آثرتُ الجلوس على الشاطئ وحدي، لا يفصلني عن عائلتي سوى بضعة أمتار؛ للاستمتاع بهدير أمواج هذا المارد الذي اشتاقته روحي، وتاقت لرؤية الشمس وهي تغرق في لُجَّتة.
حلَّ المساء سريعًا، عدنا إلى البيت لتناول العشاء ولننعم بسهرةٍ جميلةٍ على شرفة البيت المأجور.
فجأةً وبينما كنت أُعدُّ طعام العشاء بدأ إبني بالصراخ:
- أمي، رأسي تكاد تنفجر.
حدَّقتُ في وجهه فزعةً:
-أين نظَّارتك؟
- هاهي ألا ترينها؟!
مشيرًا إلى عينيه
- يبدو أنَّها سقطتْ عدسةُ العين اليسرى دون أن تشعر!
ياااالله ما هذه المصيبة؟!
ترى هل سقطتْ فوق الشَّاطئ الرَّمليِّ، أم سقطت في طريق عودتنا إلى البيت منذ دقائق؟!
أراني أتخبط في جحيم أسئلتي السمجة
وقد بدا لي أني فقط من أُسقِط في يدها!
فطفلي الجميل( أحمد وسام) لا يمكنه رؤية أيَّ شيءٍ دون نظَّارته، وجع رأسه لايفارقه إنْ هي ضاعت أو انكسرتْ
مازال عقلي يخوض حرباً من الأسئلة الحائرة:
هل نقطع إجازتنا الصيفيَّة- رغم بعد المسافة بين حلبَ وطرطوس- ونعود أدراجنا لأُحضر له النَّظارة البديلة، ونحن مازلنا في اليوم الأوَّل من إجازتنا السَّنويّة؟!
أم أدعُ طفلي بلا نظَّارةٍ متألِّماً من صداعٍ في رأسه، صارخاً من شدة ألمه معكرًا صفو إجازتنا؟
-يجب أن أخرج من جحيم هذه الأسئلة التي تزرع المسافة بيني وبين صراخه سكاكين تستحيل معها حركتي وقد بدوت أمامها عاجزةً ومقهورة
فتحتُ الباب، خرجتُ مسرعةً على غير هدىً.
- أيَّتُها المجنونة إلى أين؟
لن تجديها!!
صرخ زوجي
- سأجدُها
- الآن؟!
- نعم الآن.
- الشَّاطئ موحش والظلام عميم!
-ليس على المجنون حرج!
لحق بي -عندما أدرك أني مصرَّةٌ على خوض معركةٍ أيقنت أني لن أخرج منها خاسرةً قط- وهو يتمتمُ بما لا يهمِّني سماعه
لاعناً السَّاعة الَّتي قرَّر أنْ يصطحبنا فيها بإجازةٍ صيفيّةٍ للاستجمام.
هُرِعتُ إلى مكان جلوسي حيث خلع وسام ثيابه ووضعها بقربي لا بل بقرب تلك الصخرة الضخمة التي كنت أجلس فوق دكِّتها، ثم ذهب ليسبح مع أبيه.
دسستُ يديَّ في الرَّمل ورحتُ أذروه في الهواء؛ لعلَّ العدسة المفقودة تلمع بين يدَيْ
واقفاً كجذع شجرةٍ ماتت على ظلِّها، عاقداً ذراعيه فوق صدره كان زوجي يراقبني باستهزاءٍ، وما فتئ يحوقل ويُحسبِنْ
- هذه المرة سأغوص في الرمل أكثر، تحثُّني روح وسام المتألمة ورأسه المتصدعة وقد بقي في البيت مكباً بوجهه على الطاولة مغمضاً عينيه لشدة وجعه.
- عليَّ المضي في البحث أعمق، ياربي! لا شيء يلمع حتى ولو عنق قنينةٍ مكسورةٍ تشقُّ إحدى يدَيْ أو تنغرز في إحدى أصابعي المبصرة تحت الرمل، لا بأس والله، المهم أن يزول بأس قلبي!
- لعلّها بعد خطوتين...ها
نعم هنا خلع ملابسه، هنا عند هذه الصَّخرة الضَّخمة.
أمسكتُ عن الحديث مع نفسي، وغرستُ يدَي في الرمل أكثر وأنا أبسمل، فانفلق وجه وسام المبتسم أمامي كشمس الصباح مبتسماً بامتنان:
شكراً أمي قالها وهو يعانقني بقوةٍ باكياً بعد أن رفع رأسه من فوق الطاولة التي امتلأ سطحها بدموعه
هكذا أراه من خلال عدسته التي رحت أذرو رملها في الهواء وأنا أصرخ في وجه زوجي المتجهّم مرقصةً حاجبَي:
- هل تراها؟ إنَّها عدسة وسام
ملوِّحةً بها أمام عينيه الذاهلتين، ثم أخذت أدور حوله وأغني بغبطةٍ:
"طنعشر شب بيسوا بنت
وبنت بتسوى دزينه"
فكَّ ذراعيه المعقودتين على صدره، لينعقدَ الكلام على شفتيه، وقد أدرك أنَّ المجنون الحقّ من لا يصدِّق يقين الأم.
إيمان فجر السيد
حلَّ المساء سريعًا، عدنا إلى البيت لتناول العشاء ولننعم بسهرةٍ جميلةٍ على شرفة البيت المأجور.
فجأةً وبينما كنت أُعدُّ طعام العشاء بدأ إبني بالصراخ:
- أمي، رأسي تكاد تنفجر.
حدَّقتُ في وجهه فزعةً:
-أين نظَّارتك؟
- هاهي ألا ترينها؟!
مشيرًا إلى عينيه
- يبدو أنَّها سقطتْ عدسةُ العين اليسرى دون أن تشعر!
ياااالله ما هذه المصيبة؟!
ترى هل سقطتْ فوق الشَّاطئ الرَّمليِّ، أم سقطت في طريق عودتنا إلى البيت منذ دقائق؟!
أراني أتخبط في جحيم أسئلتي السمجة
وقد بدا لي أني فقط من أُسقِط في يدها!
فطفلي الجميل( أحمد وسام) لا يمكنه رؤية أيَّ شيءٍ دون نظَّارته، وجع رأسه لايفارقه إنْ هي ضاعت أو انكسرتْ
مازال عقلي يخوض حرباً من الأسئلة الحائرة:
هل نقطع إجازتنا الصيفيَّة- رغم بعد المسافة بين حلبَ وطرطوس- ونعود أدراجنا لأُحضر له النَّظارة البديلة، ونحن مازلنا في اليوم الأوَّل من إجازتنا السَّنويّة؟!
أم أدعُ طفلي بلا نظَّارةٍ متألِّماً من صداعٍ في رأسه، صارخاً من شدة ألمه معكرًا صفو إجازتنا؟
-يجب أن أخرج من جحيم هذه الأسئلة التي تزرع المسافة بيني وبين صراخه سكاكين تستحيل معها حركتي وقد بدوت أمامها عاجزةً ومقهورة
فتحتُ الباب، خرجتُ مسرعةً على غير هدىً.
- أيَّتُها المجنونة إلى أين؟
لن تجديها!!
صرخ زوجي
- سأجدُها
- الآن؟!
- نعم الآن.
- الشَّاطئ موحش والظلام عميم!
-ليس على المجنون حرج!
لحق بي -عندما أدرك أني مصرَّةٌ على خوض معركةٍ أيقنت أني لن أخرج منها خاسرةً قط- وهو يتمتمُ بما لا يهمِّني سماعه
لاعناً السَّاعة الَّتي قرَّر أنْ يصطحبنا فيها بإجازةٍ صيفيّةٍ للاستجمام.
هُرِعتُ إلى مكان جلوسي حيث خلع وسام ثيابه ووضعها بقربي لا بل بقرب تلك الصخرة الضخمة التي كنت أجلس فوق دكِّتها، ثم ذهب ليسبح مع أبيه.
دسستُ يديَّ في الرَّمل ورحتُ أذروه في الهواء؛ لعلَّ العدسة المفقودة تلمع بين يدَيْ
واقفاً كجذع شجرةٍ ماتت على ظلِّها، عاقداً ذراعيه فوق صدره كان زوجي يراقبني باستهزاءٍ، وما فتئ يحوقل ويُحسبِنْ
- هذه المرة سأغوص في الرمل أكثر، تحثُّني روح وسام المتألمة ورأسه المتصدعة وقد بقي في البيت مكباً بوجهه على الطاولة مغمضاً عينيه لشدة وجعه.
- عليَّ المضي في البحث أعمق، ياربي! لا شيء يلمع حتى ولو عنق قنينةٍ مكسورةٍ تشقُّ إحدى يدَيْ أو تنغرز في إحدى أصابعي المبصرة تحت الرمل، لا بأس والله، المهم أن يزول بأس قلبي!
- لعلّها بعد خطوتين...ها
نعم هنا خلع ملابسه، هنا عند هذه الصَّخرة الضَّخمة.
أمسكتُ عن الحديث مع نفسي، وغرستُ يدَي في الرمل أكثر وأنا أبسمل، فانفلق وجه وسام المبتسم أمامي كشمس الصباح مبتسماً بامتنان:
شكراً أمي قالها وهو يعانقني بقوةٍ باكياً بعد أن رفع رأسه من فوق الطاولة التي امتلأ سطحها بدموعه
هكذا أراه من خلال عدسته التي رحت أذرو رملها في الهواء وأنا أصرخ في وجه زوجي المتجهّم مرقصةً حاجبَي:
- هل تراها؟ إنَّها عدسة وسام
ملوِّحةً بها أمام عينيه الذاهلتين، ثم أخذت أدور حوله وأغني بغبطةٍ:
"طنعشر شب بيسوا بنت
وبنت بتسوى دزينه"
فكَّ ذراعيه المعقودتين على صدره، لينعقدَ الكلام على شفتيه، وقد أدرك أنَّ المجنون الحقّ من لا يصدِّق يقين الأم.
إيمان فجر السيد