لم أعبأ أثناء سَيْري بشارع سعد زغلول المُزدَحِم إلا بمَوضِع قدَمي، يكفي أنْ أمُرّ بسلامٍ من بين المُتسَكِّعينَ وهُواة الفُرجَة على الفاترينات.
كنتُ قادمًا من المنشية مُتعجِّلاً لألحَقَ بموعدٍ هام في فندق سِيسيل، يَدٌ تَمتد من الجهة اليُسرى فتَلمس كتَفي، أهذا مَعقول؟! هيَ أمامي بعد مُرور كل هذه السنين؟! وتَراني وسَط هذا الزحام ولا تَتجاهَلني؟ وأنا الذي لم يُضحِّي ليَستَمر حُبنا؟
تَسمَّرتُ في مَكاني، لم أعبأ بتلك الأكتاف التي تَضربني من اليَمين ومن اليَسار وهي تَتماوَج لتَمُرّ من وسط هذا الزحام بسلام.
قالت بوجهٍ مُتهلِّل: مَهلاً، مَهلاً؟ لِمَ تَشُقُّ طريقكَ مُسرعًا هكذا؟
أذهلتني المفاجأة، لُذتُ بالصمتِ، لم تَعرف أنَّ عَبَقَ أُنوثتها تَغَلغَلني لحظةَ أنْ رنَوتُ إليها.
كانت تقف على الرصيف أمام مَحل البُن البرازيلي الشهير، يا للمفُارقة، كنَّا في هذا المَحل منذ خمسة عشر سنة، وخرجنا منه بعد جلسة عاصفة من النِقاش، لم تكن الجلسة الأولى للحديث في أمر سَفرنا مَعًا إلى الخارج، جامعة شهيرة قبلتها للتدريس، وقالت - يَومها - ربما نَجدُ لكَ عملاً هناك، رفضتُ السَّفر تحت زَعْم "رُبَّما".
حاوَلْتُ إثناءَها عن رغبتها، وجاهدَت هي لإثنائي عن تصْميمي ففشلنا، لم تَطُل المناقشة حينذاك، وقالت عبارة واحدة: إذَن.. لتَسْتمر صَداقتنا، صداقة اثنين جمعهما حب جارف ذات يوم.
تَهكَّمْتُ على كلمة "حُب" ضَحِكْتُ ضَحكاتٍ ساخرة آلمَها وقْعُها، دمَعَتْ عيناها في صمتٍ وقالت بصوتٍ هامدٍ حزين: لا تَقسو أكثر من هذا. وبعدها عَلمتُ بسفرها، وزواجها من دبلوماسيّ وعاشَتْ هناك.
عُدتُ من ذُهولي، مدَدْتُ يدي لأُصافحها، فإذا بيدها المُمدودة كانت تَسْبقني، اتَّسَعَتْ ابتسامتها وهمَسَتْ: أنتَ كما أنتَ لم تَتغيَّر، لَولا بعض البَياض شابَ شَعرَك.
دغْدغَتني الابتسامة، سَحَرني الهَمسُ الذي نَطقَتْ به اسمي، ذات النَّغم الذي تَحفظه أذني. تلاشَى عندي الإحساس بالمكان والزمان، نَظرتُ في عينيها، أغمَضَتهمُا للحظة، ثم بادَلتني النظرة، شدَدْتُ على يدها، شدَّتْ على يدي، سألتها:
- ألا زلتِ تَذكرينني؟
هَمَسَت:
- يبدو أنكَ الذي نَسِيت!
ساءَلْتُ نفسي: ما الذي نَسيتهُ؟ حُبّها لي، أمْ شَوقي اليها؟ ثم قلتُ لأُخفى ارتباكي: وأنتِ زادَكِ الحِجابُ جَمالاً.
جذبَتني برفقٍ فصَعدتُ إلى جوارها على الرصيف؛ اكتشفتُ أنَّ يَدِي لم تَزل تَقبض على يَدها، ثم استدرنا فصَار ظهرانا للشارع. لم تزل تَبتسم، ولم تَزل الذكرياتُ تَتدَاعَى، كم مَشَيْنا في هذا الشارع، كم غازَل هواء البَحر شَعْرَها فكان يَتطاير فيلمسَ كتِفي.
لم أدر كم من الوقت انقضَي على هذه الوَقفة، حتى نَبَّهتني إلى تلك التي تَنقُر على ظهري من الخلف عدة مرات دون أن أشعر، تركتُ يدها، استدرتُ إلى الخَلف، زَوجتي وقد عادت من عَملها الكائن في نهاية الشارع، سألتها:
- متى جئتِ؟
قالت:
- منذُ ابيضَّ شعرَك!!
كنتُ قادمًا من المنشية مُتعجِّلاً لألحَقَ بموعدٍ هام في فندق سِيسيل، يَدٌ تَمتد من الجهة اليُسرى فتَلمس كتَفي، أهذا مَعقول؟! هيَ أمامي بعد مُرور كل هذه السنين؟! وتَراني وسَط هذا الزحام ولا تَتجاهَلني؟ وأنا الذي لم يُضحِّي ليَستَمر حُبنا؟
تَسمَّرتُ في مَكاني، لم أعبأ بتلك الأكتاف التي تَضربني من اليَمين ومن اليَسار وهي تَتماوَج لتَمُرّ من وسط هذا الزحام بسلام.
قالت بوجهٍ مُتهلِّل: مَهلاً، مَهلاً؟ لِمَ تَشُقُّ طريقكَ مُسرعًا هكذا؟
أذهلتني المفاجأة، لُذتُ بالصمتِ، لم تَعرف أنَّ عَبَقَ أُنوثتها تَغَلغَلني لحظةَ أنْ رنَوتُ إليها.
كانت تقف على الرصيف أمام مَحل البُن البرازيلي الشهير، يا للمفُارقة، كنَّا في هذا المَحل منذ خمسة عشر سنة، وخرجنا منه بعد جلسة عاصفة من النِقاش، لم تكن الجلسة الأولى للحديث في أمر سَفرنا مَعًا إلى الخارج، جامعة شهيرة قبلتها للتدريس، وقالت - يَومها - ربما نَجدُ لكَ عملاً هناك، رفضتُ السَّفر تحت زَعْم "رُبَّما".
حاوَلْتُ إثناءَها عن رغبتها، وجاهدَت هي لإثنائي عن تصْميمي ففشلنا، لم تَطُل المناقشة حينذاك، وقالت عبارة واحدة: إذَن.. لتَسْتمر صَداقتنا، صداقة اثنين جمعهما حب جارف ذات يوم.
تَهكَّمْتُ على كلمة "حُب" ضَحِكْتُ ضَحكاتٍ ساخرة آلمَها وقْعُها، دمَعَتْ عيناها في صمتٍ وقالت بصوتٍ هامدٍ حزين: لا تَقسو أكثر من هذا. وبعدها عَلمتُ بسفرها، وزواجها من دبلوماسيّ وعاشَتْ هناك.
عُدتُ من ذُهولي، مدَدْتُ يدي لأُصافحها، فإذا بيدها المُمدودة كانت تَسْبقني، اتَّسَعَتْ ابتسامتها وهمَسَتْ: أنتَ كما أنتَ لم تَتغيَّر، لَولا بعض البَياض شابَ شَعرَك.
دغْدغَتني الابتسامة، سَحَرني الهَمسُ الذي نَطقَتْ به اسمي، ذات النَّغم الذي تَحفظه أذني. تلاشَى عندي الإحساس بالمكان والزمان، نَظرتُ في عينيها، أغمَضَتهمُا للحظة، ثم بادَلتني النظرة، شدَدْتُ على يدها، شدَّتْ على يدي، سألتها:
- ألا زلتِ تَذكرينني؟
هَمَسَت:
- يبدو أنكَ الذي نَسِيت!
ساءَلْتُ نفسي: ما الذي نَسيتهُ؟ حُبّها لي، أمْ شَوقي اليها؟ ثم قلتُ لأُخفى ارتباكي: وأنتِ زادَكِ الحِجابُ جَمالاً.
جذبَتني برفقٍ فصَعدتُ إلى جوارها على الرصيف؛ اكتشفتُ أنَّ يَدِي لم تَزل تَقبض على يَدها، ثم استدرنا فصَار ظهرانا للشارع. لم تزل تَبتسم، ولم تَزل الذكرياتُ تَتدَاعَى، كم مَشَيْنا في هذا الشارع، كم غازَل هواء البَحر شَعْرَها فكان يَتطاير فيلمسَ كتِفي.
لم أدر كم من الوقت انقضَي على هذه الوَقفة، حتى نَبَّهتني إلى تلك التي تَنقُر على ظهري من الخلف عدة مرات دون أن أشعر، تركتُ يدها، استدرتُ إلى الخَلف، زَوجتي وقد عادت من عَملها الكائن في نهاية الشارع، سألتها:
- متى جئتِ؟
قالت:
- منذُ ابيضَّ شعرَك!!
بهاء المري
بهاء المري is on Facebook. Join Facebook to connect with بهاء المري and others you may know. Facebook gives people the power to share and makes the world more open and connected.
www.facebook.com