محمود سلطان - عبد الناصر.. من يفسر لنا هذا "اللغز"؟!

يعتبر جمال عبد الناصر شخصية شديدة الغرابة، ومع ذلك لم يوضع (ناصر / الشخص / الإنسان) موضع دراسة جادة بقدر ما خضعت "ناصر التجربة".. حتى الأخيرة من الصعب أن تخرج منها بنتيجة مرضية، أو بمقاربة تقدم لنا تفاصيل ما خفي منها.. فوثائق تلك الفترة، استولى عليها الأستاذ "هيكل" بل وهربها إلى الخارج.. وذلك بحسب حوار له متلفز مع لميس الحديدي.
ولكن من المؤكد أن عبد الناصر "الإنسان"، يبقى شخصية محيرة وتشجع أي مراقب على ألا يفتر حماسه في سبر أغوارها.. المسألة لا تتعلق بالدهشة من قدرة تحول ضابط مجهول بالجيش، إلى زعيم شعبي حقيقي لفت انتباه العالم كله إليه، وإنما تتعلق بالموقف من عبد الناصر: قد تختلف معه، وقد تعتبره ديكتاتورًا.. ولكن لا تستطيع أن تكرهه!
هذه هي صلب وقوام "عبقرية" ناصر الحقيقية.. ليس بوسع أحد أن يكرهه، حتى من اختلفوا معه!
صحيح أن ناصر، أحال الإعلام إلى إدارة ملحقة بالتوجيه التعبوي بالرئاسة.. والكل غنى لـ"جمال" حبًا أو خوفًا أو نفاقًا.. والصحف حقنت "إنجازاته" بهرمونات التسمين والتضخيم.. وأنزلوه منزلة "الأنبياء" حتى كتب نزار قباني بعد وفاة ناصر: "قتلناك يا آخر الأنبياء"!
هذا كله ربما يكون حضانات داخلية، ولكن تبقى قدراتها لا تتجاوز معامل بدائية لصناعة زعيم محلي، يقنع القرويين والأميين وأنصاف المتعلمين بزعامته وقدراته "الخارقة" كزعيم "سوبر" و"خاتم" الزعماء الهوليوديين.. غير أن جمال عبد الناصر، تجاوز المحلية "صناعة الإعلام التعبوي".. ليمسي واحدًا من أكثر الزعماء احترامًا وتوقيرًا وحبًا في العالم كله!.. من يستطيع أن يفسر لنا هذه المفارقة؟!.
المدهش أن عبد الناصر، تعرض بعد وفاته رحمه الله لحملة تشويه وتشهير غير مسبوقة، جاءت ممن تقاسموا معه كعكة أسرة محمد على: الحاضنة الإعلامية والفنية لزميله أنور السادات.. ومن الإخوان المسلمين الذي شاركوه في انقلابه على الملك فاروق والإطاحة به وفي تصفية الأحزاب السياسية وإنهاء التعددية الحزبية في مصر وقمع الحركات العمالية وتعليق قياداتها الشابة على أعواد المشانق.. ومع ذلك ظل عبد الناصر "آخر الأنبياء" عند الناصريين.. والحب الأول الذي لا ينسى بين مخالفيه ومعارضيه وبين القوى الوطنية المدنية على تنوعها واتساعها!!.
قد تتحدث طويلا عن ناصر الديكتاتور.. وقد تتحدث قليلا أو كثيرًا عن إنجازاته وعن مشروعه الوطني.. ولكن تظل عاجزًا أمام ناصر "الزعيم".. الظاهرة التي يعجز الجميع عن تفسيرها..
رحمه الله.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى