حسن البطل - القدس.. إن نطق اليمام!

مَن الذي تشبث بأستار الكعبة؟ (مَن الذي لـم يفعل)؟. مَن الذي تشبث بأسوار القدس؟ (من الذي لـم يفعل)؟. هل من أستار الكعبة إلى أسوار القدس يصنع الفلسطينيون معجزة «إسراء سياسي»؟
***
القدس تحاول، على مدى أعوام الاحتلال، أن تشبه مدينة الله. غير أن اليمام هو الذي يرى الله كما يحبّ الله؛ ويرى اليمام أتباع الديانات الثلاث لا كما يرون أنفسهم.. أو القدس التي يتنازعونها منذ ألفي عام.
***
ربما كان الـمهندس الذي صمّم، ما يسمّى اليوم، «كلية شميدت» من بين قلّة من البشر رأوا القدس العتيقة بعيني اليمام. على مستوى نظرة اليمام للأفق القدسي، ترى هذا التآلف بين هندسة حجر الكلية وهندسة حجر الأسوار.. وبالذات، الحجر الذي يكلّل باب العمود.
***
كيف أحشر آلاف أعمدة هذا العمود بين دفتي كتاب؟ تركت لوديع، لداود، لمعتصم، عبء نقل الـملفات من «وينتكست» إلى «مايكروسوفت وورد». في كانون الأول 1994 بدأت نقل ملفات ذاكرتي من برنامج حيفا، يافا، عكا إلى برنامج القدس، الخليل، نابلس.
***
حاذر أيها الطفل اللعب بأعواد الثقاب. حاذر أيها الرجل الـمؤمن أن تخلط بين شهاب عابر، وبين النذير والبشير «ولقد زينا السماء الدنيا بمصابيح وجعلناها رجوماً للشياطين».
الأطفال رجال، ومن الرجال قادة وجنرالات فاتحون. مَن الذي منهم وفر اللعب بأعواد الثقاب في القدس، مدينة عباد الله؟
***
يسمونها «الجثمانية»، وستبقى على اسمها من أول الدهر إلى آخره.. وسيبقى لوجه الـموت في الجثمانية صورة «جدري الـموت». من على سطحية مطعم/ مقهى أندرياس تشرب القهوة (كما تريد) وترى طيران اليمام (كما يريد).. لكنك ترى «جدري الـموت» لا كما يراه الذين يعبدون الله في كنيسة القيامة أو الحرم القدسي أو حائط البراق.
.. لا كما يراه اليمام الحرّ في مدينة يحتلها أتباع دين من أتباع دين.. إلى أن يحرّرها الله من الجميع!.
***
كم مدينة قديمة شيدتها أيدي الإنسان تحمل اسم «الـمدينة الـمسورة». تشب الـمدن، أيضاً، عن الطوق، وتبقى «الـمدينة الـمسورة» القديمة في مكانة القلب.
من أجل «قدس بلا أسوار» أزاح الـمحتلون الجدد بوابة العار، الـمسماة «بوابة مندلباوم». من أجل قدس موحدة، طوّق الـمحتلون الجدد منافذ القدس الكبيرة بالحواجز. من أجل القدس الأكبر طوق الـمحتلون القدس ـ الحاضرة بأسوار بشعة.
***
في سينما الخيال بوابة هلامية تجتازها إلى الـماضي السحيق (أو تجتازها إلى الـمستقبل السحيق). بين ما يسمى «قلعة داود» وبين آخر الأسواق الـمسقوفة للقدس العتيقة، حصل أن اجتزت بوابة الزمن. سور غير مرئي بين أسواق الحركة العامرة عصر يوم الجمعة، أو شوارع يباب.
«مآذن القدس، قباب القدس، أسوار القدس» نعم.. لكن أسواق القدس العتيقة لـمطرزات الثوب الفلسطيني والحطة، كما للصلبان.. كما للشمعدانات.
***
في الخامسة مساءً (شتاء) أو السابعة مساءً (صيفاً) ينتهي مهرجان البيع والشراء.. وتبدو أحجار سور باب العمود الجديد نسبياً، أمام كل هذا الحطام أسفلها. يهرب اليمام إلى القباب. يهرب من القباب إلى النوم، يحلـم بالصباح الجميل، قبل أن يأتي الباعة، الذين يأتون قبل أن يأتي الذين يرفعون صلواتهم للأعالي.. مخلوطة بهديل اليمام!.
***
من أجل أن يربطوا القدس الشرقية بالغربية، أزاحوا «بوابة مندلباوم» من أول شارع يافا. ومن أجل أن يفصلوا رام الله عن القدس نصبوا «بوابة قلنديا» في منتصف «شارع القدس».
الـمدينة التي يعشقها الجميع، يتزوجها الجميع بالتناوب. هذا فعل اغتصاب، ولليمام رنّة الحزن في هديل لـم ينقطع ألف عام، ألفي عام. اليمام هو اليمام. الله هو الله. والبشر ليسوا يماماً.. ولو كانت لصلواتهم استعارة هديل اليمام.
ولليمام أن يستعير القدس فوق أجنحته، وأن تستعير الـمدينة لسانه، للبشر أن يستعيروا عبوديتهم في مدينة عباد الله.



* حسن البطل
9-2-2007

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى