بها، أن آخذها بين ذراعي، و أعتذر، لكن شيئاً ما كان يمنعني في كل مرة، شيئٌ يجذبني لأسفل، إلى قاع بئرٍ مظلمٍ بلا قرار
-لم تنجب لك، طلقها
أتذكر كلمات أمي و أنا ألتهم السيجارة تلو الأخرى، وحيداً في الصالة المظلمة، أسمع نحيب زوجتي آتٍ عبر تضاعيف الباب، أبكي بصمتٍ، دون أن أذرف دمعة
-لكنني أحبها
-هي عاقر
-و لو
تقول أمي أنني مسحور، بعت بيتي الكبير القريب منها، و أخترت تلك الشقة الضيقة في المنطقة النائية، تركت عملي، و خسرت تجارتي، و أدمنت القمار، و الخمر بسببها، أقسمت ألا تزورني أو تراني حتى أطلقها، تلك العاقر عديمة الجدوى، كل هذا و هي تسمع
-تباً، لم لا تتكلم؟!!
أقول بينما أتجرع آخر رشفةٍ من قنينة الخمر
-لم عليها أن تتحمل كل هذا صامتةً، راضية؟! صمتها يصفعني، يعريني، كم أنت جبان، لو كنت رجلاً لاعترفت، لكنك لا تملك من الرجولة مقدار خردلة
أقوم مترنحاً، أسترق النظر من وراء ستارة شباك الصالة، كان البغل واقفاً، بيده منظارٌ مقرب أتوجه إلى المطبخ، أبحث عن أكبر سكينٍ فيها، اضرب بيدي الأطباق، و المغارف، فتسقط محدثةً دوياً عنيفاً، أخطف سكين اللحم الحاد، و أجري، ألتهم درجات السلم الخمسين في قفزتين، لا ألقي بالاً لهتاف زوجتي التي تبعتني صارخةً بملابس النوم، أقطع الطريق الأسفلتي الذي يفصل بنايتنا عن الجانب الآخر، أرغي و أزبد و أنا أنعت البغل بكل ما أعرفه و لا أعرفه من سباب، أتوقف ذاهلاً..أتسمر في مكاني أنظر لزوجتي التي ارتمت لاهثةً تحت قدمي مستعطفةً إياي أن أعود، أحدق أمامي بلا معنى، كان الفراغ يملأ كل شيءٍ من حولي، و الصحراء تمتد إلى مالا نهاية...
- لماذا؟!
تسأل مستغربة
- هكذا
تمسح باطن كفيها في قميصها، و بظهر الكف الأيمن تمسح عرقاً وهمياً عن الجبين، تشير لل(بانو) الممتليء إلى آخره بالملابس المبتلة:
-و أين يمكنني نشر هذا؟
- في شرفة غرفة النوم
-الشمس لا تقربها، ستستغرق ملابسك وقتاً طويلاً حتى تجف
-لا بأس، يمكنني الانتظار
بغيظٍ، تحمل ال (بانو) الثقيل، ترمقني بنظرةٍ لم أدر لم بدت لي مشفقة! زوجتي لم تعتد بعد على المسكن الجديد
-ضيقٌ هو بعض الشيء
تقول و إبتسامةٍ بلا معنى تكسو وجهها الأشقر الجميل
-مطبخنا في المسكن القديم أوسع، و الصالة أيضاً، هنا لا تدخل الشمس إلا عبر الشباك المطل على الشارع الرئيسي، و شرفة الصالة
تضرب على فخذي ضاحكةً:
-كانت الشمس تسكن منزلنا، تذكر شجرة الكرز في الحديقة بجانب السور؟ و تلك الزيتونة المطلة على غرفة النوم؟
بأناملها الرقيقة تمسح دمعةً علقت برمشها الطويل:
-أوصيت الملاك الجدد بحوض الزهور، رجوتهم أن يتركوه كما هو، لا أدري ما مصيره الآن، رأيت ابنتهم تلك الطويلة السمراء تقطف زهرة الجوري، بينما أجمع ما تبقى لنا من اغراضٍ في المطبخ، جاءني صراخها عبر شباك المطبخ؛ فانتفضت، بكيت حين سمعت عتابهاً: لماذا؟
ألوك سيجارتي بينما أتابعها منثنية الجذع، تحمل الغسيل المبتل إلى غرفة النوم، صارت عجيزتها أكثر استدارةً عن ذي قبل، و أكبر قليلاً، لا أعلم تحديداً متى حدث هذا، لكنني لم أنتبه، منذ انتقلنا إلى تلك البناية الهادئة في أطراف المدينة، و أنا لا أهتم كثيراً بتلك التفاصيل
-ما بك؟
كنت ألهث، و العرق ينفجر من كل مليمتر في جسدي، لكأنما مسامي عيون ماءٍ لا تنضب، استوي جالساً، أمد يدي إلى المنضدة ألتقط علبة السجائر، أرمي واحدةً بين شفتي، أجاهد لأشعلها، و لا أفلح، أرتعش و كأني أقف في مركز زلزالٍ بقوة مائة ريختر، تقوم، تشعل الضوء، في عريها بدت شاهقةً كإلهة، تجلس على طرف السرير، تأخذ رأسي بين نهديها، نهدان منتصبان، شامخان كساري علم، تمسح على شعري، تقبل جبيني:
-تعرفين...إحم..ال..ال..ضغوط، أعصابي لي..لي ليست على ما يرام، رب ربما كا....
تسكتني بقبلةٍ مفاجئة، قبلةٌ حانيةٌ طويلةٌ ملتهبةٌ؛ فأهوي باكياً بين فخذيها، أفرغ كل ما في جعبتي من ضعفٍ، و قلة حيلة، كطفلٍ تائهٍ، أنتحب. في الصباح أخرج إلى الشرفة لأطعم العصافير، يراني البغل؛ فيدير وجهه مرتبكاً، يتناول جريدةً قديمة، يدعي التركيز في القراءة بينما عيناه تهربان باتجاه عيني اللتين رشقتهما سهمين في جسده، يقوم مسرعاً، يدخل مغلقاً الباب وراءه، أقف و أنا انتفض عضباً، نظراتي ما زالت معلقةً على شرفته
لابد أنه يراقبني من خلف أصيص الشباك، هذا الملعون، انتبه على كفٍ تربت على كتفي:
-هل أنت بخير؟
ألتفت لزوجتي، أتأمل غلالتها الرقيقة، أدفعها منفعلاً إلى الداخل
-ألم أقل لك لا تخرجي إلى الشرفة بملابس البيت؟
أصرخ، فترتد إلى الخلف في رعب
-لا تخرجي إلى الشرفة على أية حال، و لأي سبب
كنت أشير بأصابعي مهدداً، فجأةً توقفت، أخبرني اتساع عينيها الرائعتين كم أنا مجنون، سكت، فجرت من أمامي و هي تشهق بالبكاء، أردت أن ألحق بها، أن آخذها بين ذراعي، و أعتذر، لكن شيئاً ما كان يمنعني في كل مرة، شيئٌ يجذبني لأسفل، إلى قاع بئرٍ مظلمٍ بلا قرار
-لم تنجب لك، طلقها
أتذكر كلمات أمي و أنا ألتهم السيجارة تلو الأخرى، وحيداً في الصالة المظلمة، أسمع نحيب زوجتي آتٍ عبر تضاعيف الباب، أبكي بصمتٍ، دون أن أذرف دمعة
-لكنني أحبها
-هي عاقر
-و لو
تقول أمي أنني مسحور، بعت بيتي الكبير القريب منها، و أخترت تلك الشقة الضيقة في المنطقة النائية، تركت عملي، و خسرت تجارتي، و أدمنت القمار، و الخمر بسببها، أقسمت ألا تزورني أو تراني حتى أطلقها، تلك العاقر عديمة الجدوى، كل هذا و هي تسمع
-تباً، لم لا تتكلم؟!!
أقول بينما أتجرع آخر رشفةٍ من قنينة الخمر
-لم عليها أن تتحمل كل هذا صامتةً، راضية؟! صمتها يصفعني، يعريني، كم أنت جبان، لو كنت رجلاً لاعترفت، لكنك لا تملك من الرجولة مقدار خردلة
أقوم مترنحاً، أسترق النظر من وراء ستارة شباك الصالة، كان البغل واقفاً، بيده منظارٌ مقرب أتوجه إلى المطبخ، أبحث عن أكبر سكينٍ فيها، اضرب بيدي الأطباق، و المغارف، فتسقط محدثةً دوياً عنيفاً، أخطف سكين اللحم الحاد، و أجري، ألتهم درجات السلم الخمسين في قفزتين، لا ألقي بالاً لهتاف زوجتي التي تبعتني صارخةً بملابس النوم، أقطع الطريق الأسفلتي الذي يفصل بنايتنا عن الجانب الآخر، أرغي و أزبد و أنا أنعت البغل بكل ما أعرفه و لا أعرفه من سباب، أتوقف ذاهلاً..أتسمر في مكاني أنظر لزوجتي التي ارتمت لاهثةً تحت قدمي مستعطفةً إياي أن أعود، أحدق أمامي بلا معنى، كان الفراغ يملأ كل شيءٍ من حولي، و الصحراء تمتد إلى مالا نهاية...
Bei Facebook anmelden
Melde dich bei Facebook an, um dich mit deinen Freunden, deiner Familie und Personen, die du kennst, zu verbinden und Inhalte zu teilen.
www.facebook.com