فتحي عثمان - الوجه القبيح للحرب

وراء كل حرب مستفيدون وضحايا، المستفيدون ينفخون في نارها وراء الستار، ويزينونها بشعاراتٍ مختلفة؛ أما الضحايا فصورهم المؤلمة تملأ الشاشات طولاً وعرضاً، والأكثر إيلاما؛ معاناة من لم يصل أنينهم إلى وسائل الإعلام لسببٍ أو آخر.
أكثر من عاني في الحرب الدائرة في تيغراي هم اللاجئون الإرتريون؛ وهم الفئة الأضعف والأكثر هشاشة وقابلية للكسر.
فعندما دخلت القوات الارترية تيغراي بدأت في خطف بعض سكان المعسكرات وأخذهم إلى إرتريا وتعذيب البعض الآخر منهم. فهؤلاء في نظر الأمن الارتري على أقل مستوى هم، خاصة الشباب منهم، هاربين من (الخدمة الوطنية) وخارقين للقوانين العسكرية؛ أم على مستوى أكبر فهم كانوا يعيشون في أرض العدو ويتلقون الرعاية منه، أي الوياني.
ثم جاء دور الجيش الفيدرالي الاثيوبي ليسومهم العذاب بدوره، بحجة أنهم يتعاونون مع جبهة تيغراي، وعندما حاول الشباب الهروب من المعسكرات التي أصبحت غير آمنة ولا يوجد بها طعام او شراب بسبب الحرب وإنقطاع المعونات الإنسانية، قامت القوات الاثيوبية بالقبض عليهم وإرجاعهم بالقوة وفي شاحنات عسكرية إلى المعسكرات؟
الضربة الثالثة جاءتهم من مقاتلي تيغراي هذه المرة، الذين أجبروا العديد منهم على نقل وحمل السلاح على ظهورهم إلى أرض المعركة مع مليشيات الأمهرة وتوعدوهم بأنهم سوف يدفعونهم الثمن لوقوفهم مع النظام الارتري وقوات ابي أحمد. وفي الأخير أصبح هؤلاء ضحية لكل أطراف الصراع دون استثناء، وفي كل مرة يتعرضون لإنتهاكات يصمت مؤيدو الطرف المرتكب لها، ثم يصرخون بأعلى أصواتهم عندما يقوم الطرف الذي لا يناصرونه بالإعتداء عليهم: هنا الغرض ليس الدفاع عنهم؛ بل التشهير بالطرف المناوئ دون اي اعتبار للجرم ذاته ومعاناة ضحاياه، فالإنتهاكات مها كان القائم بها هي جرائم تستحق الإدانة.
يأتي بعد هؤلاء الضحايا، أو ربما يتقدم عليهم الجنود الارتريون المأمورين أمرا بالمشاركة في حرب قررها رجل واحد في ظل تكميم صوت الشعب: هؤلاء في ظل إنكار حكومتهم لمشاركتهم في الحرب تارة، وفي ظل صمتها تارة أخرى يقعون ضحايا لإنكار وحرمان من حقوق حماية الأسرى، تماما كما تعرض لذلك أخوة لهم تعرضوا للأسر في الحرب مع جيبوتي، وأنكرت حكومتهم أن لديها أسرى هناك.
ثالث الضحايا هم المدنيين من سكان اقليم تيغراي بما فيهم الأمهرة الذين تعرضوا للقتل بعد الحرب، أما سكان الإقليم فأصبحوا بين لاجئ وجائع وخائف، ولكن هؤلاء وضعهم أفضل نسبياً من اللاجئين الارتريين؛ لأن هناك من يدافع عنهم بالسلاح طوراً، وبوسائل الإعلام العالمية.
وطرف آخر من ضحايا هذه الحرب هم المدنيين العفر الذين تساقطت قنابل الوياني على رؤوسهم وزاد من مرارة ومضاضة الظلم الواقع عليهم أن قوات الوياني تعدهم ضحايا لاستراتيجية حربية مبررة تهدف إلى قطع طرق الإمدادات عن العاصمة الفيدرالية، وترمي باللوم على جهات أخرى في محاولة للتنصل عن الجرم، ويزيد من المرارة التي يشعر الضحايا وذويهم تغاضي الإعلام العالمي عنها، ولكنها تظل جرائماً يندى لها الجبين من الخجل، وتستحق الإظهار والإدانة.
أما الأمهرة والذين دخلت قوات تيغراي أجزاء من اقليمهم فعانوا كذلك من التشرد والقتل وتخريب الممتلكات؛ وبما الحرب هي حرب انتقام كل طرف من الطرف الآخر فكل وسائل التنكيل بالخصوم مسموح بها من جميع اللاعبين ودون استثناء.
فلماذا كل هذا الدمار؟!
لأن هذه الحرب مهما حاول أطرافها تزيينها بالشعارات الوطنية والسياسية وغيرها؛ هي حرب قومية مقيتة تأتي كإمتداد لحروب مئات الأعوام من التاريخ الدموي لإثيوبيا. إختلافها عن حروب الأمس أنها تجري اليوم وبأسلحة حديثة وتحت نظر وسائل التواصل والإعلام العالمي. هي ليست حرب بين حكومة فيدرالية و إقليم متمرد إلّا في المظهر ولكنها عودة لحروب الأمهرة والتيغراي وبنسبة أقل القوميات الأخرى التي تساهم في الحرب بدور يقل أو يكثر.
وأسفرت الحرب عن وجهها العرقي القبيح عندما دعا أبي أحمد القوميات الإثيوبية للاتحاد ضد قومية التيغراي التي تهدد كل البلاد؛ وتم التجييش على هذا الأساس. لذلك نتائج هذه الحرب لن تكون هي مثل نتائج الحروب بين الدول أو الحروب بين اقاليم متعددة العرقيات.
وبما أنها كذلك كيف يخوضها الرئيس الارتري وتحت أي حجة: هل يرى الرجل نفسه (وهو صاحب القرار الوحيد بالمشاركة فيها) مواطناً إثيوبياً يهمه أمر (القومية) التي تحكم اثيوبيا؟
ويحاول بتدخله في الحرب إمالة الكفة لصالح قومية محددة ضد الأخرى، بما أن الحرب ليست سوى حرب قوميات؟
يتحالف دكتاتور إرتريا مع قومية الأمهرة ضد التيغراي باعتبار أن عدو عدوك صديقك؟
ولكن بينه وبين الحليف الحالي من العداء مما يجعلهما خصوماً مستقبليين الداء، ويلعب الطرفان لعبة التحالف تجهيزا لإلتفاف كل منهما على الآخر لاحقا؟
ونكون نحن (المتفرجون والجنود) موعودون بحرب جديدة وطويلة تحت شعارات (وطنية) مختلفة هذه المرة.
فأين هي المصلحة الوطنية الارترية في هذه الحرب؟ أو في مخطط الحرب المقبلة بين حلفاء اليوم وأعداء الغد؟!

فتحي عثمان
(كاتب و دبلوماسي إرتري سابق)



تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى