عبد الحميد شكيل - ثقافة التّخوين ثقافة التّمكين..!!

في المشهد الثقافي الجزائري الراهن، الذي مازال يحتكم في مرآوية الثقافي إلى آليتي : التخوين.. التمكين، مؤشر يرادمنه "تضفيف" المتحرك الثقافي، وجعله ينوس بين هذين القطبين ،دون السماح له الخروج من فكي الكماشة القصوية، التي تعد المظهر القاصم،والشرس لوضع هذا "المثقف" في زاوية،لا هي قادرة على منحه حرية الحركة، ولاهو بقادر على توسيع دائرة الحركة، ليقول رأيه، وموقفه، وتوجهه، دون خوف، ولا مواربة.
ا
الإشكالية الكبيرة، والمحيرة، والمربكة، والمبكية..أنه منذ "الاستقلال" لا توجد منهجية، ولارؤية ثقافية حقيقية، وجادة تضع المسألة الثقافية بما تنطوي عليه من مفاهيهم، وطروحات، كمخرج صحيح للثقافة من سديميتها، وضبابيتها، وحيرتها الفلسفية، والوجودية، والأنطولوجية، في سياق ثقافوي منجز، له أسسه، ومرتكزاته ، القادرة على حلحلة هذا الهيكل المثقل، والمحبط، الذي ينظر إليه بنظرة غاية في التهميش، والتحقير، والقصوية القاتلة، التي اربكت التوجه الثقافي في الجزائر المستقلة، التي من المفترض أن تكون القاطرة الثقافية، هي الأساس، والمعول عليه لتفعيل، وتحريك الهيكل، وضخ الدماء في كيانه، ليرسم الخطاطة الكبري للذهاب الحي صوب ثقافة ناهضة تستلم التراث، وتتواءم مع الحداثة، وتستجيب لمقتضيات الراهن، وما يؤشر نحو المستقبل.
إن مقولة" الحصان- العربة" أرى أنها العصا التي كانت تنوس على مستوى العجلة، مما عطل، وأربك، المشهد الثقافي المهلهل اصلا، وشتت الرؤى، والكيانات الثقافية المتنوعة، والزج بها جميعا في حتمية قاهرة وغير مستوعبة للشرطية الوطنية، والصراعات المعولة، التي أتت على ضفاف الافق الثقافي، وجعلته في مؤخرة الاهتمامات .. مما سهل عمليتي" التدمير والاحتواء" التي كان مخطط لها من قبل الكولونيالية لترسيخ، وتثبت ما أشرت إليه قبل قليل، وقدساعد على ذلك البنوة التي زرعتها فرنسا الاستدمارية في نفوس، وعقلية الذين كانت تعول عليهم لإحداث الانتكاسة ، والإنكفاء، لجعل الجزائر في تبعية دائمة، وأعتقد هذا ما حاصل بالفعل.
إن الوطن الذي يهمش الثفافة ،ويضعها في آخر أولوياته، لن يكون له الحظ، لإقلاع ثقافي، حقيقي، يستند إلى مقومات الذات، وتراث الأمة، ومتحولات الحداثة، التي لا يمكنها أن تنجح في في إحداث التحول ما لم تنحاز إلى الخصوصية، والفرادة، والاستيعاب الواعي، لمنجزات العقل، وآليات الفكر، ومحفزات الفلسفة، ومعطيات الواقع الذي يعيش فيه الفرد.
كيف يمكن الحديث عن ثقافة وطنية منجزة في ظل مناخ عام ما زال ينوس بين مقولتي" التخوين، والتمكين" ويرى إلى ذلك مقوم أساس لتعويم قيم المواطنة، والانتماء، إلى الجغرافية الثقافية، لحسم الكثير من المعوقات ، والسلبيات، والحفر التي تحد من القفزة الوطنية الصحيحة المحتكمة إلى مشروعية الذات، ومنطق المتعلق الهوياتي العارف، غير المستلب، والمحصن برؤية عارفة، ومنطق جدلي، وحاكمية غير منجذبة - بقصد- نحو الآخر ، بتبعية منسلخة، ومتوارية في موشورات مشبوهة، لا تقود إلى مخارج واضحة المعالم، جلية التوجهات، يعول عليها لتحريك القاطرة الثقافية صوب محطات .. تمتلك الرؤية ، وتتوفر على جاهزية غير منحازة إلا للثقافة الوطنية السليمة من الاستهدافات ، والعمالات، والبؤر التي تعمل على تقويض البنى، وتعويم ثقافات ، لا علاقة لها بثقافة البلاد، بل الهدف من هوضرب المقوم الوطني، وتشويه التراث، والتشكيك في عوامل الوحدة، والدعوة إلى البذر في غير الأرض، ولا المناخ، ما ينتج عنه لا هو من هنا، ولا هو من هناك.
الثقافة التي لا تنهض على مقوماتها الذاتية، ومرتكزاتها الوطنية، المتجذرة، والمستوعبة، لنسغها، وتربتها، ومناخها، وخصوصيتها، هي ثقافة معطوبة، ومنخورة، ومستلبة، لا يعول عليها في ترسيم المقوم، وتثبيت الأركان، وبناء الإنسان الذي هو أساس النهضة، وعماد الرسوخ، بعيدا عن كل التعلات،والمفاهيم التغريبية المجلوبة من بئات ومناطق، وجهات لها تربتها، ومناخها.
إن ثقافة التهجين، والغرس المفتعل، لا يمكنها أن تنجح، مهما وفرنا لها من عوامل، وحاضنات.. ذلك منطق الطبيعة، ومعطى المكان الذي لا يخون تربته، وجبلته، وطبيعته،وما خلق من أجله.
مازال المشهد الثقافي في بلادنا رهين سياسات ، ورؤى، وتفاعلات لا تقوم على مبدئي التمكين، والتحصين، بقدر ما تقوم على سياسات لا ترى بعيون وطنية،لا تراعي الخصوصية، والهوية، والمعطى الخاص، والعام، ومكونات الشخصية، وعادات الشعب، وموروثاته الثقافية، والتاريخية، التي دونها لن تكون نهضة ثقافية حقيقية وصحيحة، يمكنها البناء، والتأسيس، والذهاب نحو ثقافة راسخة في الواقع والوجدان.
لكن.. كيف نروم ذلك والمشهد غير واضح المعالم، ولا يظهر في شاشة الواقع، ما يجعلنا نرتاب، ونشك في انوجاد هذا المشهد ضمن سياقات الذات، ومحفزات الهوية، ومشروعية
العمل.
لنعمل على تأسيس مشهد ثقافي وطني ينهض على رؤى عالمة، وعارفة، وغير منخرطة في سياسات لا ترى بعيون وطنية ، ذلك مايمكننا من الخروج من التراشقات الثقافية الصفراء التي ترتبط بجهات خارجية ، تدفع، ولا تنفع ،بل تعمل على توسيع الهوة، وتبهيت الهوية، وضرب المقوم الوطني الجامع والمانع لكل سقوط، أو انحراف يخرج القاطرة عن سكتها الصحيحة، ويدفع بها إلى مهاوي الردى، وحتميات الانزلاق ، الذي لاتحمد عقباه، ولا تحبذ رؤياه..

عبد الحميد شكيل 18من شهر أوت2020




تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى