ثقافة شعبية عبدالسميع بنشيخ - ما هي أقدم النصوص النثرية والشعرية الموثقة تاريخياً التي كُتبت بأكملها بإحدى اللهجات العربية المغاربية (الليبية، الدارجة التونسية و

ما هي أقدم النصوص النثرية والشعرية الموثقة تاريخياً التي كُتبت بأكملها بإحدى اللهجات العربية المغاربية (الليبية، الدارجة التونسية والجزائرية والمغربية، الحسانية) ؟




ملعبة الكفيف الزرهوني هي أقدم نص أدبي موثق مدون بالدارجة المغربية. وهي قصيدة ملحمية تتكون من 497 بيت شعري ثنائي الأشطر مكتوب بالعامية المغربية. ألفها شاعر يلقب بـ "الكفيف الزرهوني" (الكفيف لأنه كان أعمى، والزرهوني نسبة إلى قرية مولاي إدريس زرهون ناحية فاس).

يقول عنها الأستاذ محمد بنشريفة (وهو الذي قام بتحقيق النص والتعليق عليه): "من حسن الحظ أن عوادي الزمان ونوائب الحدثان أبقت لنا على نص شعري البناء، عامي اللهجة، ملحمي المنحى، سياسي المنزع، تاريخي المضمون، يتسم بالطرافة ويتميز بالأهمية ويتصف بالإبداع […] إنه أقدم وثيقة تاريخية حول حدث، بارز هز كيان المغرب الكبير في وقته، ألا وهو الحركة التي قام بها السلطان الكبير أبو الحسن المريني.."

وتصف القصيدة أطوار حملة السلطان أبو الحسن المريني على مدينة القيروان بإستخدام تقنيات السرد الملحمي، أي أنها "لا تقتصر على ذكر الحدث ومسباته ونتائجه، بل تتعدى ذلك إلى الإحتفال بجزئيات السيناريوهات المصورة لكيفية تمام فصول ذلك الحدث، معتمدة على أساليب التصوير والتشبيه وعلى تقنيات الخطاب السردي […] وتفيض عن تصاوير سيناريوهات مختلف الأحداث في السرد الملحمي معلومات انثروبوغرافية متعلقة ببنيات المجتمع وبحضارته وتقاليده وعاداته ومكوناته الإثنية والسوسيو-لغوية" (المدلاوي 2012)

وإذ أن الشاعر يؤكد ولاءه للدولة المرينية واعتزازه بجيشها، إلى أنه يعبر عن عدم رضاه عن السياسة التوسعية للسلطان المريني تجاه الشرق، والتي منيت بالهزيمة في محاولته غزو القيروان بتونس:

أمولاي بولحسن خطينا الباب *** في قضية سيرنا لتونس

(يا مولاي أبي الحسن، لقد جانبنا الصواب بسيرنا نحو تونس)

في غنى كنا عن الجريد والزاب *** واشلك بعرب إفريقية الغوبس

(كنا في غنى عن بلاد الجريد والزاب (قيل من بسكرة إلى توزر)، وليس لنا شأن في أعراب إفريقية الماكرين)

أما بلغك عن عمر فتى الخطاب *** الفاروق فاتح القرى المؤسس

(ألم يبلغك خبر عمر ابن الخطاب، فاتح القرى والمؤسس)

فتح الشام والعراق وتاج كسرى *** ولم يفتح من فريقية ذكان

(إذ فتح الشام والعراق وممالك كسرى ولم يفتح من إفريقية شيئا)

كانت إذا ذكرت له كره خبرها *** وقال إسمها يفرق الإخوان*

(وكان إذا ذكر له خبرها كره ذلك وقال أن اسمها يفرق الإخوة)

* يقصد الزرهوني هنا رد عمر ابن الخطاب (المفترض) لاقتراح عمرو بن العاص بغزو تونس بقوله "لا إنها ليست بإفريقية ولكنها المفرقة غادرة مغدور بها لا يغزوها أحد ما بقيت" (ابن عبد الحكم، فتوح إفريقية والأندلس ص33)

ويسمى هذا النص اختصارا بالملعبة، رغم أن "الملعبة" ليست عنوان القصيدة. الملعبة هي نوع شعري مغربي (من قبيل الملحون) سمي كذلك لتلاعب الشعراء فيه بالقوافي. يقول عنه إبن خلدون في "المقدمة": "إن أهل فاس وغيرهم استحسنوا هذا الفن، وولعوا به، ونظموا على طريقته، وتركوا الإعراب الذي ليس من شأنهم، وكثر سماعه بينهم، واستفحل فيه كثير منهم". ويقول في الملعبة: "وكان لهذه العصور القريبة، مِن فٌحولهم بزرهون من نواحي مكناس، رجلٌ يُعرف بالكفيف، أبدع في مذاهب هذا الفن، ومن أحسن ما علِقَ به في محفوظي قولُه في رِحلة السلطان أبي الحسن وبني مرين إلى إفريقية، يصف هزيمتهم بالقيروان، ويعزِّيهم عنها، ويؤسِّيهم بما وقع لغيرهم، بعد أن عيَبهم على غزاتهم إلى إفريقية، في مَلْعبة من فنون هذه الطريقة"

مطلع القصيدة:

سبحان ماليك خواطر لومارا *** ونواصيها كولا حين وزامان
(سبحان مالك أمزجة الأمراء *** ونواصيها في كل حين وزمان)
إن طعناه عطفــم لينا نصرا *** وين عصيناه قضا بكل هوان
(إن أطعناه، عطف بهم علينا نصرا *** وإن عصيناه قضى بكل هوان)




مراجع:

ملعبة الكفيف الزرهوني. تحقيق: محمد بن شريفة - المطبعة الملكية بالرباط (1987)
رفع الحجاب عن مغمور الثقافة والآداب. محمد المدلاوي المنبهي - منشورات المعهد الجامعي للبحث العلمي بالرباط (2012)
مقدمة ابن خلدون

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى