صديقي يعشق الخياطة، يتفنن في القصات العصرية، ولولا حبه لهذه الأرض _لكان الآن مشاركًا في أفخم عروض الأزياء العالمية، هاتفني هذا الصباح ولأننا لم نلتقِ لسنوات قال لي ممازحًا "أنتظر هدية ثمينة منكِ، تغفر ما صنعه الغياب"، وكنت أعلم أنه يجهز لي فخًا من الأسئلة العويصة، كنت كعادتي في حيرة شائكة، كيف سأختار ثيابي وأي الألوان سيناسبني، قطعت كل هذا العِلاك الذهني وارتديت الأسود، التقيت بصديقي لكنه لم يتعرف إليَّ، بدا مذهولًا متجمدًا حتى سمع صوتي، ابتسم! وتقدم نحوي بحزنٍ، لم يكن حاذقًا في إخفاء ملامحه المُلحة على السؤال: "هل أنتِ هي تلك الفتاة التي عرفتها؟!".
صديقي يجلس أمامي، يحاول أن يتمالك فضوله، يعصف بنظراته العطوفة، يستجدي قوته الدفينة، يشرب البرتقال بلا رغبة، يلملم كلماته بحذر، كنت صامتة بذكاء، أباغته بحدقاتي، أضحك وأتلو عليه قصص القارات البنفسجية التي أكتبها، يسألني: أما زالت التراجيديا تستحوذ على أشعاري؟!
أخبره أنني تغيرت، أكتب عن الحياة والحب والظلال الغادرة، أخبره عن الظلام والليل الذي لن ينتهي، أخبره عن الجاثوم الذي يفقدني حيلتي، أحكي له عن الطريق المائي والأشواك المتكونة من الجليد المسموم، وكيف أدمنت العقاقير الشيطانية، كيف تحولت إلى رماد بعد فصولي اليانعة التي أدركها؛ صديقي لا يصدق ما آلت إليه كلماتي، تخنقه العَبرة وتشده إلى شد يدي دون أن ينطق، يعاتبني بلطف، وأعلم أنه يعاتب نفسه لأنه اختفى لخمس سنوات دون أن يخبرني بمكانه، وأنا كذلك بعدت وبنيت سدودي المنيعة، طليتها بالدمع، وتمكنت من صد الشفقة والاجحاف، اتكأت على خيباتي فتهشمت آمالي.
صديقي الخياط الماهر، لم يتذكر أمر هديته، لكنه أهداني فستانًا سماويًا، بقَصة متموجة مغرية، لكنه لن يناسبني وهو يعلم، مقاساتي القديمة رشيقة، تغيرت كثيرا بعد رحلتي إلي الطبيب النفسي، اكتسبت الوزن بسبب الاكتئاب وبعض أدويته، توسعت هالاتي، وما زلت أحارب الصور الغامقة التي تصارعني بالمنام، ما زلت أتردد على الجلسات المهدئة، أرمي بثقلي على شريط التسجيل، أسمع اتهامات شخوصي لي، وأعود إلى وحدتي أمارس التعافي بأشاكله التي تشبهني _كأن ألتقي الأصدقاء القدامي وأوثق لحظات صدمتهم بنسختي الجديدة.
صديقي لطيف جدًا، أخبرني أنني ما زلت جميلة وسيخيط لي فستانًا زهريًا، مستوحى من ابتسامتي واصراري على الحياة، أخبرته أن يختار قماشًا حر القياس _حتى يناسب كل أوزاني المضطربة، أما الألوان ففضلت ذوقه الرفيع، فهو يجيد رسم لوحة بديعة في كل قَصة جديدة يبتكرها.
لن أنسى هديتك في المرة القادمة سأكتب عن الياسمين الذي تحبه، وأُهديك مكتوبًا بطعم سنوات صداقتنا.
نوادر إبراهيم
صديقي يجلس أمامي، يحاول أن يتمالك فضوله، يعصف بنظراته العطوفة، يستجدي قوته الدفينة، يشرب البرتقال بلا رغبة، يلملم كلماته بحذر، كنت صامتة بذكاء، أباغته بحدقاتي، أضحك وأتلو عليه قصص القارات البنفسجية التي أكتبها، يسألني: أما زالت التراجيديا تستحوذ على أشعاري؟!
أخبره أنني تغيرت، أكتب عن الحياة والحب والظلال الغادرة، أخبره عن الظلام والليل الذي لن ينتهي، أخبره عن الجاثوم الذي يفقدني حيلتي، أحكي له عن الطريق المائي والأشواك المتكونة من الجليد المسموم، وكيف أدمنت العقاقير الشيطانية، كيف تحولت إلى رماد بعد فصولي اليانعة التي أدركها؛ صديقي لا يصدق ما آلت إليه كلماتي، تخنقه العَبرة وتشده إلى شد يدي دون أن ينطق، يعاتبني بلطف، وأعلم أنه يعاتب نفسه لأنه اختفى لخمس سنوات دون أن يخبرني بمكانه، وأنا كذلك بعدت وبنيت سدودي المنيعة، طليتها بالدمع، وتمكنت من صد الشفقة والاجحاف، اتكأت على خيباتي فتهشمت آمالي.
صديقي الخياط الماهر، لم يتذكر أمر هديته، لكنه أهداني فستانًا سماويًا، بقَصة متموجة مغرية، لكنه لن يناسبني وهو يعلم، مقاساتي القديمة رشيقة، تغيرت كثيرا بعد رحلتي إلي الطبيب النفسي، اكتسبت الوزن بسبب الاكتئاب وبعض أدويته، توسعت هالاتي، وما زلت أحارب الصور الغامقة التي تصارعني بالمنام، ما زلت أتردد على الجلسات المهدئة، أرمي بثقلي على شريط التسجيل، أسمع اتهامات شخوصي لي، وأعود إلى وحدتي أمارس التعافي بأشاكله التي تشبهني _كأن ألتقي الأصدقاء القدامي وأوثق لحظات صدمتهم بنسختي الجديدة.
صديقي لطيف جدًا، أخبرني أنني ما زلت جميلة وسيخيط لي فستانًا زهريًا، مستوحى من ابتسامتي واصراري على الحياة، أخبرته أن يختار قماشًا حر القياس _حتى يناسب كل أوزاني المضطربة، أما الألوان ففضلت ذوقه الرفيع، فهو يجيد رسم لوحة بديعة في كل قَصة جديدة يبتكرها.
لن أنسى هديتك في المرة القادمة سأكتب عن الياسمين الذي تحبه، وأُهديك مكتوبًا بطعم سنوات صداقتنا.
نوادر إبراهيم