عمر سيدي محمد - الحسّانيّة.. من قاموس الحسّانيّة (64) أسلوبي في تأصيل الكلمة الحسّانيّة

تفكير وتأمّل دام أكثر من أربعين سنة مع الإحجام عن التدوين بسبب الإحساس والشعور بحلقة مفقودة أبحث عنها وكان يجب عليّ العثور عليها حتى تكتمل أدوات البحث العلمي الجادّ والمتجرد من كل خلفية أو حاجة في النّفس يُراد إثباتها بل المنشود في نظري هو عين الحقيقة التي تقود للصواب والابتعادُ عن التأويلات التي قد ينتهجها الباحث الذي في نفسه حاجة يريد إثباتها والانتصار لها بأيّ دليل مهما كان واهيا ليخرج منتصرا لهدفه وهذا يخالف الأمانة العلمية والأخلاق الإنسانية الراقية المتقبّلة للآخر مهما كان.
أنا كفرد من هذا المجتمع وكغيري من الغالبية العظمى كل واحد منّا تجري في عروقه كل الدماء التي مشى أصحابها على أديم هذه القطعة من أرض إفريقيا، وماكان يُعرفُ بأرض البيظان ولن نستطيع أن نطوي هذه الأرض ونرحل بها إلى مكان آخر كما نفعل بخيامنا. هي أرض واسعة تغطي مجالا جغرافيا أوسع من أرض موريتانيا الجمهورية وهي وحدة جغرافية كانت مترابطة ترابطا ثقافيا واحدا من أهمّ ركائزه الحسّانيّة بعد وحدة الدين والتراب.
أنا إفريقي أصيل وسائس بقر عليم، وأنا صنهاجي مُلثّمٌ أصيل مهما يَكُنْ لي من أصول أخرى يبقى مآلي وتاريخي ومجدي مُسطّرا ههنا حكاية جميلة تحكيها قمم آدْرَارْ جبلَ لمتونة وراسخ رسوخها ولغز من عجائب هذه الأرض مثل حفرة الريشات، وأنا عربيّ أصيل تعرفني هذه الرمال التي جبتها شرقا وغربا حاملا مشعل الهدى فوق راحلتي وعلى صهوة جوادي وانصهرت تلك الأصول جميعا تحت راية الإسلام حتى أصبحت أسطورة التاريخ وتحدّدت هُويَّتِي شخصا مسلما واحدا لايبالي إن كان إفريقيا أو صنهاجيا أو عربيّا من ذرية الفاتحين ومن تبعهم. هكذا هي رسالة الإسلام الخالدة لتوحيد البشرية وجعلها ترقى بإنسانيتها فوق كل شيء آخر ليتحقق الانعتاق الكامل ويتحقق العيش الكريم والاحترام الكامل لكل فرد في المجتمع. هكذا سار ركبنا الكريم عبر العصور ولسان حالنا يقول:
ونحن ركبٌ مـن الأشـراف مـنـتظــــــــــمٌ *** أجلُّ ذا الخَلْق قَدْرًا دون أدنـانــــــــــا
قـلائدُ الـمـجـد فـي أعـنـاقنـــــا نُظِمت *** عِقْدًا وكـنّا لعـيـن الـدَّهـر إنسـانــــــا
قَدِ اتَّخذنـا ظهـورَ العـــــــــــيس مدرسةً ***بـهـا نُبَيِّنُ ديـنَ اللّه تبـيـانــــــــــا
نـتلـو كتـاب إله العــــــــــرش كلَّ مَسًا ***وكلَّ يـومٍ فـمـن نلقى تَوقَّانـــــــــــــا
كنتُ ولازلت أحسّ في أعماق ذاتي وضميري أننا فرطنا كثيرا في اللغة التي تحدّث بها المرابطون ودرّسوا بها العلوم بشتّى أنواعها وكانت قمّة ازدهارها في عصر دولتهم الإسلامية التي امتدت من هذه الصحراء من نهر صنهاجة حتى الأندلس شمالا. وحمل الراية من الضفة الأخرى للنهر إخوة الدين والوطن من الفلان وغيرهم من الأشقاء السودان حتى أوصلوها جنوبَ الجنوبِ من القارة السمراء.
أين تلك الحضارة وأين لغتها العتيقة التي كانت ترتفع من الأرض إلى السماء من قلوب تلهج بالدعاء. كنت أريد أن أسمع من يتحدّث بلغة صنهاجة (اكْلامْ آژناگه) ولكنني عجزت عن ذلك ولم أجد لها أثرا وأنا صنهاجي على ساحل المحيط الأطلسي على مقربة من رباط ابن ياسين وبين صنهاجة بين أحفاد الذين شهدوا الزلاقة.
وشاء الله أنّي عام 2015 من الميلاد عثرت على كتاب المعجم العربي الأمازيغي للأستاذ الكبير محمد شفيق حفظه الله وكان له الأثر الكبير في اقتناعي بأن أبدأ التدوين والكتابة عن أصول الكلمات الحسّانيّة التي لايظهر في الوهلة الأولى أنها من أصل عربيّ، ولم أتطرّق للكلمات التي هي واضح فيها أنّها من لغات أخرى دخلت حديثا ولاتحتاج إلى صرف وقت في توضيحها والتي معظمها من الفرنسية مثل الوَتَة، أَبْرَنْتِي، ئِبَرْتِي، ئِتَرْدِي، لَبِّطَانْ، يُعَنْتَرْ، مَدْسَ، مِسْيَه، مَضَمْ، مَنَيْفَرْ، مَنْطْلَاتُو ،الخ
وتبقى حَيْرتي وأنا الدَّهِشُ المشدوه من أمرين أعجب لهما كل العجب.
أوّلهما إهمال مُؤسّسي الدولة الحديثة للُغةِ صنهاجة التي كانت هي لغة البيظان الأولى والتي تُعتبر تُراثا تاريخيا وإرثا إنسانيا عظيما ينبغي الحفاظ عليه للبشرية. لقد كان ممكنا اعتبارها كأي لغة من اللغات الوطنية الأخرى والتي كانت لكل واحدة منهنّ حصّة في الإذاعة لنشر التثقيف وإسماع صوت النّاطقين بها، حتّى أنّ الدولة الحديثة أهملت الحسّانيّة كذلك واعتمدوا الفصحى فقط، ورغم حسن الظنّ بهم إلا أن كل ذلك كان تقصيرا ثقافيا عظيما حيث لم تستفد الأجيال الأولى من التثقيف عبر الإذاعة في الستينيات والسبعينيات وكان البرنامج المفهوم لديهم هو البلاغات الشعبية فقط أو ماكان من أوتار أژوان فترى الدمع يسيل متأثرين بأژوان. لقد ونتج عن هذا كذلك انعزال وتقوقع الثّلّة الباقية من أهلنا النّاطقين بالصنهاجية ليصبحوا بضع مئات يتحدثون بها إذا خَلَوْا وعلى تَخَوّفٍ واستحياء مِنّا أنْ نُعيّرهم بها. هذا واقع مرّ وينبغي كسره اليوم قبل غد وأن تكون للغة الأجداد حصة في الإعلام المرئي والمسموع على نطاق واسع وأن نصطلح مع ذواتنا للحفاظ على شِقّ عظيم من هُوِيَّتِنا التي تبرز بصمتها في الحسّانيّة وتحكيها بإبداع في كل مناحي الحياة بدءا من "اِللِّيفْ، أُبَا، …، ئِجِمّْ، …أَكَفّْ،…، اِلصَّطّْ، اِلضَّطّْ، ….، يَرَكّْ، …. وليس انتهاءً بأَژَوانْ…
وهذا المطلب ينبغي أن يكون من كل إنسان على هذه الأرض المباركة الطيبة أيًّا كان.
وثانيهما هو المقولة الشائعة أنّ الحسّانيّة هي أقرب اللهجات للفصحى !!!
لستُ أدري كيف سمحنا لأنفسنا بالتجرّؤ على مثل هذا الادعاء ولست أدري أيّ نشوة تأخذ الإنسان حتّى يَعْمَى عن بَدَهِيَّاتِ الأمور الواضحة الجلية.
مثال على ذلك اسم العاصمة انواكشوط الذي يفهمه بعضنا على أنه نِيَاقُ الشَّطِّ أو أَنْوَاقُ الشَّطِّ وهو بعيد من ذلك كل البعد. ولقد أصّلها العلّامة امحمد بن أحمد يوره الديماني رحمه الله في كتابه الرّائع الجميل والنّادر في موضوعه ألا إنّه "إِخْبَارُ الْأَحْبَارِ بِأَخْبَارِ الْآبَارِ" حيث أورد أن أصل التسمية هو "اِنْوَكُّشَظْ" من كلمتين هما "انْوَ" البئر، و "أَكُّشَظْ" صغير الأذنين أو مقطوعهما، وهو أَگُشَاطْ في الحسّانيّة أو أَگُنَاطْ أو أگُرماط إن كنتم لازلتم تذكرون هذه الكلمات.
هذه رؤوس أقلام لمن يريد بحق تأصيل أي كلمة حسّانيّة منتهجا أسلوبا علميا صحيحا وقابلا للتطوير والتنقيح حتى نبني معا قواعد أفضل وأشمل وحتى نستكشف ذواتنا ونعرف هويتنا بحق إذ نحن نمثل الجميع ونحوي الجميع "النّاس بيظان والديگه ماهي خالگه"
لقد اعتمدت في تأصيل الكلمة الرّجوع إلى المعنى اللغوي المقصود بها ومنها ثم أرجع إلى جذرها اللغوي باحثا عن أصلها.
وقد تبقى الكلمة في ذهني أبحث عن تأصيلها بِضْعَ سنين وأذكر من ذلك على سبيل المثال كلمة "ئِتَگَّرْ، تِتْگَارْ" براء مُرقّقة، وأوّل معنى تبادر إلى ذهني هو أن أصلها من فعل تَجَّرَ، إِلّا أنّ اختلاف المعنى وكون فعل "ئِتَجَّرْ" موجود في الحسّانيّة و "ئِتَگَّرْ" التي تعني عَرَضَ بضاعته ليسا متطابقين، بقيت زمنا طويلا حتى وجدتها كلمة صنهاجية.
1- قاعدة أرگاج: مثال لتَتَبّعِ واستطراد أصل الكلمة وجذرها ومختلف استخداماته في الحسّانيّة
أَرَگَاجْ: والجمع آرْوَاگِيجْ، والراء مرققة في الكلمتين، وتطلق هذه الكلمة على الإنسان أو الآدميّ سواء في ذلك الذكر والأنثى والصغير والكبير، أي اسم جنس يُطلق على كل شخص من البشر.
ومن هذا الأصل فعل ئِرَوْگَجْ اِتْرَوْگِيجْ، أي يسير على قدميه غير راكب.
لقد شغل بالي كثيرا وأهمّني البحث عن تأصيل هذه الكلمة الحاضرة في حديث الناس بكثرة وأنا أجهل أصلها وكنتُ مثل غيري من المُبتدئين في هذا المجال أحاول إيجاد أصل لكل كلمة وجعلها من أصل عربي فصيح وأن ترأَمها الفصحى ولا ترفضَها مهما كان التكلف في ذلك، واخترت حينها كلمة الرّقَّاشْ في تأصيل أَرَگَاجْ، و الرّقَّاشْ وقفت في بعض الكتب حينها أنّها تعني كثير الحركة وربطت ذلك بالإنسان إلّا أنني لم أكن مقتنعا ولا مرتاح البال، ومما زادني قلقا هو امتناع دخول ألف ولام التعريف على أَرَگَاجْ وهو أمر حيّرني كثيرا وأقنعني أنّي أجهل حلقة مفقودة وعليّ الحصول عليها قبل الكتابة ذات الصبغة العلميّة وذات المصداقيّة في هذا المجال بعيدا عن العاطفة العمياء.
ومَرّت أربعون عاما من الزمن وأُتِيحَ لي الحصول على معجم الأستاذ الكبير محمد شفيق حفظه ورعاه وكذاك
التّواصل مع بعض الأساتذة الكرام من أهلنا الذين لايزالون يتحدثون لغة أجدادنا من صنهاجة -وأخص بالذكر الأستاذ أحمدو إسماعيل حفظه الله- ليحلُّوا لغزا دام مُبهما أكثر من أربعين سنة أبحث عن حله، فأخبروني وقالوا:
أرَگَـيْـهْ : الشخص النكرة سواءا كان رجلا أو امرأة كما نقول فى الحسّانيّة أرگاج. اهـ
ولكنني لم أكتفِ بهذا بل بحثت في المعاجم الأمازيغية ووجدت التالي:
أَرْگَازْ :الرَّجُلُ، خِلاَفُ المَرْأَةِ / أَرْگَازْ: السّيرُ
ويبدو لي أنّ التّروگيج الذي يعني السّيرَ عندنا أو التّرَجُّلُ في الفصحى مشتق من هذا الأصل.
وبهذا قد وقفت على تأصيل هاتين الكلمتين (أرگاج، التّروگيج) بعد عناء طويل وبحث مُضْنٍ في طريق كان مسدودا حيث لم أسلك المسار الصحيح كما يفعله كثيرون من المُأصّلين للكلمات الحسّانيّة. وألتمس لِكثيرين منهم العذر من قبلُ في الزمن الأول، ولكن في زمن الثورة المعلوماتية الحالية لم يبق عذر لأحد.
2- قاعدة المِشّْ: مثال لتَتَبّعِ واستطراد أصل الكلمة وجذرها ومختلف استخداماته في الحسّانيّة ولماذا أهملت الكلمة العربية في هذا المَوضِع واستبدلت بكلمة صنهاجية، وهذا باب واسع ينطبق على كثير من الكلمات العربية المُهْملة في الحسّانيّة واستبدالها بأخرى مخافة اللَّبْسِ.
المِشّْ في الحسّانيّة هو القِطُّ أو الهِرُّ وفي أدبيات الحسّانيّة يرمز للشخص اللّحُومِ الذي يأكل اللحم كثيرا اشْتِهَاءً له، وقلّ أن تقول مِشّْ إلا وضحك الحضور.
سبيلي في البحث عن المعنى في هذا الباب هو كالتالي:
- أوّلاً أسأل نفسي هل هذا الأصل مستخدم في الحسّانيّة والجواب ههنا نعم.
قال ابن فارس: (مَشَّ) الْمِيمُ وَالشِّينُ أَصْلٌ صَحِيحٌ يَدُلُّ عَلَى لِينٍ فِي الشَّيْءِ وَسُهُولَةٍ وَلُطْفٍ. مِنْهُ الْمُشَاشُ، وَهِيَ الْعِظَامُ اللَّيِّنَةُ، يُقَالُ مَشَشْتُهَا أَمُشُّهَا. اهـ
وجاء في المعاجم العربية
المُشَاشُ : رُؤُوسُ العِظَامِ اللَّيِّنَةُ فِي المَنْكِبَيْنِ وَنَحْوِهِمَا
مَشَّ العَظْمَ: مَصَّهُ مَمْضُوغًا / تَمْشِيشُ العَظْمِ: مَصُّهُ وَاسْتِخْرَاجُ مُخِّهِ. اهـ
أقول وهذا الذي أورده ابن فارس واضح مطابقته الحسّانيّة ولكن لاعلاقة له بالقطّ أو الهرّ فنقول في الحسّانيّة: ئِمَشَّشْ لِعْظَمْ، أَمِشَّاشْ ئِحِكّْ الفِمّْ…
وتذكرون في زمن سكّر القالَب المخروطي "الصَّاگْ" تُعطَى قطعة منه للطفل ويقال له "مَشَّشْهَا" أي اغْمس جانبها في الماء ثمّ مُصّه للحصول على طعم السكّر، وأذكر أن أفضل "مِشّاشةٍ" هي "خَشْمْ الصّاگْ"
أمّا ربط هذا الجذر بمعنى يدلّ على القِطّ فذلك مُستبعَد وفيه تكلّف.
- ثَانِيًا: أنظرُ هل هذه الكلمة -أعني هنا المِشّْ- موجودةً في لغة صنهاجة كَخُطْوة ثانية في بحثي عن أصل أيّ كلمة حسّانيّة.
وجدت في لغة صنهاجة "اكلام آژناگة" أنّ القِطّ من أسمائه "مسّْ" وهذا واضح منه أنّ أصل الكلمة صنهاجيّ لاغبار عليه. ووقفت كذلك على أنّه يسمّى "مُوصْ" ولعلها المقصودة في الحسّانيّة بالاسم الثاني للقط وهو "اِلنَّوْصْ / اِلنَّوْصَه / لَنْوَاصْ-الاَنْوَاصْ"
- ثالثا: أنْ أبحث في معجم الأستاذ الكبير محمد شفيق وهو معجم عربي أمازيغي لاغنًى عنه لأيّ باحث في هذا المجال ويمكن تحميله مجَّانا، وكذلك معجم أمَاوّال للأستاذ الكبير مادغيس ؤمادي وهو معجم عربي أمازيغي عربي ومصمم للجوال ويمكن تحميله مجّانا. ولغة صنهاجة ليست إلا إحدى اللغات المشتقة من الأمازيغية وأقرب لغة لها هي لغة أهل سوس العالمة صاحبة التاريخ المضيء وهم سادة النّاس في القرآن والفقه، وبينها تقاطع كبير مع لغة أشقائنا وأبناء عمومتنا التّوارگ.
ولقد وقفت على التالي:
أمشيش: القطّ، السِّنَّوْرُ، و كلمة "صَبّْ" لزجر القطّ. اهـ
ولقد كانت كلمة زجر القطّ في الحسّانيّة هي "سِپّْ" ولايخفى عليكم التشابه الكبير بين أمشيش/صَبّْ وبين مِشّْ/سِپّْ
- رابعا: البحث في قاعدة إهمال الحسّانيّة بعضَ الكلمات العربية والعدول عنها لبديل آخر لبعض الأسباب قد - تخفى على كثير من الناس، وهو باب واسع جدا وذلك منطبق على كلمة الهِرِّ والتي هي من مادّه هَرَّ والتي لها في الحسّانيّة معنيان حسب ترقيق وتغليظ الراء وهو باب عظيم في الحسّانيّة لايُتقنه إلا من حنك بها.
قاعدة الهِرّ: في الترقيق والتفخيم
يقول أهل لفريگ "الكلب المعلوم ما ئِهِرّْ في الخاطر" و"آهْرَارْ الكلب" والراء مرققة في هذا المعنى وهو ذو أصل فصيح. جاء في المعاجم العربية: هَرَّ الكَلْبُ وَنَحْوُهُ: صَاتَ مِنْ دُونِ نُبَاحٍ مُكَشِّرًا عَنْ أَنْيَابِهِ.
وأمّا قولهم: "ئِهِرّْ الكلب ألّا في الخلوة، اِهْرَارْ الكلب امنسَّسْ" والمقصود به معروف، وهذا المعنى له أصل فصيح. جاء في المعاجم العربية: الهُرَارُ: استطْلَاق البَطْنِ
وأمّا قولنا: "حُوزْ لاَاتْهِرّْنِي أَرَانِي فِيَّ هِرّْ وِالْهَرّْ في الجّْماعه ماهو زين" الراء مرققة في كل هذه الكلمات.
والمقصود هنا بالهرّ في الحسّانيّة الدّغدغة.
ورد في المعاجم الأمازيغية عند كلمة دَغْدَغَ:
ئهرّا: دَغَدَغَ، هُ، في إِبْطِهِ أو أَخْمَصِ قَدَمِهِ.
خامسا: المِشّْ مقصود به القطّ، وماهو حال كلمة القط في الحسّانيّة ؟
"اِلْگَطّْ" بفتح القاف المعقودة كلمة تُطلق على القطّ البرّي الذي يتواجد بكثرة في بلادنا ويتميّز باللون البنّي ويكسو جلده السعر خلافا للقط الأهلي.
قاعدة المشّ نستخلص منها كثيرا من القواعد الأخرى التي يجب الانتباه إليها وقت تأصيل الكلمة.
3- قاعدة أَفُوكْ والتّافكّيتْ: التذكير والتأنيث في جزء كبير من الكلمات الحسّانيّة.
ابن مخاض من البقر أي ابن سنة يُسَمّى أَفُوكْ والأنثى التّافكّيتْ، وكنت أناقش صديقا لي عزيزا عليّ من أهل أفلّه قبل أكثر من ربع قرن في تأصيل هاتين الكلمتين فكان يقول لي لعلها تعني المُنفَكّ عن أمّه، فرددت عليه قائلا "خلّيني من اخْرَيْچَلِّي" أَنَّ هذا ليس تفسيرا علميا واضحا بالدليل والبرهان تطمئنّ له النفس. ويمكن للإنسان أن يكذب على الناس جميعا إلا أنّه لا يستطيع أن يكذب على نفسه، غير أنه قد يخطئ في فهم بعض الأمور جهلا منه أو وهما.
وبعد أكثر من عشرين سنة من نقاشي مع صديقي يتحفني أحد أساتذتي الكرام في تدوين لغة صنهاجة موريتانيا بالتالي. أفـوگُ / : ابن السنة تقريبا من البقر وهي تَـفُّـوگِـئْـذْ
وحُلّ لغز عظيم في قاعدة التذكير والتأنيث المتبعة في كَمٍّ هائل من المفردات الحسّانيّة والتي يبدأ المُذكّر منها بهمزة قطع تكون مفتوحة في الغالب مثل أفوك أو مكسورة مثل ئِرِيفي، ويشتق المؤنث بإبدال تلك الهمزة بتاء والإتيان بتاء ثانية نهاية الكلمة مع تغيير مُعيّن لبِنْيَة الكلمة ولكن مع الحفاظ على حروف جذر الكلمة. مثل ئِيشّيرْ/تِيشِّيرتْ، أفگراش/تافگراشت، وهكذا.
4- قاعدة التِّيدِنِيتْ وآرْدِينْ
إن كان مُحتملا أن تكون الكلمة مشتقّة من أصل فصيح أو من أصل صنهاجي فإنّي أورد الأصلين للفصل بينهما حسب المعنى المقصود من الكلمة. ثُمّ آتي بتفصيل أجزاء الكلمة المقصودة إن كانت لها أجزاء متعلقة بها.
التِّيدِنِيتْ: الظاهر أن أصلها من جذر دَنْدَنَ أو ئِدَنْدَنْ. الجذران متقاربان في النغمة وفي المعنى رغم أن الأوّل عربيّ ويعني أن تسمع من الرجل نَغْمةً ولا تفهم ما يقول، والثاني أمازيغي ومن معانيه الطَّنْطِينُ. والتّيدِنِيت كلمة أمازيغية وقد وردت في المعاجم الأمازيغية بنفس المعنى في الحسّانيّة وهي هذه الآلة العجيبة.
أورد الأستاذ شفيق عند كلمة العود فقال هو آردين وعند كلمة القانون كذلك وأورد التيدنيت في بعض الأحيان مرادفة لآردين وأحيانا تشمل كثيرا من صنوف آيات الطرب الأخرى.
وأتطرق لأجزاء الكلمة كما هو الحال مع التيدنيت، وهي:
- اِلْگَدْحَة: المقصود بها الْقَدَحُ.
- اِلجِّنْبَة: وهي قطعة من جلد بقر أو إبل مدبوغ. والظاهر أن أصلها فصيح
جاء في لسان العرب:
جَنْبَةُ البَعِيرِ: طائِفةٌ من جَنْبِه. جِلْدة من جَنْبِ البَعير يُعْمل منها عُلْبةٌ.
- اِلصَّيْدَحْ: هذه الكلمة تطلق في الحسّانيَّة على النّاقة الرَّكوبَةُ وعلى القارب الشراعي الصغير. وقد سميت تلك القطعة بالصيدح لأنها منتصبة فوق القدح مثل شراع القارب فوق الماء. والظاهر أن أصلها فصيح من كلمة الصّيدح.
جاء في القاموس المحيط: والصَّيدَحُ والصَّدوحُ والصَّيْداحُ والمِصْدَحُ: الصَّيَّاحُ الصَّيِّتُ.
وصَيْدَحُ: ناقةُ ذِي الرُّمَّةِ، وهو الفَرَسُ الشَّديدُ الصَّوْتِ.
- اِلتَّامُونَانِتْ: هي اسم ثان للصيدح وهي كلمة صنهاجية معناها القارب الشراعي.
أوردها الأستاذ الكبير محمد شفيق في معجمه. ج/2 ، ص/295
وأوردها معجم أماوّال عند كلمة قارب وعند كلمة غراب وهو نوع من السفن الشراعية.
- الأوتار وهي قسمان:
- لَمْهَارْ: والوتران العلويان الطويلان يُسَمَّسان "لَمْهَارْ". وفي الحسّانيّة تطلق كلمة الأمهار على الذُّكْران من قطيع الغزلان وتطلق كذلك على صغار الخيل. والأمهار في الغزلان أكبر حجما من باقي القطيع وكذلك هذان الوتران أطول وأرفع من باقي الأوتار.
- اِلتِّيشِبْطِنْ ومفردها "التَّاشبِّط": وهي الأوتار القصيرة. وكلمة "يِشَّبَطْ" في الحسّانيّة معناها من يبحث عمّا يتشبث به أو يتعلق به ولايكاد يجده. والمفهوم أنهما تبع للأمهار.
جاء في معجم اللغة العربية المعاصر: تَشَبَّطَ يَتَشَبَّط ، تَشَبُّطًا ، فهو مُتَشَبِّط. تشبَّط فلانٌ: تمسّك وتعلّق .
- العود: غني عن التعريف.
وأمّا التسلكيت
5- قاعدة يِكْمِي يكمي:
جذر واحد في كلا اللغتين
- يِكْمِي، كَمْيَة للگزّانة: معناها يُسِرُّ وهي المستخدمة مع لگزانة. وأصلها فصيح.
جاء في القاموس المحيط: كَمَى شَهادَتَه: كَتَمَها.
وجاء في لسان العرب: وكَمَى الشَّهَادَةَ يَكْمِيها كَمْياً وأَكْمَاها: كَتَمَها وقَمَعَها.
- يِكْمِي، كَمِي فهو كَمّايْ: تعني يُدَخِّن وهذه أصلها صنهاجي.
ونستخدم كذلك فعل يِجْغِمْ لمصّ الدخان ولاِجْتراع الماء واللبن وما شاكلهما …
ولقد تطابق جذر الكلمتين في اللغتين مما يجعل الإنسان يحتار في العلاقة بين المعنيين المختلفين ذَوَيْ جذر واحد.
أوردها الأستاذ الكبير محمد شفيق في معجمه ج1 / ص: 356
وأوردها معجم أماوال عند كلمة دخّن
‏ⵉⴽⵎⵉ ئكمْي دَخَّنَ، امتصّ الدُّخَادن دَخَّنَ
أكتفي بهذا ولهذه القواعد تكملة إن شاء الله.





تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى