جميعهم أشاروا عليه بأن يستغل الوسيلة الجديدة في عالم التطور والحضارة "الفيس بوك", ويهبط من عليائه ويخاطب شعبه الذي ينتظر سماع آرائه وأفكاره المضيئة التي ستنير طريقهم للعيش بسلام، والانطلاق نحو بوابات الحرية المفتوحة وأسواق الشبع بعد الجوع والظمأ.
بعد أن تعرض الرئيس لحادثة الإغتيال قرر أن يختبئ في قصره، في غرفته الواسعة ذات الجدران المصفحة ضد الرصاص، وفي سيارته المصفحة وطائرته المصفحة, حتى أصبح العالم الداخلي دائرة من الصفيح البارد مشدوداً على قسمات وجهه. أما العالم الخارجي فقد تحول إلى نزهة سريعة وزيارات مرسومة بالمسطرة وقلم الرصاص، يقوم بها بحرص وحذر وتحت حراسة العيون المستيقظة. ثم يعود إلى غرفته لاهثاً, حيث يخرج قراراته ويوزعها على العالم عبر رجاله الذين ينسجون الأخبار ويرصدون اللقاءات ويرافقون خطواته ووثباته الرشيقة حسب وصف الفضائيات، لكن الحقيقة هي وثبات الخوف من القنص.
جاء الرجل المسؤول عن تعليم الرئيس كي يعلم الرئيس كيفية استخدام "الفيس بوك". فتح الصفحة أمامه وطلب منه التواصل مع جميع الناس. فبما أنه ديمقراطي يجب عليه أن يقبل طلبات الصداقة, وان يسمح لهم أن يكتبوا على صفحته ما يخطر ببالهم.
وما هي إلا دقائق حتى انهمرت طلبات الصداقة، وفيضانات من الرسائل تدفقت فوق الشاشة. لم يستوعب هذا الفيض الهادر، وأعتبره شلالات من الحب الشعبي له. وبدأ يرقص طرباً لأن هذا الحب معناه أن شعبه لن يتخلى عنه, ولن يصاب بمرض الربيع العربي.
جلس أمام الشاشة الزجاجية. شعر أن هذا التجمع الكلامي المكتوب يصيبه بالدوار وبالتوتر وبالدهشة المصحوبة بالقلق، لأن الحواجز التي تفصله عن الشعب قد انهارت تحت دق الحروف وبروز الضباب الملون لنبض الكلمات. انه يقرأ كلمات جديدة ذات روح هاربة تختلف عن الرؤوس المنحنية أمامه، والرقاب المعلقة على حدود الطاعة..!
غضب حين طلب منه أحد الشباب معرفة لون قميصه الذي يرتديه ولون ملابسه الداخلية، وفتاة تريد معرفة مطربته المفضلة وطعامه المفضل. أما تلك المرأة, التي أرادت أن تعرف تفاصيل خاصة عن زوجته فقد كسرت زجاج رقته المفتعلة, ودفعته إلى إغلاق الشاشة ورمي الحاسوب إلى حضن الرجل الحارس الواقف إلى جانبه.
ابتعد عدة أيام عن الحاسوب، فقد نسي قصة "الفيس بوك" والتواصل مع الشعب, وأعتبر هذا "الفيس بوك" ثرثرة عقيمة. لكن خلال اجتماعه مع أصدقائه الرؤساء في مؤتمر حول تطلعات الأجيال القادمة، وجد أن أصدقاءه يرتعدون خوفاً من هذه الأجيال. وعندما طردوا وسائل الأعلام ورجال الحماية التابعة لكل رئيس أغلقوا أبواب القاعة جيداً, وأخذوا يبكون خوفاً من مصيرهم بصوت خافت. أحد الرؤساء لم يجد في جيوبه محرمة لمسح دموعه، فتناول العلم الذي خلفه ومسح دموعه. لم يعجب رئيس الدولة, التي يعود العلم لها, من هذا التصرف فنهره بصوت عال, لأن علم دولته ليس للمسح بل للتحليق بالفضاء الشامخ. لكن صراخه لم يعجب البعض فجاءوا بجميع الأعلام, ووضعوها على الطاولة أمامهم حتى لا تتسبب أزمة بين دموع الرؤساء.
كان قرارهم السري ملاطفة الأجيال الجديدة, والتعامل معها بأبوة وتفهم حقيقي والوسيلة الوحيدة لذلك "الفيس بوك"..!
شعر أن هذا القرار يشير إليه، فهو أضعف رئيس بين الرؤساء. إنهم يملكون القوة والجيوش والحدود والمقدرات الاقتصادية، غير انه هو لا يملك شيء. شعبه يعيش على المساعدات والمنح والعطف المربوط بحنفيات المزاج الدولي.
في المطار أوعز لرجاله بتحضير الحاسوب, وفتح شاشته قبل وصوله غرفته المصفحة، وقبل تحضير حمامه الساخن وقبل رؤية زوجته التي قالت في إحدى المقابلات الصحفية: إنها تكاد لا ترى زوجها المشغول بقضايا شعبه، وتتمنى أن يتخلص زوجها من هذا العبء كي يرجع لها زوجاً وأباً مثل باقي الآباء..!!
عندها لم تسلم زوجته من تعليقات الجيل الجديد, والتي تناقلتها وسائل الإعلام ممزوجة بالسخرية, حيث طلبوا من زوجته أن تخلّص الشعب من زوجها وإعادته للبيت، ولن تجد أحدا يحاول الإمساك به. جميعهم سيدفعون به إلى باب البيت. عليها فقط فتح الباب وسترى كيف يرمى، وممارسة نفوذها كزوجة قوية وقادرة..!!
جلس أمام شاشة الحاسوب. أخذ يجادل الشباب على صفحته. كلمات تكتب، أسراب من النمل الراكض تسير فوق السطور. انه يرى النمل وهو يتكلم ويصرخ ويطالب. النمل له أصابع تمتد إلى عنقه. أقنع نفسه أن هذا النمل هو مجرد حبر ونقاش يطير في الهواء. لكن كلما ازداد النمل غضباً ازدادت الأصابع التي تخنقه. لم يعد يستطيع الاقتراب من كلماتهم. شعور بالضعف والتراخي ينتابه. انه الآن مجرد تيس بقرون واهية ينطح صخرة، والصخرة تزداد ارتفاعاً وصلابة.
وصرخ صرخة عالية...! فتح الرجال الباب المقفل بالقوة فوجدوا الرئيس ينطح بالحاسوب، ويهجم بمقدمة رأسه على الشاشة التي تتوسط طاولة الرئاسة. حتى بعد أن سقط الحاسوب على الأرض، هبط بجسده البدين على الأرض وبقي ينطح شاشته, قائلاً بأعلى صوته:
- راح أكسر هذه الصخرة فوق رأس القاعدين على "الفيس بوك"..!!
بعد أن تعرض الرئيس لحادثة الإغتيال قرر أن يختبئ في قصره، في غرفته الواسعة ذات الجدران المصفحة ضد الرصاص، وفي سيارته المصفحة وطائرته المصفحة, حتى أصبح العالم الداخلي دائرة من الصفيح البارد مشدوداً على قسمات وجهه. أما العالم الخارجي فقد تحول إلى نزهة سريعة وزيارات مرسومة بالمسطرة وقلم الرصاص، يقوم بها بحرص وحذر وتحت حراسة العيون المستيقظة. ثم يعود إلى غرفته لاهثاً, حيث يخرج قراراته ويوزعها على العالم عبر رجاله الذين ينسجون الأخبار ويرصدون اللقاءات ويرافقون خطواته ووثباته الرشيقة حسب وصف الفضائيات، لكن الحقيقة هي وثبات الخوف من القنص.
جاء الرجل المسؤول عن تعليم الرئيس كي يعلم الرئيس كيفية استخدام "الفيس بوك". فتح الصفحة أمامه وطلب منه التواصل مع جميع الناس. فبما أنه ديمقراطي يجب عليه أن يقبل طلبات الصداقة, وان يسمح لهم أن يكتبوا على صفحته ما يخطر ببالهم.
وما هي إلا دقائق حتى انهمرت طلبات الصداقة، وفيضانات من الرسائل تدفقت فوق الشاشة. لم يستوعب هذا الفيض الهادر، وأعتبره شلالات من الحب الشعبي له. وبدأ يرقص طرباً لأن هذا الحب معناه أن شعبه لن يتخلى عنه, ولن يصاب بمرض الربيع العربي.
جلس أمام الشاشة الزجاجية. شعر أن هذا التجمع الكلامي المكتوب يصيبه بالدوار وبالتوتر وبالدهشة المصحوبة بالقلق، لأن الحواجز التي تفصله عن الشعب قد انهارت تحت دق الحروف وبروز الضباب الملون لنبض الكلمات. انه يقرأ كلمات جديدة ذات روح هاربة تختلف عن الرؤوس المنحنية أمامه، والرقاب المعلقة على حدود الطاعة..!
غضب حين طلب منه أحد الشباب معرفة لون قميصه الذي يرتديه ولون ملابسه الداخلية، وفتاة تريد معرفة مطربته المفضلة وطعامه المفضل. أما تلك المرأة, التي أرادت أن تعرف تفاصيل خاصة عن زوجته فقد كسرت زجاج رقته المفتعلة, ودفعته إلى إغلاق الشاشة ورمي الحاسوب إلى حضن الرجل الحارس الواقف إلى جانبه.
ابتعد عدة أيام عن الحاسوب، فقد نسي قصة "الفيس بوك" والتواصل مع الشعب, وأعتبر هذا "الفيس بوك" ثرثرة عقيمة. لكن خلال اجتماعه مع أصدقائه الرؤساء في مؤتمر حول تطلعات الأجيال القادمة، وجد أن أصدقاءه يرتعدون خوفاً من هذه الأجيال. وعندما طردوا وسائل الأعلام ورجال الحماية التابعة لكل رئيس أغلقوا أبواب القاعة جيداً, وأخذوا يبكون خوفاً من مصيرهم بصوت خافت. أحد الرؤساء لم يجد في جيوبه محرمة لمسح دموعه، فتناول العلم الذي خلفه ومسح دموعه. لم يعجب رئيس الدولة, التي يعود العلم لها, من هذا التصرف فنهره بصوت عال, لأن علم دولته ليس للمسح بل للتحليق بالفضاء الشامخ. لكن صراخه لم يعجب البعض فجاءوا بجميع الأعلام, ووضعوها على الطاولة أمامهم حتى لا تتسبب أزمة بين دموع الرؤساء.
كان قرارهم السري ملاطفة الأجيال الجديدة, والتعامل معها بأبوة وتفهم حقيقي والوسيلة الوحيدة لذلك "الفيس بوك"..!
شعر أن هذا القرار يشير إليه، فهو أضعف رئيس بين الرؤساء. إنهم يملكون القوة والجيوش والحدود والمقدرات الاقتصادية، غير انه هو لا يملك شيء. شعبه يعيش على المساعدات والمنح والعطف المربوط بحنفيات المزاج الدولي.
في المطار أوعز لرجاله بتحضير الحاسوب, وفتح شاشته قبل وصوله غرفته المصفحة، وقبل تحضير حمامه الساخن وقبل رؤية زوجته التي قالت في إحدى المقابلات الصحفية: إنها تكاد لا ترى زوجها المشغول بقضايا شعبه، وتتمنى أن يتخلص زوجها من هذا العبء كي يرجع لها زوجاً وأباً مثل باقي الآباء..!!
عندها لم تسلم زوجته من تعليقات الجيل الجديد, والتي تناقلتها وسائل الإعلام ممزوجة بالسخرية, حيث طلبوا من زوجته أن تخلّص الشعب من زوجها وإعادته للبيت، ولن تجد أحدا يحاول الإمساك به. جميعهم سيدفعون به إلى باب البيت. عليها فقط فتح الباب وسترى كيف يرمى، وممارسة نفوذها كزوجة قوية وقادرة..!!
جلس أمام شاشة الحاسوب. أخذ يجادل الشباب على صفحته. كلمات تكتب، أسراب من النمل الراكض تسير فوق السطور. انه يرى النمل وهو يتكلم ويصرخ ويطالب. النمل له أصابع تمتد إلى عنقه. أقنع نفسه أن هذا النمل هو مجرد حبر ونقاش يطير في الهواء. لكن كلما ازداد النمل غضباً ازدادت الأصابع التي تخنقه. لم يعد يستطيع الاقتراب من كلماتهم. شعور بالضعف والتراخي ينتابه. انه الآن مجرد تيس بقرون واهية ينطح صخرة، والصخرة تزداد ارتفاعاً وصلابة.
وصرخ صرخة عالية...! فتح الرجال الباب المقفل بالقوة فوجدوا الرئيس ينطح بالحاسوب، ويهجم بمقدمة رأسه على الشاشة التي تتوسط طاولة الرئاسة. حتى بعد أن سقط الحاسوب على الأرض، هبط بجسده البدين على الأرض وبقي ينطح شاشته, قائلاً بأعلى صوته:
- راح أكسر هذه الصخرة فوق رأس القاعدين على "الفيس بوك"..!!
شوقية عروق منصور - قصة قصيرة .. الرئيس الذي نطح الفيس بوك .. شوقية عروق- منصور
شوقية عروق منصور - قصة قصيرة .. الرئيس الذي نطح الفيس بوك .. شوقية عروق- منصور
www.ahewar.org