شريف محيي الدين إبراهيم - محمد رشيد

حين قابلته،بعد مضى أكثر من ثلاثين عاماً عرفته على الفور ...
كان يقف فى محطة الباص، ومعه طفل صغير.
ملامحه لم تتغير كثيرا ،سوى احتلال الشعيرات البيضاء لمعظم فروة رأسه. قصير القامة ، شديد النحافة ،حتى نظارته السوداء البلاستيكية، سميكة الزجاج ،يبدو وكأنه لم يغيرها منذ كنا صبية فى الصف الثالث الإعدادى .
محمد رشيد ...
صديق الطفولة العزيز وزميل الدراسة المتفوق.
كنا جميعا نسعى إلى شرف صداقته، بأخلاقه العالية،و أدبه الجم، وعبقريته النادرة.
و كان هو النموذج المبهر لأى طالب علم ، فهو الأول دائما فى كل المراحل، بل وفى كل المواد .
نابغ حتى فى مادة التربية الفنية ،برسوماته الدقيقة ولوحاته التى تنافس أبرع الفنانين .
إلا أنه، وعلى غير المتوقع ، قابلني بفتور شديد. ..وكأنه لا يعرفنى !!
عاد يحادث، ابنه، ينهره بشدة لفعل لا أعلمه.
حاولت ثانية ، بعبق الماضى و شغفه ،أن أجاذبه أطراف الحديث،لعلنا نسترجع دفء ذكريات الصبى ،والسنوات الدراسية، إلا أنه نظر إلى فى ازدراء مفرط ، ولم ينبس سوى بكلمات مقتضبة، جافة.
صدمتنى طريقته المتعالية فى الحديث.
كدت أعنفه أو حتى أسبه على جفاء مشاعره ،وتدني خلقه.
انصرفت عنه، حتى دون أن أحييه.
بعد أن ابتعدت عنه بعدة خطوات، التفت إليه فى غضب وجعلت أتفحصه،وهو لا يكاد يشعر بى .
لاحظت أن ملابسه متنافرة، غير متسقة مع بعضها البعض، بينما كانت ملابس ابنه شديدة التواضع.
استرقت السمع، لما يدور بينهما من حديث .
جعل يعاود تعنيف ابنه ،على فعلته الشنعاء وكيف أنه غافله، ومد يده فى سلة القمامة ليتناول بقايا ساندويتش ، كان ملقي به.

أصابتني الدهشة...!!
ألم بي حزن عميق. ...
استكملت طريقى بصعوبة ، وانا أحاول أن أتجنب معاودة النظر إليه .

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى