إيمان فجر السيد - رؤية نقدية لنص القاص ياسر جمعة

وجدتكِ
مساءً
في قصائد الأصدقاء
بعد أن أخذني حزن الفقد والليل الثقيل
كنتِ مثل فجرٍ
ينشر ضوءه الوليد
على الجميع
عند هذا الشاعر وجدتُ بعض طفولة روحك والشبق
وعند ذلك كان وجهك الصبوح
وعند ذاك نهدَيك
وقد خلقت الكلمات من المفرق بينهما بحرًا كبيرًا
وعند هذا خصرك وابتسامتك
وعند هذا ظلك وأنت ترقصين
وعند هذا ...
وعند ذلك ...
وكنت سعيدًا أني وجدتُك أخيرًا
غير أني حزنتُ
ما إن تراءى لي
أني أشبه هذا الرقيب
الذي لم تلفتْ نظره سوى المشاهد العارية
في كتابي"حتى يولد العالم"
الذي يرصد الذات أمام مراياها
ويقترح صورًا أخرى
غير المستقرِّة
للموت والحياة
فأباح لمقصِّه الأعمى
أن يجور على كل جميلٍ في الكتاب
وبهذا الحزن كتبتُكِ قصيدةً
تشبه كثيرًا هذه اللمسة الرقيقة
من كفكِ
لنهدك المتحفِّز
تلك التي تخالف تمنُّعك اللَّين
وقد ثقُلَ جفناكِ
وارتعشتْ شفتك السفلى
والتصق فخذَاكِ
ثم انفرجا
بشكلٍ جذَّابٍ
دون أن تتخلّين عن تمنُّعك اللَّين هذا
أو تتوقفين عن محاولة تغيير مجرى الحديث
فأحدِّق فيكِ
وما ألبث أن أخبرك
أنَّ كفَّك تنوب عن فمي الآن
تنتبهين
فترفعينها عن نهدك
لتخبِّئين بها عينَيكِ
أضحك
أضحك وأُنهي قصيدتي
بالوقوف وضمِّ رأسك إلى صدري
أو أسفله قليلًا
حيث تلفِّين ذراعَيْكِ حول خصري
وأنتِ تهمسين:
أنت مجرمٌ يا رجل!
وأنام
وقد أخذني حضورك إلى راحةٍ أفتقدها منذ مدةٍ
وما إن أستيقظَ
لا أجدكِ في قصيدة المساء
فيلُوْح لي
من بعيد
ذلك الرقيب الأعمى
مرةً أخرى.
.......

******************


رؤيتي النقدية


أريد أن أقول كلمة حق هنا
على ضوء هذا النص العميق
للروائي والقاص
أ. ياسر جمعة :

أعتقد أنَّ أغلبنا يعلم أنَّ الكتابة العربية ترزح تحت وطأة معايير دينية وأخلاقية ترصد واقعًا رقابيًا يخنق كل نفَسٍ فكريٍ أو أدبيٍ يحاول أن يجد له رئةً نظيفة تتنشّقه.
سيما إذا كانت الروايات أو القصص تستحضر الجسد أو الجنس أو الأنثى
ليجد الكاتب نفسه آثمًا ومحكومًا بمعيارَيْن:

/ الدين و المجتمع/

وكثيرًا ما نرى المعارك سجالًا بين الأدب والرقابة
سيما إذا كان الأديب جريئًا يحاول أن يجد لنفسه بصمةً تُغاير المستقرَّ، ولا تشبه إلا نفسها، بعيدةً عن التكرار الممجوج في طرح القضايا الاجتماعية والإنسانية والروحية على حدٍّ سواء، فلا ريب والحالة هذه أنَّه سيواجه معركةً حامية الوطيس من قِبل مؤسسات الدين والأخلاق التي تُنصِّب نفسها ربًا يحاسب ويعاقب أو يكافئ أو يجازي!
وبذا يجد الكاتب نفسه أمام ثالوثٍ محرِّمٍ لا يحق له تجاوز حرمته
وهو:
《الدين أو الجنس أو السياسة》
ويقع في فخّ مصادرة الرأي واستلاب حرية الفكر وكبح الجموح الفكري والأدبي من خلال سلطةٍ (غير واعية) لمهامها الحقّة... مهشِّمةً مرايا الروح التي يعكسها الفكر، متغافلةً عن البعد الإنساني لأيّ نصِّ يُعتبر خارجًا عن الحدود المحظورة مع أن الخروج عن سياق النص حذفًا أو تغييراً أو استبدالاً أشد وبالاً على الأخلاق من ذكر حقيقة ما حُذف بل هو أكتر انتهاكًا لحق الوجود البشري الحرّ والذي تحدَّث في بداياته وبكل بساطةٍ عن علاقة:

( آدام وحواء)

منذ بدء الخليقة بكل حميميّةٍ وبساطة وهما ما زالا تحت سقف الله...ولم ينزلا أرض الأرباب بعد!


وبحجَّة هتك الحجاب والتشدُّد لا التيسير الذي هو( سِمة) ديننا الحنيف المعروف بالوسطية والاعتدال
يقف (الرقيب الأعمى)
ممتشقًا سيفه في وجه الكاتب الجريء ليدقَّ عنقه برصد هناته وانتقاده متواطئاً مع نفسه الواهمة وهو يبحث عن عبارات تخدش الحياء لإدانة كاتبها.
سواء كان مُصرِّحًا بها أو مواريًا عنها بخياله!
نهايةً ... أتساءل:

=ما مدى الحرية المتاحة للكاتب تحت ظلّ الرقابة التي تمنع أو تمنح؟!

=وهل من جدوى لوجود الرقابة أصلًا على الفكر او حجره؟!

=وهل إذا ما قرَّرنا الكتابة او بالأصح إذا قرّرتِ الكتابة أن تكتبنا
هل علينا أن ننضبط بالمعايير الأدبية والفكرية؟!

برأيي القاصر أرى
أنّ أي حجةٍ في سبيل الحجر على حرية التعبير تُعتَبر (واهيةً) وعلى الكاتب أن يذود عن حريته في الكتابة والتعبير بكل ما أوتيَ
من قوةٍ وأحقيّةٍ للتصدي لأيِّ موانعَ فكريةٍ أو دينيةٍ أو سياسية!
لسبب بسيط جدًا وهو:
أنَّ الكتابة لا تخضع للتقييم والنقد إلا من الناحية الفنية والأدبية/ فقط/ دون أن يكون لها أيُّ صلةٍ ولا أحقيِّة التسلُّط وفق معايير دينيّة أو أخلاقيٍّة أو سياسية ضمن المجتمع العرفيّ المحكوم بها
ومن هذا المنطلق
لا أجد أيَّ أهميةٍ أخلاقية لتقييم الإبداع إلا إذا أرادوا....
تقيده
أو الحجر على فكره
أو وأده
فهذا شأنٌ آخر!

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى