أتأملُ زرقةَ السماءِ والطيورُ تحلقُ تحتها، تخيلتُ أجنحةَ الطيورِ البيضِ نجومًا كتلك النجومِ التي أسرتْني بالليل ، أرى الزرقةَ لاحدودَ لها، الطيورٌ سابحاتٌ في كل اتجاه ، زرقةٌ كالبحرِ المعلقِ لاينكفئ على الأرض، وأنا على الأرضِ أشمُّ رائحةَ الترابِ وأستروحه، ويزدادُ حبي للثرى ونحن نغرسُ شجرةَ ليمونٍ أو فرعَ فلٍّ، أو نزرعُ بذرةَ نخلٍ أو نغرسُ فسيلة ، أحبُّ هذه الدار؛ أحببتُ السريرَ الأحمرَ المخضَّبَ كالحسانِ بصبغةِ الحناء، أحببتها مهدًا يسكنُ الدارَ ليحملَني على النومِ لأرى أحلامَ السعادة، ويضمُّني وقتَ الراحةِ لأهنأَ بقيلولةٍ وسطَ نهاراتِه الصاخبةِ الفاتنة، في الدارِ أشجارُ فلٍّ على مدِّ البصر، يقطفُها الساكنون ليعلنوا وعقودُ الفلِّ على أعناقهم أنَّ لهم دارًا بنقاءِ الزهرةِ البيضاءِ وتضوعها حين تهبُّ النسائم، أو تتحركُ الأغصانُ لتشدو العصافير، لنا سقفٌ نحميه من اختراقاتٍ طائشةٍ أو حاقدةٍ تمنع عنا أن تهطلَ علينا سحائبُ خيراته أو تتلألأ من فوقنا بشائره ، إننا نراه قمرًا يطلُّ علينا لنكتبَ على بطحاءِ أرضنا الحب ، لنا دارٌ نزرعُ في بطنِ ثراها نخيلًا نهزُّ جذوعه إذا استوى لنجني الرطبَ وإذا حميتْ شمسُه تفيأنا تحتَ ظله، وبين السقفِ البعيدِ الواسعِ والأرضِ الممتدةِ لنا دار؛ بنيناها لنفرحَ ونسعد، هي قبلةُ الفرحِ والحبِّ والشموخ، وهي قبلةُ التفاصيلِ الجميلة، لانقبلُ من أحدٍ أن يجتازَ أسوارَها بغيرِ رضانا، أو يقذفَها بالحجارةِ ونحن سكوت، أو يعكِّرَ ماءَها ونترك صفوَ مائه، لنا دارٌ أقمناها فتجذرتْ أصولُ جدرانِها لتكونَ حصنًا، وارتفعتْ جدرناها لتصدَّ الأعينَ التي تتسللُ لتسرقَ من عيونِنا الفرحة، لنا دارٌ نحيطُ بها صفوفًا ليبقى أريجُ فلُّها ويعلو بنيانها، وتخضرُّ أرضها، سنظل لها أوفياء؛ فهي لنا دارٌ ونحنُ لها أبرار.