يبدو هذا الصباح مناسبا لسرد بقية الحكاية المتوارية خلف حوائط القرية الباهتة، مرسوم عليها: نخلة تميل بعرجونها، سفينة تشق نهر النيل، عنزة وطفل صغير يرتدي طاقية " بكار" جزء من آية الحج" كف بخمسة أصابع محنى بدم جمل المحامل لم تكن إصبع السبابة قد قطعت بعد، سيظهر هذا في أحداث الحكاية المغلفة بثوب شفاف ارتدته الغجرية ذات يوم.
إنهم الآن يغالبون الصحو، منذ سنوات وهم نائمون، صوت كبير الخفر يصك مسامعي، تعب طوال الليل من اللف والدوران في تلك السكة التي ثملت يوما تحت وقع النشوة يوم أن رتعت الجرذان منتشية بأنها نجحت في ثقب جدار السد.
كثرت الأقاويل عن البيت المنزوي بعيدا عند سكة "عرقوب العرجا" ، لكن طرفا من هذه القصة ظل متواريا عن المشاهدة، ربما لأنهم يخشون كشف المستور، لا يجرؤون أن يضعوا أنوفهم في هذا الأمر، كل ما فعلوه في زمن القهر أن يرخوا آذانهم ويلتقطوا بعض المساخر التى تتحرك في عتمة الليل.
صار شيخ الخفر هو القواد الأكبر، يطوف طوال الليل يشمشم، ومن تقع في قبضته لا شك ستكون وليمة لذلك المخمور دائما بنشوة السوط.
استسلم هؤلاء الذين يعيشون على فتات دوار الوسية مثل يتامى مولد السيدة، لقد انحنت ظهورهم جراء القهر، أشاع "الدرويش سحلول" أن لهم الجنة حين يرضون أسيادهم، ألف لعنة على من تمتد يده على حبة عنب من جنينة البيه، وألف ألف نار لمن تمتنع أن تطفيء لهيب سعار ليله.
بدأت هذه الحكاية بنفس العناوين والأشخاص؛ القهر والسوط والفقر، لكن الشيء الوحيد الذى لم يجد أحد له تفسيرا؛ كيف سرى هذا الوهن في ظهور الرجال حتى أصابها العجز، لأجل هذا صارت أرحام النسوة في "كفر عرقوب العرجا" تأتي بأطفال يتشابهون في سحنهم، بل حتى يكادون توائم متماثلة.
في هذا المكان الهارب من خريطة القطر والقابع في غياهب الريف لا أحد يحاول فك شفرة التماثل هذه، إنه سيكون مجنونا لو حاول، ينتشون طربا كلما جاءهم نبأ حمل إحدى الإناث، ستزيد حصتهم من " العبك والدمور" وإن أتت قومها بصبي تحمله فهذه نعمة توجب شكر الذي كشف الستر في ليالي العربدة في ذلك البيت المنزوي بعيدا عند تقاطع "عرقوب العرجا" ستصرف حصة من السكر والسمن المعبأ في صفائح تلمع مثل وهج الذهب، وحتى يكتمل نموه ويشتد تعطى عنزة بدينة يحلبونها زادا لبطون جففها مش الحصير.
ذات مرة اشتبه أحدهم فيمن جاءت به تحمله إليه، هرع إلى الشيخ سحلول ليسعفه بقول من الشرع، ما استمع ولا نظر كل ما فعله أنه تفل في يديه ومن ثم بارك الرضيع، تمتم ببعض كلمات سمعتها تتساقط من شفاه يابسة: كلهم لأب واحد والمواعين مختلفات!
أصابته رعدة، ومن ثم تطوح يمنة ويسرة ومن يومها كلما ولد طفل جاءوا به ليباركه بهذه الكلمة.
تناهت تلك الكلمة للمخمور دائما في ليالي الفحش، أقسم أن يفتل لحية الشيخ سحلول حبلا؛ تصاغر سحلول؛ أحد الخبثاء أشار عليه أن يلبسه ثوبا أبيض من "الدبلان"
وحدها أدركت مكمن السر فذلك المخمور ليلا لا يفيق إلا تحت وقع المخازي التى أزكمت أنوف أهل الناحية، جمعت سوءاتها التي استقبحت منذ عهد جدتها الغجرية العجوز، أجادت التثني واللعب على وتر الغريزة، ألقت بحبالها مقودا له، آه حين يتسيد مخمور وغجرية؛ صارت "كفر عرقوب العرجا" بؤرة سوداء وسط الدلتا، جوار دسوق تسكن الغجر أوكارا يبيت فيها الشيطان، أخبرني جدي أن يصبغون الحمير فتبدو بغالا تتراقص ولا يكتفون بهذا؛ ففي فتحة الشرج يحشونها بأوقية من الشطا.
إنهم يبيعون الحمص، نساؤهم يرقعن أسنانهن "بعظم الهرابيد"، بعضهم يجوب العزب والكفور يضرب الودع ويخرج الثعابين المختبئة تحت بئر السلم.
تلوت مثل ثعبان كبير سكن دوار الوسية القابع عند ضفة النهر العجوز ناحية "جماجمون" تلك القرية التي تزدهي بمقامات الدراويش الذين تناثروا وجدا قرب مرقد سيدي إبراهيم الدسوقي.
تناست كل شيء عدا أن لها حاجة عند المخمور ليلا؛ فالحديث عن قصره مما يسلب اللب ويذهب بعقل أفطن امرأة حتى ولو كانت من بنات الغجر.
إنه يرسل أذنابه يأتون إليه بمن تخرج الرطوبة التى اغتالت جسده، عجز مزين الصحة أن يداويه، جرب كل حيل "العطار محروس" أشاروا عليه أن يعصر خمسة أزواج من حمام عزبة الفأر شرط أن يأتى بها بين الأولى والثانية من خطبة الجمعة اليتيمة.
أما هي فقد فطنت لمكمن دائه، الفطير المشلتت والحمام المحشو بالفريك، تناهى إلى سمعها أن حارة اليهود في" محلة أبوعلي" ومنذ عهد بعيد في يوم معين تغلق جيدا بعدما يأتي إليهم مزدان كبير الغجر برأس طفل غريب مسروق من أحد شوارع البندر. ألقى إليها شيطانها المعشعش في جسدها الملتهب من جمر الشهوة أن تعجن كل هذا طعام للمخمور دائما.
ركبت حمارة وضعت في مقدمة رقبتها جرسا، البرذعة هي الأخرى تتماوج بخيوط حمراء، ارتدت فستانا في وسطه حزام به شراشيف، ولها شعر أصفر مثل سلاسل الذهب، لم تنس أن تقرص خديها فبانا كأنهما حب الرمان.
تخطر بها الحمارة فتخرج التأوهات من جوف الفلاحين الذين ضمرت سيقانهم فصارت مثل أعواد الذرة اليابسة، اعترض مسيرها كلب له ذيل أبيض، يقال إن الشيخ سحلول: عمل حجابا به تعويذة تمنع المتربصين به الشر، ثعبان أسود وغراب بجناح واحد يبلغونه الأخبار؛ لقد تعلم سحلول السحر السفلي في" محلة بشر" في الجهة الغربية تبع زمام الرحمانية.
كبير حرامية سوق المواشي يتلصص على دوار المخمور ليلا، إنه مجتمع يعيش على دم الضعفاء، دائما ما تتناهى أحاديث بر المحروسة في كل مكان؛ الفقر والسوط ومن ثم الجهل، لم ينم في الناحية غير الغاب والبوص ومن ثم كثرت الثعابين في بركة الفيضان جوار مقام سيدى إبراهيم الدسوقي، ثمة مجزر عتيق من أيام الأتراك يصرف دمه في فيها تتلقفه الثعابين التي تخور وتضبح مثل ثور هائج سيما في منتصف الصيف حين يغطي البعوض وجه العابرين.
سمع المخمور ليلا بما يكيده له شيخ المنسر، الذباب له طنين يوصل الحكايات المدبرة في عتمة البربخ الذي سقط عنده العمدة مضرجا في دمه من شاهد الواقعة أخبرني بأن دمه كان يملأ زيرا كبيرا.
إنهم الآن يغالبون الصحو، منذ سنوات وهم نائمون، صوت كبير الخفر يصك مسامعي، تعب طوال الليل من اللف والدوران في تلك السكة التي ثملت يوما تحت وقع النشوة يوم أن رتعت الجرذان منتشية بأنها نجحت في ثقب جدار السد.
كثرت الأقاويل عن البيت المنزوي بعيدا عند سكة "عرقوب العرجا" ، لكن طرفا من هذه القصة ظل متواريا عن المشاهدة، ربما لأنهم يخشون كشف المستور، لا يجرؤون أن يضعوا أنوفهم في هذا الأمر، كل ما فعلوه في زمن القهر أن يرخوا آذانهم ويلتقطوا بعض المساخر التى تتحرك في عتمة الليل.
صار شيخ الخفر هو القواد الأكبر، يطوف طوال الليل يشمشم، ومن تقع في قبضته لا شك ستكون وليمة لذلك المخمور دائما بنشوة السوط.
استسلم هؤلاء الذين يعيشون على فتات دوار الوسية مثل يتامى مولد السيدة، لقد انحنت ظهورهم جراء القهر، أشاع "الدرويش سحلول" أن لهم الجنة حين يرضون أسيادهم، ألف لعنة على من تمتد يده على حبة عنب من جنينة البيه، وألف ألف نار لمن تمتنع أن تطفيء لهيب سعار ليله.
بدأت هذه الحكاية بنفس العناوين والأشخاص؛ القهر والسوط والفقر، لكن الشيء الوحيد الذى لم يجد أحد له تفسيرا؛ كيف سرى هذا الوهن في ظهور الرجال حتى أصابها العجز، لأجل هذا صارت أرحام النسوة في "كفر عرقوب العرجا" تأتي بأطفال يتشابهون في سحنهم، بل حتى يكادون توائم متماثلة.
في هذا المكان الهارب من خريطة القطر والقابع في غياهب الريف لا أحد يحاول فك شفرة التماثل هذه، إنه سيكون مجنونا لو حاول، ينتشون طربا كلما جاءهم نبأ حمل إحدى الإناث، ستزيد حصتهم من " العبك والدمور" وإن أتت قومها بصبي تحمله فهذه نعمة توجب شكر الذي كشف الستر في ليالي العربدة في ذلك البيت المنزوي بعيدا عند تقاطع "عرقوب العرجا" ستصرف حصة من السكر والسمن المعبأ في صفائح تلمع مثل وهج الذهب، وحتى يكتمل نموه ويشتد تعطى عنزة بدينة يحلبونها زادا لبطون جففها مش الحصير.
ذات مرة اشتبه أحدهم فيمن جاءت به تحمله إليه، هرع إلى الشيخ سحلول ليسعفه بقول من الشرع، ما استمع ولا نظر كل ما فعله أنه تفل في يديه ومن ثم بارك الرضيع، تمتم ببعض كلمات سمعتها تتساقط من شفاه يابسة: كلهم لأب واحد والمواعين مختلفات!
أصابته رعدة، ومن ثم تطوح يمنة ويسرة ومن يومها كلما ولد طفل جاءوا به ليباركه بهذه الكلمة.
تناهت تلك الكلمة للمخمور دائما في ليالي الفحش، أقسم أن يفتل لحية الشيخ سحلول حبلا؛ تصاغر سحلول؛ أحد الخبثاء أشار عليه أن يلبسه ثوبا أبيض من "الدبلان"
وحدها أدركت مكمن السر فذلك المخمور ليلا لا يفيق إلا تحت وقع المخازي التى أزكمت أنوف أهل الناحية، جمعت سوءاتها التي استقبحت منذ عهد جدتها الغجرية العجوز، أجادت التثني واللعب على وتر الغريزة، ألقت بحبالها مقودا له، آه حين يتسيد مخمور وغجرية؛ صارت "كفر عرقوب العرجا" بؤرة سوداء وسط الدلتا، جوار دسوق تسكن الغجر أوكارا يبيت فيها الشيطان، أخبرني جدي أن يصبغون الحمير فتبدو بغالا تتراقص ولا يكتفون بهذا؛ ففي فتحة الشرج يحشونها بأوقية من الشطا.
إنهم يبيعون الحمص، نساؤهم يرقعن أسنانهن "بعظم الهرابيد"، بعضهم يجوب العزب والكفور يضرب الودع ويخرج الثعابين المختبئة تحت بئر السلم.
تلوت مثل ثعبان كبير سكن دوار الوسية القابع عند ضفة النهر العجوز ناحية "جماجمون" تلك القرية التي تزدهي بمقامات الدراويش الذين تناثروا وجدا قرب مرقد سيدي إبراهيم الدسوقي.
تناست كل شيء عدا أن لها حاجة عند المخمور ليلا؛ فالحديث عن قصره مما يسلب اللب ويذهب بعقل أفطن امرأة حتى ولو كانت من بنات الغجر.
إنه يرسل أذنابه يأتون إليه بمن تخرج الرطوبة التى اغتالت جسده، عجز مزين الصحة أن يداويه، جرب كل حيل "العطار محروس" أشاروا عليه أن يعصر خمسة أزواج من حمام عزبة الفأر شرط أن يأتى بها بين الأولى والثانية من خطبة الجمعة اليتيمة.
أما هي فقد فطنت لمكمن دائه، الفطير المشلتت والحمام المحشو بالفريك، تناهى إلى سمعها أن حارة اليهود في" محلة أبوعلي" ومنذ عهد بعيد في يوم معين تغلق جيدا بعدما يأتي إليهم مزدان كبير الغجر برأس طفل غريب مسروق من أحد شوارع البندر. ألقى إليها شيطانها المعشعش في جسدها الملتهب من جمر الشهوة أن تعجن كل هذا طعام للمخمور دائما.
ركبت حمارة وضعت في مقدمة رقبتها جرسا، البرذعة هي الأخرى تتماوج بخيوط حمراء، ارتدت فستانا في وسطه حزام به شراشيف، ولها شعر أصفر مثل سلاسل الذهب، لم تنس أن تقرص خديها فبانا كأنهما حب الرمان.
تخطر بها الحمارة فتخرج التأوهات من جوف الفلاحين الذين ضمرت سيقانهم فصارت مثل أعواد الذرة اليابسة، اعترض مسيرها كلب له ذيل أبيض، يقال إن الشيخ سحلول: عمل حجابا به تعويذة تمنع المتربصين به الشر، ثعبان أسود وغراب بجناح واحد يبلغونه الأخبار؛ لقد تعلم سحلول السحر السفلي في" محلة بشر" في الجهة الغربية تبع زمام الرحمانية.
كبير حرامية سوق المواشي يتلصص على دوار المخمور ليلا، إنه مجتمع يعيش على دم الضعفاء، دائما ما تتناهى أحاديث بر المحروسة في كل مكان؛ الفقر والسوط ومن ثم الجهل، لم ينم في الناحية غير الغاب والبوص ومن ثم كثرت الثعابين في بركة الفيضان جوار مقام سيدى إبراهيم الدسوقي، ثمة مجزر عتيق من أيام الأتراك يصرف دمه في فيها تتلقفه الثعابين التي تخور وتضبح مثل ثور هائج سيما في منتصف الصيف حين يغطي البعوض وجه العابرين.
سمع المخمور ليلا بما يكيده له شيخ المنسر، الذباب له طنين يوصل الحكايات المدبرة في عتمة البربخ الذي سقط عنده العمدة مضرجا في دمه من شاهد الواقعة أخبرني بأن دمه كان يملأ زيرا كبيرا.